جور نار
ورقات يتيم … الورقة 41
نشرت
قبل 8 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
حياة الواحد منّا كم هي شبيهة بالجغرافيا… لتصبح بعدها .. تاريخا …كنت وانا تلميذ بقدر ما تغريني دروس التاريخ وتُنشيني …بقدر ما اتأفف من الجغرافيا في كل مراحل تعلّمي ..
كنت انزعج من الحقبة التي درسنا فيها سنة الباكالوريا، التكوين الجيولوجي للطبقات الارضية والمناخات بانواعها الى آخر المطاف مع القوى العظمى اقتصاديا وتلك الارقام المهولة التي ينهال بها علينا سي محمد الصالح الهرماسي ..هو استاذنا في التاريخ والجغرافيا ..ولأننا كنّا مهووسين به كأستاذ رائع الى حد الدهشة كنت أسائل نفسي ..اما كان من الاجدر ان يختصّ الهرماسي بالتاريخ ولا شيء غيره ..حتى لا نتأفّف منه وهو يتحوّل فجأة الى استاذ جغرافيا … ولم ندرك الاّ في سنّ متقدمة انّ الجغرافيا التي لم نحبّها هي اسقاط لحياة الانسان ولتاريخه …الم ندرس في محاورها كل ما يتعلّق بالزلازل والبراكين والرياح، الشلوق واللي موش شلوق ؟؟؟ الم ندرس السلاسل الجبلية من ظهريتها الى شعانبيها الى اوراسها ؟؟؟ الم ندرس البحار والمحيطات من ابيضها المتوسط الى احمرها الى ميتها ومتجمدها ..؟؟؟
دعوني معكم اسقط هذه المعلومات الجغرافية على حياتنا اليومية …كم من زلازل وبراكين نمر بها في حياتنا..؟؟ كم من رياح وعواصف تعصف بنا وقلّ وندر ان تكون “شلوق” ؟؟كم من جبال اردنا صعودها وتسلّقها..؟؟؟ وكم من جبال اخرى تسلّقها اخوة لنا ليرفعوا سلاحهم ضدّنا بدعوى صوت الربّ يناديهم للجهاد ..وهم لم يدركوا يوما ان الصوت هو صرير شياطين من وراء الستار ..والغريب ان اولئك الشياطين يُمنّونهم بالحور العين وجنّة الرضوان …فانساقوا كقطعان الحمير ولم يتساءلوا سؤالا بسيطا كان كفيلا بخروجهم من القطيع …والمتمثّل في ..اذا كان هؤلاء يُمنّوننا بالجنّة وحور العين لماذا لم يكونوا معنا في البرد والعراء والجوع والقذارة ..؟؟ اليس من المنطق ان يكون ارباب ذلك الفكر هم اوّل المهرولين الى الجنة حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت …؟؟ اليسوا جميعا هم من قال فيهم صوت الحق { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تّفْسِدُوا فِي الأَرضِ قالُوا إنّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ إلاّ أنّهُمُ المُفْسِدونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُون }…اما عن البحار ..اليس فينا من هو ميّت في الحياة فهو يحيا دون ان يحيا كالبحر الميّت، ومتجمّد .. لا يهزّه لا عزف ولا وتر… متبلّد ..متكلّس …خشبة ..كالبحر المتجمد ..ثم الم نستفق يوما على بحار وجب تغيير تسميتها كالبحر الابيض المتوسط الذي اصبح عندنا في مدينتي بحرا قولوا ما شئتم عنه .. رمادي ..بنفسجي … اصفر غامق …
امّا عن القوى العظمى وارقام اقتصادها فحدّث ولا حرج .. اين اقتصادنا … ؟؟…ماذا عن قفّة الزوّالي وهي تخرج فارغة الى السوق لتعود شبه فارغة ..؟؟.خاصة ان راس البصل اعزّه الله اصبح في بلدي اعزّ من رأس ابن آدم ثمنا …اما عن السيد الفلفل …هذاكة فصيّل اخر …يوما ما فهمت تلك الحقيقة او لأقل جزءا من تلك الحقيقة وكنت انذاك في رحلة مع زملائي في الاذاعة الى زغوان …صعدت فوق هضبة صُغيّرة وطلبت من احدهم ان يأخذ صورة لي ..كنت اضع نظارة سوداء وقُبّعة عصريّة فوق راسي والسيجارة في فمي (بمعنى آخر مراهق عاجبتو روحو وعامل فيها بطل لا يّشقّ له غبار… ولعلّ افضل عبارة تصحّ عليّ وتُلخّصني “فزعاك”)… ويوم خرجت الصّورة بعد تحميضها، وضعتها في البوم صوري وكتبت تحتها (لابد ان اصل يوما الى هيمالايا) …وهو ما رددته فيما بعد لكل الطلبة الذين درسوا عندي سواء في معهد الملتيميديا او بمدرسة الفنون الجميلة او مع المتربّصين عندي في راديو اللمة الصفاقسية …وعموما لمن احبّ ان يكون اروع واجمل وارقى … فلسفتي في ذلك ان يكون طموح الفرد في الحياة ع السقف …بل الى ابعد من حدود السماء وذلك شرعي للغاية … لو تعلّقت همة المرء بما وراء العرش لناله …
عندما بدات اشتغل في قسم المونتاج بالتلفزة التونسية وجدتني امامي عمالقة في هذا الاختصاص يفوقونني خبرة .وسنّا … ووجدتني ابن صفاقس الوحيد بينهم …صفاقسي …بما في العبارة من مدلولات متواصلة حتى يوم الناس هذا وبأكثر فظاعة وشراسة ..كنت ارى في اعينهم الحيطة التي تصل احيانا الى حد الجفاء ..كنت الاصغر فيهم …ودائما كأي اصغر كنت انتظر منهم الاحاطة… وكان نظريا من الصعب عليّ ان اتقبّل ذلك الجفاء خاصّة وانا الذي عشت طوال حياتي مدلّلا _… عائلة واصدقاء وصديقات حتى لا انسى …وزملاء في الدراسة ومدرّسين … فكيف لي ان اجدني مُفردا افراد البعير المعبّد تماما كطرفة ابن العبد في قبيلته ..؟؟ ..الا انّني كنت اردّد في داخلي (سيعرفونني يوما … وما نسيت ابدا ..لابد ان اصل يوما الى هيمالايا … يجب ان اثبت لهؤلاء الزملاء اني انا عبدالكريم الذي لا يعرفونه ..يجب ان اثبت لموسيو جوزيو الايطالي المشرف على التربص التطبيقي اني جدير بثقته …يجب ان اثبت لعيادة انو عبدالكريمها (وفي هذه لا ينازعها اي كان) اني راجل وسيد الرجال … ويجب ان اثبت لتلك التي خذلتني انها في الاخير خذلت نفسها… ويجب ان اثبت لذلك الذي منحني في الباكالوريا 6 من عشرين في امتحان العربية انّي اقدر ممّا فعل بي ..
انبريت في عملي بكل حيويّة … هم رأوا في البداية حيويّتي من زاوية (اوووه ..اش هالمصيبة …دبّوس خدمة)… الا اني كنت اثناء عملي لا اعبأ بما يفكّرون فيه بل واقوم ببعض الاجتهادات في المونتاج ..لم اكتف بالسائد بل كنت ابحث عن بصمة خاصة بي …في ذلك الزمن مثلا كانت المؤثرات الخاصّة التي تدخل على الصورة باهظة الثمن ..ثم إن مختبر التلفزة التونسية لم يكن مجهّزا تقنيا بما يسمح له بذلك … وحتى مختبر الساتباك كان بدائيا مقارنة بالمختبرت العالمية … ولأنني كنت مؤمنا بأن الصعود الى هيمالايا يتطلّب منّي مجهودات مضاعفة، فاني كنت اقوم بتجارب عديدة على شريط الصورة …هي بدائية ايضا ولكنّها جديدة …كنت مثلا ارسم بواسطة آلة نستعملها لوضع علامة تنسيق الصورة مع الصوت على ما يسمى “الامورس” وهو شريط ابيض يسبق شريط الصورة وشريط الصوت، حيث تثقب تلك الالة الشريط الابيض حتى تكون انطلاقة شريط الصورة والصوت في آن واحد ..واذا لم يحدث هذا ياتي الصوت احيانا قبل الصورة او العكس ..والاكيد ان جيل ذلك الزمن يتذكّر جيدا كم من فيلم وقع بثّه، الصورة في واد والصوت في واد … ذلك الثقب الذي تُخرجه الالة يكون باشكال مختلفة (نجمة …دائرة ..قلب ..الخ) ..
في احد اعمالي في المونتاج وكان ذلك في برنامج غنائي يخرجه جمال الدين بالرحال رحمه الله، استعملت صورة القلب مع ضربة موسيقية ذات نسق معيّن وثقبت بها شريط الصورة وتردد ذلك مع تناسق تام مع ضربات الة الايقاع في الاغنية …هو عمل بسيط للغاية اجتهادا ولكن وحتى تكونوا على دراية بدقّة وصعوبة العملية ..مونتاج دقيقة واحدة من الاغنية يتطلب على الاقل نصف يوم …(إينعم دبوس خدمة!).. كنت احيانا ادخل الى كابينة المونتاج الخاصة ولا انهض الا بعد 6 ساعات متتالية من العمل …طعامي انساه ..هذا الطعام الذي لم يكن يوما مهمّا في حياتي ابدا …انسى العالم كلّه وانا اشتغل ..وحتى اذا تركته فانا اتركه دون ان اتركه ….كنت عندما انهمك في عملي انغمس الى حد اللاوعي بمن حولي …وكنت في مرات قليلة اشعر بالرفاق (اعني الزملاء) حائرين يفكرون يتساءلون في جنون …عن هذا عبدالكريم من يكون ..؟؟؟
من جهتي هنالك امران ساعداني على المضي قُدما في طريقي ..اولهما تشجيع الاطراف الاخرى ادارة وزملاء في الاخراج، على مثابرتي … وثانيهما تصرّفي مع زملائي في قسم المونتاج …تصرّفات كانت بالنسبة لي عادية جدا …ولكنّها قلبت العلاقة 180 درجة ..مجرّد اني ادفع ثمن قهوة عن زميل منهم في مقهى الاذاعة، مجرّد اني اقدّم لزميل مبلغا يسيرا من المال عندما يكون في حاجة إليه ..خلع عنّي صورة الصفاقسي (المشحاح) …ثم وهذا كان مفصليا في قلب المعادلة ..كنت وما زلت ايجابيا جدا في تعاملي مع الانسان المهموم … لست انا اذا لم اذهب إليه والاطفه واستمع اليه واقف معه سندا معنويا وماديا ان كان ذلك باستطاعتي …كنت اذهب الى اي زميل احس بانقباض على وجهه …واكون انسانا فقط …
اليس الانسان هو من يحس باخيه الانسان في السرّاء والضرّاء ..ما ابشع الواحد منّا عندما يرى دمعة تتدحرج من عين ولا يمسحها ..ما ابشع الواحد منّا عندما يرى انّة تئن لانينها الاشجار والاحجار ويبقى متجمدا كذلك البحر المتجمّد … حتى ذلك البحر ينتفض على تجمّده صيفا خجلا من جموده …واقسم لكم بكل المقدّسات انّ ما كنت اقوم به لم يكن يوما طمعا ولا خوفا ..بل كنت اردّ على الاساءة بالاحسان ..ولأقول بصنيعي (لولا الحب ماكان في الدنيا ولا انسان)… وكان ومازال وسيقى الحب هو المنتصر في كل الحروب ..قد يخسر معركة ..معارك ..ولكنّه ابدا ان يخسر حربا …اكتوبر 1973 حدث ما لم يحدث ابدا في التلفزة التونسية ..في الصحافة المكتوبة التي تتابع الاعمال التلفزية كانت جل المقالات انطباعية في جملتها لان المختصين في النقد التلفزي كانوا يُعدّون على عدد الاصابع ..ثمّ كل اهتماماتهم كانت تنحصر حول الموضوع وبدرجة اقل الاخراج … وفجأة ظهر مقال صحفي حول برنامج كنت قمت بمونتاجه وثمّن صاحبه دور المونتاج في ذلك الشريط …المقال صدر بتاريخ 5 اكتوبر 73 بجريدة لابريس وبامضاء ابو الهادي …لم انتبه له الا بعد انا اهداني اياه مخرج الحصة …تلك كانت اولى ثمار مثابرتي..
ويومها احسست انّي اتسلّق الدرجة الاولى في مصعد هيمالايا …سُعدت ايّما سعادة …انتشيت ايّما انتشاء ولكنّي اكتفيت بابتسامة قلّ من يعرف سرّها …قلت الدرجة الاولى لأني لا فقط لم افقد ثبات رجليّ على الارض… بل لأن الهاجس بداخلي كان يناديني بكل عزم وحزم وتحذير: (موش هذا انت سيد الرجال اللي قالت عليه عيّادة) …وابتسامتي انذاك تعني: (حتّى تقلّي فاهمك وفاهمني)…وهو يردد: اوكي امض في طريقك …وساتركك دون ان اتركك ….وبدأت الاقلام الصحفية المختصة في النقد التلفزي تتابع اعمالي بشكل دائم وبالثناء على ميلاد مركّب افلام …_قابوس ..الحاجة ..بن رجب ..المنصف شرف الدين … وغيرهم… وبدأ المخرجون يتهافتون على عبدالكريم حتى اكون انا من يقوم بمونتاج اعمالهم …والعديد منهم كانوا يسلّمون لي الاشرطة ويذهبون في سبيل حالهم تاركين لي حرية التصرف كاملة في الشريط … ولعلّ من افضل ما اتذكّره في هذا الباب اصرار المخرج الكبير علي منصور على ان اكون انا من اصاحبه في مونتاج شريطه التلفزي (العقد) وهو من نوع الدراما ….
على منصور هذا كان مخرجا فنّانا يغار غيرة جنونية على اعماله ويشتغل فيها باتقان متناه ..وكان عصبيّ المزاج كسائر المخرجين المتتلمذين على المدرسة الامريكية …اتذكّر يوما انني كنت ابحث عن افضل عملية ربط بين مشهدين ..كنّا نشتغل ليلا ..وبقيت بالصورة وراء الصورة ابحث عن الصورة الملائمة والمُثلى التي يجب ان اجدها (علما بان الثانية الواحدة في شريط الصور تحتوي على 25 صورة)… وبقيت كذلك نصف ساعة ..وعندما قمت بالربط النهائي تقطّع الشريط …وهذا يعني انه عليّ ان اعود للقطات مماثلة من نفس المشهد واعيد العملية من جديد …كانت الساعة تشير الى الثانية صباحا… نظرت اليه وهو يًقطّع شعره من هول ما حدث وقلت له الحلّ بسيط …التفت اليّ وقال: “الّلي هو؟… قلت له: “بنبالوني من سيدي بوسعيد !” …نظر اليّ وقال: “راجل .. يلعن بو اللي يفسدّها” …وكان ذلك …واتممنا السهرة هناك ولم نعد الى العمل الا في الغد بعد الثانية ظهرا …العمل عندي مقدّس نعم …ولكن في مثل تلك الحالات يجب ان اخرج من جلبابه وادخل في جلابيب اخرى حتى اعود اليه باكثر طاقة وجمالا …
تندهشون من كلمة جمال …؟؟؟
وما هو العمل ان لم يكن فيه الانسان جميلا؟ ..ما الحياة ان لم يكن فيها الواحد منّا جميلا؟ .. والجمال عندي ليس بمفهوم الفترينات ..ولا بمفهوم اناقة الزرابي الحمراء في مهرجان كان ..الجمال عندي بمفهوم القلب والوجدان ..دون نسيان الفكر طبعا ….قد تقسو علينا الحياة ..قد تفسد راحتنا ..قد نفقد بريق الحب والامل في داخلنا … ولكن ادعوكم واياي الى التشبّث بالجمال في داخلنا …هو وحده من يقدر على هدهدتنا وقت الشدّة ولكل واحد منّا شدّته …اشدّ على اياديكم…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
محمد الأطرش:
تساؤلات كثيرة أصبحت على كل ألسن المتابعين للشأن السياسي العالمي بعد عودة ترامب في نسخة طغى عليها خطابه “الامبريالي” التوسعي… وتميزت بحجم من حضروا من عمالقة الطاقة والفِكر الرقمي والذكاء الاصطناعي وأحاطوا بالساكن الجديد للبيت الأبيض يوم تنصيبه… فهل انتقلنا مع عودة “المستر” ترامب إلى عالم أكثر عنفا من كل ما عشناه سابقا حيث تتنازع كل القوى الكبرى دون استثناء على الموارد والثروات، في ظل تغيّر المناخ إلى ما هو أسوأ وفي زمن تشهد فيه الديمقراطية انحسارا في مواقعها ومستوطناتها وضيقا في مساحة تواجدها؟
هل يمكن أن يسعد سكان غرينلاند بالأمن الذي يستمتعون به الآن وهم يستمعون إلى التصريحات العدوانية لترامب وهو يكشّر عن أطماعه؟ هل يمكن ان يتذوقوا طعم النوم وهم ينامون على مليارات الأطنان من الموارد والثروات الباطنية الثمينة والنادرة التي تسيل لعاب العم سام وحفيده ترامب…؟ وهل يمكن ان يبتسموا وهم يشعرون بأنهم محاصرون في إطار لعبة جديدة بين بلاد العم سام والصين وروسيا؟ هل يمكن أن يشعر سكان غرينلاند بالأمن وهم يعيشون تدهورا مناخيا كاملا أذاب الجليد الذي كان يحميهم من النهب الامبريالي ومن أطماع القوى الكبرى؟ هل يمكن أن يبتسم سكان غرينلاند وهم مهدّدون بفتح طرق نهب تجارية وامبريالية جديدة على أراضيهم بعد أن أذاب تغيّر المناخ الجليد الذي كان يأويهم ويحميهم، فهل سيأمنون شرّ هذه الطرق وشرّ من فتحها؟
هل عاد ترامب بهدف واحد (محاولة الاستيلاء على العالم) من جديد؟ وهل يمكن اعتبار ما سيعيشه العالم في قادم السنوات مقدّمة لتوسع امبريالي كبير سيدفن المنافسة الحرة إلى الابد؟ هل ستعود القرصنة البحرية إلى تاريخها “المجيد” وتتسلح البواخر التجارية بصواريخ مضادة للطائرات ومسيّرات لتحمي نفسها من قراصنة الدول الكبرى والصغرى، والقراصنة الذين يعملون بالمناولة لحساب الدول التي لا تقدر على مزاحمة القوى الكبرى في نهب خيرات الدول الصغرى وغير القادرة على حماية تجارتها من “الحيتان الكبيرة” للإمبريالية العائدة والجديدة؟
أمام كل هذا الذي يجري في العالم، وأمام صراخ ترامب وتهديده اليومي بما سيوجع كل الدول التي قد ترفض ما يراه ويريده في نسخته الجديدة، كيف سيكون حال بقية دول العالم؟ فهدف ترامب الواضح نسبيا هو إعادة مجد الماما وسطوتها التجارية والاقتصادية والأهمّ بالنسبة لحفيد “العمّ” إعادة القدرة الشرائية لسكان الماما، والسبيل الوحيدة والأيسر لتحقيق ذلك هي الاستحواذ على كل الثروات الممكنة والمتاحة وأهمها خفض سعر البنزين لأحفاد العم سام محليا، وبالتالي أسعار النفط عالميا… ولن يكون ذلك دون تحفيز الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة وإغراق السوق العالمي كما أعلن ذلك أمام كل العالم في خطابه يوم تنصيبه متوجها لشباب بلاد الماما “احفر يا صغيري، احفر” ” Drill, baby, drill ” علما وأن الماما هي أكبر منتج في العالم… ولن يتوانى ترامب في نسخته الامبريالية الجديدة في الضغط على الدول المنتجة للنفط لكي تتخلى عن حصصها في الإنتاج، وقد يذهب إلى حدّ التهديد والوعيد لتحقيق ذلك… ويراهن ترامب كثيرا في مخططه هذا على من هم بصفّه من دول الخليج… فدول الخليج تعيش رعبا (أضمرته سياسات الماما) من عودة الفرس إلى اطماعهم ولن يغامروا برفض كل ما تطلبه النسخة الجديدة من ترامب… فهو الوحيد الذي قد يساعدهم ويدعمهم في مواجهة أطماع حكام طهران في توسيع النفوذ الفارسي وإعادة المجد لكسرى الثاني ابن هرمز…
والسؤال الأخطر هو هل تملك أوروبا وبقية دول العالم بعض الأوراق الرابحة لتقف في مواجهة أطماع “المستر ترامب”؟ وهل لها القدرة على الخروج بأخف الاضرار وهي التي أصبحت اليوم بين مطرقة العمّ سام وما يريده وأطماعه التي أعلن عنها في خطاب تنصيبه وقبله غربا، وسندان شي جين بينغ ومن معه وفلاديمير بوتين ومن يسانده شرقا؟ فبوتين يملك الغاز والكثير من الثروات الباطنية ليساوم بها من يريد كما يريد، والصين تمتلك على أراضيها وفي من يجاورها من الدول التي تدعمها وتناصرها في حربها الاقتصادية والتجارية، كل المعادن والثروات الضرورية والإمكانات التقنية والعلمية والرقمية لتحافظ على مكانتها الاقتصادية…
ماذا يريد ترامب حقّا بما صرخ به طويلا وأمام أنظار كل العالم؟؟ فهل يسعى دونالد للانقلاب على النظام الدولي الحالي الذي شكلته الماما ومن معها إثر نهاية الحرب العالمية الثانية وهيمنت عليه منذ 1945؟ وهل قررت بعض الدول الضامنة لهذا النظام العالمي والراعية له في مجلس الأمن الدولي اسقاط النظام الدولي الذي تحميه وترعاه؟ وهل يمكن اعتبار ما تضمره الماما لبعض من كان معها ولبقية دول العالم انقلابا على ما كانت أسسته وهيمنت عليه منذ حوالي القرن؟
الغريب في كل ما يعيشه العالم في السنوات الأخيرة أن من يريدون الانقلاب على النظام العالمي الذي أسسوه ليسوا حلفاء ولا أحد يضمر خيرا للآخر، جميعهم يريدون السيطرة على هذا العالم بشكل أو بآخر… وجميعهم أعلنوا الحرب اقتصاديا وتجاريا على بعضهم البعض… فـ”شي جين بينغ” اليوم ليس ذلك الذي عرفناه سابقا، والصين ليست صين ماو التي عرفناها، وفلاديمير بوتين ليس فلاديمير الذي الفناه سابقا، وروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفياتي سابقا… وترامب في نسخته الجديدة مخالف تماما لنسخته القديمة… وجميعهم يريدون السيطرة على العالم، فالصين تريد غزو العالم تجاريا واقتصاديا وقد تستعمل كل أسلحتها التجارية والعلمية والتكنولوجية للتفوق على الجميع والاستحواذ على كل الأسواق الممكنة للسيطرة على العالم… وروسيا تريد أن تعيد مجد السوفيات سابقا من خلال استرجاع من كانوا يوالونها ومن كانوا تحت سيطرتها اقتصاديا وتجاريا وربما يصل الامر إلى الحلّ العسكري إن لزم الأمر… ففلاديمير مصاب بجنون من سبقه من زعماء الاتحاد السوفياتي، ألم يكن احد اعوانهم قبل أن يحطّم غورباتشوف جدار برلين بعد أن أغراه ريغن بمعسول الكلام؟ أما ترامب السعيد بعودته إلى البيت الأبيض فإنه يريد إعادة ما وقع سنة 1812 حين هاجم الأمريكيون البريطانيين في الشمال، محاولين طرد من ينعتونهم بالمستعمرين الأوروبيين من قارتهم فهم يعتبرون كل القارة لهم وباسمهم، كانوا يريدون ضمّ كند وتحويلها إلى ولاية من ولاياتها لكنهم فشلوا ونجحت كندا في أن تصبح دولة مستقلة إلى يومنا هذا… كما يريد دونالد المسكين الاستحواذ على قناة بنما للاستئثار بمداخيلها، وسال لعابه أيضا على ثروات غرينلاند مجاهرا بأنه يريدها ولا أحد سيمنعه منها…
هكذا تحوّل حماة ورعاة النظام الدولي إلى قراصنة يريدون اقتسام ثروات العالم وتمتيع شعوبهم بخيراتها دون غيرهم… هكذا عاد العالم إلى عقلية “قانون الأقوى”… ألم يقترح ترامب وكأنه الآمر الناهي، أقول ألم يقترح دون خجل من اقتراحه نقل أو تهجير مليوني فلسطيني من غزّة إلى دول عربية مجاورة… وقد ينجح في ذلك فلا غرابة أن يرفع بعض زعماء الدول العربية المجاورة اياديهم مرحبين مهللين راقصين مزغردين بمقترح مولاهم “دونالد”… فهل أصبح الربّان قرصانا في زمن ترامب وخلاّنه؟ وهل سيصرخ بعض العربان “جاكم القرصان يا ڤدعان”؟؟
عبد الكريم قطاطة:
ليس من عاداتي الخنوع والصمت امام ايّ ظلم او ظالم .. لذلك لم اكتف يومها بالتنديد امام مكتبي وبصوت عال وغضب شديد بذلك الاستجواب الذي طالبني فيه مديري بتفسير عدم امتثالي للتوقيت الاداري دخولا وخروجا للاذاعة… بل ولتوّه دخلت مكتبي لاردّ عليه كتابيا وبخطّ يدي وباسلوب لم اكتف فيه بالشراسة بل كنت وقحا للغاية…
نعم وتعمدت تلك الوقاحة لاثير غضبه وبكل استفزاز… واحتراما لروحه رحمه الله لن انشر تلك الكلمات الوقحة وهاكم ردّي عليه:
(الى السيد عبدالقادر عقير مدير اذاعة صفاقس، وصلني مكتوبكم حول مواظبتي في الحضور بمقرّ عملي في التوقيت الاداري … وانني حيث اشكر سعيكم لتنبيهي لمثل هذه المخالفات فانني اودّ ان اشير الى الآتي: اوّلا من المفروض ان يقع لفت نظري لهذا الامر منذ اواخر 1998 تاريخ تسميتي على رأس مصلحة البرمجة بعد ثلاث سنوات ونيف … ثانيا ارجو ان يشمل هذا الاجراء عديد المسؤولين والاعوان وخاصة عديد (تيلت) اللواتي يُسمح لهنّ لا فقط بالتاخير بل بالتغيّب والاذاعة بكلّها تعرف ..على حدّ تعبير ولد الجزيري بعد سنوات يرحم والديه … ثالثا ..ارجو ان يقع حذف الـ 254 دقيقة مجموع تاخيري في 5 ايام، من الـ432 ساعة التي حوصلت انتاج برنامج اذاعة بالالوان دون ايّ مقابل مادّي ودون عطلة اسبوعية على امتداد 5 سنوات منذ توليك ادارة اذاعة صفاقس … رابعا شكرا يا صديقي على هداياك التي ما انفكت تتهاطل عليّ في عيد ميلاد اذاعة صفاقس الاربعين)…
وطبيعي جدا ان يردّ الفعل امام مكتوبي الساخر والشرس فكان اوّل ردّ فعل ان ارسل لي استجوابا عبّر لي فيه عن غضب رئيس المؤسسة لمكتوبي الذي ارسلته له… وجاءت بعد ذلك الاحداث لتؤكّد عكس ما قاله .. ثمّ ارسل لي وبتاريخ 29 ديسمبر استجوابا كتابيا اخر يؤاخذني فيه على بث نفس الاغاني في يوم واحد… ومن المبكيات المضحكات انني انا من اصدرت مذكرة في هذا الغرض منذ توليت رئاسة المصلحة، وكلّفت بها الزميل المسؤول عن الدليل اليومي لبرامج الاذعة حتى يقوم بالتثبت وفعل ما يجب فعله… لكن وهذا ما اشعرت به مديري في ردي على استجوابه الكتابي الاخير …بالقول: (كيف اراقب دليل البرنامج وهو لم يعد يصلني؟ ..وكيف اراقب البرامج المسجلة والمسؤول عنها لم يعد يرسل اليّ تقريره الاسبوعي؟ ..وكيف اتابع تقارير قسم المتابعة وهي لم تعد تصلني ايضا؟ …
يعني ادفع فاتورة التلفون وانا ما عنديش تلفون ..اي نعم منذ 6 اشهر اصبحت رئيس مصلحة كذّابي …والاغرب انه يعرف ذلك ..واغرب الاغرب انه يردّ عليّ بالقول هذه امور تهمك وحدك ..لانك في الاخير انت المسؤول الاول عن المصلحة وعن كل الاخطاء التي تقع فيها ..اعيد القول دخلنا مرحلة (قاتلك قاتلك)… لكن ردّ الفعل الذي كان الاشرس والمفاجئ انه يقوم باعداد الشبكة الجديدة التي على الابواب دون حضوري او استشارتي كرئيس مصلحة اولا وكمنتج ثانيا .. وتصلني الشبكة الجديدة بكل عناوينها الجديدة وباسماء منشطين لا اعرف عنهم شيئا ولم يخضعوا لكاستينغ ولا لفترة تكوين… بل وفي مرحلة متقدمة نسبيا كلّف احد الزملاء بتكوينهم وهو الذي لم يكن يوما منشطا بل هو اصلا في حاجة الى تكوين وشامل ايضا …
راجعت الشبكة فاسترعي انتباهي تقليص برنامج اذاعة بالالوان من 3 ساعات الى ساعتين ..هكة معناها دون احترامي كمنتج ودون احترامي كرئيس مصلحة البرمجة …لم انتظر طويلا وحملت الشبكة الجديدة وتوجهت الى مكتبه ليس فقط للاستفسار بل للتعبير عن رفضي شكلا ومضمونا لمثل هذه الممارسات الرخيصة .. طلبت من سكريتيرته الاذن بالدخول اليه فاجابتني بالرفض ..نعم رفض مقابلتي … توجهت مباشرة الى زميلي زهير بن حمد المدير الفرعي للبرامج وقلت له بالحرف الواحد: بلّغ مديرك اني مانيش خضّار نبيع في البصل اليوم بـ500 فرنك وغدوة بـ 550 فرنك (نحكي على البصل متاع 2001 موش بصل 2024 اعزّ الله قدره) … واضفت: قول لمديرك اللي رفض يقابلني ما يقلقش معادش لا نمشيلو ولا نقابلو وانا منسحب من البرنامج …
كنت اعرف في قرارة نفسي انّ مديري كان ينتظر وبسعادة مثل موقفي هذا ..لذلك وجدته مستعدا للبديل الذي حضر في نفس اليوم وهو احد المنشطين الشبان انذاك (نزار الشعري) هاكة اللي ترشّح للانتخابات الرئاسية ..اي نعم وروسكم هاكة هو … وكلفه بتعويضي في برنامج جديد وبمحتويات جديدة …هنا لابدّ من القول انّ مثل هذا الاجراء هو منطقي للغاية ..اذ انّ الاذاعة لا تقف على عبدالكريم او غيره ..بل يجب سد ايّ فراغ … لكن ما اعيبه على مديري انّ الامر كان مدبّرا بليل ..ثم إن نزار ولاسباب أجهلها تماما لم يعمّر كثيرا كبديل لعبدالكريم… اذ انّي فوجئت بشاب اخر يعوّض نزار وهو قيس الحرقافي، احد الذين تتلمذوا على يديّ ..وهنا لم اعب عليه صنيعه ..كانت فرصة بالنسبة له واذا موش هو غيرو، ويدفع على تلك البقعة الهبوط كان لزم …بل وشجعته على المضي في تجربته ..
وانتهت علاقتي تماما باذاعة صفاقس كمنشط ولم اعد الى برنامج اذاعة بالالوان الا في 6 ماي 2011 اي بعد هول ما وقع في تونس في جانفي 2011 …وذاك الامر الجلل ساعود اليه في قادم الورقات… اعود لما ذكرته لكم حول موقف الرئيس المدير العام والذي قال عنه مديري انه غاضب من ردّي على استجوابه الكتابي حول التوقيت الاداري ..كنت ذكرت لكم انّ الاحداث اكّدت عكس ذلك تماما ..الرئيس المدير العام انذاك كان السيد عبد الرؤوف الباسطي ..وكان يكنّ لي كثيرا من الودّ والتقدير ..وعندما ساءت الاحوال عند توقفي عن تنشيط برنامج اذاعة بالالوان وغضب المستمعين من ادارة اذاعة صفاقس… كلّف الباسطي مدير القنوات الاذاعية انذاك السيد كمال عمران رحمه الله، بزيارة تفقدية لاذاعة صفاقس واستطلاع الاجواء خاصة والادارة العامة وفي كل الاذاعات مقبلة على ترسيم عديد العرضيين… وكلّفه خاصة بجلسة مصالحة بيني وبين مديري….
وحضر المرحوم كمال عمران وكانت الجلسة الاولى مع موظفي اذاعة صفاقس ومع العرضيين… وكانت الاجواء صاخبة وتناهى الى مسامعي انّ المدير قدّم قائمة تضمّ مجموعة من الاسماء المقترحة منه لترسيمهم… ولم تحتو هذه القائمة اسماء كل العرضيين الذين تربطهم علاقة جيّدة بعبدالكريم قطاطة… وجنّ جنوني وعند انتهاء الاجتماع الصاخب توجهت بالحديث مباشرة للسيد كمال عمران وبالقول انّ ما سيحدث في الترسيم يُعدّ جريمة وظلما تجاه اناس لا ذنب لهم سوى انهم يكنون الاحترام والتقدير لشخصي… بتسم السيد كمال عمران وقال لي وهل تظنني غافلا عن ذلك ؟ هات لي قائمة في الاسماء التي تعتبرها ضحية وأعدك باني سآخذ الامور بكلّ جدّية وعدل ..وللامانة وللتاريخ وفى بعهده ..
قبل ان اشكره واغادر جذبني اليه بعيدا عن الاسماع وقال لي: سي عبدالرؤوف مسلّم عليك ويحبني نعمل قعدة معاك انت وسي عبدالقادر للمصالحة .. قلت له شكرا لسي رؤوف وشكرا ليك انت اما باش نكون واضح معاك، انا كلّي استعداد لكن راني اللي نؤمن بيه نقولو ولو يتغشش مني سي عبدالقادر ..ابتسم وقال لي: قول وين المشكل وراهو سي عبدالرؤوف يحبك برشة وانا والله نحبك …كان ردّه رسالة طمأنة بالنسبة لي واتجهنا معا لمكتب السيد المدير لتلك الجلسة المشهودة ..
ـ يتبع ـ
جور نار
“اش جاب رجلي للمداين زحمة”…
نشرت
قبل 4 أيامفي
28 يناير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashمحمد الأطرش:
ما هذا الذي نعيشه نحن العرب من طنجة إلى بغداد مرورا بما بينهما؟؟ لماذا أصبحنا أمة شماتة وحقد وكراهية؟ لماذا تخلينا عن ثقافة الاعتذار… وعن التصالح والتسامح وعن أخلاق وثقافة الأخوة والجوار؟ لماذا نحن اليوم هكذا؟
ألتقي العديد من الأصدقاء في بعض مقاهي المدينة يوميا…واستمع إلى الكثير من القصص الغريبة عن ثقافة الحقد والشماتة ورفض الاعتذار… ومن أغرب القصص التي أسمعها حين يشمت بمصائبك أقرب الناس إليك، وحين يفرح بوجعك وما أنت فيه مَن كنت تعتقد أنه صديقك وأوفاهم عندك ولك… والموجع والخطير هو ما يعيشه كل العرب دون استثناء فكل العرب يسعدون بجراح كل العرب… ويرقصون على أوجاع كل العرب… ويشربون على نخب كل مآسي العرب… في بلادنا كما في أغلب بلاد العرب يموت بعضنا فترى أرهُطُا من الشامتين يتحدثون ويكتبون ويسعدون بما وقع لذلك البعض… وترى بعضهم يسعدون ويخرجون للاحتفال بمجرّد سجن بعضهم الآخر ممن يختلفون معهم… وينقسم إعلامنا إلى ثلاثة أقسام… من إعلام شامت وسعيد، إلى إعلام مستنكر رافض، وآخر خيّر الصمت وابتلاع لسانه خوفا من تبعات ما قد يعبّر عنه… ويظهره…
ومصيبتنا الأكبر هي اننا شعوب لا تعترف بثقافة الاعتذار وتسخر ممن يدعون إليها… فنحن نعيش هذه الحياة بتقلباتها وتشنجاتها ومطبّاتها وخلافاتها… وكثيرا ما نخطئ في حقّ بعضنا البعض ونصل حدّ التصادم لفظيا والعنف أحيانا… لكننا وعوض أن نراجع ذواتنا ونعتذر عمّا صدر منّا، نتعالى ونرفض الاعتذار ولا نكلّف أنفسنا عناء نطق كلمة آسف… أليس الاعتذار شيئا وجب فعله لكل من أخطأنا في حقّهم… ومن ظلمناهم وأسأنا إليهم؟؟
هل أصبحت ألسنتنا غير قادرة على نطق “سامحني”… “خوي بربي سامحني راني غالط معاك”…”أختي سامحني عيش أختي” …”خوي انت صادق سامحني غالط معاك”… هل نسينا هذه الكلمات؟ لماذا تصاب ألسنتنا بالشلل حين وجب نطق هذه الكلمات؟ لماذا أصبحنا غير قادرين ورافضين التلفظ بكل كلمة توحي بالاعتذار؟
علينا أن نعترف أن حياتنا جميعا ومنذ 14 جانفي انقلبت رأسا على عقب… فما حدث أكّد لنا جميعا أننا شعوب لا ولن تقبل بالاختلاف ولن تقبل بآخر يقول لها ما لا تريد سماعه… فنحن تربينا على مدى قرون على العصا… وضرب القفا… واجلده مائة جلدة… واضرب عنقه، ولم نتعوّد على أن نختلف ونناقش اختلافنا بهدوء وعقل ورصانة… فحياتنا تغيرتْ ومعها أيضا إنسانيتنا فبعضنا حافظ على انسانيته وبعضنا، وهم الأغلبية، فقدوها… أضاعوها… فالإنسان مهما كان وزنه وقيمته ومهما كانت درجة ادراكه وثقافته وعلمه، ليس ملاكا ولا معصوما من الخطأ… جميعنا نملك عقولا نتميّز بها ونميّز بها بين أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا وما نأتيه في حقّ الآخرين وخاصة من نختلف معهم وربما ننافسهم في مجال معيّن…
الحقيقة التي نعيشها ونخجل من الاعتراف بها، هي ان أغلبنا لا يمتلكون الشجاعة والقدرة على الاعتراف بالخطأ في حقّ من اخطؤوا في حقّه أو ظلموه أو حتى نكّلوا به إعلاميا… أو حتى بعض من لفقوا لها أمرا مُشينا انتقاما منه ومن اختلافه عنهم وربما لعدم اعترافه بهم او انتمائه لهم… أغلبنا لم يتعلم ولم يتعوّد سلوك الاعتذار وثقافة التسامح والتصالح… وأغلبنا لا يدركون حجم الألم والوجع والقهر الذي يتسببون فيه للآخر إلا يوم يتذوقون ما تذوقه الآخر من دمار نفسي ووجع بدني وما مرّ به من مأساة…
في تونس كما في أغلب البلاد العربية التي اصابتها لعنة الربيع العربي المزعوم (لو كان ربيعا لازدهرت بلادنا وبلاد العرب بالديمقراطية واحترام الآخر وراي الآخر والقبول بالاختلاف)… أقول، في تونس وفي كل بلاد العرب التي أوهموها بالربيع العربي يفرحون لفشلك ويصطادونه ويروجون له… كما يحزنون لتميزك ونجاحك وتفوقك… في تونس وفي اغلب بلاد العرب زماننا هذا، تتساقط على رأسك معاول التحطيم والتخريب والإحباط ومطبات العراقيل يوم يعلمون بهزيمتك وفشلك وخسارتك فيزيدون من وجعك ونكبتك ويضاعفون مصيبتك…
في تونس وفي كل بلاد العرب التي اصابتها لعنة الربيع العربي المشؤوم (لو كان ربيعا حقا لكنت سعيدا ولن أبالي) أقول في تونس وفي كل البلاد التي أصابتها لعنة الفتن والحقد والكراهية، يسعدون يوم يصيبك مكروه أو تصاب بأحد الألغام التي زرعوها في طريقك… فتراهم يسعدون ويطلقون العنان لخيالهم الخصب من التهم والأكاذيب والقصص الخيالية، فتصبح في نظر الجميع خائنا وفاسدا ومجرما وجب تعقبك والتخلّص منك حتى وإن اخترت الهرب إلى المرّيخ… فأنت في نظرهم فاسد… سارق… خائن… غير كفء… هكذا هم… وهكذا اليوم حالنا وحالهم…
تعالوا نبحث عن إنسانية فقدناها أو ضاعت منّا في زحمة ما وقع لنا وعلينا… تعالوا نستعد رصانتنا… ونبحث عن شتات عقلنا الذي أضعناه وسط موجة الأحقاد والكراهية التي زرعوها في جسدنا… تعالوا نعترف ببعضنا البعض… ماذا لو اعترف حاضرنا بتاريخنا… واعترف تاريخنا بحاضرنا… ماذا لو احتضن تاريخنا حاضرنا… ليكون مستقبل أبنائنا أجمل… وأفضل… لا حقدا ولا انقساما… واللهم اجعلنا من الذين يعتذرون إن أخطؤوا… ولا تجعلنا من اللئام… وكما يقول صديقي الجليدي العويني بصوت صديقي عدنان … “اش جاب رجلي للمداين زحمة … واش جاب قلبي لناس ما يحبوه”… والسلام…
حفل استقبال تحت شعار “زيت الزيتون التونسي، كنز وطني نتشاركه مع العالم”
“جاكم القرصان يا ڤدعان”!
إتفاقية تكوين وتشغيل بين تونس وفرنسا
الاحتلال يمنع وكالة “أونروا” من النشاط في القدس المحتلة
مع تقلص التهديدات الحوثية للبحر الأحمر… رجوع تدريجي للملاحة عبر قناة السويس
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل 6 ساعات
حفل استقبال تحت شعار “زيت الزيتون التونسي، كنز وطني نتشاركه مع العالم”
- جور نارقبل 6 ساعات
“جاكم القرصان يا ڤدعان”!
- اجتماعياقبل 7 ساعات
إتفاقية تكوين وتشغيل بين تونس وفرنسا
- صن نارقبل يوم واحد
الاحتلال يمنع وكالة “أونروا” من النشاط في القدس المحتلة
- اقتصادياقبل يوم واحد
مع تقلص التهديدات الحوثية للبحر الأحمر… رجوع تدريجي للملاحة عبر قناة السويس
- صن نارقبل يوم واحد
ترامب يُمضي أمرا بطرد الطلبة المناصرين للقضية الفلسطينية
- صن نارقبل يوم واحد
السويد… مقتل شخص أحرق المصحف وعلمَيْ العراق وفلسطين
- صن نارقبل يوم واحد
اصطدام مروحية عسكرية بطائرة ركّاب فوق واشنطن