عبد القادر المقري: هل يجب أن نعيش تطهيرا عرقيا مثل رواندا … حتى يستفيق حُكّامنا؟
نشرت
قبل 4 سنوات
في
في البداية، نترحم على شهداء ثورة 52 المجيدة التي مرت عليها تسع و ستون سنة، و نقف إجلالا لرجالها و نسائها المنسي منهم اليوم أكثر من المذكور في الكتب المدرسية … بل حتى المذكورون أدخلناهم بالغصب في غياهب تاريخنا و كأن التاريخ شهوة تمضي و مزاج يتقلّب … من جهتي، أشكر كل من بذل حياته و حتى بعضا من وقته و ماله و أعصابه خدمة لشيء آخر عدا مصلحته و رفاه أصدقائه و حلفائه و ذويه …
هذه الأيام (و الليالي) يقع حراك احتجاجي شامل نحتار أو حيّرونا في توصيفه … فقد حصلت أثناء هذه الاحتجاجات و معظمها بالليل و بعد منع التجوال و إغلاق المحلات، عمليات كسر و نهب و حرق و اعتداء على الممتلكات العمومية و الخاصة … و دخلت قواتنا الأمنية في مواجهات لا نهائية مع صبيان أغلبهم دون سن العشرين … و هذه طبعا أفعال تستوجب الإدانة و أكيد أن حصيلة الـ 632 موقوفا و ربما أكثر، أكيد أن التحقيق فيها سيكشف عن مغازي القصة و فاعليها و فاعلي فاعليها … هذا إذا سارت الأمور بشكل طبيعي و لم تتدخل الأيدي و تقبر التحقيق و نتائجه و نبتلع السكّينة بدمها كعادتنا و كما يقال …
و في انتظار ذلك و بقطع النظر عن هوية المحتجين، ماذا عن هوية الاحتجاج؟ و هنا نلاحظ مثلا:
1) الاحتجاجات الليلية … هل كانت ردا على مناورة الحجر ـ العبثي ـ الشامل ذي الرائحة السياسية؟
2) صادقين كانوا أم كاذبين أم خالصين أم مندسين … لقد احتج الناس منذ 2011 بكل الطرق ـ حلالها و حرامها ـ من دون جدوى … بل يمكن القول إنه حتى احتجاجات 2010 و ما سميناه ثورة 14 جانفي و ما تلاها، لم تأت بشيء يفيد البلاد
3) نزيد أكثر … حتى الهدوء و عدم الاحتجاج، حتى الاحتكام إلى القانون و رفع الأمر إلى القضاء لم يضمن حق أحد … حتى النباح في وسائل الإعلام لم يغير شيئا … حتى الانضباط الحضاري و اللجوء إلى الصندوق كما يتغنى بذلك أكثر من متغنّ، لم يحقق للتونسيين تقدما يذكر …
4) هناك شعور أصبح عاما و عارما لدى المواطنين مفاده: نحن غير معنيين بتحويراتكم الحكومية، بدستوركم، بقانونكم الانتخابي، بانتخاباتكم ذات النتيجة المعروفة سلفا، بجلسات برلمانكم و مكتب برلمانكم، بتخريجات ناطقيكم على الإذاعات و التلفزات، ببلاغة رئيسكم المتخيل نفسه تارة قس بن ساعدة الإيادي و طورا سيدنا عمر في بعض قصصه الصغيرة جدا و لا علاقة لها بإنجازات رجل الدولة الخليفة العظيم …
5) حتى عندما برمج البرلمان البارحة نقطة لمناقشة الأحداث، افتعلتم معركة لرفع الجلسة و إنهاء النقاش بينما لا تفعلون ذلك عند المصادقة على قرض خارجي أو الترفيع في أجور النواب مثلا
6) الكورونا تقتلنا يوميا و تزيد من عدد ضحايانا، و من دقات قلوبنا، و من إحساسنا بأننا نمر إلى المقصلة واحدا إثر واحد … و الحكومة لا تجد ثمن شراء اللقاحات و صرنا نستجدي من أشقاء كانوا سابقا لاجئين في حمانا … في حين أن أموالا لنا مودعة بالبنوك السويسرية ترقد هناك مهددة بالضياع، أو بسرقة بعض الأحزاب، و عبد الرزاق الكيلاني يعربن من الآن على 3 آلاف مليار ليهديها تعويضات لجماعة عفو عام لا يشبعون … و في حين يعيش مقتسمو غنيمة الحكم، في بحبوحة هم و تابعوهم و تابعو تابعيهم.
7) صناديقنا السود كثرت … عن أموال 1818 … عن الأملاك المصادرة … عن الأموال المنهوبة “بعد” 2011 … عمن يحمي الاقتصاد الموازي و يضمن له التحكم في أكثر من نصف سيولتنا … عن انهيار صناديقنا الاجتماعية و حشوها بالآلاف من غير المستحقين بعد 2011 … عن تسبب أزمة الصناديق ـ و منها الكنام ـ في انهيار المنظومة العلاجية و عجزنا عن توفير مئات الأدوية معظمها حيوي …
8) ثورة الشغل و الحرية و الكرامة الوطنية … تحولت إلى ثورة لأجل البطالة و الحرقة و التبعية المفرطة لأكثر من جهة أجنبية
9) اللوبيات القديمة تعززت بأخرى جديدة متضامنة معها متلاحمة متواطئة … و لم يسبق للمال الوسخ أن اقترن بالسياسة بالحجم الذي نراه الآن …
10) رئيس الحكومة خرج البارحة لتهدئة الأوضاع و لكنه لم يقنع أحدا، و لم يقنع حتى نفسه … و هو الذي منذ أربعة أشهر لم يفعل سوى الانخراط في ألاعيب الأحزمة و الوسائد و الرقص مع أحزاب يعرف أنها تضر و لا تنفع …
إلخ … إلخ … إلخ … كل هذا و حكّام تونس الجدد لا يسمعون و لا يرون و البلاد تنزلق تدريجيا إلى هاوية بلا قرار … فما هي المعجزة التي تخرجنا من كل هذا؟