تابعنا على

جور نار

هل يقود ترامب العالم… وهو في حالة سكر؟!

نشرت

في

محمد الأطرش:

غريب أمر ساكن البيت الأبيض!

دونالد هذا وفي مكالمة هاتفية مع فلاديمير بوتين استغرقت ساعة ونصفا، صدم الأوروبيين وأذهلهم وسحب البساط من تحت اقدامهم وهم يغطون في نوم لا يعلمون…

دونالد اتفق مع فلاديمير على فتح مفاوضات فورية تهدف إلى نزع فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا وسيكون ذلك في لقائهم المرتقب في الرياض خلال الأيام القليلة القادمة… دونالد هذا لم يُعلم الاتحاد الأوروبي ولو بالإشارة… ولم يلتفت حتى إلى ما يردده قادة أوروبا حين صرحوا وأعادوا وكرروا أنه “لا يجب التفاوض بشأن أوكرانيا دون الأوكرانيين”… والأغرب من هذا أيضا هو ما قاله وزير دفاع العمّ سام في وقت سابق من نفس اليوم الذي التقى فيه دونالد بفلاديمير هاتفيا… وزير دفاع الماما أعلن أن بلاد العمّ سام لا تعتبر انضمام أوكرانيا إلى الناتو أمرا “واقعيا”… وأضاف أنه من الوهم التفكير أن كييف ستستعيد ولو شبرا واحدا من الأراضي التي احتلتها أو استرجعتها روسيا منذ عام 2014، ولن ننشر قوات أمريكية في أوكرانيا لضمان أمنها بعد إعلان نهاية الحرب الدائرة حاليا بين الطرفين الروسي والأوكراني…

إذن، ذهلت أوروبا مما يفعله دونالد وصدمت من سرعته في تنفيذ ما جاء به في برنامجه الانتخابي… ألم يصرخ عاليا بأنه عائد إلى البيت الأبيض من أجل “أمريكا أولًا”… لكن هل سينجح الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يصرّ على أن يكون له مقعد في كل مفاوضات تخصّ الصراع الجاري بين موسكو وكييف، في الحفاظ على دوره في الصراع الروسي الاوكراني رغم محاولة ترامب وبوتين سحب البساط من تحت أقدامه لغايات لا يعلمها غير ساكن البيت الابيض؟ … وماذا سيكون موقف كييف من كل ما أتاه دونالد هل ستقبل بالأمر وتتخلى عن الاتحاد الأوروبي لذي دفع من أجلها حوالي 50 مليار يورو كمساعدات عسكرية وغيرها منذ بداية الصراع العسكري بينها وبين ساكن الكرملين…؟؟ ماذا لو استسلمت كييف لما يريده دونالد وفلاديمير وهربت بجلدها من صراع قد يعيدها إلى حاضنتها الأولى روسيا صاغرة لا تقوى على شيء؟؟ والسؤال الخطير هل بإمكان الأوروبيين مساعدة كييف وضمان أمنها والوقوف في وجه بوتين بعد انتهاء الصراع الحالي دون مساعدة واشنطن، وهل للأوروبيين القدرة على ارسال جنودهم دفاعا عن كييف إن اشعلت روسيا فتيل الحرب مرّة أخرى؟؟؟

جزء كبير من الدول الأوروبية متخوف من التقارب الأمريكي الروسي الأخير فقد يكون على حساب امنهم واستقرار القارة العجوز… فدونالد قد يضمر شرا بالاتحاد الأوروبي ويحاول تفتيته بعد ان نجح من سكنوا البيت الأبيض قبله في تفتيت الاتحاد السوفييتي… ولا غرابة في ذلك فشعار دونالد اليوم وغدا “أمريكا أولًا”، يتجاهل أوروبا وتحالفه معها… كما أن التقارب بين الكرملين والبيت الأبيض قد يبعد موسكو بدورها عن بيكين… وهو هدف قد يكون في قائمة أهداف دونالد التي يضمرها للعالم ولكنه أيضا سيضعف حلف الناتو وقد يجبر الدول المكوّنة للاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في سياساتها الدفاعية… فهي لا تقوى على حماية نفسها دون العمّ سام وقد تختار الانصياع إلى سياسات الابتزاز التي قد ينتهجها دونالد لإنقاذ اقتصاد الماما الذي وصل إلى وضع مخيف… فبعد أن أظهر دونالد لامبالاته مما قد تعانيه أوروبا اقتصاديا نتيجة للضرائب التي ينوي فرضها على صادراتها… وبعد أن وصل الأمر إلى دعوة صريحة من بوتين لدونالد لزيارة موسكو واستعداد موسكو أيضا لاستقبال المسؤولين الأمريكيين في إطار ما يبذله الجميع من جهود لإيقاف الحرب بين موسكو وكييف… وبعد ما جرى ويجري في ملف تهجير سكان غزّة… هل يمكن القول بأن دونالد مقدم على تغيير المشهد السياسي والاقتصادي العالمي جملة وتفصيلا، محاولا بذلك إعادة الماما إلى مجدها السابق وسطوتها التي فرضتها على الجميع منذ الحرب العالمية الثانية؟

خلاصة ما يجري، نحن أمام تطوّر سريع ومخيف وخطير للخريطة الجيوسياسية الجديدة للعالم… فهل ما يفعله دونالد هو استهداف لروسيا أم لأوروبا أم للصين؟ أم هو استهداف للجميع لتبقى الماما فوق الجميع…؟؟ وكأني بدونالد يبتز الجميع بشعار “ادفعوا بالتي هي أحسن لأحميكم”… ألم يفاخر بحماية دول الخليج من حاكم قُم … ألم يفاخر بحماية أوروبا من ساكن الكرملين أيضا؟؟؟

 أخيرا …ألا يمكن التأكد من حالة دونالد، ألا يمكن أن يكون في حالة سكر؟!!

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 107

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

كانت الحلقة الاولى يومها في علاقتي بخالقي … نعم صليت له وسجدت وقلت لربّي كما اسلفت في الورقة 106 (انا جايك)… وتصادف ذلك مع قدوم شهر رمضان… وقمت بفريضة الصيام لاوّل مرّة في حياتي…

عبد الكريم قطاطة

كنت قبل سنة 2003 (عازقو) كما كنّا نعبّر انذاك عن كلّ من يُفطر في ذلك الشهر الكريم… ولأوّل مرّة في حياتي ايضا اصبحت اشارك المصلّين في صلاة التراويح بعد الافطار… وعشت حالة من الخشوع الرهيب… بكاء مستمرّ… والسبب الرئيسي في بكائي كان مزيجا من الندم على عصياني طيلة ما سبق من حياتي، والخوف من ان اقابل ربّي ذات يوم وانا مكبّل بالمعاصي… كلّ تلك المشاعر كانت نيرانها تضطرم في صدري… وكان لا بدّ من البحث عن شخص اثق فيه واحبّه واحترمه حتى افرغ له ما في صدري من شحنات خوف بحجم الجبال… ومن يكون غيره؟ انه معلّمي في السادسة ابتدائي الذي اكنّ له كلّ التقدير والاحترام… انه الحاج علي الشعري رحمه الله امام جمعة مسجد ساقية الزيت…

وجاء يوم الجمعة لاجد نفسي من المصلين صلاة الجمعة خلفه… يومها لم البس اجمل الملابس بل وتعمدت ان اترك اللحية لايام تسرح في ملكوت الله خوفا من ان يتعرّف عليّ سي علي (عاد الله خير انا ماشي نحكيلو على ماضيّ الاغبر ويعرف انّي فلان الفلاني؟ يا فضيحتك يا ولد عيادة!)… وعلى فكرة، عيّادة رحمها الله كانت تتمنى طيلة حياتها ان تراني تائبا الى الله وكانت تعرف عن ابنها الصائع كلّ شيء… رغم انّي لم ابح لها يوما بتفاصيل حياتي الماجنة… ولكنّ ذكاءها واحساسها بولدها وبعمايلو حتى وهو يخفيها عنها يمكن لكم ان تقرؤوها في تساؤلها الدائم في فترة من عمري: (يا وليدي وقتاش ماشي يهديك ربّي و”تسكّر سروالك”؟!)… الم اقل لكم انّها تقرؤني حرفا حرفا حتى ولو لم انطق بأيّ حرف… والحمد لله انها عاشت لتراني ولو لمدة سنة واحدة ذلك الابن الهارب الى ربه …

اتمّ سيدي علي الشعري يومها صلاة الجمعة بنا وبدأ المصلّون يغادرون المسجد و(تسلحبت) كأنّي عامل عملة، في خطى متعثرة له… لمن؟ لذلك الرجل الضخم جثة والاضخم في الكاريزما… تماما كما عهدته وانا تلميذ في السادسة ابتدائي بمدرسة القراوة المختلطة… سلمت عليه باستحياء وعيناي لم تتجرّآ على النظر اليه… قال لي مرحبا يا ولدي عندك سؤال تحب تسألو؟ صمتّ قليلا ولساني الداخلي يقول (يا ريتو كان سؤال)… طأطأت رأسي وبالكاد خرج صوتي المرتعش الخائف من معلّمي قائلا: (سيدي الشيخ انا نحسّ بأنو ربّاني هداني… لكن ماضيّ معذّبني… نحسّ بجبال من الذنوب… وباش نسهّل عليك مانيش ماشي نقلك اشنوة اللي عملت، اما اسهل اني نقلك شنوة اللي ما عملتش…

لم ارفع رأسي لأرى ردّة فعله ولكن رايتها بقلبي حين قال لي:(ايّا سمّعني اشنوة اللي ما عملتش ترا)… قلت له: (لم اشرب الخمر طيلة حياتي ولم اعاشر المثليين والبقية الكلّ عملتو)… والله يشهد اني كنت صادقا في بوحي هذا… ورايت ودائما بقلبي يده حين ربّت بها على كتفي وقال: (يا ولدي وقت ترجع لدارك شدّ كتاب القرآن وامشي لسورة الفرقان واقرا من الآية 63 حتى الآية 71 وستجد الاجابة)… سلمت عليه شاكرا ومرة اخرى لم اجد الشجاعة لرؤية عينيه وهو الذي يمتاز بعينين كبيرتين ثاقبتين… تسلحبت مرّة اخرى وغادرت المسجد…

ساقية الزيت حيث المسجد تبعد عن مقرّ سكناي 9 كلم تقريبا… يومها كانت المسافة 9999 كلم… ويومها كان الزمن يسير بسرعة مليمتر واحد في الساعة… يااااااه فعلا كانت السكّة يومها طويلة قوي كما وصفها سعيد صالح… ووصلت لمنزلي وديراكت استلقيت على فراشي وديراكت سورة الفرقان والاية 63… وشعرت بالويل والثبور لمن هم من صنفي ولمن ارتكبوا ما ارتكبت… يا الهي… هل هذا انت الغفور الرحيم…؟ ولانّ الله ودون شك هو الغفور الرحيم وجدتني ابكي بكاء الفرح والامان وانا اقرأ الآية 71 وحلّ جلاله يقول بعد الآيات الرهيبة والمرعبة التي سبقتها: (الا الذين تابوا وآمنوا وعملوا عملا صالحا فاولئك سيبدّل لهم الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)… ياااااه ما اشهى البكاء يومها حبّا في الله وفي رحمته وغفرانه… بل لم اكتف بذلك… قررت في تلك اللحظة ان اقوم بصلاة لم تأت في القرآن ولا في السنّة، واسميتها صلاة الحمد والشكر وداومت عليها يوميّا لحدّ يوم الناس هذا… وهل انسى فضل معلّمي سي علي الشعري عليّ رحمه الله… انا من عادتي ان اعترف بالجميل لكلّ انسان عرفته في حياتي ومهما كان حجم جميله… فكيف لا اذهب لمن حررني من عقدة الخوف من ماضيّ الخايب في علاقتي بخالقي؟ اقتنعتوشي توة انو في فترة من عمري كنت خايب بالحق؟؟

ورجعت له وما احلى الرجوع اليه ..رجعت لمعلّمي بأبهى ملابسي وطلّقت اللحية وللابد وصلّيت خلفه صلاة الجمعة وتقدّمت له هذه المرة بكل ثقة في النفس وسلّمت عليه بسعادة… نظر اليّ وقال: (جايني فرحان اليوم ماذابيك سيئاتك كانوا اكثر، طمعا في تحويلها الى حسنات هواشي؟)… نزل الدمع من عينيّ مرّة اخرى وشكرت له صنيعه وقلت له: (‘توة جا الوقت باش تعرفني انا شكون؟) قللي مرحبا بيك ايّا قللي انتي شكون؟… قلت له انا تلميذك عبدالكريم قطاطة في مدرسة القراوة في سنة 1960… شدّ على يدي بكل حرارة وقللي انت ولدي متاع اذاعة صفاقس ؟ قلت له انا هو… جذبني اليه وعانقني وقبّلني… وطفقنا معا في بكاء جميل… نعم البكاء احيانا هو عذب جدا وعزف جميل على اوتار الوجدان… اضف له طبطبة بيديْ سيدي علي الغليظتين على ظهري وهو في قمة سعادته بابنه الذي جاءه تائبا، وبابنه المنشط الذي وبالنسبة له هو وسام له كمربّ نجح في تربية عبدالكريم…

صدقوني انّ تلك الطبطبة باليدين اللتين قلت عنهما غليظتين هي وعلى حدّ تعبير ابراهيم ناجي (ويد تمتدّ نحوي كيد مُدّت من خلال الموج لغريق )…مسكني سيدي علي من ذراعيّ النحيفتين وقال: (توة ماشي نطلب منك طلب ونحبك تلبيهولي)… قلتلو انت معلمّي وعرفانك عليّ لن انساه طيلة عمري… اطلب عينيّ وشويّة فيك… قال لي وبنظرة جادّة كما تعوّدت عليه عندما كنت تلميذا… اهاب مثل تلك النظرات ولكن هذه المرة كانت ممزوجة بحنّية المربّي الاب… قال: (انت مازلت تتذكّر دار بوك علي اللي في واد القراوة بعد المدرسة؟)… قلت له طبعا وبالامارة في نهاية واد القراوة على اليسار… قال: (تبارك الله على ولدي وعلى ذاكرتو)… واضاف: (نحبك تجيني نهار الاول في عيد الفطر بعد صلاة العصر تقبّل عليّ)… وطبعا قفزت كلماتي وبكلّ سعادة وسرور وطبعا دون نسيان جانب المزاح فيّ قلت: (معناها ماشي تذوّقني البقلاوة وكعك الزلوز والملبّس)… ابتسم بكل حبّ وقال: اللي ماشي نحضرهولك خير مللي قلتو الكل… انت قدرك اعزّ باااااااااااارشا مللي قلتو…

وكنت اليوم الاول من عيد الفطر بمنزله… فوجئت جدا بالجمع الغفير الذي كان في الصالون… مسك سيدي علي رحمه الله بيدي وقال لي: هؤلاء هم ابنائي واحفادي… ثم نظر اليهم وقال: (هذا خوكم عبدالكريم قطاطة اللي تسمعوه وتحبوه في اذاعة صفاقس… اي نعم هذا خوكم اللي ما جابتوش امكم والحمد لله ربيت وما خبتش)… سلّمت على الجميع بكل حب وسعادة ثم قال لي سيدي علي: (ايّا تفضل موش حكيتلي على البقلاوة وكعك الزلّوز والملبّس؟ ورينا جهدك)… قلتلو: (سيدي ومعلمي احنا راهو جماعة الاذاعة نبهبرو برشة اما ما نفعلوش)… وبنظرة فيها عتاب غاضب قال لي سيدي علي: (انت بالذات فخور بيك لانك تقول وتفعل)… وربت في حنية على كتفي وقال: (عندي هدية ليك مفاجأة اما راهو تشوفها وبعد ترجعهالي)… ودلف الى بيته واخرج لي ورقة من نوع دوبلوفاي وقال لي تفضل اقرا…

يااااااااه انها ورقة في تمرين انشاء تحمل اسمي ولقبي وانا في السادسة ابتدائي… وهل هناك هدية اثمن من تلك؟ عاد بي زمني الى زمن اخر وهنا لا بدّ من القول وانا زعمة زعمة التلميذ المجتهد والنجيب جدا في مادة اللغة العربية طيلة دراستي… لابدّ من القول اني عشت عديد المواقف والاحداث في حياتي التي تعطلت فيها كلماتي… نعم لغة الكلام احيانا تتعطّل عندما تجتاحنا مشاعر غامرة…. فنصبح كقشّة تبن في لجج البحار… هل يعني ما قلته انّ لغة كلامي ستتعطّل وتقف عند هذا الحدّ في الحديث عن خالقي وعن الدين واهل الدين؟؟ ابدا ما قلته لحدّ الان هو غيض من فيض… ولكن للتذكير وللتاكيد مرة اخرى اقول: ما دوّنته وسأدوّنه في قادم الاوراق هو تجربة شخصية لا ارمي من ورائها اعطاء درس لايّ كان… انا لست مؤهلا لذلك بتاتا… بل وهذي تلميحة مقصودة اعتبروها بداية الغيض لورقتي المقبلة او مخالفة غير مباشرة، كم اشفق كثيرا على كل من يعطي دروسا في الدين لانه رغم ما بداخله من نوايا سيحمل وزره ووزر من يتبعه.

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة رقم 106

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

قبل سرد تجربة ذاتية عشتها في اواسط 2003 لابدّ من الاشارة الى امر في منتهى الاهمية… ما دوّنته في كل الورقات منذ اولاها الى اخرها هو مجرّد محاولة لتوثيق ما عشته وما عاشه جيلي… والورقة هذه عدد 106 ونظرا إلى خصوصية ما سيرد فيها لا تخرج عن هذا الاطار…

عبد الكريم قطاطة

اذن لن اكون فيها لا منظّرا ولا عالما ولا مفتيا… ساتحدّث عن علاقتي بالله وبالدين وبرجال الدين كيف نشأت وماهي القناعات التي وصلت اليها… مرّة اخرى هي تجربة شخصية للتوثيق والاطلاع فقط… ومهما كانت مواقفكم في تعاليقكم فانا لن اجادل ايّ واحد منكم… ساحترم كل الاراء واقف عند ذلك الحدّ… دعوني في البداية اذكّر انّي وقبل مارس 2003 كانت علاقتي بالدين هشّة للغاية (عبادات ومعاملات)… لعلّ مردّ ذلك تاثّري بمن درّسوني في سنة الباكالوريا حيث كانوا في جلهم اما يساريين او قوميين… انا كنت من الذين يعيشون فترة الحيرة بين الشك واليقين… وحياة اللهو التي عشتها كانت تميح بسفينة فكري الى عدم الخوض في كينونتي دينيّا… ولكن كنت ميالا الى الفكر اليساري رغم امتلائي داخليا بوجود الله… وكنت اكتفي فقط بذلك…

يوم وقعت تسميتي على رأس مصلحة الانتاج التلفزي وكما اسلفت في الورقة الماضية ابتعدت عن اجواء الاذاعة وعن ناسها عموما… ويمكن القول اني عشت لمدة 6 اشهر دون مشاحنات مع مديري سي عبدالقادر رحمه الله… لم اناقش معه كل حقوقي (كرئيس مصلحة) التي حرمني منها كالخط الهاتفي المباشر… رغم انّ زملائي في قسم الهاتف كانوا لا يتأخرون لحظة واحدة في تمتيعي بايّ رقم اطلبه، متجاهلين توصيات المدير وأتباعه بحرماني من الهاتف وبمدّ الادارة باسماء كل من يتصل بي… كذلك تم حرماني من جريدتي اليومية التي توقف مجيئها… وحتى المكتب المخصص لي كمن سبقوني في رئاسة مصلحة الانتاج التلفزي، وقع غلقه ووجدتني في مكتب هو حجما كالحكّة ومكانا بجانب المراحيض… لم اناقشه في قراراته لانّ همّي الوحيد انذاك ان اعيش بعض السلام الداخلي…

بعد مرور اسبوعين على انتقالي من مبنى الاذاعة ومن مكتبي هنالك الى مبنى وحدة الانتاج التلفزي وشبه مكتبي هنالك، اصبحت عاطلا عن ايّ نشاط… ولكن بمرتب رئيس مصلحة لا مهامّ ولا شغل له… ذات يوم وانا في مكتبي ذاك خطرت ببالي فكرة اردت من خلالها قتل الوقت لا غير لانّ اصعب عمل في حياة الفرد ان لا يعمل… قال يومها عبدالكريم الباهي لعبدالكريم الخايب: ألست ابن شعبة الآداب ؟ الم تكن من الذين اكلت وبِنَهَمٍ شديد مجموعة من الكتاب كغاوي مطالعة؟ الم تبدا علاقتك بكتب المطالعة منذ الخامسة ابتدائي؟ الم يقل فيك استاذك سي محسن الحبيّب اطال الله عمره وهو مدرّسك سنة الباكالوريا كلاما كثيرا في كتابه (وقال قلمي)، وتحدث عنك بفخر واعتزاز كاحد تلامذته النجباء حيث كنت تلتهم الكتب التهاما مما جعل ذخرك زاخرا معرفيا .؟

وواصل عبدالكريم الباهي حديثه مع عبدالكريم الخايب بالقول: انت فعلا طالعت عددا لا يُحصى من الكتب فما ضرّك لو اطلعت على كتاب الله؟ واستجاب عبدالكريم الخايب لهذا المقترح وبسرعة عجيبة… كان في مكتبي كتاب قرآن ولست ادري ما السرّ في وجوده… اخذته وكنت في تلك الآونة على جنابة وقررت ان اطالع القرآن الذي لم اعرف منه سوى قصار السور وانا ادرسها في الابتدائي او اتلوها مع والدي وانا طفل ليلة 27 من رمضان حتى امتّع البطن بالزلابية والمخارق… وفتحت المصحف كمطالع لكتاب قيل عنه الكثير … وكانت البداية طبعا وبعد الفاتحة بسورة البقرة… من عاداتي انّي عندما ابدأ مطالعة ايّ اثر أنني اركّز جدا على كل ما ياتي فيه… ولا اترك شاردة ولا واردة لاُحسن في ما بعد عملية النقد والتحليل…

يومها وانا اقرأ سورة البقرة كنت لا شعوريا كما ذلك العطشان الذي انغمس في شرب الماء… كما ترون لم اصف الماء بالعذب او الزلال… كنت فقط اشرب الماء ولكن دون تمحيص… وصلت الى الصفحة 24 والى الآية الكريمة 155 التي تقول { ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشّر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انّا لله وانّا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم واولائك هم المهتدون } صدق الله العظيم… في اللحظة التي قلت فيها اولئك هم المهتدون فُُتح باب مكتبي لتًُطلّ عليّ سكرتيرتي انذاك نعيمة المخلوفي رحمها الله، ولتنزعج مما وجذتني عليه وسألت بحرقة (يا عرفي اشبيك لاباس ؟) استغربت من سؤالها وأجبت: اشبيني لاباس.. قالت: اذن علاش تبكي لاباس؟)… اندهشت ثانية ولم اصدّق الا وانا امسح دموعي قائلا: (لاباس لاباس والله… تذكرت وفاة اخي الحبيب الذي توفّي سنة 2000)..

لم تمكث معي طويلا بعد ان اطمأنت عليّ وغادرت واغلقت باب مكتبي… تركت كتاب القرآن على حدة ومسكت رأسي بيديّ وطفقت افكّر في ما جرى ..كيف جرى ؟ لماذا جرى ؟ كيف انخرطت في بكاء لم اشعر اطلاقا به ؟؟ لم ابق طويلا على تلك الحالة… نهضت من الكرسيّ وتمتمت: (يا ربّي انا جايك)…وقصدت منزلي الذي لا يبتعد عن مقرّ الاذاعة سوى 200 متر تقريبا… وتطهّرت وصليت لربّي ركعتين وفي كل سجدة كنت اردّد نفس الكلمات (يا ربّي انا جايك)… يومها تذكرت استاذي العزيز سي رشيد الحبيّب رحمه الله الذي كان يدرّسنا سنة الباكالوريا مادّة التفكير الاسلامي والذي حدثنا عن الفقيه ابي حامد الغزالي الذي عاش فترة كلها حيرة بين الشك واليقين… الى ان قذف الله في قلبه نور اليقين والذي يصفه البعض ومنهم استاذنا سي رشيد رحمه الله بالنور الشعشعاني…

كنا انذاك وخوفا من استاذنا الرهيب بجديته وكاريزمته نقبل بما يقول ولكن كان في داخلنا كثير من الاستهزاء بذلك النور الشعشعاني… يوم قلت لربّي (يا ربّي انا جايك) فهمت انّ نور الايمان هو اعظم نور لانّ من عاشه وبعمق يعيش الامان والسلام الداخلي… هذا هو مجرّد استنتاج لما عشته منذ ذلك اليوم ولكن للقصّة تفاصيل اخرى عديدة ومتشعبة… ولا اتصوّر انّ هذه الورقة بقادرة على حكي كل تفاصيل ما حدث لي بعد ذلك اليوم… ولا تنسوا وبشّر الصابرين في كتاب الله… اذن صبركم عليّ …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

الشات جي بي تي… “ولد حرام صرف”!

نشرت

في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد الأطرش:

سيواجه الطفل الذي سيولد اليوم بأحد مستشفيات تونس وغيرها من المدن في الدول الفقيرة والنامية عندما يصل إلى سن البلوغ، آلة أذكى منه ألف مرّة… وسيضطرّ إلى متابعة ذكائها وتطوير نفسه قياسا بما سيعيشه ويتعلمه ويعلمه من ومع هذه “الآلة” ومع التطوّر الرهيب في قدرات الذكاء الاصطناعي كل ساعة أو لنقل كل ثانية… وسيصبح بعض أبناء هذا الجيل الذي سيولد اليوم وغدا في بعض مستشفيات تونس وغيرها من المدن، قويا وذكيا إلى درجة سيكون معها قادرا على تحقيق كل أهدافه وتطوير كل برامجه ومخططاته وما يريد فعله وانجازه… لكن هنا يكمن المشكل الذي ستعيشه تونس وغيرها من البلدان التي لا يمكنها ان تضع في يد كل أبناء الجيل القادم، آليات الذكاء الاصطناعي لتطوير أنفسهم وتطوير العالم من حولهم…

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتمكن كل أبناء الأجيال القادمة التي ستولد اليوم وغدا، من استغلال القوة الرهيبة للذكاء الاصطناعي؟ وهل بإمكان الدول الفقيرة تعميم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي على كل أبناء الجيل القادم؟ فالنقطة التي قد تمنع عديد الحكومات من توسيع قائمة المستفيدين من الذكاء الاصطناعي، هي خوفها من أن تكون غدا قدرة الشعب أكبر بكثير من قدرة الدولة… لذلك فقد تختار بعض أنظمة الدول الفقيرة استثناء نسبة كبيرة من شعوبها من الاستفادة من آليات ووسائل هذه القوّة الرهيبة التي قد تهدّد وجودها وقد يصل بها الأمر إلى افتكاك الحكم والسلطة منها، يوم تغضب منها ومن سياساتها…

فهل سيكون الذكاء الاصطناعي وسيلة جديدة من وسائل الاستبداد والتسلط لعديد الأنظمة التي قد تستثني بعض شعوبها من هذا الذكاء، أم سيعمّم ويكون في متناول كل الأجيال القادمة ويكون بذلك وسيلة للتحرر والانعتاق والابداع والتطور والتقدّم والنمو والازدهار؟؟

وسط كل هذا الذي يجري في العالم حولنا، والحرب المعلنة بين الصين والعم سام… من سيكون الأقدر على إدارة رقابنا نحو منتجاته الذكية التي ستزيدنا ذكاء وستخرجنا من الغباء الذي نقتات منه ونعيش في مستنقعه…؟؟ لكن لو سألنا بعض من تذوقوا طعم الـ”شات جي بي تي” وغيرها من وسائل الذكاء الاصطناعي هذا الذي سيغيّر وجه العالم بعد سنوات قليلة والذي سيجعلنا أيضا جزءا صغيرا من قرية كبيرة كل من يسكنها يعرف كل من فيها وما يقع فيها ويستفيد من كل من فيها ومن يستفيد بمن فيها… أقول لو سألنا بعض العرب كيف يتعاملون مع هذا الوافد علينا من بلاد العم سام وأحفاد “تشانغ كاي تشيك” و”ماو” فماذا سيقولون يا ترى؟؟ جميعهم أو اغلبهم وأقصد من هم أبناء جلدتنا، لم يختاروا الاستفادة المنطقية والعقلانية من القوة الرهيبة لآليات ووسائل الذكاء الاصطناعي…

أغلب من غامروا بربط علاقة وطيدة وحميمية مع احدى آليات ووسائل الذكاء الاصطناعي اختاروا التعامل مع الذكاء في غير ما ينفعهم وينفع الناس… اغلب العرب يدخلون الشات جي بي تي للسؤال عمّا يجلب لهم المتعة والاستمتاع… والغريب في الأمر أنهم لم يتعلموا شيئا ولم يستفيدوا من الذكاء الاصطناعي بربطهم لعلاقة غريبة مع أشهر وسائله “الشات جي بي تي” بل أفسدوا اخلاق هذا الكائن الغريب العجيب… فعلّموه كل الالفاظ البذيئة والسباب والشتائم… وبحثوا من خلاله عن كل ما يكشف لهم اسرار بعضهم البعض… فالشات جي بي تي تعلّم من بعضنا الكذب والخداع… وتعلم من بعضنا الآخر الكلام البذيء والشتائم الجنسية… ووصل الأمر ببعضهم بتسمية الشات جي بي تي باسم من أسماء اقاربه فهذا يناديه “يا قعقاع”، والآخر يناديه ” يا مسعود”، والآخر يناديه باسم حبيبته… وهنا علي أن استحضر ما قاله الكوني ابن عمّي عن هذا الكائن العجيب يوم حاوره وهو في حالة سكر… الكوني قال أإن الشات جي بي تي ” ولد حرام صرف… ماهوش ولد عايلة”… هكذا انقلب الأمر عندنا فعوض أن نتعلم من الذكاء الاصطناعي ما ينفعنا ونستفيد منه… أفسدنا اخلاقه فاصبح “ولد حرام صرف”… المسكين…

ختاما ألا يجب ان يكون الذكاء الاصطناعي غدا مادة أساسية في كل مراحل تعليمنا من الأساسي إلى الجامعي، حتى نواكب ما يعيشه العالم من تطور في كل المجالات والقطاعات… فيستفيد منها العباد… ويصلح بهم ومعهم حال البلاد…

أكمل القراءة

صن نار