جور نار

ورقات يتيم… الورقة 101

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

بكلّ صدق وشفافية، السنتان من 1998 الى سنة 2000 وجدت فيهما كلّ المؤازرة من رئيسي المباشر المرحوم عبالقادر عقير… وبالتشاور معه ومع المدير الفرعي للبرامج حاولنا ان نعمل من اجل تطوير المنتوج الاذاعي بعيدا عن العاطفة… وهنا اعني بعيدا عن (هذا متاعي وهذا موش متاعي)… وكل من عاشرني في مسيرتي الاذاعية يعرف انه لا قلب لي في تقييم ايّ عمل…

من ذلك مثلا انني وفي اجتماع لوضع ملامح شبكة جديدة عبرت عن موقفي من احد البرامج الذي وحسب رؤيتي لم يعد مجديا، لانه كان بالاساس ترفيهي بحت ويعتمد فقط على خفة روح منشطيه الاثنين… وباتفاق مع الادارة وباستغراب البعض تقرّر عدم برمجته في الشبكة الجديدة… قلت باستغراب البعض لانّ هؤلاء ظنوا اني ساكون مدافعا شرسا عن تجديد العهدة له، خاصة انّ منشطيه هما من تلاميذي الذين كونته… وحتى المنشطان عندما علما بموقفي لم يكتفيا بالدهشة بل ظنّا انّي حاربتهما وحاربت نجاحهما… ولم يفهما انّي انطلق في تقييمي لايّ برنامج من خلال ما اومن به من جدواه او عدم جدواه… وذهب الامر باحدهما انه اصبح يكنّ لي عداوة استمرت لسنوات .. سامحه الله وغفر له…

من الاشياء التي تحتفظ بها ذاكرتي في تلك الفترة انتاج برنامج (الراي والراي الاخر)… نعم ارتاينا فيه ان يرسل الينا المستمع مراسلة او عبر الهاتف مباشرة مواقفه النقدية للبرامج مثمنين فيه نقده لا انتقاده من جهة، ومحثّين المنتجين على الاستماع واصلاح بعض الهنات… كنت انا المشرف علي هذا البرنامج ويشهد الله اني كنت نزيها وصادقا وشفافا مع المستمعين والمنتجين… وطبعا راى بعض المنشطين انّ النقد الموجّه اليهم من المستمعين هو تصفية حسابات… ومرة اخرى سامحهم الله على مثل هذه التهم ..خاصة اني كنت اضع رسائل المستمعين ونقدهم على ذمة اي منتج او منشط ليتثبت في الامر…

هنالك ايضا برنامج اخر حرصت على انتاجه وتقديمه وعلى امتداد اربع حلقات بمناسبة ذكرى عيد ميلاد اذاعة صفاقس سنة 1999 … وكان يحمل كعنوان (مكتبة الاذاعة)… برنامج توثيقي بحت لمسيرة اذاعة صفاقس منذ 1961 حتى سنة 1999 … وخصصت لكل حلقة عشرية من عمر اذاعة صفاقس… البرنامج تطلّب منّي البحث بكلّ دقة في تلك المسيرة من حيث الانتاج والمنتجين وكل من كان له مساهمة فعالة في مسيرة اذاعة صفاقس…. نعم بحثت في كلّ ماهو مسموع ومكتوب، وكذلك اتصلت بالعديد ممن عاصروا الاذاعة منذ انطلاقتها واستمعت اليهم محاولا البحث عن المصادر الموثوق بها… وهي عمليّة عسيرة جدا لسببين: اولهما انّ العديد منهم يقلّك (منّي تقرع) فينسبون لانفسهم اشياء غير صحيحة… والسبب الثاني انني عندما اسال عن زميل مّا قيل عنه انه انجز كذا او ساهم بكذا، لا اجد اجابة المتعاون معي… بل يكتفي بالقول ما نتذكّرش ..وانا واع جدا بانّه يعرف ويتذكّر ..لذلك اعتمدت في برنامج مكتبة الاذاعة على اما المسموع والمكتوب وإما على شهادة بعض النزهاء والصادقين وهم قلّة ..

سنة 2000 شهدت احداثا كثيرة سواء كانت شخصية او مهنية… في شهر ماي 2002 فّجعت عائلتي بموت شقيقي الاصغر والاخ الوحيد لديّ… الحبيب رحمه الله … قبل ثلاثة اشهر من موته شعر بسعال رهيب نقلناه على اثره الى مستشفى الحبيب بورقيبة… عاينه طبيب وهو من مستمعيّ… اجرى له صورا على صدره ..عندما ذهبت لاستطلع النتائج اخبرني صديقي الطبيب بانّ الصور اثبتت انه بخير وأضاف: تجربتي في هذا القسم (الامراض الصدرية) تجعلني اشكّ في صحة المعلومات التي ظهرت في الصور نظرا إلى تهرّم آلة التصوير وربما عدم مصداقيتها في ما تفرزه من صور… واقترح عليّ ان يتكفل بحمله الى مستشفى في سوسة لتجديد اخذ الصور هنالك… ويوم عودتهما من سوسة خاطبني صديقي الطبيب طالبا مني الحضور بمكتبه بالمستشفى ففعلت لتوّي…

بعد تبادل التحية فاجأني الطبيب بالقول: “خويا عبدالكريم كبّر قلبك راهو خوك الحبيب عندو سرطان رئوي وفي اخر مراحله (ميتاستاز)، الاعمار بيد الله ولكن طبيا لن يعيش اكثر من ثلاثة اشهر اخرى)… كانت الصدمة الاولى، خاصة اني لم اعلم ايّ طرف في العائلة بالخبر .. وفعلا بعد ثلاثة اشهر يوما بيوم في 29 ماي 2000 انتقل اخي لرحمة لله … وصدمة موته كان لها تاثير عليّ بشكل كبير ..لا اعني بذلك الموت في حد ذاتها فانا اعرف وبكل وعي انّ الموت هي الحقيقة الوحيدة التي لا جدال ولا خلاف فيها اوّلا… ثم انا كنت اكثر طرف مهيّإ نفسانيا للحدث لاني اعلم ما لا يعلمه الاخرون… الا انّ وجودي في العائلة حتّم عليّ ان اكتم مشاعري وان اقف مع الجميع، والدته والده اخوته زوجته، موقف المواسي الدائم والذي علاوة على وجعه عليه ان يتحمّل اوجاع الاخرين .. ولعلّ موت اخي رحمه الله هو من الدوافع الرئيسية التي جعلتني سنة 2003 اعيد النظر في علاقتي مع الله ومع الدين … وهذا ستجدونه في ورقة قادمة…

في حياتي المهنية بدات اشتمّ اشياء في علاقتي برئيسي… احسست انه لم يعد هو .. للامانة لم ادرك اسباب ذلك وقتها وكنت اعيد الأمر لاسباب شخصية قد تهمّ صحته وهو الذي ابتلاه الله بمرض السكري ..وقد تكون لاسباب عائلية… اي انني كنت احاول ان اجد له اعذارا وتبريرات… لكن بدأت هذه التبريرات تتلاشى شيئا فشيئا وبدات اكتشف خيوط اللعبة والتي لم تنته الا سنة 2004 بعد ان اقيل من منصبه وعوضه السيد رمضان العليمي آتيا من اذاعة تطاوين ..

تلك الحقبة في مسيرة اذاعة صفاقس وفي مسيرتي كرئيس مصلحة البرمجة شاهدت تقلبات عديدة ومتشعبة بيني وبين المرحوم عبالقادر عقير مدير اذاعة صفاقس… ونظرا إلى كثافة تلك الاحداث ورغم اني ساقتصر على الاهم فيها احتراما لروحه ولعائلته، فاني سارجئ الحديث فيها الى الورقة 102 ان شاء الله …

ـ يتبع ـ

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version