جور نار
نحن زرعنا الشوك (8)
نشرت
قبل 4 أشهرفي
عبد القادر المقري:
وبعد، ودون الإكثار من تفاصيل المرحلة البالغة السوء التي تحدثنا عنها والتي هددت جدّيا كيان الدولة والمجتمع، هل نحن أمام جرم بلا مسؤولية أو مسؤولين؟
جميع التحاليل التي صدرت سواء عن الفاعلين في تلك المرحلة أو مناوئيهم، كانت تقول بجلاء إن هؤلاء لم يأتونا من كوكب آخر… صحيح هم جاؤونا بوجوه وسياسات لا تشبهنا أو لم نتعود عليها، ولكنهم في معظمهم وُلدوا بيننا، وتلقوا تعليمهم في مدارسنا، ووجدوا في أرضنا حقولا خصبة لإنبات زرعهم المتوحش … لذلك كان خطرهم أفدح بكثير من خطر الاستعمار كجسم خارجي لم يفلح في اختراق وجداننا ورمي جذوره في تربتنا ولو كان في تلك الجذور بضع بذور لحضارة عصر … لقد لفظ أجدادنا الدخيل الفرنسي بقضّه وقضيضه، ولم يأخذوا منه حتى ما أخذه منه العالم من فنون الذوق واللياقة والأدب الرفيع وأولوية الجمال… لكنهم مع غزاة 2011، وجدوا أنفسهم كالسمكة في بحرها، أو على الأصح كالبحر الذي استعاد أسماكه… فأيّ بحر ينجب ويؤوي ويغذّي مثل هذه الكائنات؟
بيئتنا شرّيرة متجمّدة في شرّها وإن تحركت يوما ففي اتجاه الوراء، وما أكثر خطوط سيرنا إلى الوراء… بدءا من الأسرة التي لم تتطور المفاهيم فيها… رغم القشرة الخارجية التي يشهرها النظام السياسي على الدوام تحت عنوان مجلة الأحوال الشخصية… نص قانوني يقال إنه الأكثر تقدمية في جنوب المتوسط وعلى ضفافه الشرقية وصولا إلى المحيط الهندي وبحر الصين … أي في كافة الربوع التي تحتوي مآذن ترفع الشهادتين خمس مرات في اليوم … طيب … ولكن ما لفت الانتباه أنه ذات تسعينات وفي خضمّ تكوين نظام نوفمبر لمفردات خاصة به، وقعت إضافات “تحديثية” لتلك المجلة التي كنا نخال أنها لا تحتاج إلى تحديث… وهذا يعني اعترافا ضمنيا بأننا قبل ذلك ولعقود كنا نعيش مع فصول متخلفة لمجلة كانت تزعم التقدمية … فضلا عما كشفته عدة بحوث نقدية قامت بها جمعية النساء الديمقراطيات، أو صدرت عن بعض الوجوه النسوية، أو ذهب بها حمة الهمامي أبعد من ذلك في كتابه عن المرأة التونسية … كما أن “بطل” مجلة الأحوال الشخصية ذاته (أي بورقيبة) لم يعط القدوة في احترام تلك المجلة حين تعلق الأمر بنفسه وزواجه وطلاقه وحقوق المرأة في بيته…
طبعا ستثور آلاف الرؤوس وتحمى وتزمجر وتطلق عليك أقذع السباب لو ذاع عليها مثل هذا الكلام… وهذا في حد ذاته تأكيد لما نقوله لا نفي له… ففضلا عن ملابسات “تطليق” السيدة وسيلة وقبلها السيدة مفيدة (ماتيلد لوران) وهي حقائق شائعة لا حاجة لها إلى بيان أكثر… فضلا عن ذلك، فإن الحمية في تقديس شخص كان بمثابة رب الأسرة التونسية، دليل على أننا لم نخرج عن علاقات الإقطاع التي سادت في القرون الخوالي… ودليل أيضا على أننا سواء في أسرتنا الكبرى (الوطن) أو أسرنا الصغيرة، ما زلنا نعمل بمعايير الإمامة والمشيخة وولاية الفقيه … وأن الجمهورية عندنا كانت وما تزال اسما بلا مسمى …
ثاني خطوط السير إلى الخلف: الشارع… طوال طفولتنا وما بعدها، وفي زمن الجمهورية والمجلة دائما نتحدث، كانت مقاييس تقويم الأشخاص سواء مدحا أو ذمّا، تتم بحسب الجنس (رجل، امرأة) أو الوسط الجغرافي (مدينة، ريف) أو السلالة أو المعتقد أو الثروة أو القوة البدنية … ولم تحتل قيم أخرى كالعمل والكفاءة العلمية والسلوك المتحضر مكانها إلا بقدر ارتباطها بالمقاييس السابقة… ويكفي هنا أن نعود إلى معايير اختيار المسؤولين في الستينات والسبعينات حتى نعرف أن ذلك لم ينشز عن سلم الاختيار المعتمد زمن الخلافة الأموية أو العباسية أو الدولة العثمانية… يعني أننا لم نندمج في الزمن المعاصر وثوراته الكبرى مهما ادعينا…
البيئة الثالثة هي المدرسة… وقد قرأنا سيولا وفيضانات عن مجانية التمدرس وتعميم التعليم والمنح الجامعية والوجبات الخيرية وتوزيع الشطائر بين الوجبات إلخ… وتم إدراج ذلك كالبرنامج الانتخابي الأبدي الذي لازم سلطتنا السياسية وميزان حسناتها… جيد، جيد جدا… ولكننا لم ننتبه مرة واحدة إلى أن ذلك من واجبات أية حكومة توضع في يدها أموال المجموعة الوطنية ويتم تكليفها بخدمة الشأن العام… ولم ننتبه إلى أنه لم يُشكر أحد على هذا في بلدان الشمال رغم أن في حكوماتها ما أخرج بلادا بكاملها من دمار شامل إلى ازدهار شامل وحقيقي… كما حصل في الدول التي خسرت الحرب العالمية الثانية، وحتى معظم التي انتصرت فيها … لم تؤلّف مدحيات في المستشار أديناور، ولا عكاظيات في وينستون تشرشل، ولا معلقات في الجنرال ديغول… أما نحن…
نأتي الآن إلى محتوى مدارسنا وما كانت تقدمه من برامج… مع تقديري الأكيد لمعلّمينا وأساتذتنا وما بذلوه من جهد بطولي، وخاصة في الأرياف، فإن ثغرات خطيرة تبدّت في نظامنا التعليمي منذ تلك الفترة… للعلم فقد تناول المختصون الأجلاّء هذه النقائص على مدى السنوات ولن نكون بأفصح منهم ولا أعلم… ولكن نقتصر على بعض الإشارات… مادة التاريخ مثلا كانت منقسمة كالتالي: 30 بالمائة لتاريخ تونس القديم حيث يقع التنصيص على أن كل الحضارات دخيلة علينا، وعلى أن ماضينا كله استعمار وهزائم (يعني لا علاقة لك أيها التلميذ لا بأمجاد قرطاج ولا الدولة الأغلبية التي احتلت لقرون مالطة وجنوب إيطاليا وجزرها، ولا الدولة الفاطمية التي تأسست هنا ومن هنا انتشرت، و لا بابن خلدون، ولا بأروى القيروانية، ولا بفاطمة الفهرية، ولا، ولا…) و70 بالمائة عن “الحركة الوطنية” وهي عبارة عن مسح بيوغرافي لحياة الزعيم من يوم ولادته في حومة الطرابلسية إلى عودته المظفرة يوم غرة جوان وما تلاها من خير عميم، وبينهما سجون ومقيمون عامون حفظنا أسماءهم وأسماءها وتواريخهم وتواريخها عن ظهر قلب…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
باعتباري اطارا سابقا بقطاع البريد، فقد آمنت دوما بأنه كان وأرجو ذلك لحدود اليوم مدرسة عتيدة تحظى بمكانة مرموقة بفضل دقة خدماتها و حتى تضحيات اعوانها من أجل اسداء خدمة ممتازة للمواطن.
كل ذلك رغم الازدحام الذي تشهده مكاتب البريد عموما وتنوع تلك الخدمات المالية منها، بالاضافة إلى المراسلات بكل اصنافها… وإذ احيي اطارات واعوان البريد الزملاء القدامى فانه حرصا على الصورة الناصعة للبريديين، لا يمكنني المرور مر الكرام على بعض النقاط السوداء التي صدمتني كمواطن راغب في قضاء خدمة او تسوية غلطة “لا ناقة له فيها ولا جمل” ! … و ربما تتطلب هذه النقطة السوداء التي عشتها خلال يوم الأربعاء الماضي، تنقية قطاع البريد مما علق به مثله مثل عديد القطاعات العمومية وربما الخاصة أيضا للوصول بنا إلى تحقيق إدارة وطنية في خدمة المواطن دون أي ارتخاء او تعطيل او بيروقراطية. ….
أعود لاسرد انه خلال الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء الماضي تقدمت إلى مكتب بريد سليمان 1 (الواقع قرب محطة النقل) لمتابعة مصير رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالاستلام، كنت أرسلتها منذ. مدة ولم يتم اعلامي بالقبول من عدمه كما اني لم اتلق اي اعلام ( avis) على عنواني… ولدى استفساري بالنافذة تمت دعوتي لمقابلة رئيس المكتب وهذا يعد عاديا جدا ..قمت بالنقر على باب المكتب ثم انتظرت … واعدت الكرة مرتين في مساحة وقت تصل تقريبا إلى 20 دقيقة دون أية خلفية مادمت أدرك متطلبات العمل البريدي التي تشمل احيانا قبول احتساب رزم الأموال او اي أداء عمل اخر …
لفت انتباهي على الجانب الأيسر المحاذي لباب المكتب قلم تم ربطه بإسلاك حبل (سباولي) ازرق …وهذا أيضا لم. يتجاوز الا ابتسامة .. اطل السيد رئيس المكتب طالبا مني مزيد الانتظار ..وهذا أيضا شيء عادي رغم اني شاهدته وراء نوافذ المكتب للقيام بالتمام او توجيه مهني… اخيرا استقبلني السيد رئيس المكتب بطريقة جافة… لم أكن بحاجة لأي ترحيب قدر رغبتي في حل مشكلة رسالتي المضمونة الوصول التي لم أعلم عن مصيرها …
وفي واقع الأمر كنت لا انتظر حلا من رئيس هذا المكتب الذي فكر قليلا ثم اردف: (موزع البريد متغيب منذ يومين ولا نعرف أي سبب… عد غدا لعله يكون هنا ليرى مآل الرسالة… لكن عليك بتقديم طلب كتابي)… تبسمت قليلا وانا أدرك جيدا ان رئيس المكتب إما انه لا يعرف اني لست مطالبا بتحرير مطلب، وان بكل مكاتب البريد مطبوعات لمثل هذه الحالة (imprimé de réclamation) … وهذا خطير… او انه يعرف ذلك جيدا و يطالبني بالرجوع موكلا كل الشكوى للموزع “الغائب”… وقد يعيد لي الاسطوانة خلال الغد في صورة تواصل غياب موزع البريد… وهذا أخطر بكثير فقد جمع مزيجا من البيروقراطية وربما سوء القصد ..ولا ادل على ذلك اني من الغد عوض العودة لنفس مدير هذا المكتب تقدمت إلى مركز بريد اخر لتتم الاستجابة لي بسهولة …
مفارقة بين عقلية بيروقراطية و حرص على اداء الواجب ؟؟ هنا تطرح الاسئلة الحادة والرغبة الجامحة في تحسين الخدمات و تنقية الادارة من كل الشوائب العالقة ..
عبد الكريم قطاطة:
يبدو انّ اولاد عمّنا الطلاين حفظوا ممّا حفظوه عنّا بعض الامثال الشعبية ومنها (اللي يعمل طاحونة، وفي رواية اخرى كوشة، يعمللها دندان)…
الطلاين يعلمون جيّدا انّ علاقتنا باللغة الايطالية هي علاقة تمظهر لا غير ..جلّنا يعمل فيها بطل ويردد تشاو او غراتسي ..شفويا فقط ولا يعرف حتّى كيف تُكتب الواحدة منها …وانا كنت واحدا من هؤلاء المتمظهرين واندهشتُ جدّا يوم تعلّمت اللغة الايطالية، بل وضحكت على نفسي زاجرا إياها على حبّ التمظهر … الراي اونو اعدّت العدّة لتجاوز جهلنا للّغة الايطالية … وتكفّلت القنصلية الايطالية بتونس العاصمة باخضاعنا لتدريب على لغتها ولمدّة شهرين …نعم وبمعدّل 7 ساعات يوميا و5 ايام في الاسبوع … وتكفلت مؤسسة التلفزة التونسية بمصاريف اقامتنا خاصة ونحن في جلّنا من اذاعة صفاقس …
في تلك المدّة المخصّصة لتعلّم اللغة زاد يقين اغلبنا بانّنا سنهاجر لبلاد الفنّ والجمال .. كنّا تحت رعاية مدرّسة ومدرّس ..المدرّسة السيدة كيارا كانت ايطالية لحما ودما ..امّا المدرّس الذي نسيت اسمه وطبيعيّ ان انسى اسمه، كان جدّيا جدّا الى درجة التجمّد …وهو بالنسبة لي يستحيل ان يكون ايطاليّ الجينات ..ممكن الماني هولندي ..ذلك الذي لا يحرّك فيّ كمدرّس الشعور بالمتعة .. بارد جامد 5555 درجة تحت الصفر … على عكس السيّدة كيارا ..هي تلك التي تغنّي وهي تتكلم ..هي تلك التي تُضيء في الواحد منّا شموس الحياة وهي تبتسم… وحتى غضبها من مشاكساتنا لها لا يعدو ان يكون من نوع (يززّي يا مفيد) واعني هنا زميلنا الكاميرامان مفيد الزواغي ..
كنت اراه انذاك (بليد وماسط) لكن عندما تواترت الايام وعرفته اكثر احببته واحببت بلادته ..وهو يعلم ذلك جيّدا ..ربما لم تنتبهوا لكلمة السيّدة كيارا وهي تقول يززّي … هذه لسيت كلمة ايطالية بل تونسية لحما ودما وماركة مسجّلة .. السيدة كيارا متزوجة بتونسي من قفصة ومنطقي ان تكون عارفة بلغتنا .. وحتى في البداية عندما نتهامس ببعض العبارات التونسية اللي (فيها وعليها) كانت تنظر الينا بنظرات عاتبة …انا طيلة دراستي كنت مفتونا بتعلّم اللغات الحيّة ..ووجدت في موسيقى اللغة الايطالية نوعا من السمفونيات التي تهزّني للسحاب تماهيا معها … والسيدة كيارا كانت على درجة من الذكاء … هي شعلة متحرّكة ….انها تلمس في كلّ واحد منّا مدى استيعابه للدروس ..وهنا لابدّ من الإشارة إلى بانّنا كنا كاغلبية من يستمع للايطاليين نعتقد انّ اللغة الايطالية سهلة للغاية… يكفي ان ناخذ كلمة بالفرنسية وننهيها بـ A او O حتى تصبح ايطالية لكن اكتشفنا بعد الدراسة انّ اللغة الايطالية من اصعب اللغات الحيّة في قواعد النحو والتصريف …(جوجمة كبيرة )… وللامانة ايضا السيّدة كيارا كان لها ودّ خاصّ لعبدالكريم ..ومردّ ذلك انّ عائلة زوجها من المستمعين الشغوفين بعبدالكريم في اذاعة صفاقس ..
هذا الامر اسرّته لي يوما ما كيارا بقولها وبعربية مهروشة .. (دار راجلي يهبوك برشة) … طبعا تقصد يحبّوك … وحرف الحاء هو من اصعب الحروف نطقا لدى الاوروبيين عموما .. وربما من اجل ذلك وفي ختام الدروس وقبل الامتحان النهائي للحصول على شهادة تمكّن الناجحين فقط من السفر والقيام بتربّص تقني في الراي اونو ..ربما لذلك السبب وقبل يوم من الامتحان وعند انتهاء الدرس طلبت منّي كيارا ان لا اغادر لامر هامّ …خرج الجميع وجاءتني كيارا بتردّد ولكن بحزم وحبّ ..قالت لي: سي عبدالكريم (واقرؤوا الحرف “هـ” كلما استعملته عوضا عن حرف الحاء) ماشي نقلك هاجة ويلزم هتّى هدّ ما يسمع بيها ..انا هبيتكم الكلّ في الشهرين اللذين قضيناهما معا وقلبي يوجعني لو ايّ فرد منكم لا يسافر الى ايطاليا … وانا مطمئنة لمستواكم في استيعاب اللغة باستثناء اسمين …خايفة عليهم .. فرجاء وبطريقتك وبشكل غير مباشر هسسهم انّ الامتهان سيكون في الدرسين الفلانيين …
اندهشت جدا واغرورقت عيناي بالدمع .. وحاولت ان اتجاوز واخفي ذلك بقولي لها: توة ولاو ثلاثة، حتى انا وليت نعرف موضوع الامتحان … نظرت إليّ وقالت بكلّ وثوق: انت ما نخافش عليك لاباس لاباس .. وكان الامر كذلك واتصلت بالزميلين واشعرتهما بـ”تكهناتي” في مواضيع الامتحان ..ويوم الامتحان اندهشا من حدسي هذا ..ولم اشأ اخبارهما بما حدث بيني وبين كيارا لحدّ يوم الناس هذا … رايت في صمتي عدولا عن تنغيص فرحتهما انذاك واستنقاصا منهما بعد ذلك .. اليست افضل الصدقات ان لا يكون فيها منّ…؟؟… ونجح الجميع وبعضنا وكنت منهم بملاحظة اوتّيمو .. هذه طبعا بالايطالي موش بالفائز من التسجيل سنة ثانية ايطالية بمعهد اللغات الحيّة بالعاصمة …بورقيبة سكول …
كنت وددت لو تمكنت من ذلك ولكن لا تسالوا الناس بل اسألوا الظروف .. ظروفي وقتها يستحيل معها ان اقيم بالعاصمة لمواصلة الدراسة ببورقيبة سكول ..اقولها بكلّ حُرقة واسف لانّي عاشق لغات باستثناء اللغة الالمانية …مانيش على نفس الموجة انا ويّاها… احسّ بها لغة متعجرفة متغشرشة متهوغششة . ما تسألونيش اشنوة معناها الكلمات اللي قافيتها شششة ..والله لا نعرف …رغم عشقي الكبير للالمان ..الارادة .. العمل .. الانضباط ..
وحان شهر ماي للرحيل ..المحطّة الاولى كانت بتورينو .. مدينة اليوفي ..لابدّ وقبل الدخول في التفاصيل من التنصيص على انّ مصاريف اقامتنا سكنا و(ميكول) ومصروفا يوميا تكفلت به الراي اونو ..وترانا كلّ بداية اسبوع نهرع جميعا للمكلّف بالخزانة المالية كي نستلم نصيبنا الاسبوعي من تلك المنحة… وكانت صدقا الخير والبركة ..السفر وكما تعلمون هو من يكشف لك حقيقة الاخرين ..وقتها نكتشف اللي حدّو حدّ روحو ونكتشف القرناط (اي البخيل) ونكتشف الزبراط ونكتشف خفيف الظلّ وثقيله ..خاصة عندما تقتسم واياهم شهرين كاملين الاول بتورينو وهو مخصّص للجانب النظري والثاني بروما وهو للجانب التطبيقي ..لن اوغل في الجانب المعرفي طوال الشهرين فقط اكتفي بالقول انّ دنيا التلفزيون في ايطاليا وتحديدا في الراي اونو ومشتقاتها دنيا رهيبة ..هم يعملون كخلايا النحل ولكن وهو الاهمّ هم مبدعون خلاقون وفي منتهى حذق مهني على درجة عالية من الكفاءة .
في احد الايام كان لنا لقاء بمعدّ ديكور انبهرنا بما اعدّه كمناظر لبرنامج ما ..وعندما سالناه عن ماهية تلك القطع الجميلة التي صنع منها ديكوره كانت الدهشة والانبهار الحقيقي ..انه صنع مناظره من علب الياغرت الفارغة … شيء يمخوج والله … اذن ليس غريبا ان تتبوّأ ايطاليا المكانة العالمية الاولى في جودة التلفزيون… من جانبنا كتونسيين وجدنا كلّ الاحاطة تأطيرا وعلاقات انسانية .. وخاصّة المامهم وبسرعة بقدرات كل واحد منّا .. كنت مثلا الناطق الرسمي باسم المجموعة تقديرا من زملائي لشخصي وتقديرا من الطرف الايطالي لتمكّني من اللغة الايطالية .. وعندما عرفت المجموعة الايطالية بهذا الامر اصبحت تتعامل معي بكلّ ثقة وتفهّم وتقدير .. ووصل الامر ببعض المكوّنين عندما ارغب في عدم حضور حصة ما واطلب الاذن منهم، ودون تردد يوافقون… خاصة انّ شهري ماي وجوان لتلك السنة تزامنت مع دورة رولان غاروس الفرنسية في كرة التنس ..فكنت يوميا انا وزميلي الحبيب المسلماني نشتري ما لذّ وطاب لاهواء كلّ منّا وننصبو الطاولة في بيتي لمتابعة دورة التنس . ويلتحق البقية ولن تنتهي الجلسة الا في أعقاب الليالي .وآشي فسدق وآشي فراز … وآشي بنان وآشي حاجات ..
دون تفاصيل في آشي حاجات احتراما لخصوصيات الاخرين .. لكن اعدكم بالحديث حول بعض تلك الخصوصيات ..وهو يصير فول مدمّس من غير كمّون ؟؟ اعدّو العدّة اذن للمدمّس وما شابهه في الورقة القادمة …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
قبل ان امرّ لسنة 88 لابدّ من توجيه التحيّة لكلّ من آزرني في فترة ابعادي عن المصدح سنة 85 وحتى عودتي سنة 87 ولمدّة 18 عشر شهرا ..
الشكر اوّلا لمستمعيّ … نعم واقسم بالله انّه وبمبادرة منهم فوجئت بهم يتّفقون على تكوين خلايا في كافة مدن الجمهورية هدفها الامضاء في عريضة تطالب ببرنامجهم، كوكتيل من البريد الى الاثير .. وبالمنشّط عبدالكريم… وما اثلج صدري في نصّ تلك العريضة كلمة “برنامجنا” التي وردت في نصّ العريضة… عندما يتبنّى المستمع ايّ برنامج ويصفه بانّه برنامجه فذلك دليل على انّه وصل الى مرحلة الانتماء ..عرفت بعد ان ارسلوا اليّ نسخة من العريضة انّ هذه الخلايا كانت تعمل كخلايا نحل في المعاهد والكلّيات والحقول والاسواق والادارات ومع ربات البيوت ..وهذا ايضا ما عملت عليه وعلى تحقيقه في رؤيتي للعمل الاذاعي ..
كانت ومازالت لديّ قناعة بانّ البرنامج الجيّد هو الذي يلتصق بكلّ الفئات عمريّا وتعليميا اجتماعيا وحتّى سياسيا رغم اختلافي مع بعض الايديولوجيات… نعم من حقهم ان يتواجدوا معي في برامجي وطبعا باستثناء اعداء الوطن ..هذوكة اللعب معاهم امس واليوم وغدا، لاااااااااااااع …دون ذلك التوجّه وتلك الرؤية يبقى برنامجا نخبويا يعتني بفئة خاصة ..وبالنسبة لي هو اعلام يمارس العادة السرية في العمل الاذاعي… طبعا مع احترامي للبرامج المتخصّصة… البرامج الطبّية مثلا… وحتى هذه عليها ان تنزل من عليائها الاكاديمي الى اللغة المبسّطة التي يفهمها الجميع دون ذلك ستبقى تماما كروشيتة الطبيب للصيدلي ..ولست افهم لحدّ الان لماذا سي الطبيب ما يكتبش كيف العباد الكلّ ويبتعد عن اللغة الصينية او اليابانية او الهونولولية ..
تلك الخلايا في عملها الدؤوب لتجميع امضاءات العريضة حققت رقما قياسيا لم يحدث ان تحقق قبل ذلك في تاريخ الاعلام ..انها استطاعت تجميع 20 الف امضاء للمطالبة بعودة برنامجهم وعودتي …تحيّة الشكر الثانية اتوجّه بها الى العديد من الزملاء وفي الاذاعات الثلاث (تونس، صفاقس، المنستير) الذين تعاطفوا معي رغم انّ اغلبهم في السرّ وليس في العلن ..وهنا _ وهذا علمته بعد عودتي الى المصدح يوم 12 جانفي 87… هنا لابدّ من توجيه تحيّة خاصّة للسيّد المنصف الهرقلي مدير اذاعة المنستير في تلك الفترة الذي حاول التدخّل في شأن ايقافي مع الزميل المرحوم محمد عبدالكافي لارجاع المياه الى مجاريها ..وعندما فشل في ذلك قال السيّد الهرقلي للسيد عبدالكافي: (ما يعزّش بيك خويا محمد ..اذا ما وصلتش لحلّ مع عبدالكريم راني ماشي نفكهولك وناخذو معايا في اذاعة المنستير )..اخيرا تحيّة لكلّ الاقلام الصحفية التي تبنّت قضيّة ايقافي… وللامانة كانت لدى العديد منهم قناعة بانّو اسم عبدالكريم يبيع الجريدة…
بقية سنة 87 كانت عادية في احداثها ..كنّا مستبشرين بتوجّهات بن علي… كانت هناك في ميدان الاعلام نوافذ للحرّيات ..وككلّ عمليّة تغيير تظهر اسماء وتختفي اخرى …هذه الاخيرة لمدّة لا تطول لتعود باكثر ضرب على كلّ آلات الايقاع(اي مات الملك عاش الملك وينصر من صبح)…لكن وحسب ما عاينته كان هنالك ارتياح عامّ لما يحدث على الخارطة السياسية للبلاد ..
ظاهرة اخرى تبرز في كلّ عملية تغيير: هرولة الجميع… الصادقين والمنافقين… لتقديم اجندات جديدة كلّ في اختصاصه .. وهنا اعني مقترحات عمليّة لارضاء الحاكم بامره وحتى يسجّل اسمه في قائمة الملأ الذي يشتغل للبلاط ..اعلاميا بدأ التفكير في تحديث العمل التلفزي واخراجه من قوالب الرداءة والروتين ..لذلك ارتأى اصحاب هذا القطاع وعلى رأسهم عبد الوهاب عبد الله، بلدوزر الاعلام في فترة بن علي ..ارتأى هؤلاء ارساء تعاون وثيق مع مؤسسة الراي اونو .. وهي القناة التي كنا نهرع اليها كلّما اطلّ بيبو باودو و خااااااصّة رفائيلا كارا …وبكلّ امانة حتى لا نستنقص من اسماء البعض، كنا ايضا نتشوّق في التلفزة التونسية لمنوّعات نجيب الخطاب الذي افنى حياته في العمل المضني جدا من اجل التجديد المستمر… ورسّم اسمه في سجلّ التلفزة التونسية كافضل منشط عرفته عبر تاريخها… ولم يستطع ولحدّ الان ايّ زميل معاصر له او جاء بعده، ان يزحزح اسمه من على رأس القائمة ..
لنعد الى ايطاليا ..البلد الجميل باهله ..كنت ومازلت اقول عنهم (هاكوما اولاد عمنا) نعم لنا تاريخ مشترك منذ عهد قرطاج ..وكانت لنا معهم حروب وجولات… انهزمنا في بعضها وانتصرنا في بعضها الاخر ..اي نعم، التاريخ يقول اننا استعمرنا نحن التونسيين أيضا، البعض من المناطق الايطالية ..وحتى لهجتنا الدارجة فيها من الكلمات الايطالية الكثير (سيكورو .. صبارص ..تكوردو .. باستا ..) ولغتهم هم ايضا فيها الكثير من كلماتنا التونسية ..(اي نعم تحسابونا شوية احنا التوانسة ؟؟ احنا بحويجاتنا عبر كلّ التاريخ) … اصحاب القرار في الميدان التلفزي امضوا اتفاقية شراكة بين التلفزة التونسية ونظيرتها الراي اونو ..اتفاقية الشراكة تقتضي من التلفزة التونسية توسيع ارسال الراي اونو في مناطق عديدة من تونس (شفتو ما يجي شيء بلاش؟!)… مقابل تكفّل الراي اونو بارساء استوديو تلفزي بصفاقس ويبدو انّ الاستوديو يكون في صفاقس احدى اخطاء الحاكمين بامور تونس… اما ما تقلقوش برشة سيكون مصيره مشابها في نهايته لمشروع الميترو والمدينة الرياضية…
و لكن وقبل كلّ شيء كان لابدّ من استباق ذلك بالتكفّل بتدريب للتقنيين لتعلّم المناهج الحديثة في اختصاصات عديدة ..لكن كانت هنالك معضلة اللغة ..نحن وفي جلّنا لا تتجاوز معرفتنا للغة الطليان بعض الكلمات … بونجورنو، داكوردو،تشاو .. وهزّ ايدك من المرق ..لذلك ودائما في مجال اتفاقية الشراكة كانت الحلول بالنسبة للراي اونو جاهزة ..وهذا امر طبيعي ..اللي حاجتو باش تنشر صوتو ومن خلالو ثقافتو يعملك في الجنّة .. تي اما ذراع …؟.. كيلومترات …وتحددت قائمة التقنيين المشمولين بهذا التدريب ..القليل منهم من تونس (خاصة تقنيّو الارسال التلفزي) والبقية من صفاقس .. تسألون وعل طريقة عادل امام ..اسمي موجود ؟ نعم موجود ..للامانة لم اعرف اطلاقا وجود اسمي انذاك… كان نوعا من الترضية بعد ايقافي عن العمل مرّتين في عهد الزعيم بورقيبة رغم اني استبعد ذلك لانّي ايضا اُبعدت عن المصدح 7 سنوات في عهد بن علي ..
المنطق يقول انّ دراستي بالمعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس وحصولي على ديبلوم درجة 3 في تلك العلوم باختصاص اخراج هو ما كان وراء وجود اسمي في القائمة التي ستتدرب في الراي اونو ..ايه واش عملنا اذن في معضلة اللغة الايطالية التي نجهلها جميعا ؟؟ ..تعرفوها عبارة ضربان لوغة ..اي اكاهو عاد، ساتوقف عن ضربان اللغة واواصل معكم بقية ضربان اللوغة في الورقة 83 وشكرا في اليوم العالمي للشكر على وسع بالكم معايا ..اما بكلّ امانة وقتاش يعملونا اليوم العالمي للفلوس؟؟ اذا ثمّة اعتصام في هالميضوع، انا موجود موجود موجود …
ـ يتبع ـ
استطلاع
صن نار
- اجتماعياقبل ساعتين
عودة لقطار قابس تونس… وما يزال التهاون مستمرا
- جور نارقبل ساعتين
عندما تختلط البيروقراطية بـ”الخلفية المسبقة”
- اجتماعياقبل 15 ساعة
وزيرة الأسرة تختتم الأيام الوطنية للرضاعة الطبيعيّة
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
موجات
- اجتماعياقبل يومين
توقبع اتفاقية تعاون للحصول على شهادات دولية
- من يوميات دوجة و مجيدةقبل يومين
دوجة ما لحقتش على العشوية
- اقتصادياقبل 3 أيام
الاستثمار الفلاحي والتكنولوجيا، في صالون دولي
- ثقافياقبل 3 أيام
برقو تحتفي بالمطالعة والثقافة الرقمية