غادرنا اليوم على غير عادته…لم نكن نعلم أنه سيغادرنا بهذه السرعة …باكرا على غير عادته…غادرنا باكيا متحسرا على زمن كان يسعد بالبقاء بيننا…بين أحضاننا…لا يغادرنا إلا ليعود علينا بالنفع والفائدة…غادرنا ولم يكن يريد تركنا…غادرنا ولم يكن يبحث عن غيرنا… غادرنا ولم يكن يرى غيرنا…
كان يلازم صباحاتنا…وكان يعشق مساءاتنا…ولا يخرج دون أن يتركنا في أحسن حال وأحوال… كان يتفقّد أحوالنا كل صباح قبل أن يذهب لقضاء شؤونه وشؤوننا…لم يخرج دون أن نغنم من خروجه يوما…ولم يخرج دون أن نبكي خروجه ونشتاق إلى وجوده…كان أليفنا… كان منقذنا… كان عنوان وجودنا…كان حين يغادرنا باكيا نبكي معه…ونأسف لفراقه الذي لم يكن ليطول كثيرا… وكنّا على يقين أنه سيعود ليطول بقاءه بيننا دائما…كان لا يفارقنا إلا مجبرا وملزما…وكان لزاما عليه أن يخرج من أجلنا… من اجل اسعادنا… من أجل اسعاد أولادنا… وعائلاتنا…
كان يعشق البقاء بيننا ولا يفارقنا إلى حين…كان هو منقذنا وأنيسنا في وحدتنا…كان ذراعنا التي تدافع عنّا حين يغدر بنا الوقت ويدق على بابنا من له عندنا دين… وداعا يا من كنت لنا المنقذ والساتر والقادر… وداعا حبيبنا وحبيب أولادنا… ليس هُناك أشد قسوةً وألماً علينا اليوم وأنت تغادرنا باكرا…دون أن نسعد ببقائك هذه المرّة…ودون أن نسعد بهداياك وبحنانك وبدفء أيامك ولياليك معنا أكثر…كم احتضنك أولادنا…وكم سعدوا بحضنك الدافئ…هم اليوم يشتاقون لرائحتك الزكية… وطلّتك البهيّة…
دموعنا اليوم صامتة تخرج بحرقة، تحمل مشاعر الحزن والأسى ممن لا يريدون منك مغادرتنا، ولا خروجك ولا يقبلون فراقك…شريط طويل من الذكريات يمرّ اليوم أمام أعيننا…كم زرنا أماكن تكفلت أنت بمصاريفها… كم لعبنا معا … وكم أتعبتك معي …وكم زرنا فضاءات لا تليق بغيرنا وكنت أنت منقذنا وكنت أنت من يدفع الحساب دون أن تقرأ الكتاب…كم أخرجتنا من مآزق لم نخرج منها لولا وجودك إلى جانبنا، وخروجك في الوقت المناسب تدفع عنّا هول الحساب والعقاب…
رحلت عنا اليوم تاركا لنا طيب أثرك وعملك وحسن سيرتك… ونقاء سريرتك… واجمل ذكريات “العشرة” التي ربطتنا بك وبأسرتك الكريمة التي أجبرتها على الرحيل معك…تلقيت نبأ مغادرتك المفجع الذي هزَ كياني وأدمعني وأدمع كل العائلة وكل من عاشوا معك أجمل الأوقات بمشاعر مرهفة لم اقو ولم يقو الجميع على تحملها… ونحن الآن لا نملك يا صديقي الراحل في كل الاحوال الا الدعاء والتضرع إلى الله ان تعود إلينا سريعا ويطول مقامك بيننا ومعنا…فأنت الملاذ والمخرج الوحيد من وضعنا الحالي …وداعا مرتبي الغالي…وداعا وإلى لقاء قريب …واليك يا حبيبنا أهدي ما جادت به قريحة جيبي المسلوب…