جلـ ... منار
وديعة هيكل
نشرت
قبل 3 سنواتفي

أخيرا.. استقرت وديعته في مكتبة الإسكندرية، أوراقه ووثائقه، مراسلاته ومقتنياته.
كل شيء يحاكي مكتبه الشخصي، كأنه في موضعه المعتاد، لكن لم يكن ممكناً أن يطل هو نفسه على ما جرى إنجازه وحلم به طويلاً وكثيراً .

لسنوات طويلة ساورته مخاوف وشكوك من أن تصل يد التخريب المتعمد إلى وثائقه وأوراقه، حفظها مرتبة بصورة تسهل استدعاء ما يريد منها عند الحاجة إليها، فكل وثيقة مرقمة في مجموعتها، وكل قائمة محفوظات تشير إلى ما فيها.اتجه تفكيره مرة بعد أخرى، عقداً بعد آخر، أن يكون مستقرها في مؤسسة مصرية مثل “جامعة القاهرة”، أو “دار الكتب”، لكنه لم يكن مطمئناً إلى أنها سوف تكون بعيدة عن انتقام السلطات، أو محاولات تخريبها بصورة أو أخرى.
فكر فى الاستجابة لدعوة من مؤسسة “الأهرام” لاستضافة ذخائره من وثائق وأوراق، وجرت اتفاقات عصفت بها تغييرات في رئاسة المؤسسة العريقة، ولم يكن يريد أن يضع ما لديه في مهب التحولات.
مع أسبابه للقلق على سلامة الأوراق والوثائق مال إلى أن تظل في مأمنها، وكتب وصية سجل فيها بالتفاصيل ما يتعين فعله والضمانات الضرورية لحفظ أمانتها إلى أجيال جديدة.. غير أن ضغوطا تصاعدت عليه من مقربين وأصدقاء وداخل أسرته دعته أن يحسم موقع مؤسسته ومستقر أوراقه ووثائقه في حياته ولا يحيل عبء مسئوليتها لمن بعده.
في نوفمبر (2005) تصور أن هناك فرصة لإتاحة أوراقه ووثائقه ومكتبته التي تضم عشرات آلاف الكتب أمام الباحثين والصحفيين وكل من يطلب أن يطل على تاريخ بلاده موثقاً .
خفتت مخاوفه رغم انتقاداته المطردة للحكم، التي زادت درجة حدتها منذ محاضرة الجامعة الأمريكية الشهيرة في أكتوبر (2002)، التي تطرق فيها إلى سيناريو “التوريث” وضرورات التحول الديمقراطي، إذ بدت السلطة مشغولة بما بعد رئيسها وهاجسها مشروع التوريث والتاريخ بوثائقه لا يعنيها.
بصياغته : “لم أعد معتقداً أن ورقي مطارد”.
استقر تفكيره على إيداعها في مؤسسة تحمل اسمه وذهب إلى نقابة الصحفيين لاستئجار دور كامل يخصصه لوثائقه وأوراقه وظنه أنها سوف تكون متاحة أمام الأجيال الجديدة من الصحفيين عند ترددهم على نقابتهم، لكنه بعد أن قام بتسديد قيمة التعاقد تنازل عنها للنقابة التي ينتسب إليها وتراجع عن الفكرة، خشية أن يجد أوراقه ووثائقه وكتبه في مرمى الاشتباكات المتكررة بمحيط شارع “عبدالخالق ثروت”، الذي يضم إلى نقابة الصحفيين نقابة المحامين ونادي القضاة.
أخذت الفكرة تبحث عن مكان آخر أكثر أمناً لسلامة وديعته للأجيال القادمة.في ذلك الوقت كتب على ورق تصوراته لـ”مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية”، التي قرر أن تضم كل ما لديه من وثائق ومحاضر وأوراق وكتب.بعد ثورة “يناير 2011” طرحت عليه أسرته أن يكون بيته الريفي في “برقاش” مقرّا لمؤسسته،
استمع لما عرض عليه من “أصحاب الحق فى الإرث” مدركاً “أن المسألة أكبر من أن تكون تركة أو إرثاً “، لكن العرض دعاه أن يحسم موضع الوثائق والمؤسسة معها، متصوراً أن “المكتبة ينبغي أن تظل فى مكانها ببرقاش لا تنقل لمكان آخر”.
أعدت التصميمات لإحالة مزرعة “برقاش” كلها إلى الخدمة العامة ووضعت وقفية قيمتها (5) ملايين دولار تحت تصرف المؤسسة والقائمين عليها.
انتابه قلق من المكان عندما طلب أن ينظر في صور “غوغل إرث” للمنطقة المحيطة.”لم تكن الصور مطَمْئنة وحزام القلق الاجتماعي ظاهر عليها”.طمأن نفسه بأن “المنارات الفكرية في أحزمة القلق الاجتماعي تكسبها شيئاً من التنوير وإطلالاً مختلفاً على عوالم جديدة”.
ما إن بدأ يطمئنّ إلى اختياره الأخير الذي قطع فيه زمناً طويلاً حتى فاجأته جحافل الظلام يوم فض اعتصامي “رابعة” و”النهضة” تنقضّ بقسوة لم يتحسبها ولا خطرت على باله في أكثر الاحتمالات سوداوية وتشاؤما.
دمرت تماماً النسبة الأكبر من وديعته.تصدُق في قصة وثائقه وأوراقه الحكمة العربية المتوارثة “لا يغني حذر من قدر”.
بعد ست سنوات على رحيله استقرت أوراقه ووثائقه وكتبه، أو ما تبقى منها، في مكتبة الإسكندرية، التي كانت قد طرأت على تفكيره في رحلة البحث عن مستقر لوديعته. و مما هو لافت رمزية توقيت افتتاح معرضه الوثائقي مع مرور (80) سنة بالضبط على أول مهمة صحفية لشاب في التاسعة عشر ة من عمره عند حافة الحياة والموت في حرب العلمين.
بدت تجربته في تغطية الحرب، كنقش على حجر، وكان الدرس الأول الذي تلقاه من “هارولد إيريل” رئيس تحرير “الأجيبشيان غازيت”، التي التحق بها للتدرب: “لا ترسل أخباراً، حاول أن تستقصيها وتكتشف خباياها بقدر ما تستطيع، لا نتوقع منك أن تنافس مراسلي الصحف والوكالات الدولية، الظروف لن تمكنك من أن ترسل ما تحصل عليه في برقيات، والحل الوحيد أمامك، وهذا ما نطلبه منك أن تدون ملاحظاتك على ما ترى في ميادين الحرب وسير معاركها، وأن تسجل انطباعاتك على ورق أولا بأول على وقع ما يجري أمامك.. وعندما تعود حاول أن تضبط صياغاتها من دون أن تفقدها حيويتها وطزاجتها التي كانت عليها، فالمادة المكتوبة على صياغتها الأولى في وقتها أكثر حياة مما يكتب بعدها”.
وهو يراجع تجربته قال لي ذات حوار: “هذه قاعدة ثبت أنها سليمة، وسليمة تماماً”.
استقرت عنده مبكراً أهمية التدوين، أولاً بأول لما يشاهد ويتقصى من أخبار ومعلومات، أن يرتبها بطريقة منظمة تسهل أن يستدعيها في أي وقت.
وفي تغطياته لحروب وصراعات أخرى، فلسطين وكوريا والبلقان وإيران، تأكدت عنده أهمية الوثيقة كسند للرواية التاريخية والصحفية معاً .وديعته تعطي لمحة موثقة عن مصر ما بين عامي (1952) بجوار “جمال عبدالناصر” و (1974) حين افترقت الطرق والسياسات مع “أنور السادات” ولمحة عميقة أخرى عنه شخصياً، كيف عمل؟.. ولماذا نجح؟
كان يدرك أن الذاكرة الإنسانية، مهما بلغت من قدرة على استعادة الأحداث والوقائع، لها حدود، ثم إن الزمن يلعب دوره بما يؤثر على صدق الرواية، وكان تقديره أن أهم ما عنده هو مجموعة أوراقه الشخصية التي سجل فيها بخط يده ما رأى وما سمع ــ “شبه مفكرات وليست مذكرات”.

بصياغته: “لم أترك ما مر أمامي يضيع وإنما حاولت أن أسجله موثقاً “.
” لا أتصور أن ذلك يحمل مظنة أي نوع من أنواع الاحتكار للحقيقة، فما أتيح لي كان متاحاً لغيري، فى مثل ظروفي، وكان الفارق الوحيد أن الكتابة فى يوم من الأيام كانت ــ بحكم المهنة ــ فى خواطري ولم يكن الأمر كذلك لغيري، وإنما طرأ فيما بعد لسبب أو لآخر”.
طوال الوقت طاردته الأسئلة عن مصير ما لديه من وثائق، كتب وألح كثيرون على عودتها إلى مصر، وهو نفسه في مقدمات مجموعة كتبه عن حرب الثلاثين عاما في طبعاتها الجديدة أخذ يتحدث عن الوثائق بمداخلات مختلفة، قبل أن يعترف أخيراً بأنها باتت عبئاً على مشاعره.
كانت المفاجأة الكبرى بعد رحيله أن وثائقه وأوراقه لم تتحرك يوماً من “برقاش”، لا ذهبت إلى لندن ولا أي مكان آخر خارج مصر، كانت تحت البصر طوال الوقت فيما المثقفون يطرحون سؤالهم الملح: “متى تعود أوراق هيكل؟”. في ذلك الوقت عرضت جامعة “أوكسفورد” البريطانية شراء مجموعة أوراقه الخاصة، التي تضم وثائق مهمة للدولة المصرية، ومن تقاليدها السعي وراء مجموعات الوثائق والأوراق الخاصة لشخصيات دولية لعبت أدواراً بارزة في التاريخ الإنساني المعاصر، بما يضفي قيمة مضافة على مكتبتها.
جرت العادة في الجامعة العريقة أن تقدر القيمة المالية لمجموعات الوثائق والأوراق بما تحتويه من معلومات غير متوافرة وبما تغطيه من فترات تاريخية واسعة.وقد قدرت “أوكسفورد” قيمتها بـ(3) ملايين جنيه إسترلينى،
غير أنه اعتذر عن قبول هذا العرض شاكراً لأصحابه فضل الاهتمام والتقدير بما لديه من وثائق وأوراق شخصية، وكان اعتقاده أن مصر، وليس بلداً آخر غير مصر، المكان الطبيعي والمستقر النهائي لوثائقه وأوراقه، التي احتفظ بها لسنوات محفوظة ومصانة خشية أن تتدخل تعقيدات السياسة بما قد يَحرم أجيالا قادمة من حق الاطلاع على وثائق حقبة تاريخية مهمة ومفعمة بالتحولات والحروب والأحلام والكوابيس.
كانت صدمته هائلة، وهو يرى ويعاين حجم التدمير في المكان، وأن ما احتفظ به من ذخائر أمانة لأجيال قادمة كادت تتبدد تماماً .لم يحصر في حياته، ولا كان في طاقته الإنسانية أن ينظر بالتفاصيل فيما أحرق أو لم يحرق، وقد تكفلت بالمهمة الشاقة بعد رحيله حرمه السيدة “هدايت تيمور”.
أرادت بتفانٍ أن تحقق ما حلم به دوماً، أن تودع وثائقه وأوراقه تحت نظر الباحثين والصحفيين وكل من يطلب حقيقة ما جرى في مصر من تحولات وعواصف.
ـ عن “الشروق” المصرية ـ
تصفح أيضا

د. أحمد خالد توفيق
إننا نحمل في خلايانا الدروس التي تلقيناها في طفولتنا، ولا نستطيع منها فكاكا. نحن سجناء بيئتنا وطريقة تربيتنا الأولى. والقصة التي سأحكيها الان هي تجربة حقيقية مرت بكاتب المقال الأمريكي في طفولته..

كان المؤلف في السابعة من عمره وكان يهيم غراما بمتجر المستر جونز الموجود على قارعة الطريق.. السبب طبعا هو أنه متجر لبيع الحلوى.. هناك عبر النافذة المطلة على الشارع كان يقف ليرمق العالم السحري بالداخل، قطع الجاتوه المغلفة بالشيكولاته والكريم وقد غرست فيها أعلام صغيرة أو أعواد ثبتت عليها الفواكه المسكّرة. التفاح المكسوّ بالسكّر.. تماثيل مختلفة من الشيكولاته، وقلعة شيدت منها تقف فوق جبل من الكريمة. عشرات الأنواع من حلوى النعناع التي تذوب في الفم تاركة نارا لها نشوة..
لم يكن يملك قط المال اللازم لشراء ما يريد، فهو من أسرة فقيرة، وهو يعرف أن أسعار هذه الأنواع من الحلوى تفوق قدراته..
إلى أن جاء اليوم الذي ادخر فيه ما يكفي..
اقتحم المحل فدق الجرس الصغير المعلق بالباب يخبر مستر (جونز) أن هناك زبونا. خرج العجوز الطيب الذي يضع نظارات تنزلق علي قصبة أنفه، وتأمله وهو يجفف يده في منشفة، وسأله:
ـ “ماذا تريد أيها الرجل الصغير؟”
اتجه المؤلف الصغير إلى قطع الجاتوه وأشار لها بثقة:
ـ أريد خمس قطع من هذه..”
ابتسم العجوز ودس يده في قفازين وانتقى للفتى بعض القطع التي طلبها، وهو يتلقى التعليمات: “لا أريد التي عليها قشدة كثيرة.. لتكن الشيكولاته”
في النهاية أغلق العجوز علبة صغيرة ونظر للصبي متسائلا، فأشار إلى التماثيل المصنوعة من الشيكولاته:
ـ “أريد هذا القط وهذا الحصان.. أريد هذا القصر الصغير.. هل هذه عربة؟.. ضعها لي”
قال مستر (جونز) في شيء من الحذر:
ـ هل معك نقود تكفي هذا كله؟”
ـ “نعم.. نعم”
الآن انتقي بعض حلوى النعناع، وكان هناك الكثير من غزل البنات الذي مازال ساخنا فأنتقي منه كيسين، واختار بعض الكعك..
في النهاية صارت هناك علبة كبيرة معها كيس عملاق امتلأ بالأحلام، وسأله مستر جونز:
ـ “هل هذا كل شيء؟.. سأحسب..”
هنا مد المؤلف الصغير يده في جيبه وأخرج ما به.. أخرج قبضة من الكجّات الملونة التي يلعب بها الأطفال ووضعه بحذر في يد العجوز، وقال في براءة:
ـ “هل هذا كاف؟؟”
لا يذكر المؤلف التعبير الذي ارتسم علي وجه مستر (جونز).. ما يذكره هو أنه صمت قليلا، ثم قال بصوت مبحوح وهو يأخذ الكجّات:
ـ “بل هو زائد قليلا.. لك نقود باقية”
ثم دس بعض قطع العملة في قبضة الصبي، ومن دون كلمة حمل الصغير كنزه وغادر المتجر.. لقد نسي هذا الحادث تماما ومن الواضح أن أمه لم تكن فضولية، كما يبدو أنه لم يجرب ذلك مرة ثانية.. في ما بعد غادرت الأسرة المنطقة وانتقلت إلى نيويورك..
الآن صار كاتب المقال شابا في بداية العمر، وقد تزوج بفتاة رقيقة اتفق معها أن يكافحا ليشقا طريقهما.. كان كلاهما يعشق أسماك الزينة لذا اتفقا على افتتاح متجر لهذه الأسماك..
في اليوم الأول انتثرت الأحواض الجميلة في المكان، وقد ابتاعا بعض الأسماك غالية الثمن.. وكما هو متوقع لم يدخل المتجر أحد..
عند العصر فوجئا بطفل في الخامسة من عمره يقف خارج الواجهة وإلى جواره طفلة في الثامنة.
كانا يرمقان الأسماك في انبهار..
وفجأة انفتح الباب وتقدمت الطفلة وهي تتصرف كسيدة ناضجة تفهم العالم، أو كأنها أم الصبي.. وحيّت المؤلف هو وزوجته وقالت:
ـ “أخي الصغير معجب بالأسماك لذا أريد أن أختار له بعضها..”
قال لها إن هذا بوسعها بالتأكيد، لكنه شعر بأن هناك شيئا مألوفا في هذا الموقف. متى مر به من قبل؟.. لعله واهم؟..
اتجهت الفتاة إلى حوض أسماك المقاتل السيامي وهي باهظة الثمن رائعة الجمال، واختارت اثنتين فأحضر المؤلف دلوا صغيرا والشبكة وبدأ ينقل ما تريد.. ثم اتجهت إلي حوض أسماك استوائية نادرة واختارت ثلاث سمكات… وكانت تصغي لاختيارات أخيها الذي يهتم بالأسماك الكبيرة زاهية اللون طبعا..
في النهاية امتلأ الدلو ووجد نفسه يقول لها:
ـ “أرجو أن تعودي للبيت سريعا قبل أن ينفد ما في الماء من هواء، كما أرجو أن يكون ما معك من مال كافيا فهذه ثروة صغيرة”
قالت الطفلة في ثقة:
ـ “لا تقلق.. فقط ضع لي هذه وهذه”
بدأ يجمع ثمن ما وضعه في الدلو، وذكر الرقم المخيف للطفلة، لكنها لم تبد مدركة لمعنى الرقم أصلا.. مدت يديها ‘إلى جيبها وأخرجت قبضتيها مليئتين بحلوى النعناع وبعثرتها على المنضدة أمامه وسألته في براءة:
ـ “هل هذا كاف؟”
هنا شعر بالرجفة.. لقد تذكر كل شيء.. تذكر صبيا في السابعة يجمع كل ما في محل المستر (جونز) من حلوى منذ خمسة وعشرين عاما أو أكثر.. تذكر الكجّات.. ترى بم شعر المستر جونز وقتها؟..
لن تسأل كيف تصرف فقد تصرف فعلا.. رباه!.. ما أثقل الميراث الذي تركته لي يامستر جونز وما أقساه..!
كان مستر جونز قد وجد نفسه في موقف حساس، ولم يستطع أن يجازف ببراءة الصبي أو أن يشعره بالحرمان.. لم يتردد كثيرا.. وبالمثل لم يتردد المؤلف..
قال بصوت مبحوح للطفلة وهو يجمع حلوى النعناع ويضعها في الدرج:
ـ “بل هو زائد قليلا.. لك نقود باقية”
ودس في يدها الصغيرة بعض قطع العملة، فقالت في رضى:
ـ شكرا ياسيدي.. سأخبر كل صديقاتي عنك!”
وغادرت المحل مع أخيها.. هنا وثبت زوجته من حيث جلست تتابع هذا الموقف وصاحت في توحش:
ـ “هل تعرف ثمن السمك الذي أخذته هذه الطفلة؟.. إنه يقترب من خُمس رأس مالنا!”
قال لها وهو يرمق الصغيرين يهرعان تحت شمس الطريق:
ـ “أرجو أن تصمتي.. لقد كان هناك دين يثقل كاهلي علي مدى خمسة وعشرين عاما نحو عجوز يدعي مستر جونز، وقد سددته الآن!!”

جلـ ... منار
فرنسا “الساحل العلوي”: نوستالجيا الانتداب وابتذال الاستشراق
نشرت
قبل 3 أسابيعفي
27 مارس 2025من قبل
التحرير La Rédaction
صبحي حديدي:
خلال مشاركته في مؤتمر المانحين حول سوريا، الذي احتضنته بروكسيل مؤخراً؛ ولكن، أيضاً، على صفحته الشخصية في منصة X ؛ كرّر وزير الخارجية الفرنسي جان ــ نويل بارو استخدام تعبير “الساحل العلوي” في إشارة إلى أعمال العنف والاشتباكات المسلحة والمجازر ضدّ أبناء الطائفة العلوية خصوصاً، التي شهدتها منطقة الساحل السوري مؤخراً.

ومن حيث المبدأ، أو التذرّع بحسن النوايا، في وسع المرء الافتراض بأنّ مساعدي الوزير الفرنسي (كي لا يُشار إلى واجب اطلاعه شخصياً على معطيات الحدّ الأدنى الديمغرافية حول المنطقة) قد أعلموه مسبقاً أنّ سكان ذلك الشطر من سوريا ليسوا علويين فقط، بل ثمة أطياف دينية ومذهبية وإثنية شتى، من سنّة ومسيحيين وتركمان وأكراد…مصيبةٌ إذا كان بارو لا يعلم، أو لم يُعلمه مستشارون في وزارة ذات سجلّ حافل بفصولٍ عن سوريا البلد والشعب والجغرافيا، لا تعود بجذورها إلى إرث استعماري مُثقل بعقود من إراقة دماء السوريين وارتكاب الجيش الفرنسي مجازر وفظائع وانتهاكات فظة وجرائم حرب، فحسب؛ بل ينطوي تاريخها الحديث والمعاصر على ملفات شتى من التواطؤ مع نظام “الحركة التصحيحية” الأسد الأب ووريثه الابن معاً، والتغطية على منظومات الاستبداد والفساد، ومحاولات تجميل قبائح النظام وإعادة تأهيله.
المصيبة أعظم إذا كان يعلم، أو أعلموه، لكنه فضّل التغافل عن العلم والمعلومة واختار استسهال هذا الطراز الفاضح من مسخ الصفة الفعلية الوطنية والديمغرافية التعددية لمنطقة الساحل السوري، إلى هوية طائفية ضيّقة من جهة أولى؛ ولا يغيب عنها، من جهة ثانية، مزيج من نوستالجيا استعادة مصطلحات الانتداب الفرنسي وتفاهة التشخيص الاستشراقي في آن معاً.
هذا، كما يقتضي إنصاف سجلات الخارجية الفرنسية (أو الـ”كاي دورساي” كما في التوصيف الاستعماري الأشدّ رسوخاً) وزير غرّ نصف جاهل/ نصف هاوٍ، أتى إلى الوزارة من بوابة حماقة كبرى ارتكبها رئيسه إيمانويل ماكرون، حين حلّ الجمعية الوطنية ووضع فرنسا في مأزق حكومي لا يكفّ عن التفاقم. فإذا كانت تفوهاته حول “الساحل العلوي” زلّة لسان حمقاء في بروكسيل، فإنّ إصراره على استخدام التعبير ذاته على منصة X لن يفلح في منح عقله السياسي والدبلوماسي والمهني (سبق أن ترأس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفرنسي، كما شغل سابقاً وزارتَيْ التحويل الرقمي والاتصالات، وأوروبا) أدنى درجة من فضيلة الشك.
لكنه، من جهة ثالثة لا تقلّ مغزى، ليس غرّاً إلى درجة التغافل عن أضرار استخدام تعبير، خاطئ وحمّال إشكاليات عديدة وتحريضي واستفزازي، مثل “الساحل العلوي”.
وبالتالي فإنّ من السذاجة الجنوح إلى تفسير الجهل أو انحطاط المعرفة أو زلّة اللسان، في قراءة إصرار بارو على استخدام التعبير تصريحاً في بروكسيل أمام محفل أوروبي ودولي، وتدويناً على منصّة يتابعها مئات الملايين في طول العالم وعرضه. وإذا عزّت مبررات الوزير في الحنين إلى أمثال جدّه الجنرال هنري غورو (المندوب السامي الفرنسي على سوريا ولبنان، الذي تقصد زيارة قبر صلاح الدين الأيوبي، وخاطبه هكذا: «استيقظ يا صلاح الدين. لقد عدنا. وجودي هنا يكرّس انتصار الصليب على الهلالـ«)؛ فلعلّه يحنّ إلى دور الانتداب الفرنسي في تأسيس ما أسمته باريس «دولة جبل العلويين» بين سنوات 1920 وحتى 1936، وشجعت تضافره على تقسيم سوريا مع دويلات دمشق وحلب وجبل العرب، وسلخ لواء الإسكندرون وضمّه إلى تركيا.
أم لعلّ بارو هذه الأيام تناهبه حنين إلى سَلَف له في أيام ماضية يدعى لوران فابيوس، سنة 2012؛ الذي اشتبك، في قاعة مجلس الأمن الدولي، مع بشار الجعفري مندوب النظام السوري آنذاك، حول علاقة بعض «وجهاء» العلويين بالانتداب الفرنسي. وهكذا أشار فابيوس إلى واقعة صحيحة تاريخياً: “بما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي تذكيرك بأن جدّ رئيسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سوريا وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية وقّع عليها ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيك نسخة عنه”».
ولأنه ينتمي إلى الـ”موديم” الحزب اليميني الذي يتلفع بأردية ليبرالية كاذبة، فلعلّ بارو اتكأ على تراث شاع في قصر الإليزيه، خلال عهود جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، وتولى مراراً سلسلة عمليات تجميلية أعادت تأهيل صورة الأسد الابن؛ بل بادر شيراك إلى منح قَتَلة صديقه رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري المغفرةَ والترحيب معاً، مستأنفاً خطّ تعاطف مع نظام “الحركة التصحيحية” شمل الأب مثل الابن. ذاك عكس مزاجاً، سياسياً ولكن شخصياً أيضاً، جسدته حقائق أنّ شيراك كان الرئيس الغربي الوحيد الذي سار في جنازة الأسد الأب؛ كما كان المبادر إلى كسر عزلة الأخير الدولية، حين دعاه إلى زيارة باريس رسمياً في صيف 1998؛ وإلى إضفاء شرعية سياسية وأمنية على وجود قوّات النظام السوري في لبنان، خلال افتتاح القمّة الفرنكفونية في بيروت، سنة 2002.
من جانبه كان ساركوزي يواصل سياسةً في مراقصة طغاة الشرق الأوسط اعتمدها رؤساء فرنسا، سواء في العقود الأخيرة من عمر الجمهورية الخامسة في فرنسا، أم في عقودها الوسطى (أوّل زيارة للأسد الأب تمّت في عهد فاليري جيسكار ــ ديستان، 1976، بعد أشهر قليلة على دخول القوّات السورية إلى لبنان). فإذا كانت الأنشطة الدبلوماسية في العقود الأولى بمثابة تمرينات مبكّرة على ما ستطلق عليه التنظيرات الديغولية صفة «السياسة العربية لفرنسا» فإنّ خيار ساركوزي في الانفتاح على النظام السوري كان مدانياً لسلوك طبيعي، منتظَر وغير مستغرب البتة، من ذلك الرجل بالذات. الابتذال الاستشراقي تبدى أولاً في الزعم بأنّ العلاقة مع الأسد الابن هي امتداد «جغرافي» لوقوع سوريا على شواطئ المتوسط؛ الأمر الذي يلمّع انتداباً فرنسياً استعمارياً خضعت له سوريا، قبل أن يطوي صفحاته العنفية التي أراقت دماء السوريين في موقعة ميسلون صيف 1920، وقمع الثورة السورية الكبرى لعام 1925، ومذبحة حامية البرلمان السوري سنة 1945…
وظلّ حبراً على ورق ذلك النداء الذي وجهته إلى ساركوزي ثماني منظمات حقوق إنسان دولية (بينها “العفو الدولية” و”ميدل إيست واتش” و”الاتحاد الدولي لروابط حقوق الإنسان” و”الشبكة الأورو ـ متوسطية” و”المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب”…)؛ وناشدته إيلاء اهتمام لوضع حقوق الإنسان في سوريا. أحد أسلاف بارو في الخارجية (برنار كوشنر، صاحب نظرية التدخّل الإنساني في الشؤون السيادية للدول) اكتفى بدسّ قصاصة في جيب وزير خارجية النظام وليد المعلّم، تضمنت لائحة بأسماء معتقلين سياسيين سوريين، سوف ستبتهج فرنسا بإطلاق سراحهم!
ولا عجب أن يصمت بارو عن انتقادات طالت تعبيره المغلوط الفاضح، فالقادم من الرجل قد لا يكون مماثلاً فقط، بل أعظم!
ـ عن “القدس العربي” ـ


في الكتاب الرائع (قوة الخرافة) The power of Myth يسأل المحاور بيل مويرز الفيلسوف الأمريكي جوزيف كامبيل: هل الخرافة كذبة؟ يرد الفيلسوف: لا لا أبدا… إنها الطريقة الأسهل استيعابا للتعبير عن الحقيقة؟

قد تكون ممن يؤمنون أن فكرة التجسد خرافة، ولكن ليس لدي شك لو حاولت أن تستوعبها لساهمت فلسفتها في توسيع مداركك، كما ساهمت في توسيع مداركي. كنت ـ ولم أزل ـ أعتبر قصة بلع الحوت ليونس وبقائه في بطنه اسابيع خرافة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ولكن بعد أن قرأت كيف اعطاها الفيلسوف كامبيل بعدا فلسفيا، صرت أكثر تقبلا لها، وليس أكثر ايمانا بها. فليس شرطا أن تؤمن بما اؤمن، ولكنك ملزم كونيّا وأخلاقيا أن تقبلني كما اؤمن، طالما لا اُسيء بايماني إلى أحد.
……..
من أجمل الذكريات وأكثرها شفافية وروحانية هي حياتي مع ستي أم علي. كنا نجلس على شرفة منزلنا ونمعن النظر في القمر، وهو يرش ليراته الفضية على عروس البحر بينما تتماوج ليلا بدلال وغنج. كانت تقول لي ببراءة لا يشوبها خبث: انظري إلى القمر…امعني النظر…ماذا ترين؟؟؟ ألا ترين وجها بشريا؟؟؟ إنه وجه الإمام علي كرم الله وجهه.
هل مجنون فيكم يظن أن وفاء سلطان اليوم تؤمن بأن القمر هو الإمام علي؟؟؟ طبعا لا أتصور وجود هذا المجنون. ولكن أين الخلل في ايمان جدتي بأن مثلها الروحاني الأعلى متجسد في القمر؟؟؟
كانت جدتي أكثر بساطة من عشبة الجرجير، وكانت تظن أن العالم كله ينتهي عند حدود قريتها. لأنها ابنة ريف تعلقت بالمظاهر الطبيعية وراحت تربط رمزها الروحاني بأجمل تلك المظاهر، ألا وهو القمر.
لا أحد يعرف سرّ هذا الربط، هل هو حبها للإمام علي أم حبها للقمر أم لكليهما معا؟؟؟؟
……..
وفاء سلطان لا تقيّم اليوم أية فكرة إلا من خلال حقلها الطاقوي الذي يحدثه المعنى الكامن في الفكرة.
ماذا تختلف فكرة جدتي عن فكرة أن المسيح ولد بلا دنس وجاء ليخلص الجنس البشري من آلامه؟؟؟
لا شيء!
إذا اردنا أن نقيس الفكرتين وفقا لمقايس صارمة كجدول الضرب لا بد أن نرفض كليهما!
لكن الحياة لغز، ولا نستطيع أن نقرأها فقط كما نقرأ جداول الضرب.
لا بد أن نحترم حق العقل في أي يجنح للخيال، وحقه في أن يؤمن بما هو خارج تلك الجداول.
كلا الفكرتين جميلتان، وجمالهما يكمن في الطاقة الإيجابية التي يفرزها المعنى الكامن في كل منهما.
تستطيع أن ترى وجه هيفاء وهبي في القمر لو أردت أن تراه، وليس من حق أحد أن يكذبك، فالخرافة ليست كذبة، بل هي طريقة سلسلة للتعبير عن لغزية الحياة.
منذ أن علمتني جدتي أن أرى وجها بشريا في القمر وأنا أراه، ولكن تعددت الوجوه التي بت أراها، ولم تعد تقتصر على وجه واحد، وأبرز تلك الوجوه وجه ابنتي أنجيلا
……..
منذ أن علمتني جدتي فن التحديق وانا أحدق في كل مظهر من مظاهر الطبيعة وارى فيه جزءا من القوة السحرية التي تتجسد في كوننا العظيم…
لذلك، خرجت إلى الحياة أعشق القمر وأعشق التحديق فيه بحثا عن وجه أحبه، ولم أخرج ملكة يمين
……..
دُعيت مرّة إلى عرس ربما كان من أفخم الأعراس التي رأيتها في حياتي أو ربما سمعت عنها.
كان العرس لطبيب وطبيبة من أصول هندية هندوسية، واُقيم في منتجع في مدينة نيويورك.
المائدة كانت ساحرة، ولم تحوِ طبقا واحدا مصنوعا من منتجات حيوانية، حتى قالب الكيك كان كقلعة كبيرة وكان مصنوعا بلا بيض وبلا زبدة.
المهم، بعد أن انتهت مراسم العرس وزع المشرفون على العرس على كل ضيف موزة، وطلبوا منهم الخروج من إحدى بوابات القاعة إلى إحدى حدائق المنتجع، حيث كانت تجثم ثلاث بقرات على العشب الأخضر.
قام كل ضيف بناء على طلب المشرفين بالانحناء أثناء المرور أمام البقرات والقاء الموز لهن.
أستطيع أن أجزم أن الحفل ضم أشخاصا من كل طائفة ودين على سطح الأرض، ولم يرفض أحد منهمفكرة المرور من أمام البقرات والإنحناء
ليس هذا وحسب، بل لم أرَ شخصا واحدا يتصرف بطريقة غير لائقة، بل بكل احترام.
أين الخلل في ذلك؟؟؟
هم يرون أن عظمة الخالق تتجسد في البقرة،
والمسيحيون يؤمنون أنها تتجسد في المسيح
وستي أم علي تؤمن أن عليا يتجسد في القمر!
أين الخلل؟؟
كلها أفكار مسرفة في جمالها طالما لا تنتقص من أحد
ولا تُسيء إلى أحد.
كلها أفكار تفرز طاقة ايجابية، طاقة تساهم في رفد الدفق الكوني الذي يسيّر دفة الحياة.
ولكن؟؟؟
هل يمكن أن أقبل فكرة شريرة تفرز طاقة سلبية تعرقل انسيابية الدفق الكوني باتجاه مساره؟
……..
أقسم لكم بأعز ما أملك عاشت ستي حتى قاربت المائة، وماتت لا تعرف شيئا عن العلوية، ناهيك عن الإسلام،
إلا أن عليا متجسد في القمر
هل هناك دين على سطح الأرض أبرأ وأجمل
من دين ستي؟؟؟
حاولت مرة ولأسابيع أن اعلمها الفاتحة.
هي أمية ولا تجيد نطق اللغة الفصحى،
لو سمعتها أم ثكلى فقدت طفلها لتوها وهي تردد الفاتحة لأغمي عليها من كثرة الضحك
ماتت جدتي لا تعرف الفاتحة، وهذا سرّ قدسيتها في نظري.
يبدو أن روحها الطاهرة كانت ترفض أن تؤمن بوجود المغضوب عليهم والضالين، فالانسان يخسر قدسيته عندما يوصم شعبا بالمغضوب عليه والضالين، وكذلك عندما يوصمني بـ “بنصيريّتي”
ويوصم نصيريتي بالالحاد والشرمطة!!!
……..
كانت تعجن كل صباح وكنت ارافقها إلى الفرن كل يوم،
ومرة كل فترة كنت أرافقها مع عجينها إلى بيت ريفي يقع على مشارف مدينة بانياس حيث ولدت وترعرعت.
كان لصاحبة البيت تنور، وكانت ستي تحن إلى خبز التنور من حين لآخر
وبينما هي تغني موالها المحبب إلى قلبها “سكابا يادموع العين سكابا” وتلصق أرغفتها في بطن التنور، كنت أراقب لغة جسدها وأمتص طاقتها.
كانت تتوقف بين الحين والآخر عن زخ مواويلها لتقول لاحد المارة: (تفضل ياخي، خدلك رغيف خبز مشان الله)
وكنا نعود وفي حوزتنا نصف الأرغفة.
اشتعلت مرة غضبا وصحت بها:
لماذا تعطين نصف خبزنا للمارة؟
فشهقت وردت: (يا عين ستك الحياة رايحة، والانسان ما بياخد معو إلا الأرغفة التي أعطاها للناس)
……..
(لا تأخذ معك إلى قبرك إلا ماتعطيه)
ها أنا اليوم أعيش فلسفة ستي ام علي بحذافيرها، أعيشها بنفس الحرفية التي يطبّق بها داعشي تعليماته.
نعم، كلنا متطرفون، ولكن كل بطريقته…
لا يبقى في بيتي إلا نصف ما أعجنه، هذا إذا بقي النصف، وعندما أضع جداول التوزيع لا أرى فرقا بين إنسان وآخر، لأنني نسيت سورة الفاتحة!
ماتت جدتي ولم تصلّ يوما
لم تحج في حياتها، ولم تدخل معبدا
ولكنها أعطت في مرات كثيرة نصف خبزنا للمارة،
وهذا وحده كفيل أن يكون جواز سفرها إلى ملكوت الله،
……..
لم تمارس جدتي طقسا دينيا واحدا باستثناء اشعال البخور صباح كل جمعة،
لا لسبب سوى رغبتها في أن تملأ البيت رائحة طيّبة تنعش الروح.
سقطت تلك العادة من ذاكرتي عندما رحلت إلى أمريكا، لأكتشف لاحقا أن عادة اشعال البخور من أهم الطقوس الدينية لدى السكان الأصليين لأمريكا، الهنود الحمر، واكتشفت أن بالاسواق عشرات الأنواع التي تختلف باختلاف رائحتهأ، والتي لا يخلو بيتي منها يوما.
كانت جدتي تشعل بخورا، وكان هنديّ أمريكيّ يشعله ايضا في الطرف الآخر للكرة الأرضية.
لا أحد فيهما يعرف عن الآخر شيئا، لكنهما يمارسان نفس الطقس، ويطرح السؤال نفسه؟
ألسنا موصولين كونيا بشكل أو بآخر؟؟
ألسنا موصولين جميعا بنفس المركز الطاقوي الكوني؟؟
نعم، لقد كانت جدتي موصولة بصديقها الهندي الأحمر
وكانا يتبادلان لغة غير محكية،
ليس لدي شك!
……..
لكن هذا المسلم الذي يشتمني بـ “نصيريتي” ويقرنها بالإلحاد والشرمطة لابد أنه فقد تواصله مع ذلك المركز، وضل الطريق المقدس
……..
ضل الطريق المقدس
ذلك الطريق الذي تشير إليه صلاة يتلوها الهنود الحمر، صلاة مشهورة يطلقون عليها
Ojibway Prayer
دعوني اصليها لكم بعد أن عرّبتها:
(ياجدنا الأكبر
اشفق على انكساراتنا
فنحن وحدنا من بين جميع المخلوقات
ضللنا الطريق المقدس
ونعرف حقا أننا منقسمون
ليس هذا وحسب، بل علينا وحدنا كبشر
أن نعود إلى وحدتنا
كي نمشي في الطريق المقدس
يا جدنا الأكبر
ياوحدك المقدس
علمنا الحب والشفقة ومعنى الشرف
كي نلأم جراح الأرض
وجراح بعضنا البعض)
* المقصود بالجد الأكبر “الكون العظيم”
……..
ذاك السنّي الذي يشتمني بنصيريتي، كم هو اليوم بحاجة لأن يشعل بخوره كي يتوحد مع ذلك البعيد المختلف عنه،
وكم هو بحاجة أن يصلي تلك الصلاة كي يدرك معنى الحب والشفقة ومعنى الشرف، فيصبح قادرا على أن يلئم جرحه، ويلئم الجرح الذي فتحه في قلبي…


ورقات يتيم… الورقة 115

انقطاع شامل للكهرباء… جزيرة أمريكية، تغرق في الظلام لعدة أيام

الاحتلال يستحوذ على 30 بالمائة من غزة… ليحوّلها إلى “طوق أمني”

مقترح جادّ أم استفزاز؟… ترامب يعرض أموالا على المهاجرين الذين “يطردون أنفسهم بأنفسهم”!

تحديد القطاعات الواعدة وإنجاز المشاريع الخاصة في ندوة
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 5 ساعات
ورقات يتيم… الورقة 115
- صن نارقبل 6 ساعات
انقطاع شامل للكهرباء… جزيرة أمريكية، تغرق في الظلام لعدة أيام
- صن نارقبل 6 ساعات
الاحتلال يستحوذ على 30 بالمائة من غزة… ليحوّلها إلى “طوق أمني”
- صن نارقبل 6 ساعات
مقترح جادّ أم استفزاز؟… ترامب يعرض أموالا على المهاجرين الذين “يطردون أنفسهم بأنفسهم”!
- اقتصادياقبل 16 ساعة
تحديد القطاعات الواعدة وإنجاز المشاريع الخاصة في ندوة
- اقتصادياقبل يوم واحد
وزير التجارة… تونس تتجه نحو الاندماج في القارة الإفريقية
- صن نارقبل يوم واحد
أصوات من الكيان تطالب بوقف الحرب… ونتنياهو يتجاهل ذلك
- صن نارقبل يوم واحد
حالة قلق لدى الكيان… بعد شراء مصر صواريخ صينية بعيدة المدى