كتب الفيلسوف الهولندي سبينوزا في القرن السابع عشر بعد أن قرأ كل الكتب المقدسة والمعتقدات : لا أعرف إن كان الله فعلا قد تكلّم .. ولكن إن فعل .. فلا أعتقد أنه قال شيئا غير التالي: ” توقّـف عن الصلاة .. أريدك أن تخرج إلى العالم و أن تتمتع بالحياة .. أريدك أن تتمتع وتغنّي وتعمل .. وأن تتمتع بكل ما قمت بـه من أجلك ..
توقف عن الذهاب إلى تلك المعابد المظلمة والباردة .. والتي بنيتها وقلت عنها أنها مسكني ، مسكني في الجبال والأشجار والوديان والبحيرات والأنهار ..
توقف عن اتهامي بالمسؤولية عن فقرك .. لم أقل لك أبدا أن هناك شيئا ما شريرا بداخلك .. ولم أقل أنك ارتكبت خطيئة .
توقف عن ترديد القراءات المقدسة التي لا علاقة لي بها .. فإذا لم تتمكن من قراءتي أثناء الفجر .. في منظر طبيعي .. في نظرة صديق .. في زوجتك..في زوجك .. في نظر طفلك .. فلن تتمكن من أن تجدني في أي كتاب !!
توقّف عن الخوف مني .. فلن أحاكمك ولن أنتقدك .. انا لا أغصب ولا أعاقب .. أنا الحبّ الخالص ..!!
احترم المختلف معك ولا تفعل ما لا تريده لنفسك .. كل ما أطلبه منك هو أن تنتبه لحياتـك .. وأن تكون إرادتك الحرة هي موجهك .. وأن تشكّل مع الطبيعة عنصرا واحدا .. لأنك جزء منها .. اعتن بها وستعتني بك .
لقد جعلتك حرا بشكل مطلق .. أنت حرّ في أن تخلق من حياتك جنة أو جهنم !!
أن تؤمن .. يعني أن تعترض وأن تتخيّل وأن تتكهّن .. لا أريدك أن تؤمن بي .. أريدك أن تحس بي في ذاتك .. حين تهتمّ بالحيـوانات .. وحين تحتضن طفلك الصّغير .
إياك أن تقتل من أجلي….. إياك أن تقطع رؤوس الآخرين وتنهبّهم من أجلي…..
فأنا لست بحاجة إليك أن تفعل هذا ….
ولا تبحث عني بعيدا .. فلن تجدني .. إنّني هنا في الطبيعة .. أنا الكون .. أنا المحبّة !!”
قد أختلف مع سبينوزا في بعض ما قاله و لكنّ ما لا يمكن أن أختلف فيه معه هو أنّ الله هو الحبّ الخالص و أنّه خلق الانسان حرّا و دعاه إلى أن يحترم المختلف عنه .. فاحترام المختلف هو أساس الحياة
و لكنّ بعضنا بتسلطهم و نرجسيّتهم و تعاليهم و اعتقادهم أنّهم يمتلكون الحقيقة المطلقة يريدون أن يصنعوا من البشر قوالب جاهزة تفكّر بنفس الكيفية و تردد نفس الكلام و تعيش على نفس النّمط
ككلّ رمضان يحتدم الخلاف و النّقاش بين المفطرين و الصائمين و يتداخل الدين بالعادات و التقاليد حول المجاهرة بالإفطار …
فليصم من يشاء و ليفطر من يشاء … من نحن لنحاسب غيرنا ؟ أ ليس الحساب بيد خالق الكون ؟ أ ليس الحساب مؤجلا ليوم لا يعلمه إلا الله ؟ فلماذا ينصّب البعض منا نفسه وصيّا على الآخرين و حكما على ضمائرهم ؟ من نحن لنسائل شخصا عن صيامه أو صلاته أو سائر عباداته ؟ من نحن لنحكم على الضمائر و ما تسرّ النفوس ؟
ما الضير في أن يمر الصّائم بمطعم مفتوح ، و ما الضير في أن يرى مفطرا يشعل سيجارة أو يترشّف قهوة ، إن كان صيامه نابعا عن إيمان عميق و صادق لا مجرّد تشبث بالعادات و التقاليد و التماهي مع المجتمع ؟
فلتفتح المطاعم و المقاهي لمن شاء و من أراد الصوم فليصم و من أراد الإفطار فليفطر كما يقول المثل التونسي ” كل شاة معلقة من كراعها ” أو كما يقول تعالى في محكم تنزيله ” و لا تزر وازرة وزر أخرى ” ويقول أيضا ” لكم دينكم و لي دين “
أ لم يحن الوقت للانتهاء من هذا الجدل العقيم الذي يتكررفي بلادنا كلّ سنة …
أ لم يحن الوقت للالتفات إلى ما يهمّ النّاس فعلا ؟
كل عام و أنتم جميعا بخير بمفطريكم و صائميكم
كلّ عام و أنتم أحرار … كلّ عام و تونس تتسع للجميع و تقبل الجميع …