تابعنا على

وهْجُ نار

وتونس تعيش أحلك أيامها… هل يقول الشعب لرئيسه: “أحببناك فانتخبناك…فلا غرابة إنِ اليوم كرهناك…فنسيناك…” !

نشرت

في

هل صَلُح حالنا بعد أن دمرنا كل ما بنيناه…دمرنا قيمنا…مؤسساتنا…اقتصادنا…مجتمعنا…سياساتنا…دمرنا حتى خياراتنا…ودمرنا مستقبل فلذات أكبادنا؟؟ هل تغيّر شيء في البلاد…هل تغيّر شيء لصالح العباد…هل غيّرت حكومات ما بعد 14 جانفي شيئا؟ لا شيء…هل غيّر قيس سعيّد شيئا منذ انقلابه على شركائه في الحكم؟ لا شيء…إذن لم كل هذا الخراب؟ ولم كل هذا العذاب؟ ولم كل هذا التصفيق والهتاف من بعض الذين لم يستفيقوا من سكرتهم التي طالت؟

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

أوقفت “آلة التسليف” العالمية ضخّ الدولارات في خزائننا واصابنا صندوق النقد بـ”الــنكد”…فخرج علينا الاتباع يصفقون ويهتفون بوطنية “مولاهم” وبما اتاه…توجهت حكومة مولانا إلى التداين الداخلي فخرج علينا الأتباع يصفقون ويمجّدون مولاهم بدعوى أن البلاد عاشت سنة دون اقتراض مليم واحد من السوق العالمية، ونسوا أن الحكومة خربت اقتصادنا الداخلي بما أتته وتأتيه…ارتفع معدّل البطالة…والأتباع يصفقون…اشتعلت النار في أسعار المواد الأساسية…والأتباع لإنجازات وهمية يمجّدون…اختفت مئات الأدوية من الصيدليات …والأتباع للحذاء يلعقون…اختفت العديد من المواد الهامة والاساسية…والأتباع يبايعون ويناشدون…طمست هوية الدولة بمحو أثار بعض مؤسساتها…والأنصار يزغردون وعقيرتهم بالغناء يرفعون…هُتك عرض أغلب مؤسسات الدولة…والأنصار يمرحون يسعدون يتهامسون…

كما توقفت كل عمليات البناء…والأتباع يغنون ولمولاهم يشكرون…التهم البحر المئات من شبابنا ولا يزال…والأنصار باسم مولاهم يهتفون يصرخون…موجة من الهجرة المنظّمة لم تعرفها البلاد سابقا…والأتباع بإنجازات مولاهم يشيدون…تضخّم مالي سيصل قريبا إلى أرقام قياسية…والأنصار بطول العمر لمولاهم يدعون…أفسدنا العديد من علاقاتنا مع الاشقاء…والاتباع سعداء يرقصون…لم ننجز استثمارا واحد في البلاد…والأنصار يصرخون و”السيادة الوطنية” يطلبون… أبعد هذا الخراب خراب؟ فكيف يريد “مولاهم” ان يبنى وطنا قويا وأمة حرة ذات سيادة وهو لم ينجز شيئا واحدا يستحق الذكر والثناء…وشعبه يأكل من وراء البحار…وبعض شعبه هارب من أرضه خوفا من الموت جوعا؟ وكيف يطالب الشعب ضمنيا بــ”الولاء الأعمي” وهو دمّر وهدم كل البناء…ألم يكن من الأجدر مواصلة البناء على البناء؟ ألهذا الحدّ أوهموه بأنه أنقذ حقّا البلاد والعباد؟

هل كان من الضرورى ان يهدم “مولاهم” كل البناء الذي سبقه؟ هل كان من الضروري ان يشيطن كل خصومه؟ هل كان من الضروري أن يكون قاسيا كل تلك القسوة على بعض خصومه الذين ثبتت براءتهم مما زعم ويزعمون؟ هل كان من الضروري أن يهدم كل مؤسسات الدولة بنيّة إعادة بنائها على مقاس حكم الرجل الواحد؟ هل كان من الضروري أن يختار لنا بدستوره الذي كتبه في غرفة مظلمة لا نور فيها، نظاما شموليّا قد يعدّ على الناس أنفاسهم غدا وهم لا يعلمون؟ هل كان من الضروري أن يصل بنا الحقد إلى هذه الحال وهذا الانقسام؟

متى يستفيق أتباع “مولاهم” من سكرتهم يا ترى؟ هل يدركون اليوم أن نظام مولاهم أصبح أعنف من كل الأنظمة التي تداولت على حكم هذه البلاد؟ ألا يعتبر افتقاد بعض المواد عنفا؟ الا يعتبر افتقاد بعض الادوية الحيوية عنفا؟ ألا تعتبر كتابة دستور من طرف واحد وعلى مقاس فرد واحد عنفا؟ ألا تعتبر لامبالاة الحاكم مما تعيشه البلاد عنفا؟ ألا يعتبر ارتفاع الأسعار بهذا الشكل عنفا؟ ألا يعتبر الانفراد بحكم البلاد عنفا؟ ألا يعتبر ارتفاع نسبة البطالة  ـ عكس ما يزعمون ـ عنفا؟ ألا يعتبر ارتفاع نسبة الفقر عنفا؟ ألا تعتبر موجة الهروب من البلاد بحرا وجوا عنفا؟ ألا تعتبر شيطنة الخصوم عنفا؟ ألا يعتبر اتهام الخصوم ظلما وعدوانا، عنفا؟ فالعنف ليس فقط أن تضربني بعصاك بل أن تشعرني بالألم مما تفعله وتأتيه وهذا هو أشنع عنف قد يعيشه الشعب …فالجوع ألم…والقهر ألم…والظلم ألم اشدّ…والغربة وجع دائم إلى الابد…والشعب يعيش الغربة اليوم من غد لا يعلم كيف يكون…والشعب يعيش عنف الانتظار والترقّب…انتظار يوم تكون فيه فعلا السماء زرقاء…لا كما يزعمه اليوم أتباع “مولاهم”…

أعود لأقول متى يستفيق أتباع “مولاهم”؟ أليسوا هم سبب البليّة؟ أليسوا هم من أوهموا ويوهمون الرئيس بأنه على حقّ…وأن بقية الشعب على باطل؟ هؤلاء هم من سيحولون “مولاهم” إلى “فرعون” لا قدّر الله بزرعهم للحقد والكراهية…فشعار “الدكتاتور العادل” الذي خرج به علينا أحد الأغبياء في أحد منابر الحمق السياسي لبعض تلفزاتنا لا يستقيم…وليس من العقل حتى أن يقال ويذكر…فلا يمكن لدكتاتور أن يكون عادلا إلا في عقول بعض المجانين من هواة لعق الأحذية…

أتباع “مولاهم” ومن هم حوله هم من سيتحمّلون كل الأخطاء وتبعات الأوهام التي اوقعوا فيها “مولاهم” وحوّلوا وجهته بها …ورغم كل ذلك فتحميلهم مسؤولية كل الخراب لا يعفي “مولاهم” من المسؤولية، فهو من اختار أن يكون “شعب الولاء والبيعة” أقرب إليه من “شعب الخبرة والكفاءة”…لأنه يسعد كثيرا حين تنهال عليه المدائح وقصائد الشعر والأغاني والاهازيج من “شعب الولاء والبيعة”…ولا يقبل ابدا بأن يستمع إلى كلام ونصائح قد يعتبرها “علقما”…لكنها في حقيقة الأمر هي الصواب وهي الطريق الاسلم لإصلاح حال البلاد والعباد… فالعلقم نافع أحيانا…عسل المديح يميت…وعلقم النصح يحيي ويفيد…


لعلّ “مولاهم” علم بما وقع لرحلة الخطوط التونسية 722 في اتجاه مطار أورلي بباريس والتي اضطرّ طاقمها التونسي بسبب سوء الأحوال الجويّة وبعد ثلاث محاولات هبوط فاشلة، إلى تغيير وجهتها نحو مطار شارل ديغول ودرء الأسوأ…هكذا حالنا اليوم، تونس اليوم في حاجة إلى طاقم ينقذنا مما نحن فيه بعد ثلاث محاولات فاشلة للهبوط، ويحوّل البلاد إلى وجهة أخرى تضمن لنا الهبوط بسلام آمنين…أيعلم “مولاهم” أن من هم حوله حوّلوا وجهته إلى الحقد…نعم إلى الحقد الأعمى…ألم يحن الوقت يا ترى ليحوّل “مولاهم” وجهتنا إلى وجهة أجمل وافضل وجهة: “الحب”…ألم يحن الوقت ليعلن الرئيس حبّه الحقيقي لهذا الشعب الذي أحبّه فانتخبه…ألا يعلم الرئيس أن حبّا من طرف واحد لا يدوم طويلا…فلينزع الحقد الذي ملأ به أنصاره ومن هم حوله صدره على أكثر من نصف هذا الشعب وكل خصومه ومن شاركوه الحكم قبل انقلابه…وليعلن حبّه لهذا الشعب…كل الشعب…دون استثناء…فتونس في حاجة فعلا إلى بعض الحبّ… فقد يقول له الشعب غدا إن واصل في نفس وجهته… بالأمس أحببناك فانتخبناك…ولا غرابة إن اليوم كرهناك…فنسيناك…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

وهْجُ نار

كيف عشت 14 جانفي 2011؟… شهادة للتاريخ

نشرت

في

نجاة ملايكي:

كل المعلومات الواردة هنا سجلتها بنفسي ودونتها للتاريخ  في إبانها… وكل ما أكتبه هنا حقيقة عشتها كصحفية متابعة للشأن الوطني بكل دقة.

نجاة ملايكي Najet Mlaiki

سأنطلق ممّا عشته ورأيته بنفسي… كنت أمام مقر المسرح البلدي بالعاصمة في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا، في طريقي إلى مقر عملي بدار لابريس والصحافة بنهح على باش حامبة بالعاصمة… كان شارع الحبيب بورقيبة الذي شهد طيلة الأيام المنقضية تعبئة كبيرة، مليئا برجال الأمن في كل مكان وزاوية… وذلك في ظل وجود بعض التحركات من قبل بعض الشباب المتمركز هنا وهناك لكن بأعداد قليلة في ذلك الصباح… قررت أن أجوب الشارع يقودني فضولي الصحفي ووصلت حيث مقر وزارة الداخلية… كانت الحواجز الأمنية تملأ المكان محيطة بمقر الوزارة بشكل غير مسبوق… أحاديث ودردشات في كل مكان من الشارع لا يمكن سماعها إلا إذا اقتربت من المتحدثين…. هناك أمر ما سيحدث دون شك….

 التحقت بمقر الجريدة وقبل ذلك اتصلت بصديقة لي تعمل بدار التجمع بشارع محمد الخامس لأسألها عن الأوضاع فقالت كلمة واحدة واعتذرت عن مواصلة المكالمة الهاتفية (ولديها الحق في ذلك): “انتهى كل شيء!”… هل انتهت الاحتجاجات؟؟ هل انتهى العنف؟؟؟ هل انتهت الحكومة؟؟؟؟… حقيقة لم يخطر ببالي في تلك اللحظة ما سيحدث بعد ساعات قليلة… لكن كل الأمور باتت محسومة نتيجة خروج الأوضاع عن السيطرة….

التحقت بمقر الجريدة وباشرت عملي في أجواء مشحونة بالحماس وبالنقاشات وتبادل الآراء… كعادتنا في بداية كل يوم عمل محفوف بالأحداث والمستجدات… لكن ما من أحد منا توقع انتهاء بن علي بعد بضع ساعات فقط… كانت التلفزة تبث حوارات غير مسبوقة من حيث الجرأة ونقد الأوضاع حتى ان أحد المشاركين في هذه الحوارات قال في الساعة الثالثة مساء: “بن علي انتهى … بن علي مات…”

فعقب على ذلك أحد الزملاء: أكيد مخمور كعادته !.

شارع بورقيبة غص بالمحتجين والجميع ينادون بصوت واحد “ديڨاج… ديڨاج”! … إصرار ووحدة صف منقطعا النظير… وقرار محسوم بضرورة رحيل بن علي…

كان لابد من نقل هذا الواقع التاريخي الذي أعيشه مباشرة… عدت الى الجريدة من جديد وبدأت التحرير وكان ما نكتبه إما نلغيه أو نغيّره بتغيّر تواتر الأحداث والأخبار التي ننقلها بأنفسنا أو نجمعها من مصادرنا المتعددة… ثم على الساعة الثانية والربع بعد الظهر أعلن الرئيس بن علي آنذاك إقالة الحكومة وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في ظرف ستة أشهر… وبعد 45 دقيقة من ذلك الإعلان قرر إعلان حالة الطوارئ وتعميم حظر التجوال على كامل البلاد…

بعد هذه القرارات كان بن علي في طريقه إلى المطار وعلمنا في ما بعد أنه تم إعلامه بأن مسيرة احتجاجية بالآلاف في طريقها إلى قصر قرطاج وأن هناك خطرا على حياته وحياة عائلته…

على الساعة الرابعة و45 دقيقة أعلن الوزير الأول محمد الغنوشي أن الرئيس بن علي غير قادر على ممارسة مهامه… وأضاف الغنوشي أنه سيتولى رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة إلى غاية موعد الانتخابات المبكرة بناء على المادة 56 من الدستور (وذلك قبل أن يعلن المجلس الدستوري رسميا إقصاء بن على نهائيا من الرئاسة وتكليف رئيس البرلمان فؤاد المبزع برئاسة الدولة بناء على المادة 57 من الدستور)

كانت الساعة تشير الى الخامسة مساء عندما غادرت مقر الجريدة بعد كل هذه التطورات والأحداث السريعة… شارع بورقيبة خال من المارة وتتوسطه مدرعات الجيش الوطني… لا وسائل نقل ولا سيارات أجرة، عدا بعض السيارات الخاصة التي تعدّ على الأصابع تسرع نحو مقاصدها…

 كنت مع زميلين وكان لابدّ لي من الوصول إلى بيتي بحمام الشط حيث ابنتي الرضيعة التي لم تبلغ بعد شهرها الخامس… الوضع صعب… الطريق مليء بالعقبات… لا وجود لأي عون أمن… العديد من مراكز الأمن حُرقت… عجلات مطاطية تشتعل في الطرقات… لا أمن ولا أمان…  أخبار السلب والنهب تصل من كل مكان… كيف الوصول إلى ابنتي التي تحتاجني؟… أحمد الله أن زوجي قد نجح في الوصول إلى البيت وأحمد الله أن “فرح ” في عناية والدة زوجي رحمها الله التي كانت موجودة ببيتنا… لكن ابنتي لا تنام إلا في حضني… ما العمل؟؟؟

كان أقصى مكان يمكن بلوغه في ذلك اليوم هو ضاحية مقرين… في طريقنا شاهدنا مجموعة من الشباب تفوق العشرة أنفار يسوقون شاحنة جرار هاتفين بافتخار: “هذه أخذناها من البلدية”… حمدت الله أن فكرة سلبنا لم تخطر على بالهم من شدة فرحهم بما سرقوه…

الطريق بدا خطيرا جدا  والسير فيه مجازفة كبيرة… بعد أن نزلت زميلة في مدخل”المروج”، نجح زميلي مشكورا في إيصالي إلى بيت أختي بسيدي رزيق (مقرين) وهي أقصى محطة يمكن أن يصلها في ذلك المساء الذي بدأت فيه أسترة  الليل تنسدل… هناك قضيت الليلة ولم أرتح رغم حفاوة الاستقبال والاستئناس إذ أن عقلي مع ابنتي…. لم أفكر في شيء غيرها…..

مجريات الأحداث

لم يكن متوقعا شيء مما حدث بتونس قبل 17 ديسمبر 2010 يوم أقدم البائع المتجول محمد البوعزيزي  (من مواليد 29 مارس 1984) على حرق نفسه أمام عموم الناس على اثر حجز عون التراتيب آنذاك، فادية حمدي (من مواليد 1965)، لآلة الوزن التي يستعملها في عمله، وحصول مشادة بينهما اتُهِمت على إثرها فادية حمدي بصفع البوعزيزي… وهي التهمة التي أنكرتها وقضت المحكمة في شأنها بعدم سماع الدعوى بعد ثلاثة أشهر و28 يوما من الإيقاف… وثبت أن فادية حمدي مثلت كبش فداء للسلطات الجهوية والوطنية… فعلى المستوى الجهوي، لم يتم احتواء المشكل عندما لجأ البوعزيزي لوالي سيدي بوزيد آنذاك ومُنع من مقابلته وأطرد من المكان… وقرر على اثر ذلك الانتحار حرقا… أما على المستوى الوطني فقد اتخذ قرار سجن فادية حمدي في ليلة 17 ديسمبر على الساعة التاسعة مساء لتكون شماعة اندلاع الثورة من سيدي بوزيد.

في ذلك الوقت كانت المناشدات اليومية للرئيس بالترشح لولاية رئاسية أخرى في 2014  من قبل الكثير من المنظمات والمؤسسات والمسؤولين من مختلف القطاعات والمجالات، على أشدها… وكانت عائلة الطرابلسية تشكل أخطبوطا حول الرئيس الأسبق… جاه… ومال… وإصدار أوامر وفرض قرارات تهم  بالخصوص قطاعات التجارة والاقتصاد… ومنها  الأراضي والعقارات والبنوك  والمطارات والموانىء والشركات الكبرى والبلديات وحتى في الرياضة… وكان الشعب التونسي قد سئم عنجهية هذه العائلة التي حشرت أنفها في كل دواليب الدولة والاقتصاد أمام معاناة الشباب التونسي من تفاقم البطالة وغياب فرص التنمية وتنامي الفقر وعدم تكافؤ الفرص بين الجهات… كما سئم ضعف الرئيس مع العائلة وسكوته عن ممارساتها… مما سهل اندلاع المظاهرات  والاحتجاجات ككرة الثلج… وقد انطلقت من سيدي بوزيد عند قيام الباعة المتجولين وعدد كبير من العاطلين عن العمل والمهمشين، بمهاجمة مقر الولاية…

يوم 19 ديسمبر 2010 استعملت الشرطة – لأول مرة منذ تلك الواقعة – الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين

يوم 24 ديسمبر 2010 امتدت الاحتجاجات إلى معتمدية منزل بوزيان والشرطة تطلق النار لأول مرة… وشهد ذلك اليوم وقوع قتيل في صفوف المتظاهرين… ثم توسعت  دائرة المظاهرات والاحتجاجات الى بقية الولايات وأولها القصرين وسليانة.

يوم 27 ديسمبر 2010 التظاهرات تمتد الى تونس العاصمة لكن تم تفريق للمتظاهرين بالقوة وكانوا آنذاك في أغلبهم من أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل.

يوم 28 ديسمبر 2010 ألقى رئيس الجمهورية آنذاك أول خطاب منذ اندلاع الاحتجاجات والمظاهرات وتوسع دائرتها بشكل ينذر بفقدان السيطرة الأمنية… وكان الشعب ينتظر من الرئيس قرارات تذيب كرة الثلج التي تسارع حراكها… لكنه عوضا عن ذلك وصف المتظاهرين بـ “أقلية من المتطرفين الملثمين الذين يعملون لصالح الغير ضد بلدهم”.

هذا الخطاب أجج الأوضاع وشحن الجميع للخروج الى الشوارع… فقد كانت كلمة واحدة من الرئيس ضد “الطرابلسية”  أفراد عائلة زوجته وإعلانه محاسبتهم، كافية لإخماد غضب الشعب… حتى وإن كان وراء هذه الأحداث أطراف خارجية قررت قلب أنظمة الحكم في العديد من البلدان العربية تحت مسمى “ثورة الربيع العربي”

خسر بن علي هذا “الشوط” خسارة كبرى.

يوم 29 ديسمبر 2010 الوزير الأول آنذاك محمد الغنوشي يعلن عزل أربعة وزراء منهم وزير الاتصال أسامة رمضاني الذي فشل اتصاليا وحُمّل مسؤولية فشل خطاب الرئيس.

يوم 30 ديسمبر 2010 تولى بن علي زيارة الشاب محمد البوعزيزي بمستشفى الحروق البليغة ببن عروس

يوم 31 ديسمبر 2010 يخرج زين العابدين بن علي مرة أخرى للشعب التونسي عبر التلفزة الوطنية ويعلن أن 300 ألف عاطل عن العمل سينتدبون قبل موفى سنة 2011. لكن لم يصدق أحد هذه الوعود باعتبار أن طاقة استيعاب سوق الشغل السنوية لا تتجاوز 75 ألف شخص على أقصى تقدير.

واستمرت المظاهرات والاحتجاجات بنسق أقوى وأعنف وانتشار أوسع مع المناداة بسقوط النظام…

يوم 4 جانفي 2011 الإعلان عن وفاة محمد البوعزيزي وتأجج نيران المظاهرات خاصة بسيدي بوزيد  والقصرين وبالعاصمة

في نفس ذلك اليوم اندلعت احتجاجات بعاصمة الجارة الجزائر ومدينة وهران على إثر ارتفاع في الأسعار لكن سرعان ما تم احتواؤها.

يوم 6 جانفي 2011 ألاف المحامين يُضربون تنديدا بالقمع البوليسي مع تواصل المظاهرات.

يوم 7 جانفي 2011 سلطات الولايات المتحدة الأمريكية تستدعي سفير تونس بواشنطن محمد صالح تقية الذي عيّن في 18 أكتوبر 2010، وتعرب له عن انشغالها بقمع المتظاهرين من قبل البوليس.

وقال أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في هذا الشأن :”ذكّرنا السفير أيضا بمسألة تدخل الحكومة التونسية في الإنترنت ومراقبتها للحسابات الفايسبوكية” (محرك التعبئة والتأجيج).

وفي نفس  ذلك الأسبوع التقت وزيرة الخارجية الفرنسية آنذاك “ميشال أليوماري” بنظيرها التونسي كمال مرجان ولم تصدر أية معلومة عن فحوى اللقاء.

يوم 9 جانفي 2011 أعلنت السلطات التونسية عن وفاة 14 شخصا خلال مواجهات جدّت في الليلة السابقة بين متظاهرين ورجال أمن في تالة بالقصرين وفي الرقاب بسيدي بوزيد

وذكر سمير العبيدي بصفته وزير الاتصال  والناطق الرسمي للحكومة في ذلك الوقت: “الرسالة وصلت، سنتفحص ما يجب تفحصه وسنصلح ما يجب إصلاحه، لكن العنف يمثل خطا أحمر”

10 جانفي 2011 الرئيس يندد بـ ” الأعمال الإرهابية”  ويؤكد وجود أياد أجنبية وراء هذه الأحداث ويعلن غلق المؤسسات التربوية في البلاد حتى إشعار آخر

11 جانفي 2011 وزير الاتصال سمير العبيدي يعلن عن وفاة 21 شخصا منذ بداية “الاضطرابات” ويقول “كل الأرقام الأخرى التي قدمتها التلفزة والوكالات والتي تحدثت عن 40 و 50 وفاة خاطئة كليا”

12 جانفي 2011 رئيس الدولة آنذاك يصدر قرار إقالة وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم ويقرر حظر التجوال بالعاصمة وأحوازها

بعض المواقف الفرنسية كانت تبدو في صف بن علي، ومنها وزير الفلاحة آنذاك “برونو لومار” الذي قال: “الرئيس التونسي ورغم الانطباعات السيئة التي تحملها عنه، قد أنجز الكثير من الأشياء”.

كما ذكرت وزيرة الخارجية ميشال أليوماري أن الأولوية يجب أن تذهب للتهدئة لكنها اقترحت على الرئاسة والحكومة التونسية الاستعانة بخبرة قوات فرنسا الأمنية وهو ما رفضته تونس.

الخطاب الشهير

يوم 13 جانفي 2011 نددت فرنسا لأول مرة بالاستعمال المفرط  وغير المتكافئ  لـ”العنف” من قبل قوات الأمن

في مساء ذلك اليوم توجه بن علي للمرة الثالثة بخطاب بثته القناة سبعة استعمل خلاله ولأول مرة اللهجة التونسية وقال مطمئنا المتظاهرين بأنه لن يترشح لولاية رئاسية أخرى في 2014 وقال كلمته الشهيرة “غلّطوني” وأمر قوات الأمن بعدم استعمال السلاح قائلا “نرفض رؤية ضحايا جدد. كفى عنفا” كما وعد بحرية الإعلام.

وكبادرة حسن نية تمت دعوة معارضين لمائدة مستديرة على نفس القناة.

وخرجت مجموعة من الشباب للشارع بالليل للترحيب بهذه الوعود رغم وجود حظر التجوال وقد كانت في حقيقة الأمر منظمة من الحزب الحاكم.

14 جانفي 2011  على عكس انتظارات الرئيس احتدت المظاهرات مطالبة بالرحيل الفوري لبن علي وكانت كلمة “ديڨاج” الصوت المسموع وسط شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة.

وختامها،

عندما انتشر خبر رحيل بن علي أعلنت فرنسا أنها لا تنوي استقباله على ترابها وذلك قبل أن تعلن المملكة العربية السعودية عند منتصف يوم 15 جانفي، عن وجود الرجل وعائلته على أراضيها

. وبعد يوم 15 جانفي رفع شعار ” ديڨاج” بشكل هستيري في وجه “الطالح والصالح” على حد سواء، وأصبح عنوانا للفوضى والتشفي وتصفية الحسابات. قبل أن نشهد عشرية سوداء قاتمة قادها راكبون على “الثورة” وصلوا على “ظهور” الطائرات وبروح الغنيمة والسطو على مقدرات الشعب التونسي.

أكمل القراءة

وهْجُ نار

خليفة ولد عمّي والانتخابات المحليّة … وحمار سعد زغلول (2)

نشرت

في

كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا حين تمّ قصف باب منزلي طرقا من مجهول …فالطرق كان أشبه بالقصف الذي نسمع صوته في نشرات أخبار القنوات العربية الإخبارية التي تنقل إلينا مباشرة مشاهد الخراب والموت والدمار في جنوب فلسطين…الحمد لله أني لم أكن نائما في تلك الساعة فأنا تعودت على ترك الفراش باكرا جدّا لإعداد فطور صباح قططي والقطط الصديقة والشقيقة واللاجئة من الأنهج المجاورة الباحثة عن بقايا أكل لإطفاء جوعها…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

خرجت مسرعا إلى الباب الخارجي لأرى من الطارق، فكان خليفة صاحب الحمار… لم يفاجئني حضوره في تلك الساعة فنحن في ليلة فرز أصوات الانتخابات المحليّة والأكيد أن “خلفون” لم ينم إلى حدّ الساعة وجاءني مباشرة من مركز فرز الأصوات ليبشرني…

ارتمى عليّ خليفة صاحب الحمار واحتضنني أقصد عصرني يمنة ويسرة حتى كاد يكتم أنفاسي فصرخت بأعلى صوتي وقلت: “سيبني قتلتني يا منجوه…” …فردّ: “ربحت يا ولد عمّي ربحت…جبت أكثر من خمسين بالمائة مالاصوات…صرفڨتهم وهردتهم جبتهم يدورو وخليت الكوني والشعلاء يلعبوا في الزربوط والبتشي…وينها الحاجة باش نعلمها …؟؟” أجبت على عجل: “لا لا الحاجة؟؟؟ لا تحضنها لا تمدلها ايدك يا جلف… تحب تكسرلها ضلوعها…قوللها من بعيد راني ربحت وسكر جلغتك…”…

نظرت إليه وسألته أين الحمار يا صاحب الحمار؟؟ فقال كالعادة خلف شجرة “الكلاتوس” يتنفس الصعداء بعد حملة انتخابية أرهقته وكسرت ظهره من كثرة ما جاب بي كل أرجاء الدشرة …قلت لحظة أذهب إلى الحمار أهنئه بهذا الفوز الساحق وأعود…نظر إلي وقال “اشنوة تهني الحمار …تي شكون ربح انا والا هو…؟؟؟ مخيبك ولد عمّي” قلت: “هو من كان سببا في فوزك اليوم لو لم يكن هو إلى جانبك وسندك الأكبر وداعمك الوحيد المصاحب في كل أيام الحملة لما فزت بهذه النتيجة الساحقة؟؟”…

 جاءت الحاجة مسرعة وهي تقول: “اش ثمّة شنهي هالحس يا ولد عمي…وشكون ها البغل اللي يدق في الباب هكاكه يعطيه مدفع ان شاء الله…” سمعها السيد النائب وأقصد خليفة فقال: “أنا يا حاجة …سامحيني جيت طاير مالفرحة حبيت نعلمكم انتو الاولانين لأنكم انتم الاولانين اللي ما شككتوش في قدرتي على الفوز بالأغلبية المطلقة…توه أنا بغل يا حاجة حرام عليك…؟؟ وعلاه يا حاجة تدعي علي بمدفع…؟؟” نظرت إليه المرأة ضاحكة وقالت: “سامحني خلفون نائبنا التحفون …نسخايله واحد آخر…ايا امالا نضربلها زغراطة بالقوي خلي الدشرة الكل يفيقوا يا خلفون..” قاطعتها وقلت: ” لا..لا…تزغرط توّه فاش قام الناس راقدة وانت تزغرط…اش يقولوا علينا الناس؟؟؟” 

اختنقت الزغروطة في حلق الحاجة ونظرت إلى النائب صاحب الحمار وقالت: ” تي وينه البهيم يا خلفون…خليني نهنيه مسكين اش عانى منك وهزّك على ظهره…؟؟” نظر إليها غاضبا وقال: ” اشبيكم انتو الكل عالبهيم …تهنوه يخي قولولي أنا والا هو النائب؟؟”…نظرت إليه ضاحكا وقلت:” اشنوة خلفون تغير مالبهيم…يخي موش هو السند متاعك وأكبر داعم لحملتك…يخي ما هزكش على ظهره ايامات وليالي…شبيك اليوم باش تنكر فضل البهيم عليك…موش حرام عليك راهو بكمة…؟؟” فرك خليفة ذقنه بيده اليسرى وقال: “صحيح هو اللي عانى معايا وهزني على ظهره…وما ننكرش فضل البهيم واش خصّ لوكان عندنا برشة بهايم كيفو…لكن موش لدرجة تنسوني جملة…راني جيتكم نحب نتفاهم معاكم كيفاش باش نعمل زردة واحتفال وحفل استقبال على شرف هذا الفوز العظيم يا أولاد عمّي..”.

اقتربت من الحاجة وطلبت منها إعداد فطور صباح “قمقوم” للنائب صاحب الحمار فالرجل متعب من سهرة فرز الأصوات ثم توجهت لخليفة وقلت: “تعال رتّح فخّار ربي…ونقعدوا نبرمجوا الحفل وشكون تستدعاله؟؟” جلس خليفة إلى جانبي مرهقا شارد الذهن وكأنه في مكان آخر ليس بيننا …وكأنه يحمل أوزار كل الدنيا…قلت له: “شبيك تخمّم لاباس أمورك فسفس هاك وليت نائب…وتوه عاد باش تاخذلنا كرهبة تطنطن وتولي اجتماعات وسفرات للعاصمة ولقاءات مع المسهولين الكبار…” ضحك وقال: “لا…كرهبة لا…بهيمي هو نصف ديني …هو اللي هزني وقت اللي ركايبي فرغوا …بهيمي عشيري ما نبدلاش بخردة حديد لوكان يعطوني مال الدنيا…” ضحكت وتمتمت خوفا من أن يسمعني النائب صاحب الحمار “وعلاه انت اش تسوى من غير البهيم…يا بهيم..” نظر إلي خليفة وقال ” اش اتمتم…بربي؟؟” قلت: ” لا لا لا شيء …”.

جاءت الحاجة بفطور الصباح فنظرت إليها قائلا: “ما تنسيش فطور البهيم يا حاجة؟؟” أجابتني: “اشنوة حتى هو قهوة وحليب زادة…؟؟” قلت: لا لا لكن شوية ڨرط هوكه شريت على ما يواتي بالة ڨرط محطوطة وراء الڨاراج مساهمة مني ودعم استراتيجي ولوجستي لخلفون…وصُبيلَه شوية ماء راهو عطشان مسكين اش عانى من بلاء”…أنهى خليفة فطور صباحه النيابي فبالأمس كان خليفة مولى البهيم واليوم أصبح النائب صاحب الحمار…ونظر إلي وقال: “اعطيني فكرة على البرنامج ولد عمّي تعرفني جهلوت ما فاهم حتى كعبة ولوكان موش البهيم هزّ معايا ثقل الحملة كاملة راني توّه نجر في أذيال الخيبة…”.

فكرت قليلا وقلت: “اسمعني جيدّا…أولا يلزمك تكتب كلمة ترحيبية بالحضور باهي…وتنادي العمدة يحضر وكان لزم المعتمد…باهي…(كان خليفة يهزّ راسه كلما سمع كلمة باهي …فيعيدها محركا رأسه خلفا وأماما…ويضيف: حاضر..)…ثانيا يلزمنا نعرفوا قداه من واحد صوتوا في الدشرة الكل…باهي…ونعرفوا نسبتهم من عدد الناخبين …ويلزمنا نعرفوا اشكون صوتولك انت والبهيم بالذات…باهي”…هنا قاطعني خليفة في حالة غضب وقال: “اشنوة صوتولي انا والبهيم.. بصراحة كثرتولها ولد عمّي…أنا المترشح راهو…والبهيم مساند رسمي وداعم…وعضدي الأيمن…اكهو…” نظرت إليه وقلـت: “يا خليفة بربي قلّي موش الناس الكل في الشارع وعندهم مدّة يقولوا شوفوا النائب خليفة والبهيم متاعه يخي انتو قاسمين…انت وليت معروف ببهيمك…نهار اللي يشوفوك وحدك باش يسالوك عالبهيم وينه…ونهار اللي يشوفوا البهيم وحده ما نتصورش باش يسألوه عليك…خاطر هو ولى اشهر منّك بصراحة…باهي…وخليني نكمل البرنامج حسب وجهة نظري باهي..”

نظر إليّ خليفة وقال: “باهي ولد عمّي كمّل …كملّ…” وهنا تدخلت الحاجة لتقول: ” يا خلفون خلّي ولد عمّك يكمّل راهو طيارة في تنظيم الاستقبالات وحفلات التوسيم والانْتِخَيْبَات…” ضحكت وقلت للحاجة “انتخابات…انتخابات يا حاجة موش انتِخَيْبَاتْ…باهي” حركت رأسها كالنائب وقالت: أوكي…وضحكت… نظرت مرّة أخرى إلى النائب صاحب الحمار وقلت “نسألك وتجاوبني أوكي خلفون..” قال نعم …

قلت: كم عدد الناخبين المسجلين الكلّ في الدشرة حسب ما أعلموكم هناك في مركز الفرز؟

خليفة: 112 ناخب…البقية ثمة اللي ماتوا وثمة اللي حرقوا العام اللي فات وثمة اللي ما حبوش يسجلوا…

أضفت: كم صوّتوا ؟؟

خليفة: 10 صوّتوا…والبقية ثمّة اللي ما فيبالهمش…وثمة اللي ممتنعين…وثمّة اللي نسوا…

قلت: كم صوّتوا لك وللبقيّة…

خليفة: 8 صوّتوا لي …علي ولد حفصية…واحمد ولد مغلية…وحمّه ولد العمياء…ومرت عمر ولد الحفيانة…وسعد ولد شوشانة…وأنا صوتت لروحي …وأنت والحاجة…

قلت: كيفاش عرفت اللي هما صوتولك انت؟؟

خليفة: ماني اتفقت معاكم اللي يصوتلي يدخل صبعه للأخر في المحبرة…

قلت: يا مهف… وضحكت وضحكنا معا…

قلـت: هذوما نسموهم “المنعوتون بالصبع”…هوكه صوابعهم فيها الحبار لتوّه باهي…وشكون صوت للكوني وللشعلاء؟؟

خليفة: كل واحد صوّت لروحه…

قلت: اذن موش مشكل حتى هما يجوا في الحفل باهي…باش الناس الكل تتوافق وتتصالح بالمناسبة باهي خلفون…

خليفة: باهي ولد عمّي…والكلمة شكون باش يكتبها؟؟

قلت: انت النائب وانت المعني الأول بكتابة نصّ الكلمة برّه ارتاح شوية وبعد قوم حضر أمور الحفل…واشري اش لازمو الكل…حلو ومشروبات…واعمل عشاء خاص بــ”المنعوتين بالصبع”…أذبح فيه كان تحب علوش والا حتى جدي باهي…

خليفة: بااااااهي ولد عمي اما انت مهف في البرمجة…

قلت: استناني أولا انت اش ناوي حفل استقبل على شرف الكل والا كان على شرف “المنعوتين بالصبع”؟؟

خليفة: لا لا الكل أنا مع المصالحة الشاملة…أما “المنعوتون بالصبع” نقَعْدُوهُمْ في بقعة باهية ومع بعضهم…خاطر ناوي نعطيهم قفيفة فيها حثيويلة صغيرة مللي كتبه ربي…شوية فارينة وسكر وقهوة وروز وزيت زيتونة وزيت الحكومة…ودبيبزة كونوليا جابهملي ولد خوي من سوق ليبيا …باهي…انت فاهمني …تي من كل زوجين اثنين…باهي…

قلت: أيا امالا برّه روّح وبعد طل عليّ نقروا كلمة الترحيب ونصلحهالك وتحفظها من راسك خير مالورقة باهي خلفون…وبالله ما تنساش ترتّح شوية البهيم راهو تاعب مسكين…وحتى هو راهو فرحان بالنتيجة خاصة وهو أكثر واحد تعب عليها…هنا نظر لي خليفة معاتبا بعيونه…وقال اَيَّه بَهْنَاكُمْ…

خرج خليفة مسرعا نحو الحمار وغادر المنزل إلى مقرّ سكناه لإعداد مراسم الحفل وكتابة كلمة الترحيب…فنادتني الحاجة وقالت: “برّه شوف تلقاش هدية باش نهزوها معانا لخلفون راهو نائب محلي محطوط على كريمة…(قاطعتها وقلت: شنوّه…) ثم واصلت الحاجة لتقول…لا لا نفدلك…وبالنسبة للبهيم تو نهزوله شوية من بالة الڨرط اللي جبتها كمساهمة في الحملة الانتخابية لخلفون التحفون…

خرجت مسرعا بعد ان ارتديت معطفا فالطقس بارد بعض الشيء…وقصدت السوق، وأنا في طريقي اعترضني الحاج أحمد ابن خالتي فاحتضنني قائلا: “مبروك على خلفون…وربي يخليله البهيم ..” ضحكت وقلت: “يبارك فيك يا حاج…أما البهيم امشي هنيه وحدك…” ورويت له كيف أن حمار خلفون كان الأكثر حماسا والأكثر دعما لخليفة فلولاه لما نجح خليفة في تجاوز خصومه…

واصلت طريقي وتركت الحاج أحمد صحبة رفقة طيبة من أهالي الدشرة …وكنت كلما اقتربت من مجموعة في مقهى أو في الشارع يتحدثون …أقول كلما اقتربت من مجموعة أسمعهم يتحدثون عن “بهيم النائب” وفطنته ورؤيته السياسية ونجاحه في لمّ شمل سكان الدشرة…اقتربت من بعضهم وسألتهم ما الأمر يا جماعة فقال أحدهم: “هاتفنا منذ قليل السيد النائب خليفة ودعانا إلى حفل استقبال الليلة ولم يستثن أحدا من أهالي وسكان الدشرة حتى أولئك الذين لم ينتخبوه ولم يذهبوا لمكتب الاقتراع…وسنذهب جميعنا صراحة إلى منزل السيّد النائب وكلنا شوق لرؤيته ورؤية الحمار الذي أوصله إلى نيابتنا في المجلس المحلّي…وعلينا جميعا أن نفاخر بما أتاه هذا الحمار وصبره خلال شهر كامل من الحملة الانتخابية، كيف لا ونحن عشنا معه كامل مدّة الحملة ورأيناه يجوب الدشرة طولا وعرضا دون أن يشتكي مما يحمله على ظهره ودون ان يطالب بأجر أو بامتيازات كبيرة…هذا ما يمكن اعتباره صراحة نضالا…فحمار النائب ناضل من أجل إيصال صاحبه إلى المجلس المحلّي وقد يناضل من أجل إيصاله إلى مراتب اكبر وأعلى …فنعم الحمار هذا…إنه البهيم الوطني الذي وجب أن نفاخر به”

نظرت إليه وقلت: أنا الآن هنا لأشتري هدية صغيرة للحمار أو للبهيم كما نسميه…وهدية أخرى لصاحب الحمار نائبنا العزيز خلفون التحفون…واخترت أن تكون الهدية ربطة عنق ما رأيكم؟؟” نظر إلي جميع من بساحة السوق وقالوا “نحن أيضا سنفعل مثلك يا ابن عم صاحب الحمار…” قلت متمتما…”حتى أنا وصلني اللقب واصبح يتذيّل اسمي…يا لبخت هذا البهيم وصاحبه..” فكّرت في ما يمكن أن أهديه آخر لخليفة فقلت لا شيء يحتاجه اليوم غير ربطة عنق جميلة من مغازة عمّ الجيلاني قشّابية…وكان الأمر كذلك ثم مررت بأحد باعة العلف واشتريت “بالة” ڨرط لبهيمنا المناضل والمساند الرسمي لنائبنا المحلّي…على أن أسدّد ثمنها على قسطين…

عدت إلى المنزل بعد أكثر من ساعتين بالسوق فوجدت النائب في انتظاري وهو يمسك ورقة بيضاء وليست بالبيضاء وكأنه ذلك الورق الذي عند الجزار الخاص بلفّ اللحم…اقتربت منه وقلت: “هل كتبت شيئا للترحيب؟” قال: “لا، صراحة لم أجد الكلمات…” قلت: “هات الورقة سأكتب الكلمة، فقط عليك حفظها…” وكتبت…

إخوتي الحضور…أهالي دشرتنا الكرام…

أتوجّه إليكم أنتم يا من انتخبتموني وأقصدكم أنتم “المنعوتين بالصبع” …أقول أتوجه إليكم وأنتم بقية من جاؤوا ليشرفونني في هذا الحفل الكريم وهم لم يكونوا هناك في مكاتب الاقتراع، بالشكر والثناء على دعمكم ومساندتكم طيلة أيام الحملة الانتخابية…كما لا يفوتني أن أنوّه بدعمكم ومحبتكم لي ولحماري العزيز وسندي الأكبر في هذه المعركة…فلولا مساندتكم لما أمكن لي ولحماري العزيز والمناضل مواصلة مشوار الحملة…فهو الذي كان يسجل في ذاكرته كل المنازل التي زرناها وكان يرفض الذهاب إلى منازل زرناها سابقا…فحماري هو ذاكرتي وذاكرة سكان الدشرة الكرام وهو سندي وملهمي في هذه الرحلة السياسية الشاقة…وهو الذي وجب أن أفاخر بما أتاه وما فعله من أجل أن أكون انا هنا …وبهذه المناسبة أجدّد تمسكي بالشرعية الدولية في ما يخصّ ما يقع الآن في جنوب فلسطين المحتلة…وأندّد بالإبادة التي يتعرّض إليها الشعب الفلسطيني…وأندّد أيضا بالقتل الممنهج للصحفيين…كما لا يفوتني أن أندّد بما تتعرّض له الحيوانات الأليفة وخاصة الحمير من قتل وتهجير في العديد من الأماكن في العالم العربي وبعض الدول الأخرى…أخاطبكم نائبا عنكم في مجلسنا المحلّي الموقّر…

عاشت دشرتنا…عاش سكان دشرتنا

وعاش حماري سندي وأخي في الكفاح…

والسلام عليكم

نظر إلي خليفة وقال: ” لماذا أتيت على ذكر الحمار في الكلمة الترحيبية؟” قلت: “أنا كنت في السوق وسمعتهم يتحدثون بإطناب عن الحمار ونضاله معك لإيصالك حيث انت يا خليفة فذكر الحمار في الكلمة الترحيبية أصبح ضروريا حتى لا تُنعت بناكر الجميل…أليس كذلك؟؟” ضحك صاحب الحمار وقال: “لست ناكرا للجميل…سألقي الكلمة على الحضور بعد حفظها عن ظهر قلب…”

تناولنا طعام الغداء ثم قلت للنائب لنذهب إلى منزلك فمراسم الحفل تبدأ بعد ساعتين، وصلنا إلى منزل النائب المحترم، ربط خليفة حماره بشجرة وراء المنزل بمكان يبعد عنه قرابة العشرين مترا ثم دخلنا المنزل لنعدّ العدة وليحفظ خليفة كلمته الترحيبية ليلقيها على ضيوفه في حفل الاستقبال…

خرجنا أمام المنزل حين حانت ساعة استقبال الضيوف…بدأ “المنعوتون بالصبع” يتوافدون على منزل خليفة…وصلوا جميعهم وأدخلهم السيّد النائب إلى بهو المنزل الذي فرش بأجمل الزرابي يتجاذب معهم أطراف الحديث…ونوّه جميعهم بالحمار ونضالاته وحرصه الشديد على إنجاح صاحبه وإيصاله إلى حيث ترشح، ووصل الأمر بأحدهم إلى اقتراح تمثال تخليدا لموقعة الحمار أمام مغازة عمّ الجيلاني قشّابية لتكون في واجهة الساحة مدخل الدشرة ولتكون شاهدا على العصر وعلى “التوافق” والتعايش اللذين تعيشهما دشرتنا…فجأة سمعنا تصفيقا حارا لا أحد منّا يعلم مصدره…قلت للحاجة “بره شوف منين هالحس ووين التصفيق هذا…”

أسرعت الحاجة وراء منزل خليفة لتجد حشدا من أكثر من مائة شخص من نساء ورجال الدشرة حول حمار النائب يصفقون ويتغنون بنضالاته…عادت الحاجة إلينا وهي في حالة من الذهول وقالت “يريدونكم هناك حول الحمار …يريدون الاحتفال هناك…” التفتّ إلى خليفة وقلت…تعال إلى حيث الحمار ألم أقل لك إن الحمار هو الذي أدار رقاب كل سكان الدشرة…ذهبنا إلى حيث ينتظرنا أغلب سكان الدشرة…هناك وجدنا أغلب السكان بهواتفهم النقالة يخلّدون الذكرى في صورة “سلفي” مع الحمار المناضل…ولا أحد منهم فكّر في أخذ صورة مع النائب المحتفى به…نظرت إلى يمين الحمار فرأيت يا لهول ما رأيت، رأيت سورا مبنيا ببالات الڨرط التي أتى بها سكان الدشرة لحمار النائب…وقلت في خاطري: يا بختك يا حمار…

اقتربنا من الحشد الكبير من ضيوف الحمار…عفوا ضيوف النائب… رفع خليفة يده طالبا بعض الهدوء وقال هل تسمحون لي بإلقاء كلمة ترحيبية بهذا الحضور الكريم…وبدأ خلفون في إلقاء كلمته وكان كلما ذكر الحمار صفّق كل من هم هناك وزغردت كل النسوة الحاضرات …ووصل الأمر ببعضهم بالهتاف بالحياة للحمار وصاحب الحمار…وطالب أحدهم الآخر بأن يرفع الحمار على الاعناق…حينها وفي تلك اللحظة وكأني بالحمار يفهم ما يقال حوله نهق نهقتين بأعلى صوته فتفاعل الجمهور معه بالتصفيق والهتاف والتفت إليه مصفقا داعيا له بطول العمر …وأسرع بعض الشباب من الموجودين بين الحضور إلى الحمار ورفعوه على الأعناق وسط تصفيق حار من جميع من جاؤوا لهذا الحفل…

التفتّ يمنة أبحث عن خليفة وجدته حزينا باكيا يتمتم كلاما لم افهمه…مسكته من يده وقلت: “ما بك يا ابن العمّ…شبيك تبكي؟؟” قال: “من جاؤوا لتكريم الحمار أكثر ممن ذهبوا لانتخابي…وفي الأخير رفعوا الحمار على الاعناق وأنا أخطب فيهم…أتريدني ان اصرخ معهم “يعيش الحمار… يعيش الحمار…فمن النائب ومن الحمار هو أم أنا؟؟”…

غادرت منزل النائب أنا والحاجة بعد انتهاء الحفل وبعد أن ودعت ابن عمّي وضيوفه الكرام …في الصباح قصدت السوق باحثا عن بعض احتياجات المنزل ثم قصدت سوق الدواب للسؤال عن ثمن خروف فوجدته…من؟…أي نعم وجدته…ابن عمّي متنكرا في لباس فلاّح عارضا حماره المناضل للبيع…ومعه كمية الڨرط التي غنمها من سكان الدشرة في غزوة الانتخابات المحلية… فصرخت في ابن عمّي قائلا:” تهون عليك العشرة؟؟؟…”…

أكمل القراءة

وهْجُ نار

أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

نشرت

في

الإقرار بتزوير الانتخابات في الأردن - سواليف

غريب أمر هذه البلاد وبعض شعب هذه البلاد وخاصة بعض من جعلوا من هذا الفضاء وسيلة لتصفية حساباتهم والانتقام ممن لا يتفقون معهم…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

فمجرّد ألاّ تكتب مادحا لما يسمونها “ثورة” بمناسبة حلول ذكراها يقذفك بعضهم بأقبح الكلام…دون أن يبدأ حديثه بالسلام…أسأل ألستم أنتم من يشتكي اليوم من اسقاطات ما تعتبرونها ثورة وتبعات كل من جلسوا على كراسي الحكم بعدها…ألستم أنتم اليوم من تنعتون سنواتها بسنوات الخراب؟؟ إذن…ما ذنبي إن لم يكتب قلمي حرفا واحد يمجّد فيه ما يسمونها “ثورة” فكيف تريدون منّي أن اشكر الخراب ومن أتى بالخراب ومن صنع الخراب؟؟ ألم تكتبوا في أوراقكم أن “ثورة” تونس كما تقولون هي من صُنع الغرب وعرّابها تعرفونه وأهدافها تعلمونها…فلم تريدون منّي أن أحتفل بذكرى حلول سنوات الخراب وما أتاه العرّاب؟؟ ألم ترفعوا أصواتكم كثيرا وطويلا منادين بالديمقراطية؟؟ أليست الديمقراطية هي أن يسمح لي بأن أصفق لمن أريد وأمدح من أريد وأن أرفض ما اريد وأختلف مع من أريد وأختار من أريد ليحكمني؟؟ فهل عدتم يا جماعة الديمقراطية عمّا كنتم تصرخون وتطالبون به وتدعون إليه؟؟ وهل أصبحت الديمقراطية عيبا ومن الكبائر وستعاقبون عليها يوم الحشر؟؟

 يا عجبي على نسبة الغباء المرتفعة في رؤوس بعض أغبياء الوطن من الذين يركضون أحيانا على “حافرين” ويصفّقون دون وعي منهم…في تونس بعد حادثة “صاحب البرويطة” إن التحيت سيقولون عنك “نهضاوي”…إن استمعت لمدح الرسول سيقولون إخواني…إن سكرت يقولون عنك ماركسي ملحد…إن شكرت القديم يقولون عنك “زلم” ويهجرونك…إن شتمت القديم سيقول البعض عنك خائن وعميل ومتلون كالحرباء…إن كتبت يوما عن مآثر الماضي سيقولون عنك مستبد وتعشق الجلاد وسياط الجلاّد…إن كتبت سوءا عن منظومات ما بعد من يسمونها “ثورة” سينعتونك بالعمالة لفرنسا وبعض الدول الشقيقة والصديقة…وإن انتقدت رئيس البلاد أو حكومة رئيس البلاد سيصرخون في وجهك ويقولون أنت ضدّ الحكومة وأنت من دعاة إسقاط الحكومة ووجب جلدك إن لزم الأمر، فانتقاد الحكومة ومن يرأس الحكومة ومن يعمل بالحكومة من الذنوب التي لن يغفرها لك الاتباع …

ألم يفعلوا هم ذلك سابقا ولا أحد رفع صوته ليقول لهم ما أنتم “فاعلون”؟؟ اليوم إن التقيت أحد خصومهم وأقصد من يرون أنهم أرفع منك درجة وأقرب منك إلى الصواب وأنهم على حقّ وأنت على باطل…و”باطل يا حمّة باطل”…سيقولون عنك لست منا فأغرب عنّا…إن شكرت أحد من يكرهون سيقولون عنك “مرتزق وبائع لذمته” وربما يتهمونك بالخيانة والتآمر…إن انتقدت أحد من يشيطنون سيقولون عنك كل موبقات الدنيا ولن تسلم من القصص الخيالية…إن انتقدت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر…وإن شكرت الاتحاد سيقولون عنك ما لم يقله مالك في الخمر أيضا…فلن تسلم إن شكرت مما عاناه مالك…ولن تسلم إن انتقدت مما تكبده مالك…هم يتعاملون معك بسياسة “ڨاتلك … ڨاتلك”…وفي تونس أيضا إن شاهدوك كئيبا سيقولون “من عمايله”…وإن شاهدوك ضاحكا سيقولون “يضحك وحده هبل”….وإن شاهدوك تعرج سيقولون “محلاها فيه”…وإن شاهدوك سعيدا سيقولون “الأكيد تحيّل على احدهم”….في تونس لن تسلم من ألسنتهم أبدا حتى وأنت تحت التراب…

في تونس اليوم إن تأففت من عدم توفر السكر سيقولون عنك معارض ووجب ردعك…وإن تألمت لغياب الحليب سيقولون عنك تبحث عن خرابها…وإن قلت أين الزيت يا أصحاب الزيت فسينعتونك بالخائن الذي لا يحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد…لذلك لم أعد أستغرب كل الضجيج الذي يقوم به بعض من لم يعوا إلى يومنا هذا ما تعنيه حقّا كلمة “ديمقراطية”…ولن أستغرب حجم الاستهبال والاستحمار والاستغباء الذي يعتري المشهد ….فالاستغباء والاستحمار في أيامنا هذه طغى على كل مفاصل…وتفاصيل الحياة، فظلال بعض من يؤثثون المشهد الاتصالي والتواصلي اليوم أولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الديمقراطية وهم اليوم يرفضونها…وأولئك الذين خرجوا علينا رافعين لواء الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويرفضون ما كانوا عليه… ويأتون اليوم مثله ويمنعونك من رفض ما كانوا هم يرفضونه…

هؤلاء ومن معهم وزبانيتهم وبعض من يحسبون على الإعلام والبعض من فصيل “الخرونيكارات” والبعض من رجال الإعلام وغيرهم من الذين يسبحون في فضاءات التواصل، أقول ظلال هؤلاء جميعا أصبحت ظلاًلا طويلة الأذنين… هؤلاء “المستحمرون” في الأرض… “الملهمون” في هتك أعراض الناس حسب الطلب وبعد دراسة الجدوى… سيخلدون في ذاكرة التاريخ “بغالا وحميرا”…فلكل تاريخ بهائمه ولكل مرحلة بغالها… وفي تونسنا العزيزة سجّل لنا التاريخ الكثير منهم…منهم من قضى نحبه ومنهم من لا يزال ينهق…هؤلاء هم رموز الجهل والنهيق النشاز…هؤلاء هم رموز الكذب والخداع…هؤلاء لا ينطقون صدقا…بل ينهقون كذبا…

لأمثال هؤلاء أقول… إن البدلة “المشحوطة” لن تظهر أناقتك بل ستظهر تلك التي يقال عنها “وحدة توزن ووحدة تقرطس” وأقصد المصون “المؤخرة”…وربطة العنق لا تصنع من كل من يلبسها رجلاً …بل قد تصنع حمارا بربطة عنق وسروال يثقبه ذيل يتدلى…وأضيف أنا لست من جيل الأغبياء والمغفلين…أولئك الذين باعوا ملابسهم الداخلية…مقابل كأس نبيذ في خمارة شارع الحريّة او شارع قرطاج…أنا ممن يحبون البلاد كل أيام الأسبوع…وحتى يوم الاحد كما قال شاعرنا رحمه الله “أولاد أحمد”…أنا ممن يحبونها اليوم…وغدا وبعد غد…أنا لست من الذين يتسلقون السلم …نحو الأسفل…أنا من الذين يؤمنون ان تونس قادرة أن تعود تؤنس كما كانت لو فقط نزعنا من صدورنا ما علق بها من أدران الحقد والكراهية…نحن شعب واحد وسنبقى…وإن حاول بعض “الذرّي” الإيقاع بيننا وبين بعضنا…بنشرهم لثقافة الحقد والفتنة…تعالوا نعِشْ معا…ونختلف معا…في وطن واحد يجمعنا في الخير وللخير معا… تعالوا ففي اختلافنا حاضر أجمل…ومستقبل لأحفادنا أفضل…

فلم كنتم تصرّون على النهي عن شيء…وتأتون اليوم مثله؟؟ أتأتون اليوم ما كنتم تنهون بالأمس عنه؟؟

أكمل القراءة

صن نار