جلـ ... منار
نُذُر وروادع الحرب على لبنان
نشرت
قبل 5 أشهرفي
من قبل
التحرير La Rédactionعبد الله السنّاوي:
تتناثر نذر الحرب على لبنان، كأنها مقدمات لحرب إقليمية واسعة عواقبها “مدمرة” على ما يقول الأمريكيون.
حسب الجيش الإسرائيلي فإن قواته استكملت جاهزيتها والخطط العملياتية جرى التصديق عليها بانتظار أمر الهجوم الواسع على جنوب لبنان.
في نفس المشهد المنذر تلوح روادع حقيقية تجعل من الوصول إلى نقطة الانفجار حماقة كبرى تضرب الإقليم كله بصميم أمنه ومستقبله لسنوات طويلة مقبلة.
بين النذر والروادع كل سيناريو محتمل ووارد.
بالنظر إلى الروادع، خارج الأوضاع الإسرائيلية وحساباتها المتناقضة، لن تكون هناك حرب.
أما إذا امتد النظر إلى الداخل الإسرائيلي فإن ما هو متعقل قد يخلي المجال كاملا لما يشبه الجنون السياسي.
الوضع السياسي الإسرائيلي منقسم وهش، الجيش منهك ومأزوم، والنخبة العسكرية والأمنية تحذر من “انهيار استراتيجي” إذا لم تتوقف الحرب في ظل تآكل ما يطلقون عليه “الإنجازات في غزة”.
مع ذلك كله تنحو الحكومة، التي توصف بأنها الأكثر يمينية منذ تأسيس الدولة العبرية، إلى توسيع نطاق الحرب حتى لا يقال إنها سلمت بهزيمتها.
“إنهم مجموعة من المجانين الذين لا يصلحون لأي شىء» بتعبير زعيم المعارضة “يائير لابيد” واصفا الوزيرين المتطرفين “إيتمار بن غفير” و”بتسلئيل سموتريش” ومن معهما.
الذريعة الرئيسية للحرب على لبنان: عودة الأمن إلى شمال إسرائيل وإعادة مئات آلاف النازحين إلى مستوطناتهم، لكنهم لا يطرحون على أنفسهم سؤالا ضروريا إذا ما كانت الحرب سوف تكون حلا.. أم أنها سوف تفاقم المشكلة؟
بقوة الحقائق فإن المقاومة اللبنانية جبهة إسناد للمقاومة في غزة، إذا ما توقفت الحرب في غزة سوف تتوقف بنفس اللحظة الاشتباكات على الحدود الشمالية.
المعضلة هنا أن خطة “بايدن” لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن تكاد تكون قد تلاشت، باستثناء آمال شحيحة.
بالنسبة لـنتنياهو، فإن خيار الحرب مع لبنان يساعده على البقاء في السلطة ودفع الإدارة الأمريكية المهزوزة للاصطفاف معه، أيا كانت العواقب.
وبالنسبة لحزب الله اللبناني فإنه لا يطلب الحرب، لكنه مستعد ومتأهب لمواجهات طويلة وموجعة مع إسرائيل.
حذر زعيمه حسن نصر الله من أنه سيرد على أي اعتداء إسرائيلي بغير قواعد أو سقوف.
كانت تلك رسالة ردع امتد مفعولها لأية أطراف إقليمية قد تدعم بصورة أو أخرى العمليات العسكرية ضد لبنان.
كلامه يكتسب صدقيته من القدرات الصاروخية التي يمتلكها، حجما ونوعا.
إنها حسب التقارير الدولية المتواترة تبلغ عشرة أضعاف ما لدى المقاومة الفلسطينية مجتمعة.
كانت عملية الهدهد، بصورها بالغة الدقة، التي أزيح الستار عنها، لقواعد عسكرية ومناطق حساسة عديدة في العمق الإسرائيلي رسالة ردع استباقية قبل أي هجوم محتمل.
لا أحد فى الإقليم والعالم يطلب حربا واسعة باستثناء نتنياهو وحكومته لمصالح سياسية وشخصية.
تخشى الولايات المتحدة أن يفضي توسيع الحرب إلى فوضى إقليمية واسعة تضر بمصالحها الاستراتيجية والإضرار الفادح بالدور الوظيفي، الذي تلعبه إسرائيل، في الاستراتيجيات الغربية بالشرق الأوسط.
وتخشى أكثر أن تجر إلى ما لا تريده بفائض عجزها أمام مزايدات الجمهوريين قبل الانتخابات الرئاسية الوشيكة.
البنتاغون لا يخفى قلقه حيال الوضع على الجبهة الإسرائيلية اللبنانية داعيا إلى ما أسماه “حل التوترات”.. والخارجية الأمريكية تؤكد الارتباط بين ذلك التوتر المنذر والحرب في غزة، فإذا ما حلت الثانية انهيت الأولى.
نفس الاستنتاج الذي يتبناه كافة اللاعبين الإقليميين بلا استثناء واحد!
في فوضى الارتباك الأمريكي تراجعت قدرتها على الردع.
هذه حقيقة توكدها الخارجية الأمريكية التي أعلنت أن أمن إسرائيل “مسألة مقدسة”، كأنها رسالة طمأنة بالوقوف معها حتى لو دفعت الإقليم كله إلى هاوية المجهول!
فقد الرادع الأمريكي هيبته.
هذه حقيقة ماثلة رغم أن مستشارا للرئيس الأمريكي “عاموس هوكستين” تواجد بالمنطقة لخفض التصعيد، دون أن يكون له فعل مؤثر.
الأسوأ أنه وجد نفسه طرفا في ملاسنات أمريكية إسرائيلية حول حقيقة حجب شحنات الأسلحة واصفا تصريحات نتنياهو بأنها كاذبة!
تلك الملاسنات في توقيتها وطبيعتها تعبير عن فجوة ثقة كبيرة تفصل بين نتنياهو وبايدن.
الأول، أرجع عدم قدرته على حسم الحرب وتحقيق “النصر المطلق” إلى حجب إمدادات السلاح عنه مقارنا نفسه بـ”ونستون تشرشل” الذي قال للأمريكيين أثناء الحرب العالمية الثانية “أعطونا المعدات وسوف نتكفل بالمهمة”!
والثاني، اتهمه عبر مستشاريه والمتحدثين باسمه بالجحود ونكران الجميل حيث وقف مع إسرائيل، كما لم يفعل أي رئيس أمريكي آخر.
على نحو صريح ومباشر تحولت دفة الملاسنات من حقيقة حجب صفقات السلاح إلى التدخل شريكا مع الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
بدا مأزق بايدن مستحكما وموقفه مهزوزا.
فهو يريد أن يركب جوادين في وقت واحد، دعم اللوبيات اليهودية في حملته الانتخابية، وتحسين صورته أمام القطاعات الشابة في المجتمع الأمريكي والجاليات العربية والإسلامية التي تناهض الحرب على غزة وتتهمه بالتورط فيها.
يؤرقه سؤال إذا ما كان سوف يقابل نتنياهو عند زيارته المتنظرة إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس دون أن يقرر شيئا حتى الآن!
بنفس الوقت احتلت الحيز العام في إسرائيل ملاسنات أخرى بين بن غفير ونتنياهو، عبرت عن عمق الأزمة الحكومية التي قد تزكي مغامرة الحرب في لبنان.
الأول، يطلب أن يكون طرفا مباشرا في إدارة الحرب دون خبرة سياسية، أو عسكرية.
الثاني، يمانع خشية أن يتحول مجلس الحرب قبل حله إلى سيرك تنشر أسراره بالعلن.
كان قرار نتنياهو بإنشاء مجموعة وزارية أمنية مصغرة تضم “بن غفير” محاولة في الوقت بدل الضائع لامتصاص الأزمة، لكنها بدت كاشفة لمدى صلاحية المستوى السياسي كله للبت في مسائل بالغة الخطورة كالحرب على لبنان.
الأوضاع السياسية الهشة في إسرائيل يفترض أن تردع أية مغامرة لتوسيع نطاق الحرب، لكنها قد تدفع بالمفارقة إلى الإقدام عليها!
ـ عن “الشروق” المصرية ـ
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
صن نار
- ثقافياقبل 11 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 12 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 22 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟