مِنْظ ... نار
مولدي الهمّامي: نورالدين صمّود … أو البرج الثاني لمدينة قليبية
نشرت
قبل 4 سنواتفي
من قبل
مولدي الهمامي Hamammi Mouldiعرضت القناة الوطنيّة منذ أيام حلقة من الحصة التي تعدّها تقدّمها الإعلامية المتألّقة إنصاف اليحياوي “قهوة عربي” وكان الضيف من المدعوين الاستثنائيين بالفعل لكثير من الأسباب ذات العلاقة بالشخص وخصاله وعلمه وثقافته الموسوعيّة وأعني الشاعر الدكتور نورالدّين صمّود.
كانت حصّة ممتعة رغم بعض الهنات خصوصا في التركيب، تابعنا فيها جوانب كثيرة من حياة الرجل الذي ساقه القدر وراء تحصيل العلم من جامع الزيتونة حيث تتلمذ على كبار الأساتذة إلى القاهرة ثم إلى بيروت. واشتمل الحديث على الكثير من الذكريات والمواقف الأدبيّة وعلاقة صمّود بالشعر والشعراء. كانت ساعة من الزمن لكن كسنوات وسنوات من العطاء وخدمة الإبداع والثقافة وتمثيل تونس في محافل الشعر والأدب في بقاع عديدة من العالم. وهذه الأسطر ليست سيرة ذاتيّة لنورالدّين صمّود بل هي ارتسامات وبعض الأفكار التي جمعتها من ذاكرتي وأردتها أن تكون تحيّة لهذا الرجل الذي لا يمكن إلا أن نقدّره ونجلّه بوصفه واحدا من صفوة النخبة الثقافيّة في بلادنا، ومن أولئك الذين يعملون في ما يشبه الصمت بعيدا عن جلبة الظهور المتكرّر في وسائل الإعلام إلى حدّ الملل.
لا يمكن بحال من الأحوال أن نحصر نورالدّين صمود في لون أو نشاط أدبي معيّن، لقد كان شاعرا وهذه بالفطرة إذ برزت موهبته في نظم الشعر وهو في مراحل الشباب المبكّر، لكن كان أيضا من أهم المتخصّصين على المستوى العربي في مجال العروض وأوزان الشعر العربي وبحوره ، وعلى هذا الأساس فإنّه لا يطلق الأحكام جزافا وبحكم العاطفة، ويظهر ذلك في ما قاله في الحصّة وهذا رأيه طبعا من إنّ الشعر التونسي الحديث رغم كثرة الشعراء في بدايات القرن العشرين لم يبدأ إلاّ مع أبي القاسم الشابّي الذي شهد له بالموهبة وإتقان النظم الشعري ونبوغه في ذلك، وتضمّ القائمة التي اختارها الضيف في هذا الباب من الشعراء في الفترة الحاليّة كلاّ من منصف الوهايبي وآدم فتحي.
تحدّث نور الدين صمّود عن طه حسين الذي تابع محاضراته في جامعة القاهرة وتحدّث عن الخصومات الأدبيّة الراقية بين عميد الأدب العربي و مصطفى صادق الرافعي، خصومات كانت ساحتها الصحف المصرية ولكليهما أنصار وأعداء إن شئنا. وفي بيروت نقلنا نورالدّين صمّود إلى ساحاتها الفنّيّة وأمسياتها الشعرية حيث المبارزة بالكلمة والصورة الشعرية وكانت لضيف قهوة عربي صولات وجولات.
وأثناء الحوار تحدّث نورالدّين صمّود عن الإذاعة وإسهاماته في الإنتاج البرامجي وهذا الجزء من الحصة كنت أفضّل أن يكون أطول وأثرى … فعلاقة نورالدّين صمّود بالإذاعة تعود إلى سنة 1953 مع أولى اسهاماته الشعرية ، وقدّم للإذاعة العشرات من الإنتاجات المختلفة وفي كلّ الشبكات الإذاعيّة على مدار السنة . و لم ينس نورالدّين صمّود بالمناسبة أن يتوجّة بتحيّة إلى الأستاذ محمّد رؤوف يعيش مدير الإذاعة الوطنية والذي تربطه بشاعرنا أواصر صداقة متينة.
وحول علاقة الضيف بالإذاعة سأحاول إضافة البعض من الذكريات مع الدكتور نورالدّين صمّود والذي نالني شرف التعرّف إليه عندما كان يتردّد على الإذاعة لإنتاج برنامجه الشهير معنى ومغنى مع رفيق دربه الراحل بوراوي بن عبد العزيز الذي كان يستضيفه بانتظام تقريبا في البرنامج الشّهير سمّار اللّيالي… لقد كان معنى ومغنى برنامجا من بين أحلى البرامج الإذاعيّة في محتواه وطريقة تقديمه، كان نغمة متواصلة لا نريدها أن تنتهي وسجالا شيّقا بين الرجلين اللذين يتمتّعان بدرجة عالية من الثقافة،
ففي الحصّة الواحدة تستمع إلى عرض لقيمة من القيم الإنسانية الخالدة وما قيل عنها في الشعر قديمه وحديثه وفي كتب التراث العربي والعالمي … تصاحبها مجموعة من الأغاني المنتقاة بعناية، وفي كلّ أسبوع يؤلّف الرجلان من خلال الحصّة كتابا جديدا يزخر بروائع الأدب العربي والعالمي نثرا وشعرا … وهذا البرنامج الذي انطلق سنة 2001 تقريبا استمرّ انتاجه وبانتظام إلى سنة 2010 .
ولا ننسى أنّ الدكتور نورالدين صمّود هو أيضا من طبقات شعراء الأغنية التونسيّة وله في هذا الباب الكثير من الأغاني التي كتب كلماتها وتغنّت بها أصوات من مختلف الأجيال، وإن اشتهرت اغنيته حبيبتي زنجيّة التي تغنّى بها مطرب الخضراء علي الرياحي فإن لنورالدّين صمّود أكثر من أغنية وابتهال وموشّح كذلك، هذا إلى جانب أنّه كان المقرّر الدائم للجنة انتقاء الأغاني بالإذاعة الوطنيّة.
لقد قضينا قرابة الساعة مع الشاعر الدكتور نورالدّين صمّود، كنت أتمنّى لو أنّها أكثر من ذلك، ساعة من الذكريات الشيّقة والطريفة والمعلومات، ومثل هذه البرامج التي تستضيف أعلام تونس ومثقّفيها هي حافز لشبابنا الذي يجب أن نضع أمامه دائما أبهى رموزنا وأفضلها في كلّ المجالات التي تصنع النّجاح في الحياة، حتى تكون له نبراسا بنورها يهتدي.
تصفح أيضا
مِنْظ ... نار
عندما يعتذر مجرم سفّاح … من يصدّقه؟
نشرت
قبل 3 سنواتفي
1 يونيو 2021من قبل
مولدي الهمامي Hamammi Mouldiيعرف العالم الغربي عندنا بأنّه عالم متقدّم ينعم بالديمقراطيّة وبالرفاه ويحقق نسب نموّ عالية، ويعود الفضل إليه في الكثير من الاختراعات والإنجازات التي استفادت منها البشرية جمعاء،
وهو قبلة لكل الباحثين عن حياة أفضل، ولكلّ الهاربين من الفقر والظلم والقهر، ويجازف الآلاف بأرواحهم من أجل الوصول إليه، ويسافر إليه الآلاف من شباب العالم النامي لمواصلة دراساتهم العليا في جامعاته العريقة، وهو في الأغلب سفر بتذكرة ذهاب فقط ، إذ هم محط أنظار الشركات والمؤسّسات هناك للإستفادة من علمهم ونبوغهم… كما يسافر إلى الغرب الأثرياء والرؤساء والملوك للتداوي في مستشفياته ومصحّاته التي تتوفّر فيها أحدث تكنولوجيا الفحص والتشخيص والعلاج…
في الغرب، الشوارع نظيفة وواسعة ووسائل النقل بأنواعها توضع على ذمّة المواطنين، وتكثر المنتزهات والملاهي والمقاهي ودور السينما والمسارح، ويزدهر النشر وطباعة الكتب والمجلات والصحف، وفي الغرب القانون يسري على الجميع، والجميع يحترم القانون ، هذا هو الغرب الذي نعرف والذي نتخيّله وتلك هي الصورة التي نراها في التلفزات عن الغرب…لكن توجد صورة أخرى وراء الستار فيها من البشاعة ما لا يوصف إنّها صورة الغرب المتوحّش الذي مازال يرزح تحت ذلك الإرث الثقيل والثقيل جدّا إذ لا يستوعبه العقل البشري ولا يرى له سببا…
منذ أيام وفي حركة مفاجئة لأغلبنا تقدّمت ألمانيا الديمقراطية باعتذار رسمي إلى دولة ناميبيا عن الإبادة الجماعية التي نفّذها جنودها فيما بين سنوات 1904 و1908 والتي راح ضحيّتها قرابة 65 ألفا من قبيلة هيريرو وعشرة آلاف من قبيلة ناما وتسلّمت وبالمناسبة دولة ناميبيا جماجم لعدد من ضحايا تلك الإبادة كان الالمان يحتفظون بها في متاحف خاصّة.
وبعيدا عن التسوية التي جرت بين ألمانيا وناميبيا حول هذا الملف فإن الرئيس الفرنسي بدوره وفي حركة مفاجئة هو الآخر أقرّ بمسؤوليّة فرنسا عن الإبادة الجماعية، التي حدثت ضد قبيلة التوتسي سنة 1994.”.ليضيف خلال زيارته إلى رواندا إنّ فرنسا وإن لم يكن لها دور مباشر في عمليّة الإبادة إلاّ انّها وقفت إلى جانب نظام قاتل وإجرامي في رواندا.. نحن كلنا تخلينا عن مئات الآلاف من الضحايا وتركناهم فريسة لهذه الدائرة الجهنمية”.
ويبدو أن التطهير العرقي وعمليات الإبادة والقتل الجماعي هي ممارسات أوجدها الغرب لبسط سيطرته بصفة كلّية على بلدان دخلها بقوّة السلاح وقهر أهلها من منطلقات عنصرية واستعمارية بحتة…لقد فعلت فرنسا ما فعلت في الجزائر الشقيقة وفي تونس والمغرب، وفي كل البلدان التي استعمرتها إذ عاثت فيها قتلا وترهيبا وجنّدت شبابها عنوة للقتال ضد أعدائها في حروب لم يختاروها وليس لهم بها أي علاقة ، ونهبت خيراتها وبنت مجدها عل كاهل مستعمراتها.
وكذلك فعلت كل البلدان الإستعمارية دون استثناء مثل هولندا وبلجيكا وغيرها، فبريطانيا العظمى حتى وهي تغادر الهند في أواخر الأربعينات من القرن الماضي عمل رئيس وزرائها تشرشل من خلال عملية رسم الحدود على تمزيق وحدة السكان والأراضي وقد جسّد فيلم ” آخر نائب للملك في الهند “ للمخرجة الهندية غورندر شادها الذي أنجز سنة 2017 تلك الحقبة المأساويّة بحرفيّة عالية،
ثمّ لا ننسى إبادة الهنود الحمر أي السكان الأصليين لأمريكا على أيدي البيض الذين سكنوها غصبا، واختطاف الآلاف من الأفارقة وتسخيرهم كعبيد للعمل في حقول القطن بالجنوب الأمريكي، وكذلك ما جرى في دولة جنوب إفريقيا من ميز عنصري وتنكيل بالسكان الأصليين…
هذا الغرب الرسمي الذي بدأ يوزّع اعتذاراته هنا وهناك نجده في المقابل لم يشعر بأي حرج وهو يتحدّث عن أحقيّة الكيان الصهيوني في “الدفاع عن نفسه” ، ولم يجد أي حرج وهو الذي لعب دورا رئيسيا في أصل هذه المأساة من خلال إعطائه لمن لا يستحق ما لا يملك في الإصداع بقول الحق، وغابت عنه الكلمات لإدانة الإبادة الجماعية المتواصلة في حق الشعب الفلسطيني انطلاقا من ذات الدواعي التوسّعيّة الإستعمارية…
ومازلت شعوب عديدة في العالم تنتظر اعتذارا رسميا من الدول المستعمرة قد يساهم في التخفيف من وطأة الماضي الثقيل.. وما الذي يمنع هذا الغرب الذي مازال يدّعي أنّه يعلّمنا أسس الديمقراطية ويدرّسنا مواد حقوق الإنسان من الإعتذار ويكتب صفحة جديدة في التاريخ البشري تعيد شيئا من التوازن إلى العلاقات بين الدول.
نظرت في كل الاتجاهات وسرت عبر دروب عديدة وامتطيت الهضاب وأسطح البنايات الشاهقة وأعالي الأشجار وتنقّلت بين سائر المدن والقرى والمساكن المتناثرة هنا وهناك، ومشيت في الحقول والوديان وركبت السيارات والحافلات ووسائل النقل بأنواعها وبحثت في كل الثنايا.
لم أعد أعرف أمكنة ألفتها حتى صارت هي أنا وأنا هي ولم أتبيّن الوجوه التي تملؤ ذاكرتي بحبّها للحياة وللعمل والبذل، فأين أنت يا وطني الذي أعرف..أين أنت يا وطني الذي ملأت كياني منذ زمن حليب أمي، أين أنت يا وطني الذي علّمتني كيف تعشق الأوطان بنسائمك وأمطارك وسحبك، بشواطئك وبحارك ووديانك، بأناسك الطيّبين هم الجود والكرم الذين حرثوا أرضك وزرعوها بعد أن نزعها الأجداد بالعزم والفداء من المستعمر الغاشم،
أين أنت يا وطني بأعراسك ومواسم أفراحك التي لا تنتهي، أين أنت يا وطنا الطبيعة فيه هبة من الله جعلت فصولنا أربعة، وفي كل فصل تجود الأرض بخيراتها فأين صيفك الذي هو الحياة وفرحتها والسماء وصفاؤها ، والشواطئ وزرقتها ، والسهرات وبهجتها ، أين صيفك يا وطني الذي تفوح منه رائحة السنابل وهي تحصد، والفاكهة وهي تطيب وتقطف، أين خريفك يا وطني خريف السواعد وهي تحرث وتزرع قوت أبنائك.
أين شتاؤك يا وطنا بسحبه وأمطاره والليالي البيض والليالي السود اللّي ينبت فيها كل عود وربيعك الذي كان يكسو أرضك يا وطني بالأقحوان والزهور وشقائق النعمان…
أين أنت يا وطني الذي لفّني في رايته الحمراء وجعل همّتي تسكن مع الأهلّة والنجوم…
أين مدرستي ومعهدي وجامعتي وأساتذتي وأقراني وزملائي … دماء الحياة في شرايينك يا وطني
أين طبرقة بمرجانها ، و نابل بأسواقها وفخارها ،والحمامات بمنتجعها ،وسوسة حيث البحر يعانق زرقة السماء، وصفاقس وزيتها وزيتونها، وقابس ورمّانها وبهاء حنائها، وجربة التي افتتن بها أوليس، وتطاوين وقصورها البربرية، أين واحات في الجريد وقفصة وقبلي معجزة الحياة في قلب الصحراء، أين القيروان وسجّادها، و تستور و مالوفها وجنانها، أين سهول جندوبة وسليانة ومرتفعات الكاف وبحيرتها، وسباسب القصرين وغلة سيدي بوزيد ، أين رائحة الفل والياسمين التي تفوح من مساكننا ومن قلوبنا، أين لياليك الزاهية، أين أعيادك التي ترفع فيها راياتك لتعانق أشعة الشمس وترفرف في الأفق على مدى البصر، أين أعيادك التي بها نفرح وأطفالنا …
لقد أصبحنا يا وطني قطّاع طرق، ومنافقين في حبّك، ونمعن في ذلك ، وبتنا جرادا يأتي على الأخضر واليابس، ونأكل بعضنا وننهش، لقد فصلناك عن أجسادنا فتحوّلت إلى صحراء تتسوّل الماء وأرضا لا تنتج ، ووجها حزينا حفرته التجاعيد هي أخاديد الفقر والأمراض، وجسدا أنهكته العلل والسنوات العجاف.. جعلناك يا وطني كما وصف أديبنا الكبير محمود المسعدي منحدرا لجبل أخشب غليظ حزيز نباته كالإبر، أرضه ظمأى و سماؤه صفراء و غباره كثيف.
فأين أجدك حتى أسألك كيف الاعتذار يا وطني …؟؟
مِنْظ ... نار
ومن المقامات ما لم يكتبه الهمذاني ولا الحريري!
نشرت
قبل 4 سنواتفي
21 أبريل 2021من قبل
مولدي الهمامي Hamammi Mouldiحدّثنا أحدهم قال…”كناّ مجموعة من التجّار على رأس قافلة بالسلع حافلة، أدركنا المساء ونحن في قلب الصحراء، فقرّرنا الإستراحة عند مشارف واحة وأنخنا الجمال ووضعنا عنها الأحمال ونصبنا الخيام وأعددنا من الطعام ما حضر وستر وبينما نحن نتسامر وندخّن بعض السجائر، سمعنا صوت خيول قادمة من بعيد وهي تقترب وصهيلها يزيد …
“فقمنا على عجل نستجلي الخبر، فإذا بكوكبة من الفرسان كأنّهم من نسل الشيطان، وقد استلّوا سيوفهم وهم يصيحون ويرعدون ويزبدون ، فانتابنا خوف شديد وسلّمنا الأمر للحميد المجيد ، فأحاطوا بنا من كل الزوايا وأغلقوا كل الثنايا، فتقدّم زعيمهم هو يفرك العنينين كأنّه لم ينم ملء الجفنين، وصاح ماذا تفعلون ومن أين أنتم آتون ؟؟ فقال أحدنا وأنتم من أنتم ؟؟ قال نحن المهرّبون، فقال صاحبنا وماذا تريدون بالله عليكم فالرفاق حائرون ونحن تجار صغار لا علاقة لنا بالتهريب لا من بعيد ولا من قريب،
“ثم ماذا تهرّبون نخشى أن تكون الممنوعات فيلحقنا الأذى ونحن أبرياء فقال لا تخافوا وضحك ضحكة صفراء وأمر أصحابه بالنزول وفكّ الأحمال عن البغال و الخيول ثم قال هل عندكم طعام قلنا نعم شيئا من الخبز والزيتون فقال يا لها من عيشة المغبون، وبعد زمن قصير انصرف الجمعان كلّ إلى مكانه لأخذ قسط من الراحة، وأفقنا فجرا فلم نر للجماعة أثرا…فاعددنا العدّة للرحيل، وانطلقنا نحثّ الخطى ونقصّر الطريق بالغناء والإبل تجيبنا بالرغاء، حتى بلغنا ظهرا المدينة، فاستوقفنا العسس عند القنطرة وطلبوا منّا جوازات المرور حتى نتمكّن من العبور، وفرضوا علينا تنبري بدينار وضرورة الإستظهار بالبي سي آر…
فأخرجنا الوثائق من بين الأحمال بصعوبة وكانت كلّها مضروبة…وبعد زمن قصير دخلنا سوق المدينة وبدت لنا كئيبة حزينة ، وفرشنا البضاعة وبقينا على تلك الحال ساعة أو بعض الساعة …وفجأة سمعنا جلبة ناحية السوق وعرك ومعروك ورأينا الناس في هيجان كأنّهم حجارة بركان يفرّون من المكان كأنّ بهم مسّ من الجان فسألنا أحدهم فقال لنا اهربوا إلى فجّ بعيد إنّه الكوفيد، وإذا برجل أحاط به رجال الحماية وأدخلوه أقرب بناية وبقينا نحن في أمكنتنا متسمّرين منتظرين تطوّر الأحداث ، ولبسنا الكمّامات، وتركنا بين بعضنا مسافات، ثم كثر الهرج والمرج وهاجت الخلايق وماجت وتحوّلت السوق إلى حلبة نزاع وصراع واختلط الحابل بالنابل وتناثرت الخضر والغلال والأقفاف والسلال، والفراخ تقاقي بين السواقي، والديكة تصيح في مهبّ الرّيح ،
كانت الخراف تهرول هنا وهناك كأنّها جزء من العراك ، وحمار ينهق ورجل يشهق ما يلحق، وآخر إذا ما طلّع ساق فالأخرى تغرق، والمشهد كلّه يمكن وصفه بالسريالي فكأنّه لوحة لسلفادور دالي، فقرّرنا الرحيل في الآن قبل فوات الأوان، لكن الفضول كان أكبر منّا، وأردنا معرفة ماذا يجري حتّى ندري ما لا ندري، وكلّما مرّ بجانبنا أحد بادرناه بالسؤال عن الحال لكن لا أحد يعرف السبب حتى يبطل العجب، وبينما نحن في حيرة وغصرة أقبل علينا أحد المهرّبين وقد ألفنا وألفناه ورمى علينا الصحبة وبها رميناه وألقى التحيّة في الحين وقال ألا تعلمون ماذا يحدث…
فقلت بالله عليك أسرع فأنا أعاني بسبب شدّة العطش من الشهّيقة، قال وما الشهيقة ، قلت هي تعرف عندكم بالفوّاقة، فقال لا تعجبوا إنّها الفوضى الخلاقة، ثم ضحك حتى بانت أسنانه وطلع لسانه، وانصرف وانصرفنا .
صن نار
- ثقافياقبل 4 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 4 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 15 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟