جور نار
ورقات يتيم …الورقة رقم 4
نشرت
قبل 10 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
قبل الدخول الى مرحلة التعليم الثانوي لابد ان اعود لمرحلة الطفولة لتدوين بعض لوحاتها المتبقية والتي كانت لها تأثيرات جلية على جل مراحل حياتي …
ذكرت لكم في ورقات سابقة كلمة (الحوش) والتي لابد من الوقوف على تفاصيلها وخاصياتها …اولا هي لا تعني المنزل عموما ـ بمفهوم الاخوة اللبيين ـ بل الحوش عندنا في صفاقس منزل في الغابة يحتوي على عدة غرف ومرحاض وبئر وماجل ووسط دار عادة ما يكون رمليا على عكس البرج الذي يعتبر مقارنة بالحوش ـ معماريا ورفاهة ـ اضخم وارقى …حوشنا كانت تقطن به عائلات 3 اخوة رحمهم الله …عمي الاكبر وله ولد وثلاث بنات …عمي الاوسط وهو لم ينجب اطفالا …وابي وهو الاصغر وله ولدان وثلاث بنات …اذن كان عدد متساكني الحوش 15 فردا …كل رب بيت كانت له بيته الخاصة ومتران امام بيته هي بمثابة شاطئ بحره صيفا …ثم بيت رابعة مشتركة للعموم متعددة المواهب فهي احيانا مطبخ واحيانا اخرى بيت استحمام، مرة واحدة في الاسبوع وعادة ما تكون كل يوم احد نهارا رهيبا …
كنا نحن الاطفال نكره الاستحمام …البيت ظلام حالك …والماء يقع تسخينه على قشور اللوز …. ودخانها يعمي الاعين… وام تنهال على “حريفها” بالكاسة الحرشاء تفرك له لحمه وبالنسبة لي عظامي ….وهي لا تفتأ تردد … تقولشي خدام متاع مرادم … ملا سحاق ….ولكنها تعود الى حنيتها عندما تصل الى الكعبين اللذين عادة ما يكونا مدمدمتين بالجراح الناتجة اما عن اللعب او عن “عقاب صندال” ادماهما بقفلته الحديدية التي علاها الصدأ …لذلك كان كل يوم احد مساء يوما مسعورا في بيت الاستحمام الا انها تتحول الى جنة بالبقلاوة (وهذه قل ما نعرفها في اعيادنا) ..تتحول الى مسبح في الصيف حيث نملأ الجفان ماء ونسبح فيها في غياب البحر وتفاديا للهيب الصيف …
هذه هي المهمة الرئيسية للبيت المشتركة علاوة على تخزين بعض المواعين الكبرى كجفان الصابون ونحائس الطبخ (جمع نحاسة) وشكاير اللوز الجاف التي كان اصحاب مالكي اللوز يجلبونها لنا لتكسيره واستخراج بذوره بسعر 100 مليم الواحدة، وهو مايقابل مليما واحدا عن كل غرام ….علما بان افضلنا لا يتمكن من تكسير اكثر منشكارة واحدة خلال يومين، وجهد بوه وامو وكل عرشو طالع …من كنوز الحوش ايضا يتوسد في ركن من اركانه وكيل خدمات من نوع آخر …ابدا ان يستغني الواحد منا عن تلك الخدمات … نعم انه هو المرحاض الجماعي … انه مرحاض يعظم طابوره كل صباح وترى امي او خالتي (زوجة عمي الاكبر) تسيرا ن حركة المرور بين الاطفال منا والصبايا وكثيرا ما يطلب منا قبل الدخول لـ “لاباندا” وهي الكلمة الايطالية الاصل التي كانوا يطلقونها على جورة المياه، كثيرا ما يطلب منا نوعية “التأشيرة” (“عملة” كبيرة والا عملة صغيرة) حتى يقع تبجيل اصحاب العملة الصغيرة (التبول) وتمكينهم من اولوية الدخول لقضاء حوائجهم …
اما عن تفاصيل الحالة المزرية لواقع النظافة فيه فارجوكم رأفة بي وخاصة بكم اعفوني من تفاصيل لا اظنها تغيب عنكم …تذكروا فقط ان عسكان الحوش ـ اي زائريه ـ صباحا مساء ويوم الاحد عددهم 15 .. لا تسالوني مالونه المرحاض حبيبي اخشى عليكم ضوعة الدروب … في نفس جغرافيا المرحاض وعلى بعد متر ونصف منه يجلس صامدا رابضا حضرة البئر …كنا في غنى عن السوناد وعن انقطاع الماء وعن فواتيرها الباهظة التي يخيل لنا احيانا بأننا نسقي يوميا سانية الباي … فوق جرارة البئر تقبع ثلاثة حبال مربوطة في آخرها بسطل، وويحه من يستعمل سطل الآخر …__يشوم نهارو …. في ركن آخر من الحوش يجلس القرفصاء الماجل …وكالعادة ثلاثة حبال مرتبطة بركوة، وهي وعاء اسطواني لملء الماء الحلو (نتاج المطر) والذي نستغني به ايضا عن الفريجيدير والغلاسيير، لانه مبرد خلقي صيفا ودافئ الحرارة شتاء …
وسط الحوش وهو رملي كما ذكرت تقتسم فيه العائلات الثلاث يوميا كنس الجزء القريب من مملكتها، وطبعا آلة الكنس عرجون من عراجين النخل، اضافة الى رشه صيفا بماء البئر لتبريده . اما امام الحوش فتنتشر المطائر (جمع مطيرة)وهي قطعة صغيرة من حديقة الحوش، وما حاجتنا انذاك بالحدائق ؟؟؟؟ حتى النوار انذاك (نوار عشية) كان يهجم على ضفاف مجاري ييت الاغتسال ليغتصب المكان دون اذننا ولكن دون رعايتنا ايضا، منو فيه زيتو يقليه … اعود للمطاير التي هي ايضا مقسمة بعدالة على العائلات الثلاث لتجد فيها كل الخضروات دون استثناء، اكتفاء ذاتي ولا علاقة لنا بسوق الخضر …
قبل ان ارحل بكم الى الجنان، وهي قطعة ارض نصيب كل واحد من متسكانيه زهاء مرجع، لابد من تفاصيل معمارية عن بيت كل عائلة في الحوش وعن محتوياتها وكيفية استغلالها …البيت لدى كل عائلة هي عالمها الخاص … في البيت فقط يستطيع سكانه ممارسة اكلهم دون رقيب والحديث (همسا طبعا) عن مشاريع العائلة وعن الخصومات التي حدثت وعن الهمز واللمز …البيت لا تزيد مساحتها عن مترين ونصف مربع هي في نفس الوقت بيت استقبال وبيت اكل وبيت جلوس وبيت نوم ….الاب وزوجته لهما بيت سرير او سدة (جزء من البيت عال نسبيا عن البيت الكبير ومسجى بـ “قطاعة” أي جزء من القماش يغطي مدخله … وتحته بالضبط دهليز يسمى “تحت السرير” … انه بيت المونة من زيت و كسكسي ومحمص وملثوث وغيره من المواد الغذائية ومن الفلافل ومن ماعون الطبخ والاكل ولبعض المترفهين نسبيا (الخروب والشريح )…
ومن الاشياء التي اتذكرها جيدا اننا بعد عيد الاضحى كان من جملة كنوز الدهليز، القديد، لحم الخروف المجفف والمملح …وذات يوم راودني ابن عمي على سرقة بعض العصبانات وجلبها لنستمتع بها معا بعيدا عن الاعين …واطعته في الامر ، ولكن … قللو تعرفشي تسرق قللو نعرف قللو تعرفشي تخبي .؟؟؟؟ هذي فيها وعليها …غافلت الوالدة وهي عادة وعلى حد تعبير درويش عين تنام لتصحو عين …وحملت عصبانتين في جيب سروالي …وتسللت ـ تحت حس مس ـ لاذهب بالغنيمة الى طابية من طوابي الجنان حيث الدماغ المفكر (ابن عمي) ينتظر شطارتي ونجاحي في الاختبار و كجل الادمغة المفكرة التي عادة ما “تبيع القرد وتضحك على اللي شاريه”، لم يدر بخلدي انذاك ان اسأله لماذا لا تأتي انت بـ “عصيبنة” من عصبانكم ؟؟؟… لماذا تشجعني على السرقة من خيراتنا وتتجاهل خيراتكم ؟؟؟ تماما كاولائك الانتحاريين البلهاء الذين يذهبون لتدمير البشر وتدمير انفسهم طمعا في الجنة وحورالعين … ولم يسألوا يوما الادمغة المكفرة والمفكرة سؤالا واحدا كم هو بسيط ومُجد ويتمثل في …لماذا لا تشتركون معنا او لاترسلون ابناءكم ليشتركوا معنا في العمليات الانتحارية …؟؟؟ الا تريدون الجنة وحور العين ؟؟؟؟…
براف … ابن عمي هذا التهم العصبانة التهاما وكان في نيته ان نعيد الكرة متى سنحت الفرصة ….وكما يفعل القط وهو يمسح شلغومه بعد اتيانه على ما كتب له يومها من مأكل …(قلت قطا ولم اقل اسدا لان المقارنة جسديا وحتى لقبيا هي اقرب للقط منها للاسد) …. اذن مسحت ما علق بفمي من آثار الدهان ـ زيت القديد المجمد ـ ووضعت يدي في جيبي حتى اتمكن من غسلهما في الحوش خوفا من ان تتفطن امي لرائحتهما ….وما ان ولجت باب الحوش حتى لمحت امي جغرافيا “جزيرة” … انها بقايا زيت القديد على صفحة جيبي الخارجية ….وعينك ما ترى إلا النووووووووووور …
قداش توحشتك يا عيادة حتى وانت مزمجرة ترعدين وتزبدين …انا يتيم …
من خصائص الحوش ايضا ان وسائل الانارة فيه بدائية للغاية …ڨازة للمترفهين …كربيلة للمعوزين وفي افضل الحانات فنار، ذلك الذي يستعمله اصحاب العربات المجرورة بالحمير او البغال …اما البيرميس (وهو فنار بورجوازي) فكنا نراه احيانا فقط عندما نذهب الى سيدي منصور صيفا لقضاء بعض الايام على شاطئه ….احكِ توة مع الستاغ وفواتيرها …. ومن يدري قد تكون احتفالات صفاقس كعاصمة للثقافة العربية نجد بعض شظايا ستاغها في الفواتير القادمة ….ومن اثاث البيت: المارو والطاقة والمرفع … وهي اما مبنية داخل حائط البيت (المارو والطاقة) وهذه الاخيرة مارو دون ابواب …. اما المرفع فهو معلق على الجدران وكل واحد منها له خاصياته في الاحتفاظ بادوات منزلية للاستعمال اليومي او لادوات دراسية من كتب وكراسات واقلام …
في بيت كل واحد من العائلات يستقل الاب والام بسدتهما صيفا وشتاء بينما ينام البقية (اناثا وذكورا) وسط البيت …في الصيف تكون العملية ابسط… فبعد سهرة في وسط الحوش للعائلات الثلاث ونحن نتصيد العقارب التي كانت تؤنسنا وتتعسنا بشكل يكاد يكون يوميا، ينتحي كل واحد منا ركنا من اركان البيت ـ دون غطاء ـ ولا تسالوا عن البق والقمل والنمل بانواعه والصراصير والناموس . مع زيارات خاطفة للعقارب … تصوروا كان لي اخ يدعى محمد الاعمى هكذا يقولون عنه لانه اصيب بالعمى منذ اشهره الاولى ومات بعد سنة من ولادته .. اخي هذا كانت والدتي تجد تحت وسادته كل صباح من اسبوع ولادته عقربا سوداء …وكانت هي وخالتي يقتلونها بعد البسملة ويقولون لنا عنها (هذه عقرب مرسولة)… من هو المرسل ولماذا اخي هو المرسل اليه ؟؟؟؟ كنا نبتلع الاجابة دون ان نستوعب شيئا ودون ان نلح على تفسير يشفي دهشتنا …
هذا صيفا … اما شتاء فنتدفأ جميعا بـطرف جماعي يسدل عليه مرڨوم ثقيل حتى نشعر بالدفء … كنا في اصطفافنا وفي تراصنا وتلاحمنا تماما كجثمان الاموات في “المورغ”….. نعم كنا امواتا اشبه باحياء …وتحتنا بساط لكل واحد منا …وهو عبارة عن كيس محشو ببقايا بقايا الملابس البالية … نحن نمتلك جلود الخرفان نعم ولكنها هي تنعم بالسبات العميق حتى يأتي دورها … جلود الخرفان هي للضيوف وخاصة في المناسبات العيدية … الاعياد كانت بحق اعيادا ..ياااااااااااااااااااااااااه كم كانت جميلة اعيادنا …. وكم احس بيتم عميق تجاهها صدقا احس بتعب شديد وانا استحضرها …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 20 ساعة
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 23 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يوم واحد
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يوم واحد
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يوم واحد
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يوم واحد
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يوم واحد
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل يوم واحد
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية