هل سيُقدم قيس سعيد على تكميم الأفواه… وحشو البعض منها ذهبا؟!
نشرت
قبل 3 سنوات
في
ماذا فعل الرئيس منذ انقلابه على منظومته واستحواذه على كل خيوط اللعبة ومفاصل السلطة؟ لا شيء…وكأني به هو من صُدم بما أتاه وليس الشعب ولا رجال الإعلام…فالرجل غائب عن مشكلات البلاد ولا همّ له غير قصف خصومه بصواريخ دستورية تحمل رؤوسا غير تقليدية…
ماذا قدّم الرئيس لهذا الشعب منذ مسكه بزمام الأمور؟ هل جاء بخبر واحد سعيد؟ هل جاء بقرار واحد مفيد؟ هل انتصر للفقراء كما يزعم ويقول في كل خطبه العنقودية؟ هل حقّق العدالة الاجتماعية التي طالما صرخ بها في خطبه الناسفة؟ هل بدأ التأسيس لنهضة صناعية وتجارية كبيرة يوفّر بها مواطن شغل للعاطلين؟ لا، لم يفعل شيئا من كل ما صرخ به وما سمعناه في كل خطبه…حتى المئات من الفاسدين الذين تحدّث عنهم وعن ملياراتهم ألف مرة ومرّة لم نر أثرا لوجودهم، غير إيقاف بعض النواب في قضايا يعرفها كل الشعب ونشرتها كل مواقع التواصل منذ حدوثها…
رئيسنا لا يجيد خطاب الفرح وخطاب السعادة رئيسنا لا يجيد صناعة الامل وقتل اليأس في نفوس الشعب…رئيسنا لم يقرأ عن القدامى ولا عمن سبقوه كيف تدار شؤون الدولة وكيف يخطب في الشعب…رئيسنا لا يتقن غير مخاطبة الشعب بما يريد أن يسمع…وكأني برئيسنا ينتظر حدثا أو أمرا لا نعلمه نحن فالرجل أصبح كذلك اللاعب المنتصر بنتيجة صغيرة ولا جهد له لإتمام المباراة فيلجأ لإضاعة الوقت حتى يبقى منتصرا إلى نهاية المباراة…هكذا هو اليوم رئيسنا يحاول إطالة عمر فترة التدابير الاستثنائية أو الأحكام العرفية في تسميتها الحقيقية والأصلية ولا نعرف لماذا؟ حكومة بودن جاءت تلبية لرغبة بعض الأصوات التي تعالت هنا وهناك ولم تكن كما يروّج البعض فرئيسنا يبحث من خلال كل ما يأتيه كيف يحشد الأنصار ويكدّس الأتباع…فبعد أن ساهم في إيصال البلاد إلى الشلل التام في مكافحة وباء الكوفيد وساهمت أتباعه في حملة إعلامية هوجاء عن نقص مخزون الأوكسيجين وجرعات التلاقيح وبطء وصولها أوعز لأتباعه أن اخرجوا على ساكن القصبة ومن معه ووفروا لي خطرا داهما لأتمكن من تفعيل فصل طالما طالبتموني بتفعيله…وكان له ما أراد…لكن ماذا فعل بعد ذلك؟
هل أسرع بتشكيل حكومة أزمة جديدة تخرجنا مما نحن فيه، هل جلس مع كل مكونات المشهد للبحث في حلّ جماعي للأزمة؟ لا لم يفعل…لماذا يا ترى؟ لأن من هم حوله أوعزوا له بغير ذلك، فنشوة الانتصار وحجم التأييد الذي وجده الرئيس من أغلب مكونات المشهد الشعبي أفقداه بوصلة التفكير العقلاني والمنطقي في ما يمكن فعله في مثل هذه الظروف…فرئيسنا هو من صُدم بما أتاه وليس الشعب…فبعد أن صَدَم خُصُومه وجعلهم يعيشون حالة من الذعر تحوّلت إلى شلل أو “بهتة” أفقدتهم كل قدرة على أي ردّة للفعل، ولا أي عمل يدافعون به عن منظومتهم جلس “القرفصاء” لا يعرف ماذا يفعل ولا بماذا يبدأ، ثم خرج علينا بالأيام الوطنية للتلقيح بعد أن جمع الملايين من الجرعات التي جاءت كزكاة من بعض إخوتنا من دول الخليج وكهبات من بعض دول الغرب الصديق…وخرج علينا بعدها مع كل خطاب يتباهى بإنجازه الإنساني وكأنه “عامل مزية” على هذا الشعب المسكين الذي لم يجد إلى يومنا هذا حاكما يرأف بحاله…
رئيسنا لم يُقدم رسميا على حلّ البرلمان…ولا على إلغاء العمل بالدستور الحالي ولا حتى تعليق العمل به رسميا…لماذا يا ترى؟ لأن ذلك سيؤكّد ما يقوله كل خصومه والعديد من متابعي المشهد السياسي في تونس وخارجها على أن ما أتاه الرئيس هو انقلاب كامل الشروط على المنظومة…ولأن ذلك سيُلزمه بالإسراع بتحديد موعد للانتخابات السابقة لأوانها، فكيف يقبل بالأمر وهو لم يراجع القانون الانتخابي، فانتخابات بنفس القانون ستأتي بنفس المشهد ولن توفّر له ما يريد…فماذا يريد الرئيس يا ترى؟ لا شيء غير الاستحواذ الكامل على مفاصل الدولة تشريعيا وتنفيذيا…تشريعيا من خلال تنسيقياته التي ستكون طرفا في الانتخابات القادمة…وتنفيذيا من خلال الحكومة التي ستنبثق عن تلك الانتخابات …وهو الأمر الذي سيوفر له فرصة تعديل الدستور بأغلبية مريحة في مجلس النواب القادم وقبل المحطة الانتخابية الرئاسية لــ 2024 ليتمكن من إعادة العديد من الصلاحيات لقصر قرطاج…وليجلس على كرسي قرطاج كامل الصلاحيات وكامل الأوصاف…لولاية ثانية قد لا تكون الأخيرة…
لكن لسائل أن يسأل لماذا أعلن رئيسنا الحرب على كل خصومه وكل الأحزاب؟ ولماذا أصبح يتعامل مع أتباعه بعقلية “الشعب عاوز كده”؟ الأمر في غاية البساطة الرئيس يريد تفتيت المشهد الحزبي قبل الانتخابات القادمة، ويريد إبعاد المكونات التي قد تزاحمه في المحطة الانتخابية القادمة بطريقة أو بأخرى فوجودهم بالحجم الحالي قد يتسبب له في البحث عن تحالفات أخرى لا حاجة له بها بعد الانتخابات السابقة لأوانها…فالتعويل على محكمة المحاسبات…وعلى بعض ملفات فساد بعض الساسة والنواب، وعلى تفجير الأحزاب داخليا سيكون له تأثير كبير على الحدّ من قدرة العديد من الأحزاب الحالية على منافسة تنسيقياته في المحطة الانتخابية القادمة…خاصة أنه نجح ولو جزئيا في إيقاف تقدّم شعبية حزب الدستوري الحر بضربه لحركة النهضة…وبمساعدة قد تكون مدفوعة الأجر من حسن الزرقوني…
لكن، هل فكّر الرئيس في ردّ فعل أتباعه لو طال انتظارهم للوفاء بوعوده، فقد يهجرونه قبل الموعد الانتخابي القادم لو خاب ظنّهم فيه، وقد تقرر النهضة ومن معها من الأحزاب المتضررة من قرارات الرئيس شحن الشارع الاجتماعي للخروج مطالبا بنصيبه من الحياة؟ أظنّ أن الرئيس قرأ حسابا لكل هذه المطبات التي قد تعترضه وهو في طريقه للاستيلاء على كل مفاصل الدولة…وقد يبدأ في قادم الأيام في ترويض اتحاد الشغل من خلال الجلوس معه والاتفاق معه على طريقة الرئيس الراحل بن علي رحمه الله، وقد يقبل الاتحاد بكل مقترحات الرئيس كيف لا ونصف مكونات نقاباته الأساسية هم من المنتسبين لحركة الشعب، وحركة الشعب هي الأكثر قربا وتصفيقا وزغردة لساكن قرطاج…وقد يواصل عمليات الإلهاء والحشد كما فعل منذ انقلابه على منظومته…فبعد أن حشد الأنصار من كل المطالبين برأس النهضة ومن معها…وبعد أن أدار عقول النساء باختياره امرأة للجلوس على كرسي قرطاج، قد يكون ترك بعض الأوراق ليستعملها في الأوقات الحرجة القادمة…وأظنّه سيُقدم على “ايقافات” من الحجم الثقيل يُلهي بها الشعب عن المطالبة بما وعدهم به حتى اشعار آخر، وقد تُطيلُ عمر التصفيق والزغاريد لفترة تكون كافية لحل المجلس الحالي وإعلان الموعد الرسمي للانتخابات السابقة لأوانها…
لكن هل قرأ الرئيس حسابا للإعلام…وللرأي المخالف…أظنّه قرأ أيضا حسابا لكل ذلك والواضح أنه سيكون حازما على طريقة “اضرب القطوسة تتربى العروسة” من أجل منع أي شخص عن التعبير خصوصاً إذا كان رأيه معارضا لسياسة الدولة أو بالأصح لسياسات الرئيس…وأظنّ أنه سيتعامل جدّيا وسيعيد للمشهد سياسة تكميم بعض الأفواه …وحشو بعضها ذهبا…