عبد الكريم قطاطة:
في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …
منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …
وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:
وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …
وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟
سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..
سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…
اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…
صفاقس في 20 نوفمبر 2001
ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…
ـ يتبع ـ