تابعنا على

جور نار

هل تصبح تونس سادس المطبعين مع إسرائيل … بعد ليبيا إن وصل حفتر للرئاسة؟

نشرت

في

يوم 17 سبتمبر الماضي، وبمناسبة الذكرى الأولى لــ”اتفاقيات أبراهام”، وخلال اجتماع افتراضي دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الدول العربي إلى التطبيع والاعتراف بإسرائيل…وكان بين الحاضرين في هذا الاجتماع الافتراضي وزير الخارجية الاسرائيلي يائير لابيد، والإماراتي عبد الله بن زايد، والمغربي ناصر بوريطة، والبحريني عبد اللطيف الزياني…وخلال ذلك الاجتماع قال بلينكن “سنشجع المزيد من الدول على أن تحذو حذو الإمارات والبحرين والمغرب…لأننا نريد توسيع دائرة الدبلوماسية السلمية”. واليوم تعيش الدول العربية على وقع تحركات ديبلوماسية كثيفة بين العديد من الدول العربية وإسرائيل لتوسيع قائمة الدول التي ستنضم خلال قادم الأشهر إلى “اتفاقيات أبراهام”.

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو “ما الذي يجبر بعض الدول العربية على الهرولة إلى حضن إسرائيل؟” والإجابة في غاية البساطة فالعديد من الدول الخليجية تعيش توترا مع الجارة الكبرى إيران وترى في تقاربها وتطبيعها مع إسرائيل فرصة لتأمين حدودها وأمنها وسلاحا فعالا ضدّ أطماع طهران، وهذا الأمر هو الذي أوعز لإسرائيل التقرّب من عديد الدول الخليجية التي تعيش توترا مع ايران وقد يكون التوتّر مفتعلا أو “بفعل فاعل” لغاية في نفس تل أبيب، فإسرائيل نفسها تعيش رعبا من ايران وبرنامجها النووي، وتقاربها وتطبيعها مع دول الجوار الإيراني العربية سيدعم أمنها ويمكنها من التعامل مع الملف الإيراني براحة كبيرة…فإسرائيل هي أكبر مستفيد من التطبيع مع دول الخليج اقتصاديا وأمنيا أيضا…

لكن ما الذي يجعل إسرائيل تبحث عن موطأ قدم في شمال افريقيا بعد أن ضمنت بعض الدول الخليجية، وفي انتظار انضمام أغلبها في قادم الأشهر والسنوات؟؟ فبعد أن ضمنت تل ابيب تطبيعا مع المغرب واستئنافا للعلاقات ومفاوضات التطبيع الكامل مع السودان بدأ الحديث مؤخرا عن تقارب قادم مع ليبيا…فقد كشف مؤخرا أحد وزراء حكومة نتنياهو عن لقاءات سرّية حول التطبيع مع قيادات سياسية بارزة في دولة عربية، وقد تمّ أخيرا كشف طبيعة هذه اللقاءات حيث أكّدت العديد من المصادر عن لقاءات سرّية مع قيادات ليبية خلال سنوات حكم العقيد القذافي رحمه الله في جزيرة رودس تمحورت أساسا حول التطبيع…

واليوم أيضا تأكد أن المشير حفتر ينوي فعلا التطبيع مع إسرائيل حال فوزه بالانتخابات الرئاسية التي سيترشّح لها خلال قادم الأيام، فقد كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” مؤخرا أن مرشحي الرئاسة، خليفة حفتر وأيضا سيف الإسلام القذافي، استأجرا خدمات مستشار إعلامي إسرائيلي كبير، له تجربة غنية في إدارة حملات الانتخابات في دول في أفريقيا، وفي شرق أوروبا وفي البلقان وهو ما يؤكّد نيتهم في التقارب مع إسرائيل مباشرة بعد فوز أحدهما بكرسي الرئاسة الليبية…وأضافت الصحيفة عن حفتر قوله لبعض مقربيه، “إن من سينتصر في الانتخابات لرئاسة ليبيا سيضع الاتجاه الذي ستسير فيه الدولة، وهو من سيحدد السياسة العامة لها”، كما توقعت “إسرائيل اليوم”  أن يعيّن حفتر ابنه صدام في منصب كبير وهام ومتقدّم في الحكم الليبي إذا ما فاز في الانتخابات لضمان تفعيل برامجه التي يتفق فيها معه، فهو من أرسله إلى تل أبيب لمناقشة توطيد العلاقات بين البلدين في صورة فوزه برئاسة ليبيا يوم 24 ديسمبر القادم…فحفتر يعوّل على التطبيع والتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية ليعود بليبيا إلى الاسرة الدولية حسب قوله، وهو الأمر الذي سيضمن له المساعدات اللازمة والقروض المالية لإعادة اعمار البلاد، وضمان تعامل اقتصادي واسع عبر دول البحر المتوسط، كما يتطلّع حفتر إلى ضمان تأييد واشنطن والاتحاد الأوروبي لسياساته الخارجية في صورة فوزه برئاسة ليبيا…

لكن هل سيتوقّف زحف التطبيع عند ليبيا لو وقع أم سيتواصل ليصل قرطاج؟ تقول بعض المصادر الإعلامية في إسرائيل أن تونس قد تكون الأقرب إلى التطبيع بعد ليبيا في صورة وصول حفتر إلى السلطة، فتونس في عيون بعض الإعلاميين بتل أبيب والقدس هي أول ديمقراطية في الدول العربية قبل أن ينقلب عليها الرئيس قيس سعيد وهذا طبعا ما أوردته العديد من الصحف الإسرائيلية بعد 25 جويلية الماضي… فتونس حسب بعضهم هي اليوم في أشدّ الحاجة إلى مساعدات اقتصادية خارجية، وقربها السياسي والاقتصادي من الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوروبي سيكون عاملا مهمّا في تقارب منتظر مع اسرائيل، قد يصل في نهاية المطاف إلى تطبيع كامل في حال فشل السلطة القائمة اليوم في تونس في الخروج من الأزمة الحادّة وابعاد الدولة عن حافة الإفلاس، علما بأن تونس شهدت في التسعينات إقامة تمثيل ديبلوماسي اقتصادي إسرائيلي قبل وبعد اتفاقيات أوسلو …

 والواضح أن إسرائيل وأمريكا وبعض الدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل تعمل على إيجاد طريقة للتقريب بين وجهات نظر السلطة القائمة في تونس وإسرائيل من أجل تطبيع اقتصادي تحتاجه تونس للخروج من أسوأ وضع اقتصادي عرفته منذ استقلالها…والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل يفعلها قيس سعيد ويرضخ لابتزاز إسرائيل والدول المطبّعة والدول والمنظمات المانحة التي تعمل على إعادة الروح لعلاقات اقتصادية بين تونس وإسرائيل تمهيدا للتطبيع الشامل والكامل؟…فإسرائيل ومن معها يعوّلون على الوصول بالتطبيع إلى قرطاج لمحاصرة الدولة الوحيدة الرافضة للتطبيع شكلا ومضمونا أي الجزائر … فالجزائر هي الدولة العربية الأكثر معاداة لإسرائيل بين دول شمال افريقيا وهي الدولة الوحيدة في شمال افريقيا التي أبقت على علاقات وثيقة مع ايران وسوريا، وهي أيضا الدولة العربية الوحيدة التي رفضت التقارب مع إسرائيل خلال اتفاقيات أوسلو… 

لكن هل تشهد خريطة التطبيع توسعا آخر في قادم السنوات، خاصة أن موريتانيا ربطت علاقات ديبلوماسية كاملة مع إسرائيل بعد اتفاقيات أوسلو ثم قطعتها عند الانتفاضة الفلسطينية الثانية…وقد تتراجع وتعود إلى حضن التطبيع لو انضمت أغلب البلدان العربية إلى اتفاقيات ابراهام…وفي الجزيرة العربية ينتظر أن تنضمّ السعودية أو عُمان في قادم الأشهر إلى الاتفاقية. فوفقا لصحيفة “إسرائيل اليوم” فاجأ وزير الخارجية السعودي العالم كله بمدحه لإسرائيل من واشنطن وأمام الجميع، قائلا: “إسرائيل أسهمت في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة”، كما أن تلميحات بإمكانية تطبيع اليمن مع إسرائيل صدرت أخيرا عن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن عيدروس الزبيدي الذي قال إجابة عن سؤال حول التطبيع مع تل أبيب “مسألة التطبيع مع إسرائيل لا تعني مطلقا التخلي عن القضية الفلسطينية”…فهل تنضمّ اليمن بعد الخروج من أزمتها إلى دول التطبيع وهل يكون تطبيع اليمن مقابل مساعدته على الخروج مما هو فيه اليوم، خاصة أن خروج اليمن مما هو فيه حسب إسرائيل يعني خسارة ايران على أرض اليمن؟

وخلال مؤتمر بعنوان “السلام والاسترداد” برعاية منظمة أمريكية في إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي، دعا أكثر من 300 عراقي، بمن فيهم شيوخ عشائر من الطائفتين السنية والشيعية، إلى تطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل…وفي نفس هذا الإطار أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، عن ترحيبه بالدعوات قائلا إن الحدث “يبعث بالأمل في أماكن لم نفكر فيها من قبل، نحن والعراق لدينا تاريخ وجذور مشتركة في المجتمع اليهودي”…

فهل ترضخ الدول العربية الرافضة للتطبيع للأمر الذي بدأ ينقلب إلى واقع وتنضمّ إلى “اتفاقيات أبراهام”، أم تعيش اضطرابات أخرى تحت عنوان ربيع آخر أو خريف أو شتاء عربي جديد يأتي بمن يقبلون بأوامر الماما ومدللتها إسرائيل، ويقبلون بزيارة تل أبيب والقدس ويخطبون في الكنيست ويشربون خمر حيفا؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.

لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…

هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..

أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار