تابعنا على

جور نار

نحن لم نزرع الشوك في طريقكم… فلا تملؤوا طريق أبنائنا أشواكا!

نشرت

في

أسأل كل من حكموا هذه البلاد منذ خروج بُناتها الذين خدموها وإن اخطؤوا أحيانا…وبنوا دعائمها وإن أذنبوا في حقّ البعض من شعبها…أقول اسأل هؤلاء لأقول اليوم هل منكم من قرأ عن ثقافة الاعتراف؟؟ وهل بينكم من له الشجاعة أن يعترف ولو سرّا، بين أفراد عائلته أو بينه وبين من يحومون حوله يُمْلون عليه سياساته الخاطئة، أنه أخطأ وأنه لم يدرك حقيقة الحكم ومتاعبه وأنه لم يعد صالحا للحكم …اليوم وغدا، إن لم يدرك كيف يُخرج البلاد مما هي فيه بالاعتراف بما أخطأ فيه؟؟

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

كل ساسة العالم يسارعون حين يدركون بأنهم وقعوا في خطأ ما إلى إصلاح ما أقترفوه، سواء بالاعتراف بالخطأ وإصلاحه، أو بمجرّد الاعتراف والوعد بعدم تكراره أو حتى بالانسحاب حفظا لماء الوجه…فقط في تونس لا يمتلك ساستنا الشجاعة الكافية التي تسمح لهم بالنزول من عليائهم، فهؤلاء حتى وان فشلوا وهدموا البناء لن يغيروا شيئا من أولوياتهم الفكرية والسياسية لأنهم لم يتعلموا ثقافة الاعتراف، هؤلاء إلى يومنا هذا ورغم ما عانته البلاد من مآسي منذ 14 جانفي، يواصلون تعنّتهم ومكابرتهم ورفضهم الاعتراف بما ارتكبوه من أخطاء في حقّ البلاد والعباد منذ وصولهم إلينا بعد الرابع عشر من جانفي إلى يومنا هذا من شهرنا هذا الموافق لشهر ماي 2023 …

فالبلاد لم تعش فقط “عشرية خراب” كما يصفها البعض بل دخلت ومنذ أربعة أشهر ويزيد سنتها الثالثة عشرة “خرابا وهدما وحقدا دفينا” فمنذ حرق السكير لنفسه قربانا لأطماع “الماما” و”العمّ سام” دخلت البلاد مرحلة “كولني ناكلك…وقاتلك قاتلك”…فلا أحد من حكامنا اعترف بأنه أخطأ في حق البلاد والعباد وأننا كنّا في حاجة فقط إلى بعض الإصلاحات على مستوى الحريات وحقوق الانسان والتعددية السياسية…ولم نكن في حاجة إلى هدم كل البناء…كما لم نكن في حاجة إلى عقلية “اعطه ألف درهم يا وزير” لإسكات وارضاء الخارجين عن القانون والمعتصمين ليس بحبل الله بل بمداخل مواقع الإنتاج، المعطلين للحركة الإنتاجية والاقتصادية…جميعهم يأتون متوعدين من سبقهم بالويل والثبور فتراهم يطلون علينا بنفس الخطاب وبنفس العقلية “شيطنة الماضي ومحاسبة من كانوا فيه واثثوا مشهده…”.

الغريب في أمر حكامنا الجدد الذين عارضوا طويلا جميع من حكموا البلاد قبلهم، جاؤوا مفاخرين زاعمين أنهم استوعبوا دروس التاريخ، وجاؤوا بحلول الأرض والسماء لإصلاح حال البلاد والعباد وأن جميع من حكموا قبلهم افسدوا في الأرض واحتكروا الكراسي …هؤلاء بالذات لا يعترفون أبدا بنقد الذات، ولا أظنّهم يقبلون يوما بجلد الذات، كما أنهم لا يحاولون حتى تجنب الأخطاء، فتراهم يصرّون على التمسك بمواقفهم زاعمين أنهم على حقّ رغم علمهم بأن ما يزعمونه هو عين الخطأ…هؤلاء لم يدركوا أن أزمتنا اليوم أصبحت أزمة جيل حاضر وأجيال قادمة…فماذا سنترك لأجيالنا القادمة لو واصلنا على هذا الحال…ماذا سنترك لأحفادنا لو واصلنا إغراق البلاد في الأحقاد وإسقاطات الأحقاد…

قضيتنا اليوم أصبحت مكابرة وعنادا قد يغرقنا في ظلمة الفتنة واللهم اكفنا شرّها إلى يوم يبعثون…قضيتنا اليوم قضيّة أمة تحتضر لو واصلت على هذا النحو من السقوط…نحن لم نتعظ بما وقع ويقع لبعض البلدان العربية التي زارها سيء الذكر”الربيع العربي” ليحرق زرعها ويهتك عرضها…تلك البلدان التي خرجت من سياق الحضارة لأنها لم تستوعب الدرس ولم تقرأ التاريخ جيدا وانساقت وراء أحقادها…سيرفض البعض هذه الأسطر ويراها خارجة عن سياق حرية التعبير…لكن، ألم يدرك هؤلاء إلى يومنا هذا أن حرية التعبير لا يمكن أن تكون لطرف دون آخر…ولا لأتباع ديانة دون أخرى…ولا لمجموعة دون أخرى…فحرية التعبير والرأي إما أن تكون للكلّ أو لا تكون لأحد…

عاش أجدادنا عهد البايات…وعهد البايات ولّى وانتهى وشكر الله سعي من خدم فيه، وغفر الله لمن أخطأ فيه…وجاء زمن الاستقلال وبورقيبة العظيم…وزمن بورقيبة ولّى وانتهى وشكر الله سعي من خدم البلاد منهم، ورحم الله من مات منهم فداء للوطن، وغفر الله لمن أخطأ فيه….وجاء زمن بن علي ليواصل التحديث والبناء…وزمن بن علي ولّى وانتهى أيضا رحمه الله وشكر الله سعي رجالات الدولة وكفاءاتها وصُنّاع مجدها، وغفر الله لمن أخطأ فيه…وجاء زمن هؤلاء الذين سارعوا للجلوس على الكراسي…وزمن هؤلاء أيضا انتهى بعضه، وشارف بعضه الآخر على الانتهاء، وشكر الله سعي هؤلاء جميعا، رغم أنهم لم يسعوا أصلا لإصلاح حال البلاد وشأن العباد بل اكتفوا بالحفاظ على مواقعهم وكراسيهم خوفا من الحساب إن خرجوا دون أن يتركوا شيئا يحسب لهم ويكفيهم شرّ الحساب…والعقاب… إن لزم الأمر…

ألم يأتوا متوعدين مولولين مهدّدين جميع من حكموا قبلهم فسجنوا هذا…واطردوا هذا…وشرّدوا هؤلاء…وكمّموا أفواه هذا وهؤلاء…وشيطنوا أجيالا كاملة صنعت مجد البلاد رغم هناتها وأخطائها وظلمها للبعض من هذا الشعب فلا أحد من حكامنا ولد ملاكا…ولا احد ارسله الربّ ليعدل بين الناس…فهل حقق هؤلاء إنجازا واحدا يمكن لهذا الشعب إكراما لهم ولما أنجزوه ان يغفر لهم ما افسدوه ؟ لا، لم ينجزوا شيئا فجميعهم …ولنقل ببساطة كل من تداولوا على كراسي الحكم، لم يحملوا همّ الإصلاح في صدورهم وعقولهم، هم فقط حاولوا إرضاء حقد بعض الشعب على بعضه الآخر وعلى كل من حكم قبلهم…فكل جالس على كرسي الحكم لا همّ له غير الانتقام ممن سبقه، ليس فقط لأنه أخطأ بل أيضا وهذا الأهمّ حفاظا على كرسيه وقطعا للطريق أمام خصومه وإرضاء لمن يُسبّحون باسمه ليلا نهارا ويوم الأحد…ومساء الأعياد…

هؤلاء جمعوا حولهم بعض من ملأ الحقد صدورهم وطغت على أفكارهم عقلية الاجتثاث…هؤلاء يدركون جيدا أنهم لن يصلوا الحكم بنتائج الصناديق فاختاروا قطع الطريق وتجفيف منابع الخصوم والمعارضين حتى لا يبقى في نهاية السباق غيرهم يملأ الصناديق…

ما نعيشه اليوم هو مقدّمة لواقع جديد على ملك أجيالنا القادمة…وعلينا أن نقبل بالأمر ونعترف أنه زمن غير زماننا…زمن أبنائنا وأحفادنا والأجيال التي لم يستوطن الحقد صدورها…فزمانهم غير زماننا…لذلك أقول لمن يتمسكون اليوم وغدا بالكراسي وهم “شيوخ” بما تعنيه الكلمة فقهيا وما تعنيه بعامل السنّ أيضا، أو هم يدقُون باب الشيخوخة ويطلون من ثقب مفتاحها…يا هؤلاء…والله لقد ولى عصركم …فلا الزمان زمانكم… ولا الرجال ستمشي خلفكم تهتف باسمكم مستقبلا بعد أن خذلتم انتظاراتها، وأورثتم الحقد أجيالها القادمة…

عشتم التاريخ وكنتم منه وفيه …وحين جلستم على الكراسي حاكمتموه ونسيتم انكم فيه ولدتم…وفيه كبرتم…وبه وصلتم إلى ما أنتم عليه وفيه…جميعكم حاكمتم تاريخكم وتنكرتم له…وجميعكم أهملتم حاضركم وحاضر البلاد والعباد فلم تنجزوا شيئا تخلدون به مروركم واكتفيتم فقط بــ”نصب المشانق” للتاريخ لأنه كان أفضل من حاضركم …ونسيتم أن التاريخ يعيد نفسه في شكل مأساة دائما…

أنصحكم وكنت دائما لكم من الناصحين…لا تستوطنوا مستقبلا ليس لكم… ولن تكونوا منه وفيه…فمن نسي بناء حاضره واكتفى بمحاكمة تاريخه…سيحاكمه مستقبله وإن لم يكن فيه…نحن لم نزرع الشوك في طريقكم…فلا تملؤوا طريق أبنائنا أشواكا؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.

لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…

هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..

أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار