تابعنا على

جور نار

هل خطّط قيس سعيد للانقلاب … منذ جلوسه على كرسي قرطاج؟!

نشرت

في

سؤال يطرح نفسه بعد ما قرره أخيرا قيس سعيد، منذ متى بدأ ساكن قرطاج في التخطيط لما قام به؟ فالعقل لا يقبل أبدا بالرواية التي تقول إن ساكن قرطاج أتى ما أتاه بحثا عن حلّ لمشكلات البلاد، وبهدف انقاذ تونس من الوضع المأسوي الذي أوصلوها إليه منذ عشر سنوات ويزيد…فقيس سعيد أحببنا أم كرهنا هو جزء من منظومة “فاسدة” وإن لم يكن فاسدا، أليس هو رئيس البلاد منذ قرابة السنتين؟ أليس هو من اختاره الشعب لقيادة البلاد؟ إذن هو جزء هام وربّما هو أهمّ جزء من منظومة فشلت في تسيير دواليب الدولة وزادت وضعها الاقتصادي والاجتماعي علاوة على السياسي تأزما…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

يقول المنطق إن قيس سعيد وهو رئيس البلاد، والضلع الأهم في ثلاثي الحكم، مسؤول كالبقية عمّا وقع بالبلاد، وعمّا آلت إليه الأوضاع بالبلاد منذ جلوسه على كرسي قرطاج، فهو إذن الشريك الأكبر في ما آلت إليه الأزمة، و وجب منطقيا أن يلقى نفس مصير بقية شركاء الحكم فكيف استثنى نفسه من العقاب وأنقذ نفسه من الحساب…فهل استبق غضب الشعب وخروجه على حكامه ليقفز من مركب الفشل إلى ضفّة تجعله في مأمن من محاسبة الشعب؟

تسلسل الأحداث يؤكّد أن مسؤولية قيس سعيد في مثل حجم مسؤولية بقية أطراف الحكم وربّما أكثر، فهو من اختار الفخفاخ رئيسا للحكومة بعد سقوط حكومة الجملي في امتحان مجلس النواب، وهو من اختار المشيشي رئيسا للحكومة بعد استقالة الفخفاخ اثر اتهامه بشبهة تضارب المصالح، وهو أيضا من عرقل نصف حكومة المشيشي بعد التحوير الذي أجراه هذا الأخير على حكومته وابعاده لكل وزراء القصر، ومن اختارتهم ساكنة قرطاج نادية عكاشة، فقيس سعيد ساهم “عن قصد” في وصول البلاد إلى ما هي عليه، ولم يحرّك ساكنا أصلا أمام ما يقع في مجلس النواب، ولم يقف وقفة حازمة لإيقاف مهزلة المجلس وما يجري تحت قبّته بل كان يعرّج على الأمر في كل خطبه بشكل شيطنة لخصومه داخل وخارج قبّة باردو… فلماذا ترك إذن قيس سعيد البناء ينهار على رؤوس الجميع؟ هل فعل ذلك من أجل إيجاد مبررات لتفعيل الفصل 80 من الدستور؟ أم كان شريكا بنصيب كامل في صنع الخطر الداهم الذي يخوّل له تفعيل ذلك الفصل؟ فهل خطّط قيس سعيد لكل ذلك من أجل الاستيلاء على جميع مفاصل الحكم أم كانت الصدفة التي اعترضت طريقه ليصبح الحاكم بأمره في البلاد والعباد؟

المتابع للأحداث وتسلسلها منذ تقديم قيس سعيد لترشحه لكرسي قرطاج يدرك ومن خلال برنامج هذا الأخير أن قيس سعيد كان يبحث منذ يومه الأول عن رئاسة كاملة الأوصاف والصلاحيات ويريد أن يكون صاحب القرار الأول والأخير رغم علمه بتواضع صلاحيات الرئيس في دستورنا الحالي…فالرجل جاء كرسي قرطاج ليكون ملكا على البلاد دون تاج ودون عرش…فهل بحث قيس ومنذ وصوله كرسي قرطاج عن الاستحواذ على جميع السلطات، وهل وفر كل الظروف تدريجيا لذلك؟ فالرجل لم يكن بذلك الحزم الكبير في تعامله مع بقية أطراف الحكم ولم يقترب من بقية أطراف المشهد، بل كان منغلقا على مجموعة داعمة له، ولم يُشعر الشعب ولا المتابعين للمشهد بأنه شريك في ما يقع بالبلاد وجزء من المنظومة، بل روّج من خلال كل ما يـأتيه بأنه خارج السرب، ولا شيء يربطه بمنظومة الحكم الحالي، وكأني به يريد الإيقاع بهم جميعا والتسويق جماهيريا بأنه غير مسؤول عن الأزمات التي تعيشها البلاد سواء كانت الأزمة الصحية أو الاقتصادية والاجتماعية، فالرجل لم يساهم ولو بالنصيحة أو بالاقتراح في حلحلة الأمور، رافضا كل حوار مع أي طرف اجتماعي أو سياسي عرض عليه الأمر، وجلس يشاهد سقوط المنظومة وتصاعد وتيرة غضب الشارع عنها، وتضاعف عدد الرافضين لها، وتراجع شعبية كل الجالسين أمامه من شركاء الحكم، والأغرب أنه لم يحرّك ساكنا ولم يُولِ أهميّة كبيرة للملفات التي هي تحت سلطته وبحوزته، خاصة تلك التي تتعلّق بالتعاون الدولي والعلاقات الديبلوماسية.

كأني بقيس سعيد استشعر ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع وما يمكن أن يقع بالبلاد فاختار توقيت وضع يده على حكم البلاد بعد أن عشنا معه خطبا نارية اتهم فيها كل خصومه وكل من يشاركونه الحكم بالفساد، وهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور لمدّة فاقت السنة ونصف السنة، فالرجل هدّد بالضغط على زر إطلاق صواريخه الدستورية التي كانت تنتظر إشارة واحدة منه لتنطلق من منصاتها، ماذا يعني كل هذا يا ترى؟ هل كان قيس سعيد ينتظر اكتمال مبررات انقلابه على بقية شركاء الحكم؟ وهل ترك الحبل على الغارب ليزيد من غضب الشارع والشعب ويكتمل بذلك شحن الشعب نفسيا ضدّ من يحكمه؟ وهل كان إعلانه للحرب ضدّ المشيشي ومن حوله فقط لإيهام الشعب وأتباعه بأنه ليس منهم وليس شريكا في ما يقع بالبلاد وأن خروج الشعب على هؤلاء أصبح ضرورة مؤكّدة؟ وهل وضع نفسه من خلال قطيعته مع شركاء الحكم في مأمن من غضب الشعب وردّة فعله؟

لاحظ بعض المتابعين للمشهد السياسي بتونس أن ارتفاع حدّة توتّر ساكن قرطاج أصبحت واضحة للعيان مباشرة بعد انقلاب المشيشي عليه وعلى خياراته، وزادت حدّتها بعد ارتماء المشيشي في حضن حزام سياسي وبرلماني تتزعمه حركة النهضة ويضمّ ائتلاف الكرامة وقلب تونس وكتلة الإصلاح في المقام الأول وحركة تحيا تونس وبعض الكتل الداعمة الأخرى في مقام ثان، وتأكّد حينها قيس سعيد أنه لن ينجح في الوفاء بوعوده لمن انتخبوه وأوصلوه إلى كرسي قرطاج من العمود الفقري لقواعده وأتباعه، فهُم من صوّتوا له في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وأدرك أن فرصة إعادة انتخابه لولاية ثانية أصبحت تتلاشى تدريجيا، وكان عليه أن يجد حلاّ ينقذ به مسيرته في قصر قرطاج فالرجل لم يقم بشيء يذكر خلال سنة وأكثر من وجوده بقصر قرطاج، وهذا سيكون وصمة عار لن تمّحي من ذاكرته، وهو الجالس على كرسي جلس عليه الزعيم بورقيبة رحمه الله لحوالي الثلاثين سنة وبن علي رحمه الله لأكثر من عقدين وقاما بكثير من الأعمال وتركا أثرا سيذكره التاريخ بعد مئات السنين. فكيف ينقذ نفسه وتاريخه من ورقة بيضاء لا شيء فيها تجعله مجرّد اسم عابر في سطر يتيم ببعض كتب التاريخ؟

والغريب في أمر ساكن قرطاج هو تحرّكه السريع والكبير بعد 25 جويلية لجلب وتوفير التلاقيح واستجداء المساعدات والهبات والعطايا، فالرجل كان يعلم قبل ذلك الوقت بكثير بما آلت إليه الأمور الصحية بالبلاد، وكان يعلم بعدد من ماتوا بسبب الكوفيد لكنه لم يكن حازما بالشكل الذي كان يجب أن يكون عليه وأوعز لأتباعه بإغراق المشهد الإعلامي بأخبار نفاد الاوكسيجين وعدم توفير التلاقيح، وصدفة تغيّر كل شيء وصمت الجميع عن الاوكسيجين والتلاقيح…وأصبح كل شيء على ما يرام… وقرّر الرئيس أيام التلقيح الجماعي لتتحرّك “ماكينته” الإعلامية وتجعل من اليوم الأول للتلقيح الجماعي حدثا لم يشهده العالم أبدا…فماذا لو تدخّل قبل الانقلاب بأشهر ليقترح ما فعله وليتحرك دوليا من أجل توفير التلاقيح وأجهزة التنفس وشحنات الأوكسيجين؟ فهل وضع قيس سعيد مخططا لكل ما وقع في البلاد من أجل إيجاد مبررات انقلابه على خصومه؟

ماذا كان يريد حقّا قيس سعيد بما قد يكون خطّط له ونفّذه يوم 25 جويلية الماضي وأكمل صياغته القانونية هذا الأسبوع؟ هل كان يريد فقط إصلاح شأن وحال البلاد وانقاذها من الإفلاس والخراب والدمار التي تسببت فيهم كل منظومات حكم ما بعد 14 جانفي، أم كان يبحث عن أمر أكبر من ذلك بكثير؟ لسائل أن يسأل كيف يمكن لقيس سعيد أن يغيّر حال البلاد وهو في سنته الثانية على كرسي قرطاج؟ هل ستكفي ثلاث سنوات ليصلح حال البلاد ويطهّرها من الفساد كما يزعم ويصرخ بذلك في كل خطاب؟ كل عاقل سيجيبنا عن هذا السؤال بــ”لا” فقيس سعيد لن يكون قادرا على فعل ذلك في ثلاث سنوات فقط وفي ظلّ ظروف اجتماعية واقتصادية كالتي تعيشها البلاد اليوم…فماذا يريد إذن؟

الإجابة واضحة للعيان من خلال ما أتاه هذا الأسبوع فما قرره ونشره بالرائد الرسمي للبلاد التونسية يؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ، أن الرجل يبحث عن إطالة مدّة إقامته بقصر قرطاج ويريدها مصحوبة بكل مقاليد الحكم كما كان الشأن بالنسبة لبن علي رحمه الله…فلا أحد سيصدّق أن الرجل فعل كل هذا الذي فعله ليسلّم البلاد إلى غيره أو أحد خصومه بعد أن ينهي تنفيذ ما قرره…فشيطنة خصومه…وإبادتهم الجماعية سياسيا كان مخطّطا لها فهو يدرك أن أكثر من ثُلُثي الشعب التونسي لا يريدون بقاء حركة النهضة في الحكم، ولا حتى عودتها للسلطة وسيسعدون بإبعادها عن الحكم، فاختار أن تكون هي أولى ضحاياه وبذلك كسب تعاطفا واسعا، ومساندة كبيرة من كل من يكرهها وأصبح عند بعضهم “بطل” معركة التحرير من آخر فصائل إخوان الربيع العربي، وتعاطف معه حتى بعض من هم منها ومعها، كما أنه أوجد مشروعية شعبية لحلّ مجلس النواب من خلال تركه الحبل على الغارب وشيطنته اليومية لفساد بعض من هم تحت قبّة باردو دون أدلة وإثباتات تسمح له بوضعهم في السجون…

فالشارع التونسي وبعد أن تمّ شحنه ضدّ كل الأحزاب لم يعُد مهتما بمن يكون قيس سعيد أو بما يريده قيس، أو بخطر وإمكانية تحوله إلى مستبد أو دكتاتور غدا، وسيقول لك لو سألته عن سبب مساندته الكبيرة لقيس سعيد بقوله “ما خَرِّجْ النهضة كَان هُوَ”…وهو نفس ما وقع مع التجمّع بعد 14 جانفي 2011…فالحكاية ليست أكثر من انتقام مكوّنات سياسية من بعضها البعض، ومن انتقام رئيس جمهورية ممن حوّلوا وجهة من اختاره وزيرا أول ومن حرموه من سلطة تامة بدستور وقعت صياغته على مقاس من صاغه…وهذه الرغبة في الانتقام هي من أوجدت الرغبة الجامحة لساكن قرطاج في البقاء أكثر ما يمكن في قصر قرطاج…فكل قراراته التي نشرت في الرائد الرسمي تصبّ في نتيجة واحدة وهدف واحد…انتخابات تشريعية سابقة لأوانها يكون فيها لــ”الشعب يريد” النصيب الأكبر من المقاعد، بعد صياغة قانون انتخابي جديد يسمح للأحزاب بكسب الأغلبية المطلقة التي تسمح لحزب واحد بحكم البلاد، خاصة أنه نجح في تفتيت كل الأحزاب التي يمكن أن تنافسه جدّيا في المحطّة الانتخابية السابقة لأوانها بما أتاه يوم 25 جويلية الماضي، فحتى الدستوري الحرّ سيفقد بريقه بعد أفول نجم النهضة وشيخها وبعد ظهور حزب الرئيس للعلن…ومن خلال “الشعب يريد” يمكن لقيس سعيد أن يواصل الجلوس على كرسي قرطاج بعد انتخابات 2024…فالرجل سيصبح خطابه وخطاب “الشعب يريد” واحدا وبرنامجهما واحدا، سيضمن بذلك ولاية ثانية تسمح له بتغيير كل ما يريد تغييره دستوريا وقانونيا وسياسيا…وسيضمن بأغلبية برلمانية تمرير كل تعديل دستوري دون الحاجة إلى استفتاء شعبي…

لكن هل قرأ قيس سعيد حسابا للأوضاع الاقتصادية للبلاد؟ وهل قرأ حسابا لما ينتظره في السنة المالية القادمة وفي ما تبقى من هذه السنة؟ وهل قرأ حسابا لانتهاء مفعول الخمرة في رؤوس أتباعه؟ فغدا ينتهي مفعول قراراته وما أتاه…وسيعود الشعب وأتباعه إلى شؤونهم وحياتهم وأوجاعهم وما ينتظرونه من وعود قيس سعيد…و سيخرجون ليطالبوه بالدفع على الحساب…فمئات الآلاف سيطلبون تفعيل القانون 38 لسنة 2020…ومئات الآلاف سيطالبون بمورد رزق…وعشرات الآلاف سيطالبونه بتسوية وضعياتهم ورفع المظالم عنهم…ولن يفعل من أجلهم شيئا غير قوله “أصبروا علينا شوية”….حينها قد يقول الشعب “يبطى شوية”…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 115

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عبد الكريم قطاطة

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟

في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…

مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…

تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…

اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…

إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…

قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…

الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟

موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…

قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!

نشرت

في

محمد الأطرش:

كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.

سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.

الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.

هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟

أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…

ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟

يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 114

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

عبد الكريم قطاطة

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…

بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…

هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…

السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…

انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…

ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…

تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…

وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…

في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…

دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…

الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…

رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار