_ ” القوة تفتح أجنحتها لمن يستحقها و الموت يفرد جناحيه لكل جبان” هذا الشعار المحفور على قناع الملك الفرعوني توت عنخ آمون ، هو الشعار الذي اعتنقته مصر في السنوات الأخيرة و قد اختارت القوة و السير إلى الأمام و عملت جاهدة على تطوير البنية التحتية و بناء الجسور و الطرقات و المدن و المصانع و المتاحف و تمكنت بهذا الشعار من أن تشد انتباه العالم،
فقد توقفت أنفاس الكثيرين يوم السبت الماضي و هم يشاهدون الاحتفال الضخم بنقل المومياءات المصرية إلى المتحف الجديد.. المتحف القومي للحضارة بالفسطاط. احتفال ملكي أسطوري وُضِعت له إمكانيات ضخمة و تجنّد الآلاف من أجل إنجاحه و عملوا لأشهر طوال من أجل إخراجه بصورة رائعة اعتنوا فيها بأدق التفاصيل. كان العرض غاية في الجمال و الإبهار جعل الجميع يتحدثون عن مصر و تاريخها و عراقتها و حضارتها و دفعت البعض إلى البحث في مميزاتها عبر العصور و التعرف على خصائص الدول التي تعاقبت عليها و سر التحنيط و فكرة البعث التي جعلت الفراعنة يُشيِّدون للحياة و للفناء.
و في الوقت الذي غزت فيه تدوينات المصريين الفخورين ببلادهم وسائل التواصل الاجتماعي، طالعتنا أصوات تونسية ” تُغرِّد” متحدثة عن انقلاب عسكري و عن استيلاء السيسي على السلطة و عن الدكتاتورية و إهدار المال العام في الزينة و البهرج و إنفاقه على مشاريع كهذه بدل إنفاقه على أبناء الشعب الذين يعانون من الفقر و الإملاق و نسوا ان ما قامت به مصر هو من صميم الاستثمار المادي و المعنوي و يدخل في سياق التسويق لصورتها بطريقة مغايرة في حين مازلنا في تونس نقوم بالتسويق للسياحة التونسية بطريقة بائسة تخلو من الإبداع و الابتكار .
ففي عهد التطور التكنولوجي و الثورة المعلوماتية و عالم الفيديو و الصور الثلاثية الأبعاد ما زلنا نعتمد على صور البطاقات البريدية القديمة و مجسمات الآثار و بريق الشمس و البحر و واحات النخيل للترويج لسياحتنا … إن ما قامت به مصر هو خطة تسويقية متكاملة ستجعل منها الوجهة السياحية الأولى في جنوب المتوسط على امتداد سنوات قادمة… فكرة تسويقية عبقرية بها صار اسم مصر علامة تجارية مثلما هو اسم باريس او لندن او تايلاندا.. فلم تعد مجرد رقعة ترابية تنغلق حدودها على أهلها بل صارت علامة تجارية او ماركة تسويقية مربحة تستقطب الناس للسياحة _ و لكم ان تبحثوا في كم الحجوزات التي تلت الحفل _ و تستقطبهم كذلك للاستثمار و الصناعة و التجارة..
ما أنفقته الحكومة المصرية اليوم على الاحتفالات سيعود أضعافا مضاعفة و ستظهر ثماره بعد حين و سيستفيد منه كل المصريين لكننا شعب يعشق النكد و يكره الفرحة و يستشعر لذة قصوى و هو ينغص فرحة غيره هم في مصر يحتفلون و يتقدّمون و ينجزون و نحن نتحسر على ثورتهم و ديموقراطيتهم المهدورة فماذا كسبنا من ديموقراطيتنا غير التخلف و التقهقر و التسول و ماذا أنجزنا منذ سنوات و ماذا سنترك لأبنائنا غير الفقر و المديونية و الخجل من الانتماء إلى هذه الرقعة الترابية و هم يرون الإهانات تتدفق علينا في شكل إعانات فهذه دواجن توزعها تركيا على بعض الأسر الريفية و هذه كراذين مساعدات غذائية قطرية توزع في الجنوب التونسي و هذه هبات من التلاقيح ترسلها الإمارات فلا تصل إلى الشعب أبدا…
نعم إن الديموقراطية _ التي تتشدقون بها _ هامة و جميلة و مثمرة في أصلها و حقيقتها لكنها في بلادنا صارت ديمقراطية التسيُّب و” التّبوريب “والسّب والقذف و التّشهير و التسريب… الديمقراطية أساسها العلم و العمل والإنتاج من أجل البناء لتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي ، و نحن لم نفلح إلا في التشويه و الهدم و التدمير فمتى سنستفيق من هذا الوهم الذي أسكرنا لسنوات؟؟ هم أعادوا الحياة لمومياءاتهم المحنّطة و أبهروا العالم و زادوها خلودا على خلود، فيما تواصلون تكاسلكم و تحنّطكم و جمودكم.. فاتركوا الناس تفرح بما أنجزته و ابحثوا عن إنجاز وحيد تفرحون به و لتتساءلوا من تُراها تكون المومياء الحقيقية ؟؟