بعد 14 جانفي ومع كل ليلة رأس سنة ميلادية يخرج علينا حكامنا الجدد يبتسمون…ولأسنانهم يعرضون…يعدوننا بالعدالة، والكرامة، والأمن والأمان، والنوم باطمئنان، وأكل الكسكسي بالبرزقان…فلم نعش شيئا مما وعدونا…وعشنا فقط عجزا في كل مناحي الحياة…عجزا في الميزانية…عجزا في توفير أبسط مستلزمات العيش الكريم …عجزا في تنمية قدرات الدولة…عجزا في إصلاح منظومة التعليم…وعجزا في إصلاح المنظومة الصحية…وعجزا في إصلاح القضاء…وعجزا في الخروج من أزمتنا التي طالت…وعجزا حتى في الانتصاب…
خلاصة ما نحن فيه لم تنجح أي منظومة بعد منظومة بن علي رحمه الله في تحقيق إنجازا واحدا يضاهي إنجازات بن علي أو بورقيبة…جميعهم خدعونا بمعسول الكلام وبالخطب الرنّانة…والوعود الزائفة…ومنذ انتخابات 2019 والبلاد تعيش العجز الكامل والشلل التام في كل القطاعات والمجالات…منذ 2019 ونحن نستمع إلى الوعود والقرارات، والخطب الحماسية ولم نر شيئا على أرض الواقع…فماذا فعلتم بالبلاد؟
كيف بربّكم سننسى من تنعتونه بالاستبداد…؟ لا أظنّ أن هذا الشعب سينسى من حكموه قبلكم ولا أستثني أحدا ممن حكمونا بعد 14 جانفي، ومن يحكموننا بعد 25 جويلية فجميعهم وعدونا بتغيير حالنا وحال البلاد والعباد…جميعهم شيطنوا من سبقهم، فلم ينجحوا في تحقيق ولو ربع ما حققه من حكم قبلهم…فإلى أين تأخذون الوطن…وكيف ستبررون غدا ما تصنعونه بهذا الشعب؟ ستقولون بن علي كان جاهلا ومستبدا، فماذا لو قارنا ما أنجزتموه بما أنجزه بن علي فمن سيكون المستبد والجاهل؟ فلو كان بن علي جاهلا كما تزعمون لما بقي في الحكم 23 سنة…ستقولون كان عسكريا يحكم بالبوليس…أقول وهل حُوصرتم يوما في منازلكم ومُنعتم من الخروج خوفا من بطش بوليس بن علي…وهل قتل أحد أفراد عائلاتكم بهراوات بوليس بن علي؟؟
لو كان بن علي جاهلا لما اختار رجالا صنعوا التاريخ ونجحوا في كسب الرهانات…ستقولون فعلوا ذلك لكنهم سرقوا…سأقول هاتوا لي من ثبت تورطهم في السرقة أو في استغلال النفوذ غير أصهار وبعض أقارب بن علي، هؤلاء الذين صودرت أملاكهم وخسر الآلاف من التونسيين مورد رزقهم الوحيد…ولو كان بن علي قليل الإدراك لما نجحت تونس في تحقيق أرقام لم تحققها بعض البلدان التي تفوقنا خبرات وموارد وثروات…ستقولون كان يُزوّر الأرقام…سأقول هل إلى هذا الحدّ بلغ حقدكم على كل قديم…ألم تخرجوا بعد خروج بن علي لتخربوا كل بناء…لتحرقوا كل مركز أمن…لتنهبوا كل مخازن الديوانة…لتسحلوا كل مسؤول وتخرجوه من مكتبه…ماذا كسبتم من كل ذلك؟؟
أفرغتم الدولة من كفاءاتها…ملأتم الإدارة بأتباعكم فأرهقتم ميزانية الدولة…أسستم للفوضى وأسقطتم هيبة الدولة فأصبح كل مسؤول عدوا لكم…وأصبح زناة الليل وسكارى الأزقة المظلمة من نُخَب هذا الوطن…ماذا فعلتم…وماذا أنجزتم…فاقت ديون البلاد أضعاف ميزانيتها منذ سنوات حكمكم الأولى…أغرقتم الإدارة بنصف من كان فيها منذ سنة حكمكم الأولى…فرضتم زيادات موسمية في الأجور والتزمتم الصمت جبنا وخوفا وتواطؤا أمام غلق مواقع الإنتاج ظلما وعدوانا…ثم خرجتم علينا تقارنون نتائجكم بما حققه بن علي في سنته الأخيرة…ألا تخجلون من صنائعكم… كيف تقارنون نتائجكم بنتائج شخص نعتُم عهده بكل نعوت الفساد والجبروت والاستبداد…فهل يمكن نعت من حافظ على استقلالية قرار وطنه مستبدا…وهل يمكن نعت من حافظ على نسق نمو بلاده جاهلا…جميعكم تصرخون في خطبكم أن أولويتكم هي إعادة البلاد لما كانت عليه، فكيف يكون هدفكم الأسمى إعادة البلاد إلى ما كنتم تشيطنونه؟
عجزتم في كل شيء… في التخطيط…في البرمجة…في الاستشراف…وفي اختيار الكفاءات…في الحدّ من البطالة…وفي إيقاف الانهيار الاقتصادي الشامل…وفي انقاذ الطبقة الوسطى…عجزتم حتى في إكمال ما بدأته منظومة بن علي من مشاريع…عجزتم في أن تشعرونا بأننا داخل بيوتنا…ووطننا…عجزتم في إتمام البناء الذي وضع أجدادكم حجر أساسه…تلاعبتم بمصيرنا ومصير البلاد…وأسستم لبناء سياسي فوضوي يؤتمن فيه الخائن ويخوّن فيه الأمين…ويصدّق فيه الكاذب ويكذّب فيه الصادق…أضعتم كل معايير الدولة وهيبة الدولة…
تجرّعنا في عهدكم مرارة عجزكم وجهلكم، وشعرنا بالغربة وآلامها، ونحن في ديارنا وديار أهلنا، أكل الإحباط والخوف نصف أعمارنا…وأعمار فلذات أكبادنا…شبعنا أوجاعا ورضعنا حليب الذل والفقر…أصبح عندنا جيش من اليتامى والأرامل والبؤساء…وغاب عن أيامنا الضحك…وانتحرت في أفواهنا الابتسامة…أصبحنا نعيش المهزلة…والمسخرة…نعيش حفلا تنكريا مخيفا…أصبحنا وطنا دون قيم، بلا مبادئ…أصابنا الجوع في وطن لا يشبع من معاناتنا وأوجاعنا…خذلتنا حكوماتنا المتعثرة في تجاربها الفاشلة وبرامجها العرجاء…
خذلنا ساستنا بجهلهم وحماقاتهم…ووقاحتهم وما في رؤوسهم الجوفاء…فلم نعد نسمع في إعلامنا ومنابره الحمقاء، غير عبارات ومصطلحات الإقصاء…والتجميد…والاعفاء…والتحريف…والتخويف…والتخوين…والحرمان…والاستغناء…والتهميش…والتشويش…وكلها أسلحة يرفعها الحاكم والمحكوم في وجه الخصوم…وفي وجه الإخوة والأعداء…في وطن أصبح مقبرة للعزائم…ومخبرا لوأد الكفاءات…ومرتعا للفاشلين والأغبياء وغير الأذكياء…عجزتم في كل شأن من شؤون الدولة والحكم…وأوقعتم البلاد في مأزق لن يكون من السهل الخروج منه…عجزتم حتى في الترويج لنواياكم…وما تضمرونه للوطن…فأين نحن اليوم هل في وطن نعيش؟ أم في مأوى للعجّز …يحكمه العجز…؟؟ فكل سنة وأنتم عاجزون…