جلـ ... منار
وديعة هيكل
نشرت
قبل 3 سنواتفي
أخيرا.. استقرت وديعته في مكتبة الإسكندرية، أوراقه ووثائقه، مراسلاته ومقتنياته.
كل شيء يحاكي مكتبه الشخصي، كأنه في موضعه المعتاد، لكن لم يكن ممكناً أن يطل هو نفسه على ما جرى إنجازه وحلم به طويلاً وكثيراً .
لسنوات طويلة ساورته مخاوف وشكوك من أن تصل يد التخريب المتعمد إلى وثائقه وأوراقه، حفظها مرتبة بصورة تسهل استدعاء ما يريد منها عند الحاجة إليها، فكل وثيقة مرقمة في مجموعتها، وكل قائمة محفوظات تشير إلى ما فيها.اتجه تفكيره مرة بعد أخرى، عقداً بعد آخر، أن يكون مستقرها في مؤسسة مصرية مثل “جامعة القاهرة”، أو “دار الكتب”، لكنه لم يكن مطمئناً إلى أنها سوف تكون بعيدة عن انتقام السلطات، أو محاولات تخريبها بصورة أو أخرى.
فكر فى الاستجابة لدعوة من مؤسسة “الأهرام” لاستضافة ذخائره من وثائق وأوراق، وجرت اتفاقات عصفت بها تغييرات في رئاسة المؤسسة العريقة، ولم يكن يريد أن يضع ما لديه في مهب التحولات.
مع أسبابه للقلق على سلامة الأوراق والوثائق مال إلى أن تظل في مأمنها، وكتب وصية سجل فيها بالتفاصيل ما يتعين فعله والضمانات الضرورية لحفظ أمانتها إلى أجيال جديدة.. غير أن ضغوطا تصاعدت عليه من مقربين وأصدقاء وداخل أسرته دعته أن يحسم موقع مؤسسته ومستقر أوراقه ووثائقه في حياته ولا يحيل عبء مسئوليتها لمن بعده.
في نوفمبر (2005) تصور أن هناك فرصة لإتاحة أوراقه ووثائقه ومكتبته التي تضم عشرات آلاف الكتب أمام الباحثين والصحفيين وكل من يطلب أن يطل على تاريخ بلاده موثقاً .
خفتت مخاوفه رغم انتقاداته المطردة للحكم، التي زادت درجة حدتها منذ محاضرة الجامعة الأمريكية الشهيرة في أكتوبر (2002)، التي تطرق فيها إلى سيناريو “التوريث” وضرورات التحول الديمقراطي، إذ بدت السلطة مشغولة بما بعد رئيسها وهاجسها مشروع التوريث والتاريخ بوثائقه لا يعنيها.
بصياغته : “لم أعد معتقداً أن ورقي مطارد”.
استقر تفكيره على إيداعها في مؤسسة تحمل اسمه وذهب إلى نقابة الصحفيين لاستئجار دور كامل يخصصه لوثائقه وأوراقه وظنه أنها سوف تكون متاحة أمام الأجيال الجديدة من الصحفيين عند ترددهم على نقابتهم، لكنه بعد أن قام بتسديد قيمة التعاقد تنازل عنها للنقابة التي ينتسب إليها وتراجع عن الفكرة، خشية أن يجد أوراقه ووثائقه وكتبه في مرمى الاشتباكات المتكررة بمحيط شارع “عبدالخالق ثروت”، الذي يضم إلى نقابة الصحفيين نقابة المحامين ونادي القضاة.
أخذت الفكرة تبحث عن مكان آخر أكثر أمناً لسلامة وديعته للأجيال القادمة.في ذلك الوقت كتب على ورق تصوراته لـ”مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية”، التي قرر أن تضم كل ما لديه من وثائق ومحاضر وأوراق وكتب.بعد ثورة “يناير 2011” طرحت عليه أسرته أن يكون بيته الريفي في “برقاش” مقرّا لمؤسسته،
استمع لما عرض عليه من “أصحاب الحق فى الإرث” مدركاً “أن المسألة أكبر من أن تكون تركة أو إرثاً “، لكن العرض دعاه أن يحسم موضع الوثائق والمؤسسة معها، متصوراً أن “المكتبة ينبغي أن تظل فى مكانها ببرقاش لا تنقل لمكان آخر”.
أعدت التصميمات لإحالة مزرعة “برقاش” كلها إلى الخدمة العامة ووضعت وقفية قيمتها (5) ملايين دولار تحت تصرف المؤسسة والقائمين عليها.
انتابه قلق من المكان عندما طلب أن ينظر في صور “غوغل إرث” للمنطقة المحيطة.”لم تكن الصور مطَمْئنة وحزام القلق الاجتماعي ظاهر عليها”.طمأن نفسه بأن “المنارات الفكرية في أحزمة القلق الاجتماعي تكسبها شيئاً من التنوير وإطلالاً مختلفاً على عوالم جديدة”.
ما إن بدأ يطمئنّ إلى اختياره الأخير الذي قطع فيه زمناً طويلاً حتى فاجأته جحافل الظلام يوم فض اعتصامي “رابعة” و”النهضة” تنقضّ بقسوة لم يتحسبها ولا خطرت على باله في أكثر الاحتمالات سوداوية وتشاؤما.
دمرت تماماً النسبة الأكبر من وديعته.تصدُق في قصة وثائقه وأوراقه الحكمة العربية المتوارثة “لا يغني حذر من قدر”.
بعد ست سنوات على رحيله استقرت أوراقه ووثائقه وكتبه، أو ما تبقى منها، في مكتبة الإسكندرية، التي كانت قد طرأت على تفكيره في رحلة البحث عن مستقر لوديعته. و مما هو لافت رمزية توقيت افتتاح معرضه الوثائقي مع مرور (80) سنة بالضبط على أول مهمة صحفية لشاب في التاسعة عشر ة من عمره عند حافة الحياة والموت في حرب العلمين.
بدت تجربته في تغطية الحرب، كنقش على حجر، وكان الدرس الأول الذي تلقاه من “هارولد إيريل” رئيس تحرير “الأجيبشيان غازيت”، التي التحق بها للتدرب: “لا ترسل أخباراً، حاول أن تستقصيها وتكتشف خباياها بقدر ما تستطيع، لا نتوقع منك أن تنافس مراسلي الصحف والوكالات الدولية، الظروف لن تمكنك من أن ترسل ما تحصل عليه في برقيات، والحل الوحيد أمامك، وهذا ما نطلبه منك أن تدون ملاحظاتك على ما ترى في ميادين الحرب وسير معاركها، وأن تسجل انطباعاتك على ورق أولا بأول على وقع ما يجري أمامك.. وعندما تعود حاول أن تضبط صياغاتها من دون أن تفقدها حيويتها وطزاجتها التي كانت عليها، فالمادة المكتوبة على صياغتها الأولى في وقتها أكثر حياة مما يكتب بعدها”.
وهو يراجع تجربته قال لي ذات حوار: “هذه قاعدة ثبت أنها سليمة، وسليمة تماماً”.
استقرت عنده مبكراً أهمية التدوين، أولاً بأول لما يشاهد ويتقصى من أخبار ومعلومات، أن يرتبها بطريقة منظمة تسهل أن يستدعيها في أي وقت.
وفي تغطياته لحروب وصراعات أخرى، فلسطين وكوريا والبلقان وإيران، تأكدت عنده أهمية الوثيقة كسند للرواية التاريخية والصحفية معاً .وديعته تعطي لمحة موثقة عن مصر ما بين عامي (1952) بجوار “جمال عبدالناصر” و (1974) حين افترقت الطرق والسياسات مع “أنور السادات” ولمحة عميقة أخرى عنه شخصياً، كيف عمل؟.. ولماذا نجح؟
كان يدرك أن الذاكرة الإنسانية، مهما بلغت من قدرة على استعادة الأحداث والوقائع، لها حدود، ثم إن الزمن يلعب دوره بما يؤثر على صدق الرواية، وكان تقديره أن أهم ما عنده هو مجموعة أوراقه الشخصية التي سجل فيها بخط يده ما رأى وما سمع ــ “شبه مفكرات وليست مذكرات”.
بصياغته: “لم أترك ما مر أمامي يضيع وإنما حاولت أن أسجله موثقاً “.
” لا أتصور أن ذلك يحمل مظنة أي نوع من أنواع الاحتكار للحقيقة، فما أتيح لي كان متاحاً لغيري، فى مثل ظروفي، وكان الفارق الوحيد أن الكتابة فى يوم من الأيام كانت ــ بحكم المهنة ــ فى خواطري ولم يكن الأمر كذلك لغيري، وإنما طرأ فيما بعد لسبب أو لآخر”.
طوال الوقت طاردته الأسئلة عن مصير ما لديه من وثائق، كتب وألح كثيرون على عودتها إلى مصر، وهو نفسه في مقدمات مجموعة كتبه عن حرب الثلاثين عاما في طبعاتها الجديدة أخذ يتحدث عن الوثائق بمداخلات مختلفة، قبل أن يعترف أخيراً بأنها باتت عبئاً على مشاعره.
كانت المفاجأة الكبرى بعد رحيله أن وثائقه وأوراقه لم تتحرك يوماً من “برقاش”، لا ذهبت إلى لندن ولا أي مكان آخر خارج مصر، كانت تحت البصر طوال الوقت فيما المثقفون يطرحون سؤالهم الملح: “متى تعود أوراق هيكل؟”. في ذلك الوقت عرضت جامعة “أوكسفورد” البريطانية شراء مجموعة أوراقه الخاصة، التي تضم وثائق مهمة للدولة المصرية، ومن تقاليدها السعي وراء مجموعات الوثائق والأوراق الخاصة لشخصيات دولية لعبت أدواراً بارزة في التاريخ الإنساني المعاصر، بما يضفي قيمة مضافة على مكتبتها.
جرت العادة في الجامعة العريقة أن تقدر القيمة المالية لمجموعات الوثائق والأوراق بما تحتويه من معلومات غير متوافرة وبما تغطيه من فترات تاريخية واسعة.وقد قدرت “أوكسفورد” قيمتها بـ(3) ملايين جنيه إسترلينى،
غير أنه اعتذر عن قبول هذا العرض شاكراً لأصحابه فضل الاهتمام والتقدير بما لديه من وثائق وأوراق شخصية، وكان اعتقاده أن مصر، وليس بلداً آخر غير مصر، المكان الطبيعي والمستقر النهائي لوثائقه وأوراقه، التي احتفظ بها لسنوات محفوظة ومصانة خشية أن تتدخل تعقيدات السياسة بما قد يَحرم أجيالا قادمة من حق الاطلاع على وثائق حقبة تاريخية مهمة ومفعمة بالتحولات والحروب والأحلام والكوابيس.
كانت صدمته هائلة، وهو يرى ويعاين حجم التدمير في المكان، وأن ما احتفظ به من ذخائر أمانة لأجيال قادمة كادت تتبدد تماماً .لم يحصر في حياته، ولا كان في طاقته الإنسانية أن ينظر بالتفاصيل فيما أحرق أو لم يحرق، وقد تكفلت بالمهمة الشاقة بعد رحيله حرمه السيدة “هدايت تيمور”.
أرادت بتفانٍ أن تحقق ما حلم به دوماً، أن تودع وثائقه وأوراقه تحت نظر الباحثين والصحفيين وكل من يطلب حقيقة ما جرى في مصر من تحولات وعواصف.
ـ عن “الشروق” المصرية ـ
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
صن نار
- ثقافياقبل 18 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟