مِنْظ ... نار
مولدي الهمامي: أساتذة الإعلام في تونس،الجيل الأوّل … مليون تحيّة
نشرت
قبل 4 سنواتفي
من قبل
مولدي الهمامي Hamammi Mouldiغادرنا منذ اسبوع تقريبا الأستاذ الجامعي المرموق د. منصف الشنّوفي أحد أعلام تونس، و أهمّ مدير لمعهد الصحافة و علوم الإخبار، و هو الذي جعل من مهنة الصحافة علما يدرّس ، متخصّص في مجال الإعلام ، اشتهر بمحاضراته حول تاريخ الصحافة في تونس، و برامجه الإذاعيّة حول ذات الموضوع ، صاحب وقار و شخصيّة قويّة، أدار المعهد باقتدار يشهد له به الجميع، و أحاط نفسه بمجموعة من خيرة أبناء هذا البلد في المجال، شباب تعمّقوا في هذا الاختصاص في كبريات معاهد و جامعات فرنسا و عادوا إلى أرض الوطن و كلّهم اندفاع لجعل الصحافة في مختلف اختصاصاتها سمعية بصرية و مكتوبة مسألة أكاديميّة بحتة.
إنّهم الجيل الأول من أساتذة الإعلام في تونس، نذكرهم فنسعد لذكراهم، و نتوق إلى عودة تلك الأيّام و لو لبرهة قصيرة في زنقة البشروش بمونفلوري . و من منّا من طلبة المعهد من جيلي، جيل فترة نهاية السبعينات لا يحنّ إلى تلك الأيّام في حديقة المعهد بين أشجار النخيل و في المشرب الصغير و العم علي، و في مختلف الفصول و المدارج و في المكتبة. هناك تلقيّنا المبادئ الأساسية للصحافة كمهنة و كعلم، و تدرّبنا على مجابهة متاعبها و صعابها على أيدي أكاديميين متمّرّسين كلّ في اختصاصه، لم يبخلوا بعلمهم و معارفهم على طلبتهم فكانوا عناوين في الصفحة الأولى و بالبنط العريض للسخاء و البذل. لم يكونوا أساتذة فقط علينا واجب احترامهم و تقديرهم بل كانوا إخوة و أصدقاء، رفعوا من أمامنا كلّ الحواجز فكوّنوا أسرة أفرادها بالمئات و بعثوا إلى الساحة فيالق من الإعلاميين متسلّحين بالقلم و العلم، شقّوا طريقهم بنجاح يذكر سواء في ميدان مهنة المتاعب أو في قطاع التعليم فكانوا دائما من بين الأبرز و الأنجح.
إذا ما سلكنا ثنايا التلفزيون بما فيه من خلق و إبداع و قدرة على الكتابة و تقنيات التركيب و الصوت و الصورة، فإنّنا نذكر الأستاذ رضا النجّار.. أمّا الإذاعة و تقنياتها و برامجها وإنتاجاتها وتغطياتها الميدانية فالفضل في كشف أسرارها يعود إلى الاستاذ محمّد حمدان ثم إلى الأستاذ المولدي بشير فكلاهما لم يبخل على طلبته بالنصح و التوجيه و التأطير. ومن بين الأساتذة الذين كان لهم حضور قوي نذكر الأستاذ عبد القادر بالشيخ و صرامة مناهج البحث، كما تعلّمنا مبادئ تحرير الأخبار على يدي الأستاذ محمد علي الكمبي، و عندما نذكر الترجمة فلا يسعنا إلاّ أن نستحضر اسمين تخصّصا في المجال و هما الأستاذ مصطفى حسن و الأستاذ محمّد بن حليمة …
و في الريبورتاج بجميع أنواعه و أصوله و تقنيات كتابته و كيفيّة إعداده يبرز اسم الأستاذ رشاد سكيك … أمّا قرينته السيّدة علياء سكيك فإنّها لم تبخل على أحد بعلمها في مجال الآنيّة l’actualité وكيفيّة إعداد الملفّات الصحفية في المجال … و عرفنا المقال الصحفي L’article de fond و كيفية إعداد الملفات الخاصّة به مع الأستاذ فتحي الهويدي الذي درّس أيضا مع الأستاذ محمد بن صالح أمانة التحرير. و لا ننسى المحاضرات القيّمة في علم الإجتماع بشتّى فروعة ومدارسه و أبرز أعلامه مع الأستاذ يوسف بن رمضان، و عندما نقول الدراسات القانونيّة فإنّنا نستحضر اسم الأستاذ عبد الوهاب عبد الله و لا يغيب عن الذاكرة الأستاذ فرج الشايب و قضايا التنمية في العالم الثالث .
و الذين تخصّصوا في المجال الثقافي و أنا واحد منهم تجوّلوا في ثنايا الفكر العربي المعاصر وأبرز الدراسات المؤثّرة في المجال مع الأستاذ عبد المجيد البدوي و فهمنا الفن السابع تاريخا و نقدا وأعلاما و مدارس و نظريات مع كل من المخرج فريد بوغدير ثم الناقدة صوفي القلي. أمّا تعليم اللغات فكان جزءا أساسيا من التكوين في المعهد من ذلك اللغة الأنكليزية مع الأستاذتين نفيسة بن رجب ودليلة عصمان و الأستاذ الهادي صيود، و كذلك اللغة الألمانية، و لغة الصحافة الفرنسية، و الرقن على الآلة الكاتبة وقتها.
و لا يجب أن أغفل عن واحد من أشهر أساتذة معهد الصحافة و علوم الأخبار “أندريه بواييه” و دروس صيد الأخبار ثم ورشة تقنيات الطباعة و معه عرفنا كيف نأتي بالأخبار من مسرح الأحداث أي الشارع و كيف نتحدّث إلى النّاس و طبيعة الأسئلة حتى يكون الخبر المتحصّل عليه متكاملا في محتواه. و في منهجية التعليم كان البرنامج الأكاديمي يتضمّن تكوينا شاملا فجلب المعهد خبرات من الجامعة التونسية و كفاءات في اختصاصات مختلفة دعما للزاد المعرفي لصحفي الغد مثل الأساتذة منجي بوسنينة (جغرافيا السكان) و محمد فنطر (تاريخ تونس القديم) و مصطفى الزغل (اقتصاد سياسي) و خليل الزميطي و عبد الله بن يحمد (تصوير فوتوغرافي) و الناصر بالشيخ (تاريخ الفنون) وعبد الجليل دمق…وغيرهم .
من خلال هذه الكلمات أقول لكل أساتذتنا الذين غادروا هذه الدنيا الله يرحمكم، و للذين هم على قيد الحياة و مازالوا إلى اليوم في حيويتهم يواصلون رسالة نشر المعرفة، أطال الله في عمركم. لقد أحببناكم بصدق و بادلتمونا ذات الشعور، إنّكم في أعماق القلب و أسماؤكم تجري في عروقنا، لقد غيّرتم مجرى حياتنا، و بفضل علمكم و تأطيركم، دخلنا معترك الحياة و معنا أدوات مجابهتها…كنّا من بين الأجيال الأولى التي اقتحمت ميدان الإعلام بمختلف فروعه، و رهانكم علينا كان صادقا فيه شهامة الأخ و عطف الأب، و غيرة الأستاذ و المربّي و صلابة الأكاديمي الخبير… لذلك نجحنا و تفوّقتم أنتم بامتياز، بكم نفخر، فأنتم التاج الذي علا على الرؤوس و أقول فيكم ما قاله الشاعر:
تحيا بـكُـم كـل أرض تـنـزلونَ بـهـا
كـــأنَّكـــُم في بـــقـــاع الأرض أمـــطـــار
و نــورُكُــم يـهـتـدي السـاري لرؤيـتـهِ
كــأنّــكُــم فــي ظـلام الليـل أقـمـارُ
لا أوحـشَ اللَه ربـعـا مـن زيـارتـكُم
يا من لهم في الحشا و القلب تذكارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة: الصور من أرشيف صفحة “ذاكرة معهد الصحافة” للأستاذ الدكتور محمد حمدان
تصفح أيضا
مِنْظ ... نار
عندما يعتذر مجرم سفّاح … من يصدّقه؟
نشرت
قبل 3 سنواتفي
1 يونيو 2021من قبل
مولدي الهمامي Hamammi Mouldiيعرف العالم الغربي عندنا بأنّه عالم متقدّم ينعم بالديمقراطيّة وبالرفاه ويحقق نسب نموّ عالية، ويعود الفضل إليه في الكثير من الاختراعات والإنجازات التي استفادت منها البشرية جمعاء،
وهو قبلة لكل الباحثين عن حياة أفضل، ولكلّ الهاربين من الفقر والظلم والقهر، ويجازف الآلاف بأرواحهم من أجل الوصول إليه، ويسافر إليه الآلاف من شباب العالم النامي لمواصلة دراساتهم العليا في جامعاته العريقة، وهو في الأغلب سفر بتذكرة ذهاب فقط ، إذ هم محط أنظار الشركات والمؤسّسات هناك للإستفادة من علمهم ونبوغهم… كما يسافر إلى الغرب الأثرياء والرؤساء والملوك للتداوي في مستشفياته ومصحّاته التي تتوفّر فيها أحدث تكنولوجيا الفحص والتشخيص والعلاج…
في الغرب، الشوارع نظيفة وواسعة ووسائل النقل بأنواعها توضع على ذمّة المواطنين، وتكثر المنتزهات والملاهي والمقاهي ودور السينما والمسارح، ويزدهر النشر وطباعة الكتب والمجلات والصحف، وفي الغرب القانون يسري على الجميع، والجميع يحترم القانون ، هذا هو الغرب الذي نعرف والذي نتخيّله وتلك هي الصورة التي نراها في التلفزات عن الغرب…لكن توجد صورة أخرى وراء الستار فيها من البشاعة ما لا يوصف إنّها صورة الغرب المتوحّش الذي مازال يرزح تحت ذلك الإرث الثقيل والثقيل جدّا إذ لا يستوعبه العقل البشري ولا يرى له سببا…
منذ أيام وفي حركة مفاجئة لأغلبنا تقدّمت ألمانيا الديمقراطية باعتذار رسمي إلى دولة ناميبيا عن الإبادة الجماعية التي نفّذها جنودها فيما بين سنوات 1904 و1908 والتي راح ضحيّتها قرابة 65 ألفا من قبيلة هيريرو وعشرة آلاف من قبيلة ناما وتسلّمت وبالمناسبة دولة ناميبيا جماجم لعدد من ضحايا تلك الإبادة كان الالمان يحتفظون بها في متاحف خاصّة.
وبعيدا عن التسوية التي جرت بين ألمانيا وناميبيا حول هذا الملف فإن الرئيس الفرنسي بدوره وفي حركة مفاجئة هو الآخر أقرّ بمسؤوليّة فرنسا عن الإبادة الجماعية، التي حدثت ضد قبيلة التوتسي سنة 1994.”.ليضيف خلال زيارته إلى رواندا إنّ فرنسا وإن لم يكن لها دور مباشر في عمليّة الإبادة إلاّ انّها وقفت إلى جانب نظام قاتل وإجرامي في رواندا.. نحن كلنا تخلينا عن مئات الآلاف من الضحايا وتركناهم فريسة لهذه الدائرة الجهنمية”.
ويبدو أن التطهير العرقي وعمليات الإبادة والقتل الجماعي هي ممارسات أوجدها الغرب لبسط سيطرته بصفة كلّية على بلدان دخلها بقوّة السلاح وقهر أهلها من منطلقات عنصرية واستعمارية بحتة…لقد فعلت فرنسا ما فعلت في الجزائر الشقيقة وفي تونس والمغرب، وفي كل البلدان التي استعمرتها إذ عاثت فيها قتلا وترهيبا وجنّدت شبابها عنوة للقتال ضد أعدائها في حروب لم يختاروها وليس لهم بها أي علاقة ، ونهبت خيراتها وبنت مجدها عل كاهل مستعمراتها.
وكذلك فعلت كل البلدان الإستعمارية دون استثناء مثل هولندا وبلجيكا وغيرها، فبريطانيا العظمى حتى وهي تغادر الهند في أواخر الأربعينات من القرن الماضي عمل رئيس وزرائها تشرشل من خلال عملية رسم الحدود على تمزيق وحدة السكان والأراضي وقد جسّد فيلم ” آخر نائب للملك في الهند “ للمخرجة الهندية غورندر شادها الذي أنجز سنة 2017 تلك الحقبة المأساويّة بحرفيّة عالية،
ثمّ لا ننسى إبادة الهنود الحمر أي السكان الأصليين لأمريكا على أيدي البيض الذين سكنوها غصبا، واختطاف الآلاف من الأفارقة وتسخيرهم كعبيد للعمل في حقول القطن بالجنوب الأمريكي، وكذلك ما جرى في دولة جنوب إفريقيا من ميز عنصري وتنكيل بالسكان الأصليين…
هذا الغرب الرسمي الذي بدأ يوزّع اعتذاراته هنا وهناك نجده في المقابل لم يشعر بأي حرج وهو يتحدّث عن أحقيّة الكيان الصهيوني في “الدفاع عن نفسه” ، ولم يجد أي حرج وهو الذي لعب دورا رئيسيا في أصل هذه المأساة من خلال إعطائه لمن لا يستحق ما لا يملك في الإصداع بقول الحق، وغابت عنه الكلمات لإدانة الإبادة الجماعية المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني انطلاقا من ذات الدواعي التوسّعيّة الإستعمارية…
ومازلت شعوب عديدة في العالم تنتظر اعتذارا رسميا من الدول المستعمرة قد يساهم في التخفيف من وطأة الماضي الثقيل.. وما الذي يمنع هذا الغرب الذي مازال يدّعي أنّه يعلّمنا أسس الديمقراطية ويدرّسنا مواد حقوق الإنسان من الإعتذار ويكتب صفحة جديدة في التاريخ البشري تعيد شيئا من التوازن إلى العلاقات بين الدول.
نظرت في كل الاتجاهات وسرت عبر دروب عديدة وامتطيت الهضاب وأسطح البنايات الشاهقة وأعالي الأشجار وتنقّلت بين سائر المدن والقرى والمساكن المتناثرة هنا وهناك، ومشيت في الحقول والوديان وركبت السيارات والحافلات ووسائل النقل بأنواعها وبحثت في كل الثنايا.
لم أعد أعرف أمكنة ألفتها حتى صارت هي أنا وأنا هي ولم أتبيّن الوجوه التي تملؤ ذاكرتي بحبّها للحياة وللعمل والبذل، فأين أنت يا وطني الذي أعرف..أين أنت يا وطني الذي ملأت كياني منذ زمن حليب أمي، أين أنت يا وطني الذي علّمتني كيف تعشق الأوطان بنسائمك وأمطارك وسحبك، بشواطئك وبحارك ووديانك، بأناسك الطيّبين هم الجود والكرم الذين حرثوا أرضك وزرعوها بعد أن نزعها الأجداد بالعزم والفداء من المستعمر الغاشم،
أين أنت يا وطني بأعراسك ومواسم أفراحك التي لا تنتهي، أين أنت يا وطنا الطبيعة فيه هبة من الله جعلت فصولنا أربعة، وفي كل فصل تجود الأرض بخيراتها فأين صيفك الذي هو الحياة وفرحتها والسماء وصفاؤها ، والشواطئ وزرقتها ، والسهرات وبهجتها ، أين صيفك يا وطني الذي تفوح منه رائحة السنابل وهي تحصد، والفاكهة وهي تطيب وتقطف، أين خريفك يا وطني خريف السواعد وهي تحرث وتزرع قوت أبنائك.
أين شتاؤك يا وطنا بسحبه وأمطاره والليالي البيض والليالي السود اللّي ينبت فيها كل عود وربيعك الذي كان يكسو أرضك يا وطني بالأقحوان والزهور وشقائق النعمان…
أين أنت يا وطني الذي لفّني في رايته الحمراء وجعل همّتي تسكن مع الأهلّة والنجوم…
أين مدرستي ومعهدي وجامعتي وأساتذتي وأقراني وزملائي … دماء الحياة في شرايينك يا وطني
أين طبرقة بمرجانها ، و نابل بأسواقها وفخارها ،والحمامات بمنتجعها ،وسوسة حيث البحر يعانق زرقة السماء، وصفاقس وزيتها وزيتونها، وقابس ورمّانها وبهاء حنائها، وجربة التي افتتن بها أوليس، وتطاوين وقصورها البربرية، أين واحات في الجريد وقفصة وقبلي معجزة الحياة في قلب الصحراء، أين القيروان وسجّادها، و تستور و مالوفها وجنانها، أين سهول جندوبة وسليانة ومرتفعات الكاف وبحيرتها، وسباسب القصرين وغلة سيدي بوزيد ، أين رائحة الفل والياسمين التي تفوح من مساكننا ومن قلوبنا، أين لياليك الزاهية، أين أعيادك التي ترفع فيها راياتك لتعانق أشعة الشمس وترفرف في الأفق على مدى البصر، أين أعيادك التي بها نفرح وأطفالنا …
لقد أصبحنا يا وطني قطّاع طرق، ومنافقين في حبّك، ونمعن في ذلك ، وبتنا جرادا يأتي على الأخضر واليابس، ونأكل بعضنا وننهش، لقد فصلناك عن أجسادنا فتحوّلت إلى صحراء تتسوّل الماء وأرضا لا تنتج ، ووجها حزينا حفرته التجاعيد هي أخاديد الفقر والأمراض، وجسدا أنهكته العلل والسنوات العجاف.. جعلناك يا وطني كما وصف أديبنا الكبير محمود المسعدي منحدرا لجبل أخشب غليظ حزيز نباته كالإبر، أرضه ظمأى و سماؤه صفراء و غباره كثيف.
فأين أجدك حتى أسألك كيف الاعتذار يا وطني …؟؟
مِنْظ ... نار
ومن المقامات ما لم يكتبه الهمذاني ولا الحريري!
نشرت
قبل 4 سنواتفي
21 أبريل 2021من قبل
مولدي الهمامي Hamammi Mouldiحدّثنا أحدهم قال…”كناّ مجموعة من التجّار على رأس قافلة بالسلع حافلة، أدركنا المساء ونحن في قلب الصحراء، فقرّرنا الإستراحة عند مشارف واحة وأنخنا الجمال ووضعنا عنها الأحمال ونصبنا الخيام وأعددنا من الطعام ما حضر وستر وبينما نحن نتسامر وندخّن بعض السجائر، سمعنا صوت خيول قادمة من بعيد وهي تقترب وصهيلها يزيد …
“فقمنا على عجل نستجلي الخبر، فإذا بكوكبة من الفرسان كأنّهم من نسل الشيطان، وقد استلّوا سيوفهم وهم يصيحون ويرعدون ويزبدون ، فانتابنا خوف شديد وسلّمنا الأمر للحميد المجيد ، فأحاطوا بنا من كل الزوايا وأغلقوا كل الثنايا، فتقدّم زعيمهم هو يفرك العنينين كأنّه لم ينم ملء الجفنين، وصاح ماذا تفعلون ومن أين أنتم آتون ؟؟ فقال أحدنا وأنتم من أنتم ؟؟ قال نحن المهرّبون، فقال صاحبنا وماذا تريدون بالله عليكم فالرفاق حائرون ونحن تجار صغار لا علاقة لنا بالتهريب لا من بعيد ولا من قريب،
“ثم ماذا تهرّبون نخشى أن تكون الممنوعات فيلحقنا الأذى ونحن أبرياء فقال لا تخافوا وضحك ضحكة صفراء وأمر أصحابه بالنزول وفكّ الأحمال عن البغال و الخيول ثم قال هل عندكم طعام قلنا نعم شيئا من الخبز والزيتون فقال يا لها من عيشة المغبون، وبعد زمن قصير انصرف الجمعان كلّ إلى مكانه لأخذ قسط من الراحة، وأفقنا فجرا فلم نر للجماعة أثرا…فاعددنا العدّة للرحيل، وانطلقنا نحثّ الخطى ونقصّر الطريق بالغناء والإبل تجيبنا بالرغاء، حتى بلغنا ظهرا المدينة، فاستوقفنا العسس عند القنطرة وطلبوا منّا جوازات المرور حتى نتمكّن من العبور، وفرضوا علينا تنبري بدينار وضرورة الإستظهار بالبي سي آر…
فأخرجنا الوثائق من بين الأحمال بصعوبة وكانت كلّها مضروبة…وبعد زمن قصير دخلنا سوق المدينة وبدت لنا كئيبة حزينة ، وفرشنا البضاعة وبقينا على تلك الحال ساعة أو بعض الساعة …وفجأة سمعنا جلبة ناحية السوق وعرك ومعروك ورأينا الناس في هيجان كأنّهم حجارة بركان يفرّون من المكان كأنّ بهم مسّ من الجان فسألنا أحدهم فقال لنا اهربوا إلى فجّ بعيد إنّه الكوفيد، وإذا برجل أحاط به رجال الحماية وأدخلوه أقرب بناية وبقينا نحن في أمكنتنا متسمّرين منتظرين تطوّر الأحداث ، ولبسنا الكمّامات، وتركنا بين بعضنا مسافات، ثم كثر الهرج والمرج وهاجت الخلايق وماجت وتحوّلت السوق إلى حلبة نزاع وصراع واختلط الحابل بالنابل وتناثرت الخضر والغلال والأقفاف والسلال، والفراخ تقاقي بين السواقي، والديكة تصيح في مهبّ الرّيح ،
كانت الخراف تهرول هنا وهناك كأنّها جزء من العراك ، وحمار ينهق ورجل يشهق ما يلحق، وآخر إذا ما طلّع ساق فالأخرى تغرق، والمشهد كلّه يمكن وصفه بالسريالي فكأنّه لوحة لسلفادور دالي، فقرّرنا الرحيل في الآن قبل فوات الأوان، لكن الفضول كان أكبر منّا، وأردنا معرفة ماذا يجري حتّى ندري ما لا ندري، وكلّما مرّ بجانبنا أحد بادرناه بالسؤال عن الحال لكن لا أحد يعرف السبب حتى يبطل العجب، وبينما نحن في حيرة وغصرة أقبل علينا أحد المهرّبين وقد ألفنا وألفناه ورمى علينا الصحبة وبها رميناه وألقى التحيّة في الحين وقال ألا تعلمون ماذا يحدث…
فقلت بالله عليك أسرع فأنا أعاني بسبب شدّة العطش من الشهّيقة، قال وما الشهيقة ، قلت هي تعرف عندكم بالفوّاقة، فقال لا تعجبوا إنّها الفوضى الخلاقة، ثم ضحك حتى بانت أسنانه وطلع لسانه، وانصرف وانصرفنا .
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
ورقات يتيم … الورقة 85
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
استطلاع
صن نار
- اجتماعياقبل 12 ساعة
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم … الورقة 85
- اقتصادياقبل يومين
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
- اجتماعياقبل يومين
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
- جور نارقبل يومين
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
- صن نارقبل يومين
انتخابات أمريكية: تزامنا مع فوز ترامب… الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس
- صن نارقبل يومين
الاحتلال يلقي أكثر من 85 ألف طن من القنابل على قطاع غزة
- صن نارقبل يومين
ترامب يعود