بعد عشرة أشهر من حكم المشيشي، تأكد الجميع شعبا وساسة أن هذا الرجل خطر على الدولة…وخطر على وحدتها واستقرارها…فبماذا أتى المشيشي وماذا قدّم وماذا يمكن أن يقدّم للبلاد والعباد، فتونس اليوم اقتربت من الانزلاق التام والشامل إلى مهالك السياسة غير النظيفة…
المشيشي لم يأت بشيء يفيد البلاد ويخرجها مما هي فيه بل ساهم في تردّي الأوضاع إلى ما لا تحمد عقباه… لسائل أن يسأل هل من يصفقون اليوم للمشيشي على وعي بما آلت إليه الأمور في البلاد، أم هم فقط من المتعنتين والرافضين للاعتراف بأن منظومة ما بعد 14 جانفي فشلت ولم تنجح في إيجاد البدائل التي كانت تنادي بها، وتفاخر بأنها ستغيّر وجه البلاد…ولسائل أن يسأل هل هؤلاء واعون حقّا بما أصاب البلاد …هل هؤلاء يدركون حجم السقوط الذي أصبحت عليه البلاد؟؟ والأخطر هل هم واعون بأن منظومة الحكم اليوم، لن تخرجنا مما نحن فيه، وأنها قد تكون أفظع ما قد يمكن أن يحلّ بهذه البلاد؟؟
قد يكون هؤلاء الذين يسعدون اليوم بوجود المشيشي على كرسي القصبة، من الذين يكرهون الحديث عن المنظومة السابقة، ومقارنة إنجازاتها بما أنجزته منظومتهم العرجاء، التي أوصلت البلاد إلى الإفلاس غير المعلن…وقد يكون هؤلاء من معارضي المنظومة السابقة الذين يرفضون حتى مجرّد الحديث عن فشلهم، ويعتبرون أن البلاد تعيش انتقالا ديمقراطيا علينا انتظار تبعاته وتأثيراته على المستويين الاقتصادي والاجتماعي خلال سنوات قادمة…هؤلاء يتصورون أن مجرّد الحديث عن إنجازات المنظومة السابقة هو استدعاء للماضي ورغبة في إعادة المنظومة السابقة، لكن واقع الحال غير ما يتصورون فالمنظومة السابقة دُفنت ولن تعود أبدا…ولا أظنّ أن الذين يقارنون بين إنجازاتها وإنجازات منظومة الفشل الحالية يريدون حقّا إعادتها إلى الحياة…فهم فقط يقارنون بين المنظومتين تحفيزا للحاضر ليكون في مستوى الماضي، ومحاولة جادة لتضييق الهوة بين ماضي البلاد وحاضرها حتى يستفيد حاضرها من نجاحات ماضيها ويتصالح ماضيها مع حاضرها خدمة لمستقبل أجيالها القادمة…
فالفشل الذي عانت منه كل حكومات ما بعد 14 جانفي يعود أساسا إلى اتساع الهوة بين الماضي والحاضر…وحقد هذا على ذاك وذاك على هذا….فبعض الحاضر يرفض مجرّد مشاركة بعض الماضي حاضرنا…وبعض الماضي يرفض وضع يده في يد الحاضر خدمة للمستقبل…فبعد أكثر من عشر سنوات من سقوط المنظومة السابقة وتخليها عن الحكم لا يزال بعض أغبياء الحاضر يشيطنونها، ويرمون بكل أسباب فشلهم عليها والحال أنها تركت لهم في خزائن الدولة، ما يكفيهم عناء السنوات الثلاث الأولى من الانتقال الديمقراطي المزعوم…علما بأن بعض رجالات المنظومة السابقة اعترفوا بأنهم انصرفوا في بناء البلاد اقتصاديا واجتماعيا ونسوا البناء السياسي ومتطلباته من حرية تعبير وتعددية حزبية وغيرها من آليات الفعل الديمقراطي… وبعد أكثر من عشر سنوات من الهرسلة والسجون والشيطنة والتنكيل لا يزال المئات من خيرة كفاءات البلاد وبُناتها يعانون من الملاحقات القضائية الواهية، التي لن تخرج البلاد مما هي فيه، ولن تساعد في ذلك بل بالعكس ستزيد في توسيع الهوة بين الأجيال وستضر بمستقبل الأجيال القادمة…
لكن وسط كل هذا الذي يجري هل اختار المشيشي من هم الأكفأ في حكومته؟ وهل كان المشيشي رجل المرحلة فعلا؟ هل اختار ساكن قرطاج من يصلح فعلا لقيادة المرحلة؟ لا، المشيشي لا يمكن أبدا أن يكون رجل المرحلة …ولا حتى من رجالاتها…فهذا الرجل موظف عادي لم يحسب سابقا بين كفاءات البلاد، ولم يقع ابدا اختياره ضمن من يمكن إعدادهم للقيادة والتسيير فمن جاء بالمشيشي يا ترى ولحساب من فعلوا ذلك؟؟ كلها أسئلة وجب طرحها اليوم فمن أتى بالمشيشي لم يفعل ذلك حبا في البلاد بل كانت له غاية فما هي غايته يا ترى؟
ما أتاه المشيشي سواء كان ذلك على مستوى تركيبة حكومته، أو تعامله مع بقية مكونات المشهد…وما يأتيه يوميا من نشاط لا يفيد البلاد في شيء، يؤكّد حقيقة واحدة…هذا الرجل لا يصلح لقيادة البلاد….وهو أخطر على البلاد من كل من سبقوه على كرسي القصبة فالرجل غامض ويغيّر مواقفه حسب أهوائه وحسب مزاجه…ولا يقرأ حسابا لأي قرار يأخذه…فهذا الرجل قد يتعامل مع “الشيطان” للحفاظ على موقعه…والرجل الذي يقبل بأن يعمل بحكومة نصفها وزراء بالنيابة لا يهتمّ بمصالح البلاد العليا، بل همّه الوحيد الحفاظ على الكرسي…والرجل الذي يحيط نفسه بأصدقاء الدراسة دون اختيار الأكفأ منهم، لا يمكن أن يفكّر في مصلحة البلاد بل لا تعنيه أصلا فمصالحه هي الأهمّ…
قد يذهب المشيشي إلى أبعد من كل ما أتاه فكما تنكّر لمن اختاره، رغم اني لست من أنصار ساكن قرطاج، أقول قد يذهب المشيشي بعيدا بطموحه فهو محاط بمن لا يفقهون شيئا في تسيير شؤون الدولة وقد ينصحونه بالانقلاب على الجميع، فهو في وضع يسمح له بذلك، فحزامه لن يغامر بسحب الثقة منه…خوفا من استقالته وإعادته للعهدة إلى صاحبها ساكن قرطاج…وقد تعيش البلاد شللا تاما في كل تفاصيل الحكم…وقد يصل الأمر إلى الانفجار الاجتماعي في قادم الأشهر لو لم ترسل الدولة بكل مكوناتها بإشارات إيجابية إلى هذا الشعب المنكوب في عيشه وفي مصير أبنائه وفي منظومته الصحيّة التي انهارت منذ جلس المشيشي على كرسي القصبة…
فبعد أكثر من عشر سنوات من الانتظار لا يزال المئات من الآلاف ينتظرون ما وُعدوا به يوم خرجوا على المنظومة السابقة رافعين شعار “خبز وماء وبن علي لا”…فهل نجحت منظومة ما بعد 14 جانفي في إيجاد البدائل التي كانوا يؤكّدون أنها ستُخرج البلاد مما هي فيه وستقضي على البطالة؟؟ هل نجحوا في إيجاد منوال تنمية جديد يحققون به وعودهم؟؟ لا لم تنجح كل حكومات منظومة ما بعد 14 جانفي في إنجاز ولو واحد بالمائة من الوعود التي تفاخرت بالصراخ بها طويلا…فمن كانوا يفاخرون ببدائلهم انصرفوا إلى المطالبة بالزيادات في الأجور بوسائل لا تمتّ للديمقراطية بصلة…وجاء المشيشي ليزيد الوجع وجعا بجهله التام بشؤون تسيير الدولة…فهلاّ أبعدتم المشيشي عن القصبة قبل فوات الأوان؟؟