الرابعة آداب ـ سنّا ودراسة وسلوكا ـ اكتظّت بالاحداث ..ففي الدراسة عشنا لاول مرة التجربة الدراسية مع اساتذة مشرقيين . والذين اثّروا جدا في تكويننا السياسي ..هم مشرقيون .امّا تكوينا ..في سوريا ومصر والعراق ..او جنسية وهؤلاء كانوا فلسطينيين: نجيب سليم (انكليزية) عاكف الشهابي (كيمياء) مصطفى ابو شميس (علوم طبيعية وفيزياء) وسعيد الخضراء (رياضيات) رحم الله جلّهم ..
وككل الاساتذة انفرد كل واحد منهم بشخصية مختلفة تماما عن الاخر … فابو شميس كاريزما رهيبة … والشهابي هو الاستاذ البحبوح، والذي لم انس صيحته الغاضبة ونحن ندردش يوما عن الصحافة في الوطن العربي وهو يحذرنا منها قائلا: “اوعةتصدّق الصحافة يا ابني”… امّا سعيد الخضراء استاذ الرياضيات فكانت سنته معنا من نوع “فوتوني برك” اذ كنّا نشترط عليه مثلا في بداية كل حصة ان يكتب لنا حكمة اليوم ..وابحثوا معي عن العلاقة بين درس رياضيات وحكمة اليوم …؟؟؟؟
ربّما يتساءل البعض منكم عن وجود تلك المواد العلمية في شعبة آداب ..؟؟ شدّوا عندكم: .تلك المواد العلمية نجتازها في الباكالوريا كمواد اجبارية وضارب كل واحدة منها ° 2 ° … نعم …ثمّ شدّوا عندكم ثانية ..كل تلك المواد العلمية ندرسها بالعربية فيما كل مراجعها بالفرنسية …كنّا انذاك نتأفف من صعوبة الدراسة لاننا مطالبون بتكسير الدّماغ في مواد لا علاقة لنا باختصاصنا (آداب) ولكن فهمنا بعد سنوات ان التلميذ الذي يحصر اهتمامه باختصاصه فقط هو تلميذ محنّط تماما كجلّ طلبة الطب الذين خرّجهم من ميدان الطب هم افرغ من فؤاد ام موسى وعيسى وابراهيم ونوح …
فهمنا بعد تجربة العمر الطويل انه في مرحلة ما من العمر الدراسي، علينا ان نأخذ من كل شيء بطرف ..على حد تعبير الجاحظ .. وعلى ذكر الجاحظ كانت سنة الرابعة آداب سنة التحوّل المبارك …وما احوجنا في تونس الان الى تحوّل مبارك قولا وقعلا، بعد ان تحوّلت تونس الى عصابة مفسدين وسرّاق ..وقتها قد ننشد مع عمرو ابن كلثوم “اذا بلغ الفطام لنا صب، تخر له الجبابر ساجدينا” … نحن الان في وضع يسوسه فينا ومنذ 14 جانفي اناس لم يبلغوا حتى سن الفطام ..والانكى انهم يخرّون جميعا لاسيادهم شرقا او غربا ساجدين منفذين طائعين … الا سوّد الله ايّامهم بعد ان سوّدوا تاريخنا وحاضرنا. وخاصة مستقبل ابنائنا واحفادنا ..
برنامج الادب في تلك السنة كان محوره الاول الشعر الجاهلي بمعلّقاته وشعرائه ..ولأني وكما ذكر استاذي سي محسن كنت اقرب الى الرومانسية والخيال مني الى تلك النوعية من الادب (الصّلف) لم يشدّني كثيرا ذلك المحور ..ربما وجدت فقط في عنترة شاعر عبلة شيئا من وجداني، او في امرئ القيس وعمرو بن كلثوم شيئا من الافتخار وعزّة النفس، ولكن صدقا لم يستهوني انذاك لا تذمّر طرفة بن العبد من قبيلته التي افردته افراد البعير المعبّد، ولا الخنساء وبكائياتها على اخويها، ولا الحطيئة وعالمه الهجائي الذي ختمه بامه وابيه ونفسه (والنار كيف ما تلقاش اش تاكل تدور على روحها)…بل كانت مطالعاتي انذاك بعيدة تماما عن محاور الدراسة… أغرمت جدا بنجيب محفوظ ..بنزار قباني ..كنت التهم التهاما قصص نجيب محفوظ التهاما وابحث عن دواوين القباني …
كانت انذاك بداية مراهقتي الجسدية لذلك اجد في ما يكتبان ما يتناغم مع اجوائي كمراهق ..وجدّا … وكمراهق وجدّا تردّدت كثيرا في البحث عن كتاب يقال عنه هو مفتاح الحياة الجنسية لكل مبتدئ في محاولة الغوص في عالمها ..انّه الروض العاطر في نزهة الخاطر ..لست ادري وانا “شبر ونصف” طولا وعرضا، كيف اندلفت بين جموع الباحثين عن الكتب الصفراء القديمة وهي كتب شعوذة ودجل في جلّها، لأبحث بتخفّ وخجل عن هذا الصيد الثمين ..كان ذلك لدى بائع الكتب الصفراء امام الجامع الكبير في قلب المدينة العتيقة (انظروا المفارقة!) ووجدته ..ولكن كيف لي ان اطلب من بائعه ان يناولني ايّاه ..في غفلة منه وضعته في يدي بشكل يظهر منه فقط غلافه الخلفي والذي حافظ على عذريته من ايّة صورة او كلمة .. وغمغمت بصوت مرتعش: بقدّاش ها الكتاب ؟؟؟ نظر اليّ البائع ثم قال: هذاكة موش متاع صغار ..قدّاش عمرك؟ … قلت له “17 سنة” عسى ان تكون السنة المضافة الى عمري سرقة مني طبعا كافية لتسعفني وانال بغيتي ..اعاد البائع النظر الى “الشبر ونصف” وقال: نعرفك زدت في عمرك ..ايا هات دينار وخوذو ووجهك ما عادش نحب نشوفو ..
سلّمت واستلمت …وعينك ما ترى النور و يكسّر ساق اللي ما تجريش ..اشكون يعرف يتراجعشي البائع ؟؟_.وعدت فرحا مسرورا الى حافلات شركة النقل الرابضة بباب الجبلي، والتي تنتظر دورها لتدخل في الدورة اليومية من نشاط الشركة ..حافلات النقل هذه كانت بالنسبة لبعض تلاميذ الحيّ، المكان المفضّل لاستراحتنا بعد تناول الغداء بالمطعم الخيري ..حيث “دورو قلوب” 5مليمات… او دورو بلح .. وساعة من الزمن نقضيها هنالك ..
كان من بين الزملاء في الدراسة انذاك والذي اتقاسم معه المطعم الخيري وحافلة النقل لتلك الاستراحة، تلميذ معوز مثلي تماما ولكنّه من طينة خاصّة جدا … كان بسم الله ما شاء الله فلتة زمانه… فقط ساكتفي بالقول انه الاول في كل المواد العلمية والادبية ولاعب فذّ في كرة القدم ..وقليل الكلام ..واضيف انّه في تلك السنة (الرابعة ثانوي)كنا ونحن ننهال على قرطاس الڨليبات دون شفقة او رحمة… كان هذا الزميل يطالع كتابات باللغات الثلاث، عربية فرنسية وانكليزية …_ هذا الزميل واصل تميّزه في التعليم العالي (حقوق) واصبح لا فقط استاذا جامعيا في هذا الاختصاص بل تقلّد عديد المناصب العليا في عهد بن علي ..هذا الزميل الصديق الاخ تدخّل ذات يوم دون ان اطلب منه ذلك ودون ان يعلمني، لايقاف فخّ مرعب تجاهي في فترة من فترات عملي الاذاعي كانت تنصبه مجموعة من الايادي العابثة، سامح الله أصحابها وغفر لمن مات منهم… تفاصيلها في ورقات قادمة…
تدخّل وقال بالحرف الواحد: اللي يمسّ شعرة من عبدالكريم راني ما نسكتش … واوقف التيار …شكرا صادق شعبان (وهو يشغل خطة وزير انذاك) لا لأنك وقفت معي، بل لأنك اولا لم تنس وانت في برجك العاجي ايّام زمان .. ثم لأنك نصرت الحق والايام اثبتت اني على حقّ ومن نصب الفخ وقع فيه …ثم وهو الأهم لم تمنّ عليّ يوما بذلك التدخّل بل انا متيقّن انّك لست على علم بانّي أعلم ..الم اقل لكم انه متميّز …شكرا ايّها الكبير ودمت كبيرا رغم انف خصومك ….
اسرعت اذن الى حافلة النقل الرابضة في انتظاري وفتحت الكتاب بكل لهفة ..لم انتبه لا لكاتبه ولا الى اصله او فصله ..كان كل همّي ان “ادخل طول” في صميم الموضوع دون مقدمات دون مفتحات، وهل في مثل هذه الحالات نبحث عن مفتحات؟؟ ..مهبول اللي يلقى مريقة صفاقسية ويلوّج على سلاطة… مهبول ابن ابله …._هو كتاب به 21 بابا …(على فكرة هذه المعلومات اسوقها لكم بعد ان اعدت قراءته بنوستالجيا في سنوات متقدمة من عمري حيث اصبح ثمنه 3500 ملّيم وتعبت حتّى اجد نسخة منه، لاطالعه هذه المرّة كناقد … صدّقوني كناقد) …. هو للعالم العلّامة الشيخ سيدي محمد بن محمد النفزاوي …. {اتصوّروا عاد شيخ وعالم وعلاّمة وزيدها سيدي)..
يقول المؤلف في تقديمه للكتاب حرفيّا: (الحمد لله الذي جعل اللذة الكبرى للرجال في فروج النساء وجعلها للنساء في ايور الرجال واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة ادّخرها ليوم الانتقال واشهد ان سيّدنا ونبيّنا ومولانا محمدا عبده ورسوله سيّد الارسال صلّي الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما ادّخرها ليوم السؤال وعند ملاقاة الاهوال)… لست ادري صدقا ان كان يقصد يوم الاهوال في المطلق او يوم اهواله هو ؟؟؟… (وبعد فهذا كتاب جليل الّفته بعد كتابي الصّغير المسمّى بتنوير الوقاع في اسرار الجماع) ..ـ ظهر مختص هالنفزاوي هذا !… يواصل بعد هذا الفاصل الاشهاري من عند ولد قطاطة وذلك انه اطّلع عليه …شدّوا احرزمتكم توّة الضّرب ماشي يبدأ … برشة اشهار تقولو انتم ؟؟؟ طيّب اعتذر عن هذا الانقطاع الدّاخل في مساطتنا واعود ..
(وذلك انه اطّلع عليه وزير مولانا عبدالعزيز صاحب تونس المحروسة بالله وهو الوزير الاعظم كان شاعره ونديمه ومؤنسه اصله من زوارة ومنشأه بالجزائر ، ارتحل مع مولانا السلطان عبدالعزيز الحفصي وجعله وزيره الاعظم) …يعني انجمو نقولو عليه توة وزير المغرب العربي في شؤون النكاح … (لمّا وقع كتابي الاول بين يدي وزيره الاعظم دعاني اليه واكرمني غاية الاكرام ثم علّق على كتابي وهو بين يديه وانا كلّي خجل) … لا تخجل فان جميع ما قلته حق وهو والله ما نحتاج لمعرفته ولا يهزأ به الا جاهل احمق قليل الدراية ولكن بقيت لنا فيه مسائل ..اريدك ان تزيدنا فيه شروحا عدّة فتذكر لنا الادوية المتعلقة بكل ما يهم الرجل والمراة في تركيبة الاعضاء الجنسية وفي السبل المثلى للوصول الى المتعة وبتوسّع دون اختصار … فاصل واعود …
على فكرة لم انقل لكم حرفيا ما ذكره سي النفزاوي … ربما هنالك من لم يحترم التنويه الخاص والذي ذكرت فيه انه بداية من الورقة 21 ستكون الكتابة لمن سنهم تتجاوز الـ 18 واعني بهم من لا يستسيغون قراءة مثل هذه المواضيع حتى ولو هم في السبعين، او قل هم يعرفون ويستسيغون ثم يريدون ان يكونوا ابطالا في تعاليق لا عقل فيها …وانا اذكر بانّي اكتب لادوّن ما عشته وليس ما يحبّ الاخر ان يقرأه ..اجاب سي النفزاوي ليختم تقديم الكتاب، مخاطبا الوزير الاعظم: (كل ما ذكرته ليس بصعب ان شاء الله .. فشرعت عند ذلك في تاليفه مستعينا بالله ومصلّيا على سيّدنا محمد ومسلّما تسليما وسمّيته الروض العاطر في نزهة الخاطر ..متبوعا بـ “الايضاح في علم النكاح” )..
يومها في الحافلة لم احفل بكلّ هذا “ديراكت” …مشيت للرسمي ..يومها لم احضر الدروس المبرمجة للمساء رغم اني لم اغب ..تصوروا فقط شابا في طمبك المراهقة يقع بين يديه كتاب بورنوغرافي بأتم معاني ودرر الكلمة ..هو خال من الصور التي وجدت بعد في المجلات الاباحية ثم في الافلام نصف الاباحية ثم “عاد ماقال حد لحد” في جيل الانترنيت وعلى كل لون يا كريمة وعلى اشكون ترضى … لكن صاحبنا سي النفزاوي يمتلك مقدرة رهيبة في التعبير كتابيا عن كل مشهد جنسي وبتفاصيل التفاصيل ..انذاك كنا نحن جيل ذلك الزمن اواسط الستينات نلجأ الى الكتاب لنعبد قراءة بعض ابوابه بتخفّ كامل عن اعين الرقابة العائلية او المدرسية وذلك لنعدّ العدّة لعادتنا السرّية . ثم في مرحلة لاحقة قبل الالتحاق بالباب الشرقي ومتساكنيه … و”آهو جاي الشيء” …
ولعلّي اختم بطرح السؤال ..هل من حقّ الانسان عموما ان يطّلع على اسرار الحياة الجنسية حتى نتفادى عديد الاشكاليات في علاقة الزوج بزوجته، والتي ونظرا إلى انعدام الثقافة الجنسية كثيرا ما خلّفت مآسي بشتى انواعها معنوية وجسدية ..؟؟؟؟ حتما ساعود الى الموضوع باكثر نماذج معيشة في هذا الباب ..وبكثير من انين البعض وألمهم ومعاناتهم المضنية . والذين كثيرا ما ينفجرون بصرخة مدوية ضد واقعهم، فـ”يبعثوا العالم يشيّت” بينما يكتفي البعض بالترنّم والقلب باك مع ام كلثوم “للصبر حدود”. ويعودون الى مخادعهم ولا شيء معهم الا كلمات …