هل تنفد ذخيرة مولانا من الصواريخ … وتدخل البلاد في حرب استنزاف سياسية؟
نشرت
قبل 3 سنوات
في
نحن اليوم على مشارف المائة يوم من حكم مولانا الحاكم بأمره…فهل تقدّمنا خطوة واحدة نحو إصلاح حال هذه البلاد المنكوبة؟ لا…هل أتينا شيئا واحدا ينفع الناس؟ لا…هل وحدنا الشعب على كلمة سواء؟ لا…هل طهّرنا قلوبنا من الأحقاد والكراهية؟ لا…
لا شيء وقع في المئة يوم الأولى من حكم الحاكم بأمره…وحاكمنا الأوحد… الذي “استولى” على الحكم مساء الأحد…أخبارنا ليس فيها إنجازات…ولا استثمارات…ولا تشغيل عاطلين…أخبارنا لا تخرج عن دائرة…ايقاف…ايداع…محاكمة…ومنع السفر…هذا نظامنا اليوم…وهذا محتوى نشرات أخبارنا…وحدها قناة التاسعة…قناة الحاكم بأمره مولانا…جادت علينا بسهرة خاصة لتفسير وفكّ شفرة خطاب مولانا بمجلس وزراء حكومته…ولا شيء جاء في التفسير…غير التهديد والوعيد…
الحاكم بأمره بحث مرّة أخرى عن سياسة الإلهاء وخرج علينا بقرار جرد شامل ودقيق للهبات والقروض التي تحصّلت عليها تونس في السنوات الماضية…ولأني على يقين أن الجرد والتدقيق لن يأتينا بخلل واحد في كيفية صرف الهبات والمساعدات والقروض التي تحصلت عليها تونس خلال عشرية الدمار والخراب…فمولانا لا يزال يبحث عن “المُدغدغات” والبهارات والتوابل في كل ما يأتيه، وأقصد كل القرارات التي تحرّك مشاعر الغضب والحقد عند جزء كبير من هذا الشعب…مولانا يتعامل مع واقعنا المشؤوم بسياسة “دغدغة” المشاعر والعواطف لخلق العواصف…فهي السياسة الوحيدة التي ألهت هذا الشعب عن المطالبة بالإيفاء بالوعود…كما أعاد مولانا على مسامعنا موضوع الصلح الجزائي ونحن على بينة من أن هذا الصلح لن يقدّم بنا مترا واحدا في اتجاه إصلاح حال البلاد، فقط ولأن مثل هذه القرارات تثير عواطف الأتباع والمصفقين وتُلهب مشاعرهم، فإن مولانا يخرج بها علينا كلّ مرّة بغية إلهائنا عن التفكير في الركود الذي وصلت إليه حال البلاد والعباد وفشل كل خياراته، بعد قرابة المائة يوم من “استحواذه” على الحكم الكامل والشامل والأوحد للبلاد في انتظار أن يحكم قبضته على العباد…
مولانا لم يع إلى يومنا هذا أن أزمتنا الاقتصادية والمالية، ليست كلها بسبب فساد حكامنا ومن تداولوا على السلطة خلال هذه العشرية، مولانا ذهب إلى تشخيص “شعبوي” يدغدغ ويلهب مشاعر ومزاج أتباعه ومن بايعوه على الحكم، فكلمة فساد تثير اليوم كل من يرون في مولاهم عمر الفاروق أو عمر بن عبد العزيز…مولانا أدرك أن هذا الشعب متعطّش إلى الانتقام …والثأر من الحكام ومن حكموه سابقا…فملأ خطبه ومداخلاته بكل الكلمات التي تثير أتباعه وتشحنهم ضدّ الأغنياء ومن حكموا…فلم يخل خطاب واحد من خطب الحاكم بأمره من كلمات منصة الصواريخ… الفساد…القضاء…المحاسبة…الخيانة…الغرف المظلمة…سرقة أموال الشعب…العقاب…التطهير…الملاحقة…هكذا هي خطب الحاكم بأمره….تتشابه في محتواها…وفي حدّة معانيها…ولا تخلو من تهديد ووعيد …
مولانا نسي الأهمّ…نسي أن كتلة الأجور انتفخت إلى أن أصيبت بالسمنة ولا أحد يمكنه معالجتها و هو غير عارف بأسباب ما تعانيه …مولانا لم يبحث في أسباب انتفاخ كتلة الأجور…ولم يفكّر في الأمر حتى…فانتفاخ كتلة الأجور هي أيضا السبب الأهمّ في التخلّي عن نصيب الاستثمار في كل ميزانيات الدولة في السنوات الأخيرة…مولانا لم يعلم أن أغلب القروض والهبات والمساعدات وقع تحويل وجهتها إلى كتلة الأجور، خوفا من تبعات عدم خلاص الأجور على السلم الاجتماعي…مولانا لم يدرك أيضا أن الفساد الحقيقي كان في تعطيل مواقع الإنتاج….وفي ملايين الإضرابات….وفي طرد المستثمرين …وفي الاعتصامات التي عطّلت مواقع الإنتاج…مولانا لم يسأل نفسه كم خسرنا بسبب تعطيل الإنتاج في الحوض المنجمي؟ لم يسأل نفسه كم خسرنا بسبب غلق النزل والمواقع السياحية، ولم يسأل نفسه من كان السبب في عزوف السياح عن الوجهة التونسية؟
مولانا لم يسأل نفسه كم مستثمر غيّر وجهته من بلادنا إلى بلدان أخرى؟ مولانا لم يسأل نفسه ما سبب هروب المستثمرين عن بلادنا؟ ألم يتساءل مولانا ما حجم خسائرنا بسبب تعطيل مواقع الإنتاج، وغلق المواقع السياحية، وتحويل وجهة المستثمرين وهروب أغلبهم إلى بلدان قريبة منّا، أكثر من 50 مليار دينار تونسي خسرناها بسبب كل هذا ولم نأبه للأمر، ولم نتفطّن إلى الخراب الذي تسببنا فيها بصمتنا عن أسباب هذا الخراب…فلا أحد يمكنه وضع 500 مليون دولار في جيبه كما همسوا في أذن مولانا…كما لا أحد يمكنه تهريب مليون دينار أو مليون دولار من أموال الدولة إلى خارج البلاد دون أن تتفطّن له مصالحنا الأمنية…والديوانية…مشكلتنا ومنذ أكثر من عشر سنوات هي التشخيص الخاطئ لوضعنا الاقتصادي والمالي والاجتماعي…
السؤال الذي وجب طرحه اليوم لماذا لا نريد البحث في حقيقة أسباب ما نحن فيه؟ لماذا لم نلتفت يوما إلى التشخيص المنطقي السليم لمن أوصلنا لما نحن فيه اليوم؟ والسؤال الأخطر اليوم هو لماذا اختار مولانا نفس طريق من سبقه في مواصلة الصمت عن الأسباب الحقيقة لما نحن فيه اليوم؟ فهل يواصل هذا الشعب انتظار من يدرك حقيقة معاناته…وحقيقة أوجاعه…وحقيقة من أوصله إلى ما هو فيه اليوم…
أظنّ أن ما نعيشه اليوم هو استنساخ حقيقي واستحضار لخلافاتنا القديمة…فمشاكلنا منذ 14 جانفي تعاد وتتكرر…لأننا لم نتخلّص من عقدتنا الأخطر…عدم القبول بالاختلاف وبالآخر…فنحن نعيد خلافات الماضي بأدوات الحاضر…ونريد أن نصدّر خلافات الحاضر إلى مستقبل أجيالنا القادمة…فحاضرنا هو مجرّد صراع بالنيابة عن تاريخنا…والخوف أن يكون مستقبل أجيالنا القادمة صراعا بالنيابة عن حاضرنا وتاريخنا…
أكاد أجزم اليوم أن معالجتنا الحالية لما نحن فيه لن تضمن لنا خروجا آمنا مما نحن فيه وستُبقى مشاكلنا عالقة إلى ما لا نهاية له، وسنرهق كاهل أجيالنا القادمة لعقود وعقود…وكأني بمولانا والحاكم بأمره الأوحد يأتي ما قاله “ميكيافيلي” حين أوصى الأمير بالاستفادة من كل لحظات ضعف جاره لمهاجمته وإلا فإن هذا الأخير يمكن أن يستفيد من اللحظة التي يكون فيها الأمير في وضعية ضعف… فمولانا لم يعلن وقف إطلاق النار بعد أن كسب معركته الأهمّ ضدّ خصومه ورغم أن أغلب صواريخه لم تصب أهدافها، فأغلب من يحاكمون اليوم هم أقرب إلى البراءة…ورغم خسارة خصومه وعودتهم إلى مواقعهم ملتزمين بالصمت، فإن مولانا واصل إطلاق النار والصواريخ من منصاته المتحرّكة في قصف عشوائي لا موجب له…فهل يتفطّن مولانا أن خصومه قد يلجؤون إلى حرب استنزاف تلهيه عن معركته الأهم “إصلاح حال البلاد والعباد” فيخسر كل ما كسبه…حين تنفد ذخيرته…ويتسلح خصومه بصواريخ يصل مداها إلى منصاته…