وتونس تعيش أحلك أيامها… هل يقول الشعب لرئيسه: “أحببناك فانتخبناك…فلا غرابة إنِ اليوم كرهناك…فنسيناك…” !
نشرت
قبل سنتين
في
هل صَلُح حالنا بعد أن دمرنا كل ما بنيناه…دمرنا قيمنا…مؤسساتنا…اقتصادنا…مجتمعنا…سياساتنا…دمرنا حتى خياراتنا…ودمرنا مستقبل فلذات أكبادنا؟؟ هل تغيّر شيء في البلاد…هل تغيّر شيء لصالح العباد…هل غيّرت حكومات ما بعد 14 جانفي شيئا؟ لا شيء…هل غيّر قيس سعيّد شيئا منذ انقلابه على شركائه في الحكم؟ لا شيء…إذن لم كل هذا الخراب؟ ولم كل هذا العذاب؟ ولم كل هذا التصفيق والهتاف من بعض الذين لم يستفيقوا من سكرتهم التي طالت؟
أوقفت “آلة التسليف” العالمية ضخّ الدولارات في خزائننا واصابنا صندوق النقد بـ”الــنكد”…فخرج علينا الاتباع يصفقون ويهتفون بوطنية “مولاهم” وبما اتاه…توجهت حكومة مولانا إلى التداين الداخلي فخرج علينا الأتباع يصفقون ويمجّدون مولاهم بدعوى أن البلاد عاشت سنة دون اقتراض مليم واحد من السوق العالمية، ونسوا أن الحكومة خربت اقتصادنا الداخلي بما أتته وتأتيه…ارتفع معدّل البطالة…والأتباع يصفقون…اشتعلت النار في أسعار المواد الأساسية…والأتباع لإنجازات وهمية يمجّدون…اختفت مئات الأدوية من الصيدليات …والأتباع للحذاء يلعقون…اختفت العديد من المواد الهامة والاساسية…والأتباع يبايعون ويناشدون…طمست هوية الدولة بمحو أثار بعض مؤسساتها…والأنصار يزغردون وعقيرتهم بالغناء يرفعون…هُتك عرض أغلب مؤسسات الدولة…والأنصار يمرحون يسعدون يتهامسون…
كما توقفت كل عمليات البناء…والأتباع يغنون ولمولاهم يشكرون…التهم البحر المئات من شبابنا ولا يزال…والأنصار باسم مولاهم يهتفون يصرخون…موجة من الهجرة المنظّمة لم تعرفها البلاد سابقا…والأتباع بإنجازات مولاهم يشيدون…تضخّم مالي سيصل قريبا إلى أرقام قياسية…والأنصار بطول العمر لمولاهم يدعون…أفسدنا العديد من علاقاتنا مع الاشقاء…والاتباع سعداء يرقصون…لم ننجز استثمارا واحد في البلاد…والأنصار يصرخون و”السيادة الوطنية” يطلبون… أبعد هذا الخراب خراب؟ فكيف يريد “مولاهم” ان يبنى وطنا قويا وأمة حرة ذات سيادة وهو لم ينجز شيئا واحدا يستحق الذكر والثناء…وشعبه يأكل من وراء البحار…وبعض شعبه هارب من أرضه خوفا من الموت جوعا؟ وكيف يطالب الشعب ضمنيا بــ”الولاء الأعمي” وهو دمّر وهدم كل البناء…ألم يكن من الأجدر مواصلة البناء على البناء؟ ألهذا الحدّ أوهموه بأنه أنقذ حقّا البلاد والعباد؟
هل كان من الضرورى ان يهدم “مولاهم” كل البناء الذي سبقه؟ هل كان من الضروري ان يشيطن كل خصومه؟ هل كان من الضروري أن يكون قاسيا كل تلك القسوة على بعض خصومه الذين ثبتت براءتهم مما زعم ويزعمون؟ هل كان من الضروري أن يهدم كل مؤسسات الدولة بنيّة إعادة بنائها على مقاس حكم الرجل الواحد؟ هل كان من الضروري أن يختار لنا بدستوره الذي كتبه في غرفة مظلمة لا نور فيها، نظاما شموليّا قد يعدّ على الناس أنفاسهم غدا وهم لا يعلمون؟ هل كان من الضروري أن يصل بنا الحقد إلى هذه الحال وهذا الانقسام؟
متى يستفيق أتباع “مولاهم” من سكرتهم يا ترى؟ هل يدركون اليوم أن نظام مولاهم أصبح أعنف من كل الأنظمة التي تداولت على حكم هذه البلاد؟ ألا يعتبر افتقاد بعض المواد عنفا؟ الا يعتبر افتقاد بعض الادوية الحيوية عنفا؟ ألا تعتبر كتابة دستور من طرف واحد وعلى مقاس فرد واحد عنفا؟ ألا تعتبر لامبالاة الحاكم مما تعيشه البلاد عنفا؟ ألا يعتبر ارتفاع الأسعار بهذا الشكل عنفا؟ ألا يعتبر الانفراد بحكم البلاد عنفا؟ ألا يعتبر ارتفاع نسبة البطالة ـ عكس ما يزعمون ـ عنفا؟ ألا يعتبر ارتفاع نسبة الفقر عنفا؟ ألا تعتبر موجة الهروب من البلاد بحرا وجوا عنفا؟ ألا تعتبر شيطنة الخصوم عنفا؟ ألا يعتبر اتهام الخصوم ظلما وعدوانا، عنفا؟ فالعنف ليس فقط أن تضربني بعصاك بل أن تشعرني بالألم مما تفعله وتأتيه وهذا هو أشنع عنف قد يعيشه الشعب …فالجوع ألم…والقهر ألم…والظلم ألم اشدّ…والغربة وجع دائم إلى الابد…والشعب يعيش الغربة اليوم من غد لا يعلم كيف يكون…والشعب يعيش عنف الانتظار والترقّب…انتظار يوم تكون فيه فعلا السماء زرقاء…لا كما يزعمه اليوم أتباع “مولاهم”…
أعود لأقول متى يستفيق أتباع “مولاهم”؟ أليسوا هم سبب البليّة؟ أليسوا هم من أوهموا ويوهمون الرئيس بأنه على حقّ…وأن بقية الشعب على باطل؟ هؤلاء هم من سيحولون “مولاهم” إلى “فرعون” لا قدّر الله بزرعهم للحقد والكراهية…فشعار “الدكتاتور العادل” الذي خرج به علينا أحد الأغبياء في أحد منابر الحمق السياسي لبعض تلفزاتنا لا يستقيم…وليس من العقل حتى أن يقال ويذكر…فلا يمكن لدكتاتور أن يكون عادلا إلا في عقول بعض المجانين من هواة لعق الأحذية…
أتباع “مولاهم” ومن هم حوله هم من سيتحمّلون كل الأخطاء وتبعات الأوهام التي اوقعوا فيها “مولاهم” وحوّلوا وجهته بها …ورغم كل ذلك فتحميلهم مسؤولية كل الخراب لا يعفي “مولاهم” من المسؤولية، فهو من اختار أن يكون “شعب الولاء والبيعة” أقرب إليه من “شعب الخبرة والكفاءة”…لأنه يسعد كثيرا حين تنهال عليه المدائح وقصائد الشعر والأغاني والاهازيج من “شعب الولاء والبيعة”…ولا يقبل ابدا بأن يستمع إلى كلام ونصائح قد يعتبرها “علقما”…لكنها في حقيقة الأمر هي الصواب وهي الطريق الاسلم لإصلاح حال البلاد والعباد… فالعلقم نافع أحيانا…عسل المديح يميت…وعلقم النصح يحيي ويفيد…
لعلّ “مولاهم” علم بما وقع لرحلة الخطوط التونسية 722 في اتجاه مطار أورلي بباريس والتي اضطرّ طاقمها التونسي بسبب سوء الأحوال الجويّة وبعد ثلاث محاولات هبوط فاشلة، إلى تغيير وجهتها نحو مطار شارل ديغول ودرء الأسوأ…هكذا حالنا اليوم، تونس اليوم في حاجة إلى طاقم ينقذنا مما نحن فيه بعد ثلاث محاولات فاشلة للهبوط، ويحوّل البلاد إلى وجهة أخرى تضمن لنا الهبوط بسلام آمنين…أيعلم “مولاهم” أن من هم حوله حوّلوا وجهته إلى الحقد…نعم إلى الحقد الأعمى…ألم يحن الوقت يا ترى ليحوّل “مولاهم” وجهتنا إلى وجهة أجمل وافضل وجهة: “الحب”…ألم يحن الوقت ليعلن الرئيس حبّه الحقيقي لهذا الشعب الذي أحبّه فانتخبه…ألا يعلم الرئيس أن حبّا من طرف واحد لا يدوم طويلا…فلينزع الحقد الذي ملأ به أنصاره ومن هم حوله صدره على أكثر من نصف هذا الشعب وكل خصومه ومن شاركوه الحكم قبل انقلابه…وليعلن حبّه لهذا الشعب…كل الشعب…دون استثناء…فتونس في حاجة فعلا إلى بعض الحبّ… فقد يقول له الشعب غدا إن واصل في نفس وجهته… بالأمس أحببناك فانتخبناك…ولا غرابة إن اليوم كرهناك…فنسيناك…