تابعنا على

جور نار

مولاي، ألا يجب أن تعترف … أنك اضفت خرابا على الخراب ؟

نشرت

في

مولاي أمير المؤمنين،

تعال نعرف حقيقة ما نحن عليه ومن أوصلنا إلى ما نحن فيه…ألست أنت من أعلن الحرب على الجميع منذ جلوسك على العرش؟ ألست انت من لم يكتب خطابا واحدا يوحّد الأمة حوله، وحول مصير واحد يجمعها…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

فمن غيرك اوصلنا إلى ما نحن فيه؟ الست ساكن القصر الأكبر من قصور الحكم؟ الست انت كما يقال ويقول ويزعم أتباعك وكل من يفقهون معنى الدولة، الست أنت رمز الدولة؟ اي نعم رمزها وقائدها… ألا يجب ان يكون رمز الدولة قائدا… موحّدا… جامعا… محتضنا للجميع تحت خيمته، فلماذا نبحث عن خيمة أخرى نجتمع تحتها لتحمينا من التشتّت والانقسام والفتنة وأنت خيمتنا التي نستظلّ بظلها من شمس أزمة حارقة؟ الست انت خيمتنا التي كنّا نظنّ أنها ستجعلنا جسدا واحدا نحارب الأزمة ونصلح حال البلاد ونسعد العباد؟

مولاي،

 لنعترف أولا أنك أخطأت في كل ما أتيت وفي كل حساباتك، قد يكون من هم حولك سببا في هذه البليّة، وقد يكون جهلك بحقيقة وضع البلاد وواقع الحكم هما أيضا سبب سلوكك العدائي المجانب للصواب، وقد يكون حلمك غير المنطقي لدولة على مقاس احلامك وأحلام أفلاطون، سبب استعدائك لجميع من شاركوك الحكم ومن حكموا الدولة قبلك، ولا غرابة أن تكون غيرتك من تاريخ بورقيبة وسجله، ونجاح بن علي ومسيرته رغم أخطائهما في الجانب السياسي سببا في ما أخطأت فيه، قد يكون… وقد يكون، لكن في الأخير أنت من سيتحمّل لوحده تبعات أخطائه وما سيكون، ووحدك من سيكتب التاريخ انه فشل في قيادة الامة إلى شاطئ الأمان…ووحدك من سيكتب التاريخ أنه لم ينجح في أي أمر أتاه من أجل بلاده وشعبه…

مولاي،

 لنعترف ثانيا أنك كنت تبحث عن الاستحواذ على كل مفاصل الحكم منذ جلوسك على العرش…ولنعترف أيضا أنك فعلت كل ما يجب لتصل إلى ما نحن فيه اليوم…الست أنت من أتى بالفخفاخ فخسرنا قرابة السنة نحاول الإفلات من الفِخاخ، وعشنا في خصام وعراك وتخبّط بلا موجب…ألست أنت من أتى بالمشيشي بعده ثم زرعت في طريقه كل الألغام فلم يتقدّم خطوة واحدة إلى مرفأ النجاة والسلام…ألست انت من رفض له تعيين بعض كفاءات دولة بن علي خوفا من أن ينجح في ما أخفق فيه الفخفاخ قبله ويقطع الطريق أمام تفعيلك للفصل الذي يسمح لك بالحكم منفردا مستبدا بالرأي والقرار، ألم نكن جميعنا نبحث عن الخروج من الأزمة فكيف نقطع امام من يعمل من اجل ذلك الهدف الطريق ولأية غاية نفعل ذلك؟؟ ألست انت من رفض للمشيشي كل تحوير وزاري فتركته يعمل بحكومة عرجاء مبتورة الذيل وبعض الأرجل…قد يقول بعض رجالك واتباعك وزبانيتك “أأصبحت اليوم يا هذا تدافع عن حكومة المشيشي؟” وسأجيب وبكل غرور أنا أكثر من عارض حكومة المشيشي ورفاقه الأغبياء…بشهادة المشيشي والبعض من رفاقه الحمقى…

مولاي،

تعال نحاسب بعضنا البعض عمّا اتيناه وفعلناه من أجل هذه البلاد وهذا الشعب وأنت أولى بالحساب والعتاب من الشعب…ألم تبحث عن ذرائع لتفعيل الفصل 80 من الدستور؟ ألم تترك المشيشي وحكومته يحاربون وباء “الكوفيد” مجردين من كل اسلحتهم، ثم وبعد أن استحوذت على الحكم منفردا جاء كل الدعم من الاشقاء والاحباب…وتحركت “ماكينة” الدعم الخارجي من الأصدقاء والاصحاب، ألم يكن من الأجدر أن تتحرك “ماكينة” الدعم الخارجية منذ يوم غزو الوباء، وانت الذي يشرف عليها وعلى من فيها؟

مولاي،

تعال لنعترف ثالثا أنك اصطنعت حروبا واهية لا موجب لها فحاربت الاحتكار ولم نر شيئا مما أوهموك كما كنّا نظنّ…حاربت مجلس النواب بمن فيه وعرفنا غايتك يوم الخامس والعشرين من شهر جويلية الحزين…أعلنت الحرب على الفساد ولم تجد فاسدا واحدا تدخله السجن…أعلنت الحرب على خصومك فملأت الإقامات الجبرية بهم فخرجوا وكأن شيئا لم يكن، أبرياء من كل ما كنت وكنّا نظنّ…خسرت كل حروبك ولم تنجح في إصلاح حالنا وحال البلاد…ألم يحن الوقت لنقول “أين نحن سائرون؟”…ألم يحن الوقت لنقول لك نحن الشعب ” إلى اين تأخذنا مولانا؟؟”

مولاي،

تعال نتحدث عن مشروعك السياسي الذي تريد فرضه على البلاد والعباد…ألم تفشل استشارتك؟ ألم يقاطع شعب الأحزاب استشارتك؟ ألم تعارض الأحزاب استشارتك؟ فعن أي شعب تتحدث حين تصرخ في كل خطبك “الشعب يريد” ألا يجب أن نعترف اليوم أن الشعب لا يريد ما تريد ولن يقبل ابدا بما تريد حتى وإن حكمته غدا بيد من حديد…

مولاي،

ألم تعلن الحرب على الأحزاب فكيف ستضمن مبايعة شعب الأحزاب وأنت تهددهم كل لحظة بالخراب…فمن أوصلك اين انت ومن اجلسك على عرش البلاد أليس شعب الأحزاب الذي أعلنت الحرب عليها ورفعت في وجوهها معاول ومراسيم الهدم والخراب؟ مولاي هل حقّا قادر أنت على إلغاء الأحزاب…وهي التي فتحت أمامك كل الأبواب…؟ لنعترف مولاي أنك خسرت كل معاركك وتسببت في جزء من كل هذا الخراب…كما وجب أن نعترف أنت أنك لم تجد جنّة موصدة الأبواب… ولنعترف نحن وأنت مولاي أنك أضفت خرابا على الخراب…

مولاي،

ألست أنت من اختار طالبتك ودللتها وبجّلتها وأكرمتها، وأغلقت في وجه غيرها من كفاءات البلاد كل الأبواب؟ فلِمَ تشتكي اليوم من غدرها وغدر جميع الأصدقاء والأحباب؟ مولاي ألم تتخلّص من كل من أوصلوك وفتحوا لك الأبواب؟ ألم تتنكر لجميل الحركات والمنظمات والأحزاب؟ فكيف اليوم تستغرب كل هذا الخراب وغدر الاحباب؟

مولاي،

يحاول اليوم اتباعك ايهامك بأن خصومك سيحرقون البلاد…ويجوّعون العباد…وأنت تعلم مولاي من يفعل كل ذلك ومن يصنع ويضمر للغد الأسباب…ألم يفعلوها يوم الخامس والعشرين من جويلية الحزين وفتحوا لك كل الأبواب…بما أحدثوه من خراب…ألم يصنعوا لك الأسباب…والذرائع وموجبات ما نحن فيه اليوم من خراب…؟ فلا تتبع أهواءهم مولاي…فهم زبانية الخراب…وافتح خيمتك لكل المنظمات والحركات والأحزاب…فدون ذلك لن يجني هذا الشعب غير الخراب…ولن ترث أجيالنا القادمة غير الأحقاد والخراب والعذاب…

مولاي،

اقرأ هذه القصّة وأعد قراءتها…مرّة وأخرى بعد الأخرى…فأنا أريد أن يحفظ أبناء فقراء هذا الوطن وجميعنا من الفقراء …أقول كم أتمنى أن يحفظ أبناء فقراء هذه الأرض ملامح وجهك ليشكروك يوم نلتقي جميعنا …يوم الحساب أمام صاحب الحساب…فاقرأ مولاي…اقرأ ولا تقل ما أنا بقارئ…

“سأل صحفي الملياردير النيجيري فيمي أوتيدولا في مقابلة هاتفية، “سيدي، ما الذي تتذكره والذي جعلك أسعد رجل في الحياة؟”

قال فيمي:

“مررت بأربع مراحل من السعادة في الحياة وفهمت أخيرًا معنى السعادة الحقيقية.”

كانت الخطوة الأولى هي تجميع الثروة والوسائل، لكن في تلك المرحلة، لم أحصل على السعادة التي أردتها وتمنيتها…ثم جاءت المرحلة الثانية من جمع الأشياء الثمينة، لكنني أدركت أن تأثير هذا الشيء مؤقت أيضًا، وأن وهج الأشياء الثمينة لا يدوم طويلاً…

ثم جاءت الخطوة الثالثة للحصول على خطط كبيرة، كان هذا عندما كنت أمتلك 95٪ من إمدادات “المازوت” في نيجيريا وإفريقيا، كنت أيضًا أكبر مالك سفن في إفريقيا وآسيا، لكن حتى هنا، لم أكن سعيدا كما كنت أعتقد وأتمنى…

كانت الخطوة الرابعة عندما طلب مني أحد أصدقائي شراء كرسي متحرك للأطفال المعوقين، وكان عددهم حوالي 200 طفلا…وبناءً على طلب الصديق، اشتريت الكراسي المتحركة على الفور…لكن الصديق أصرّ على أن أرافقه لأسلم الكراسي المتحركة للأطفال، فذهبت معه وهناك، سلّمت هذه الكراسي المتحركة لهؤلاء الأطفال بيدي، رأيت وهج السعادة الغريب على وجوه هؤلاء الأطفال، رأيتهم جميعًا جالسين على كراسي متحركة، يتجولون ويستمتعون…كانوا سعداء …كان الأمر كما لو أنهم وصلوا إلى مكان نزهة حيث تقاسموا الفوز بالجائزة الكبرى…حينها شعرت بفرح حقيقي بداخلي، شعرت بسعادة لم أعرفها من قبل ابدا… وعندما قررت المغادرة، أمسك أحد الأطفال بساقي…حاولت إفلات رجلي بلطف لكن الطفل نظر إلى وجهي وشد ساقي…انحنيت وسألت الطفل: هل تحتاج أي شيء آخر بُنيْ؟ الجواب الذي أعطاني إياه هذا الطفل لم يجعلني سعيدًا فحسب، بل غيّر أيضًا تمامًا موقفي تجاه الحياة، أتدري ما قاله لي هذا الطفل قال:”أريد أن أتذكر وجهك حتى أتعرف عليك عندما ألتقيك في الجنة وأشكرك مرة أخرى…أمام الله”

مولاي،

ألا تحفّزك هذه القصّة الواقعية لتكون مثل رجل الأعمال هذا؟ ألا يمكن أن تجعل أطفال فقراء هذا البلد يحفظون ملامحك ليشكروك يوم الحساب…؟ ألا يمكن أن تعيد كل حساباتك الخاطئة، وأنا أجزم أنها خاطئة، وتفتح خيمتك لكل أطياف هذا البلد؟ حفاظا على وحدة هذا البلد…درءا للفتنة بين أبناء هذا البلد؟ هل كان من الضروري ان تكون قاسيا مع شركائك مستعديا خصومك ومن أوصلوك إلى حيث أنت الى تلك الدرجة؟ هل كان يجب أن نضحي بتاريخ ومكتسبات البلاد لأنك لم تكن فيه ولم تكن من بُناته، لكي تبني تونس أخري موجودة في مخيلتك ومخيّلة زبانية تفسير مشروعك فقط؟ هل كان من الأسلم ان تبحث عن إقامة نظام على مقاسك، قاعدي الشكل، شمولي المحتوى، يعد على الناس أنفاسهم؟

مولاي،

الحكم الفردي التسلطي أو الدكتاتورية لا تبني وطنا ابدا… وإن كنت حقّا تريد ان تبني وطنا قويا عادلا ديمقراطيا فكيف تطالبنا في كل خطبك بالولاء الأعمى…كيف تطالبنا بأن نكون رهن استشارتك ورهن استفتائك ورهن انتخاباتك لنبايعك ملكا على البلاد والعباد…كيف تحارب خصومك وشعبك…كل شعبك، وتهدده بالويل والثبور إن فشلت استشارتك العرجاء وسقط استفتاؤك الغريب العجيب…المريب…؟؟

مولاي،

لا تفعل فغدا ينفضّون من حولك ويتركونك وحيدا… وقد نبكي، وتبكي غدا دماً على تونس التي أضعناها كما لم نُضِع وطنا…فتعال نحتفل غدا بوطن انقذناه معا…من أجل مستقبل احفادنا…غدا وبعد غد…معا…تعال نمسك يدك…وتمسك يدنا…من أجل أجمل غدنا…

أكمل القراءة
تعليق واحد

تعليق واحد

    اترك تعليقا

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    جور نار

    ورقات يتيم … الورقة 89

    نشرت

    في

    عبد الكريم قطاطة:

    فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

    عبد الكريم قطاطة

    وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

    وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

    قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

    لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

    وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

    سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

    عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

    وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

    ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

    ـ يتبع ـ

    أكمل القراءة

    جور نار

    ورقات يتيم ..الورقة 88

    نشرت

    في

    عبد الكريم قطاطة:

    المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

    عبد الكريم قطاطة

    وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

    في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

    اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

    اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

    لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

    في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

    عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

    اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

    ـ يتبع ـ

    أكمل القراءة

    جور نار

    التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

    نشرت

    في

    محمد الزمزاري:

    انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

    محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

    يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

    الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

    طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

    وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

    أكمل القراءة

    صن نار