دون مفاجآت ودون حاجة إلى “الفار” أو إلى إعادة الاستفتاء كما تعاد مباريات كرة القدم ودون حتى الالتجاء إلى الفيفا والكاف ودون التعويل على الأكتاف لتحسم الأمر، أعلن الباش حامبة فاروق صاحب العسكر عن قبول مجلس الهيئة لمشروع نص الدستور الجديد للجمهورية…
إذن، قريبا يختم صاحب الدستور دستوره وتنطلق الزغاريد والتصفيق ويرقص هيكل المكي وجماعته حتى مطلع الفجر وهيكل هذا يذكّرنا في شطحاته بالراقصة “عيشة بوفخذين” التي عاشت في العشرية الأولى من الدولة الحسينية وكانت قريبة من كل من حكموا البلاد… ويغني سرحان الناصري احدى أروع أغاني الأعراس في تاريخ دولتنا “هاهو جاء اللي معذبني” ويردّ عليه الكورال وبه بعض المندسين من معارضي مولانا ويقول في صوت جماعي متناسق كأنه صوت كورال كنائسي “هاهو جاء اللي يعذبنا”، وترقص ليلى طوبال رقصة “الفالز” السياسية مع رضا صاحب الطابع عفوا رضا لينين وتصرّ مرّة أخرى على “الشدّة” في رقصة فالز بأربعة أوقات وشدّة… من الوسط، ويلطم جوهر بن مبارك ما تبقى من “خدوده” ويبكي حاله، ويقسم برأس كبش العيد ونطحه الشديد في العهد السعيد أنه سيحلق شنبه (إن وجد طبعا) لو عاد إلى السياسة يوما…ويقسم حبيب أبو عجيلة براس ستالين وأبناء الملاسين والحلفاوين وتطاوين أنه لن يمارس السياسة في السرّ ولا حتى السباحة على الصدر في العلن بعد اليوم، ويعلّق نجيب الشابي بدلته “الشهباء” بحضور رجال الإعلام من كل بلاد الدنيا ويقسم برأس حنبعل وبغلة العراق والزير سالم أنه سيعتزل المعارضة وسينضمّ إلى جوقة المصفقين و”عوّادة اللاعقين”…
قريبا تدخل فصول هذه “المعجزة” وأقصد الدستور وفصائله…عفوا اقصد فصوله حيز التنفيذ ويصبح “مولانا” صاحب الكلمة الفصل عبر كل فصل في كل ما يدور بهذه البلاد والقصر…حتى أنفاسنا…فـفصائل عفوا فصول هذا الدستور ستغيّر حال هذا الشعب حسب قول مولانا…وهو الذي كان يلمّح ان الفقيد الدستور رحمه الله وجازاه عنّا ألف خير، وأسكنه مكتبة نهج انكلترا عند “عمّ بلقاسم” سابقا، كان مكبلا له ومنعه من أن يقلب أوضاعنا إلى ما لم نكن ننتظره…وله الحقّ فما نعيشه اليوم لم نكن يوما ننتظره…
وكما يقول أحد زعماء الحركة القيسية في حملة الاستفتاء “تحب تعيش سعيد…صوّت مع دستور سعيد… يهزك لبعيد…بعيد… وحديد في حديد يفعل بيك سعيد ما يريد”…فبفصائل دستورنا عفوا بفصول دستورنا…سيقع القضاء على البطانة …عفوا على البطالة…وبفصائل دستورنا…عفوا مرّة أخرى “اش لزني عالفصايل” …أعتذر من السادة المشاهدين والسامعين والأتباع والأنصار والحاقدين فدستورنا الجديد حديد في حديد ففصوله انقلبت عندي فصائله…”يا لطيف”…أعود لأقول بفصائل عفوا بفصول دستورنا سيعمّ الرخاء أصرّ على “الرخاء” واي تأويل آخر لا يعنيني…وسيعمّ العدل وأقصد العدل لا “العدل المنفّد”…وسيعمّ الأمن ولا أقصد عونا في كل متر من أرضنا…وسيسمح للصحافة بأن تقول ما تريد عن دستور سعيد…وعن العهد الجديد السعيد والمفيد المبيد…عفوا المجيد…’اعتذر عن كثرة الأخطاء ففصائل عفوا مرّة بعد الأخرى فصول دستورنا “هبّلتني” كما تقول الأغنية “هاهو جاء اللي مهبلني”…خلاصة الأمر ستصبح تونس ضاحية شمالية من ضواحي الجنة وسنقطع جميع علاقاتنا بجهنم…ولن نستورد منها الطاقة…ولا غيرها من وسائل التسخين وحرق النفايات…فقط كمية قليلة من “السبيريتو” لوقت الحاجة…
التقيت مساء هذا اليوم السعيد بعد مرور دستور سعيد “داز صدرو”…أقول التقيت صديقا من عشاق دستور سعيد الجديد…التقيته في وضع مريب غريب عجيب…التقيته باكيا…قلت: ما بك يا “زفلوت” وهي كنيته التي نناديه بها…قال: وقع إيقاف ابني اليوم …قلت: ابنك لم يتجاوز سنته العاشرة لم تمّ إيقافه؟ قال: صعد ابني إلى أعلى بناية لأحد الأجوار وتبوّل دون أن يعلم أن أحدهم كان مارا من هناك فأصابه برذاذ من البول…فخاله المسكين المار مطرا والتفت إلى السماء قائلا: الحمد لله يا ربّ انعمت فزدْ فنزل البول مدرارا على وجه المار…فتفطّن لأمر ابني وتبوله من أعلى البناية، فاشتكاه، فتمّ إيقافه بتهمة ايهام الناس بالغيث النافع واستعمال آلة رشّ غير مرخّص فيها بعد تحقيق دام أكثر من يومين…قلت: نعم لهم الحقّ في ذلك فالفصل الثامن والأربعين يقول: على الدولة توفير الماء الصالح للشراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة…فلا حقّ لابنك بتوفير الماء الصالح للشراب أو الايهام به أو حتى الافراط في استهلاكه…وتركته…
بعد التقائي بالـــ”زفلوت” التقيت بالزعبوط وهو عاطل عن العمل منذ أربعة عقود وكان كئيبا شاحب الوجه…”مهزوما مكسور الوجدان” كما يقول الشاعر الفلسطيني البير كامي…سألته ما بك يا زعيبط؟ قال ذهبت أسأل عن مورد رزق عند السيّد معتمد الجهة وهو زميل لي كان عاطلا عن العمل فاعتمدوه معتمدا فأجابوني إجابة غريبة أتدري ماذا قالوا لي؟ قلت: ماذا؟؟؟ قال: اتهموني بالتجاهر بما ينافي الحياء وطلب شيء مستحيل والمستحيل لا يطلب من غير الله وهم لا ينوبون الله في شؤونه…ولا أعلم على أي فصل من فصائل الدستور استندوا في إجابتهم…قلت: لا يوجد أي فصل يمنعك من الشغل…لكن يوجد فصل “جوكير” هذا نصّه ” تعيا وانت تقبض”… وادرت وجهي إلى حيث طريقي ودندنت “هاهو جا اللي معذبني…هاهو جا اللي معذبنا”….وتذكرت قول الشاعر بيرم التونسي: