هل يعلن سعيد وقف إطلاق النار … والدولة منطقة منزوعة السلاح؟؟
نشرت
قبل 3 سنوات
في
أما آن للبنادق أن تصمت وللمدافع أن تركن إلى الراحة؟ منذ خروج الرئيس بن علي رحمه الله والبلاد في حرب استنزاف أسقطت كل البناء الذي بنته حكومات ما قبل سفره إلى مناسك الحجّ والعمرة…منذ احدى عشرة سنة والبلاد في حرب لا أحد هادن فيها الآخر… ولا أحد من المتحاربين طالب بوقف إطلاق النار لأغراض مختلفة من بينها إغاثة الجرحى الموجودين في الميدان، ونقل جثثهم ودفنهم، فالجرحى هنا هم القطاعات ومؤسسات الدولة والحكم التي تضررت من حربنا الطاحنة… وجثث الموتى هي القطاعات والاستثمارات التي خيّرت الهروب بجلدها من حرب قد تكلفها غاليا…أو تلك التي خيّرت غلق أبوابها بسبب الفوضى التي حلّت بالبلاد…
فمباشرة بعد تأكد وصول بن علي إلى مأواه ومثواه الأخيرين، أعلن الجميع الحرب على الجميع، فاليسار أعلن الحرب على اليمين والشمال والشرق والغرب وفوق الأرض وتحت الأرض فحاكم الأحياء والأموات وطالب بالانتقام من الأحفاد شماتة في الأجداد… واليمين الإسلامي أعلن الحرب على الفلول وبقايا النظام السابق واعلن حملات الثأر والانتقام… وسكان ساحة محمد علي وفلولهم في الجهات، مدعومين ببعض المرتزقة وإخوتهم من الرضاعة روابط حماية الثورة والمتطوعين من هنا وهناك أعلنوا الحرب على الكل زاعمين انهم الحضن الذي ترعرعت فيه من يسمونها “ثورة” وأنهم الأولى بقطف ثمارها… وفلول النظام السابق أو من يسمونهم بالأزلام، وهم أبناء النظام الشرعي حينها للبلاد الذي أسقطته علبة جعّة وكأس نبيذ عادت لتنظيم صفوفها لمقاومة ومواجهة العديد من سكان المستوطنات المستحدثة، تلك التي استقطبت وافتكت منها بعض قواعدها واستحوذت على جزء كبير من مخزونها الشعبي…
لا أحد هادن الآخر منذ أكثر من عقد من الزمن … ولا أحد ساعد حكومات ما بعد الرابع عشر من جانفي ولا حتى بالدعاء عقب كل صلاة… وأصبحت الحرب معلنة بين الجميع… ودخلت فلول الإرهاب التي ترتزق من أموال الشرق والغرب على الخطّ مستغلة ضعف الدولة وتشظي مؤسساتها، والخلافات التي يعيشها المشهد السياسي… وخسرت البلاد العشرات من خيرة رجال أمنها وجيشها الوطنيين في حروب ما كان لها ان تشتعل لو اختار الجميع لغة العقل والحوار والمصالحة للإصلاح…
عانت كل حكومات ومؤسسات الدولة إلى حدود انتخابات 2019 حرب استنزاف أتت على الأخضر واليابس… واضطرّت الحكومات… كل الحكومات إلى الإذعان لمشيئة فوضى الشارع خوفا على كراسيها ومواقعها…وانصاعت إلى كل ما كان يقرره الحاكم الفعلي للبلاد من مكتبه بساحة محمد علي ونفّذت كل ما كان يريده ويفرضه…فانتفخت كتلة الأجور وأصبحت تعاني من سمنة مفرطة اضرّت ببقية جسد الدولة، وتسببت في ارتفاع غير مسبوق لكوليسترول الفوضى، وقطعت شرايين الانتاج فأصابت الدولة بالشلل النصفي… فأصبحت غير قادرة على المشي والحركة دون أن تستعين بــ”أدوية” صندوق النقد الدولي وبعض الدول المانحة…ورغم كل ما وصلت إليه… ورغم معاناتها وأوجاعها وتورّم مؤسساتها وتقيّح مواقع انتاجها… لا أحد من الفاعلين السياسيين نجح في فرض إعلان وقف إطلاق النار على كل المتحاربين … كما لا أحد من الفاعلين نجح في فرض هدنة طويلة الأمد لإعادة اعمار الدولة ومؤسساتها التي أصبحت شبه عرجاء…
مباشرة بعد انتخابات 2019 التي خدعت نتائجها الجميع، خرج ساكن قرطاج متأبطا منصاته وصواريخه “الباليستية القانونية” مهدّدا متوعّدا الجميع بحرب لا تبقي ولا تذر… فهو من قال يوما وكرره دائما وفي كل مناسبة ” إذا لم تكن لدى تونس صواريخ عابرة للقارات، فإن لديها صواريخ سيادية”…وأضاف أكثر من ذلك خلال لقاء جمعه بقصر قرطاج، برئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي ونائبيه، حول تعطّل أشغال البرلمان، حين قال حرفيا “إنّ الوسائل القانونية المتاحة في الدستور موجودة لديّ، وهي كالصواريخ على منصات إطلاقها، ولكن لا أريد اللجوء إليها في هذا الظرف بالذات”، مضيفا بالقول، “النصّ الدستوري يمنحني من الاختصاصات، ما يُمّكنني من أن أقوم، بما يجب القيام به، للحفاظ على الدولة التونسية”… وعرف يومها الشعب ، كل الشعب و أعي ما أقول أن البلاد على صفيح ساخن وأن ساكن قرطاج يعدّ لأمر لا أحد يعلمه وأنه بصدد صناعة مبررات ما قد يُقدم عليه، فبعضهم سعد كثيرا وأصبحت “منصات صواريخ ساكن قرطاج” الجملة التي يرددها كل لسان، وبدأ بعضهم في الاستعداد جدّيا لما بعد عهدة 2019 …وتواصل تلميح ساكن قرطاج لما قد يفعله بمنصات صواريخه… وأصبح التهديد واضح الوجهة … حين قال ”لدينا صواريخ على منصات إطلاقها وتكفي إشارة واحدة لتضربهم في اعماق الاعماق .. يدعون انهم بمرجعية اسلامية ويكذبون ويهتكون الأعراض”…
وتتالت تهديدات ساكن قرطاج بنعته لخصومه ومن أعلن عليهم الحرب بـــ “الحشرات” و”العملاء” و”الخونة” فلم يهادن أحدا ممن هم حوله وتوسعت رقعة خصومه ليعلن الحرب الشاملة على كل الأحزاب والمنظمات والحركات ومكونات المجتمع المدني … وبدأ في حرب إبادة إدارية واسعة النطاق شملت المعتمديات والولايات وأغلب الخطط الوظيفية والمؤسسات الوطنية المركزية والجهوية والمحلية … ثم أعلن الحرب على رجال الأعمال وكل أغنياء البلاد … ثم قام بقصف كل المواقع الاستراتيجية للقضاء ودمّر بناها التحتية… ثم اعلنها حملة تطهير شاملة على العلن لكل القطاعات ومؤسسات الدولة …دون أن ننسى إطلاقه للعديد من صواريخه ” القانونية الباليستية” نحو مواقع احتكار الحديد والبطاطا في غزوة أخطأت كل أهدافها…
وبعد أن خرّب البنية التحتية للأحزاب ولمجلس النواب بقنابل عنقودية وبأسلحة دمار شامل “قانونية غير تقليدية” تمنعها اتفاقيات جينيف، عفوا يمنعها الدستور بصيغته الحالية يوم ذكرى عيد الجمهورية الماضية…واصل القصف العشوائي بصواريخ “قانونية باليستية فراغية” غير تقليدية على أغلب القطاعات ومؤسسات الدولة… ثم وعند فشل استشارته الوطنية وبعد أن قام بقصف صاروخي قانوني إعفائي لبعض من قيل له إنهم السبب في تعطيل عملية الولوج إلى الاستشارة، وجه صواريخه نحو العديد من القطاعات الأخرى للتغطية عن فشل الاستشارة وضعف مردوديتها الاستشارية، فأعلن الحرب الشاملة على الاحتكار من خلال “الفرينة أم معارك ” في فترة يعلم الجميع صعوبة أو استحالة أمكانية التوريد بسبب الحرب المشتعلة بين أكبر مصدري هذه المادة روسيا وأوكرانيا…فأصابت الصواريخ العديد من المواقع المدنية من مخابز ومحلات “فطايرية” وبائعات “الطابونة” و”الملاوي” ولا اقصد الشقيقة الملاوي طبعا…
هكذا نحن اليوم نعيش حربا دون أسلحة نارية نتائجها أخطر علينا من كل الأسلحة غير التقليدية… فلا إعلان وقف إطلاق النار …ولا هدنة…ولا مناطق منزوعة السلاح… الجميع يطلق النار نحو الجميع ولا أحد يقبل بالتنازل أو الجلوس حول طاولة الحوار…جميعنا اختار طريقا لا نهاية له غير الدمار… جميعنا اختار خطابا غير خطاب العقل والمنطق والوجاهة…جميعنا يقول “أنا وبعدي الطوفان” جميعنا يخاف “غدا” وما قد يفعلونه به غدا فيختار الهروب إلى الامام حتى وإن كان الأمام بئرا لا أحد يعرف نهايتها…
يقول أحد الحكماء…” النباتات لا تملك العقل، ولو غطيتها بصندوق فيه ثقب، لخرجت من ذلك الثقب متبّعة لمنافذ النور، فما بالنا نحن لا نتبع النور ونحن نملك العقول؟” فهل بينكم عاقل يعلنها عاليا: وقف إطلاق النار وإعلان الدولة ومؤسساتها مناطق منزوعة السلاح…فهل بينكم عاقل…؟؟