عبد الكريم قطاطة:
حطّت طائرة العودة بمطار تونس قرطاج …كان امامي وقتها خياران اثنان اوّلهما ان ابقى بالعاصمة يوما وليلة مع شلّة نهج كندا …وثانيهما ان اغادر توّا الى صفاقس …
للامانة اشتقت الى اصدقاء شلّة نهج كندا …تقاسمنا ونحن نقطن نفس الشقة اجمل ايامي في تونس العاصمة … السكنى عادة مع اكثر من ثنائي يكون فيها احدهم الذي لم يسعفه القدر … “الحاطوطية” بمفهوم لعبة الخذروف .. اي ذلك الخذروف اللّي ياكل على راسو من التهرتيك … هذه اللفظة في لعبة الخذروف تعني وضع خذروف احدهم في قلب دائرة اللعبة والجميع يهوون عليه نقرا وخبطا …فيخرج من الدائرة “مدمدم” وحديثنا قياس ..مسكين اللي يطيح بين ايدينا ..ياكل ما كلا الطبل ليلة العرس … يصبح كاراكوز الشقة … وللامانة كنّا على قدر كبير من البلادة والمساطة ..خاصّة انا ورضا صديق عمري .. والجميل اننا رغم اننا كنّا نشيّطو على اللّي نتراكاوه، فاننا كنّا نحظى دوما بعلاقات في منتهى الجمال والصفاء مع كل شركائنا في ايّ مسكن تقاسمناه..
اذكر واقعة هامّة حدثت مع صديق من افضل الناس … صديقنا هذا تعلّق بامرأة متزوجة وبشكل مجنون …لم يعرف في الدنيا سواها لا جسدا ولا روحا ..هو ليس فقط “ممحون بخزرة عينيها” بل مهبول حتّى بقيعان ساقيها … كنّا في البداية نحترم جدا هذا الاخلاص والحب الجارف الذي يعيشه صديقنا ومن اجل ذلك كنّا كل عشيّة سبت نُخلي له الشقة ونتركه مع حبيبته ومع ام كلثوم ..هو يعشق اغنية انا في انتظارك ويُعدّ كاسيتها لتكون الاغنية المرافقة لهما اسبوعيا ..وهنا في هذا الباب لابدّ من الاشارة الى التنسيق الكامل الذي كان يسود متساكني الشقّة في كونديكتار الاسبوع .. فاذا كان خطّ التحرير يسمح ببرامج جماعية من نوع كلّ واحد وليلاه (واحيانا واعلجيّتاه، لا اشكال) ..اما اذا كانت البرامج ثنائية اي كوبل فآنذاك لن يُسمح لأيّ كان بالتواجد في الشقّة… وعلى ذكر كلمة “كوبل” كثيرا ما تُستعمل هذه اللفظة في غير محلّها عند شبابنا المثقّف بلغة العصر ..تدخل على حسابه او حسابها فاذا بك تقرأ في المعلومات الشخصية عبارة (اون كوبل) وماشي في بالهم انهم في صداقة مع طرف اخر ..يا شباب العّلى… العبارة تعني اثنين يعيشان معا كزوجين دون وثيقة رسمية، دون عقد قران … او تلك النوعية التي تريد ان تعبّر عن قلقها من وضع البلاد فتقول: J’ai le mal du pays … يا شباب الدمّار والميزيريا ..تلك العبارة تُطلق فقط على من يعيش غربة الوطن ويشعر بالحنين الجارف له …..عالم صايع قوي …
صديقنا هذا تورّط بشكل مدمن في علاقته بتلك المرأة ..لا يرى الدنيا الا من خلال عينيها ..لا جمال عنده يساوي فلسا امام جمالها امام سفساريها ..وبدأت انا ورضا نتساءل: اش عجبو فيها ..؟؟ كانت جد متواضعة الجمال .. ولكن عدنا الى قاعدة “خوذو عيني شوفو بيها”… كانت تكبره ب15 سنة … ولكن متى كانت المشاعر تُقاس بالسنوات وفارق العمر ..؟؟… الا انّ ما شغل بالنا وقتها سؤال مُلحّ: (وبعد ..؟؟؟) هو ينتمي الى عائلة يصفها البعض بـ”كبيرة” وهي على خطوات من الخمسين عمرا ولها 5 اطفال … اذن وبعد؟؟؟ العمر يتقدّم بصديقنا إذ تجاوز الثلاثين …الى اين ؟؟ قررنا انا ورضا ان نتطارح معه الموضوع علّنا نجد اجابة عن (وبعد) وكان طرحنا هادئا رصينا وبكل حبّ لهذا الصديق العزيز …كان طرح الموضوع مفاجئا جدّا له بل قابله بقلق يصل الى حد الانزعاج ..لم يجرؤ على القول (اش يهمّكم) ولكن نظرة عينيه الى الاسفل قالتها ..لم يجب عن سؤالنا … اعدنا طرح السؤال بشكل مغاير: يخخي تفكّر في انّك ترتبط بيها ..؟؟ سؤالنا حمل نوعين من المشاعر اوّلهما قناعتنا انذاك ولحد يوم الناس هذا بأن الحب من اسمى ما خُلق في الحياة ..لذلك احترمنا ذلك الحب ..وثانيهما ماهي الحلول الاخرى التي يفكّر فيها؟ …
صديقنا لم يكن معنا ..بل لم نستطع حتى فهم اين ذهب … نظراته شاردة لا بريق فيها ولا حياة …مسكته من كتفه وقلت: يا سيّد رحنا نكلمو فيك انطق .. أخذ يدي بلطفه المعهود وسحبها من على كتفه وقال كلمة واحدة: ما نعرفش ..قام بعدها الى حجرته كالجندي المهزوم …كورقة توت تهاوت من شجرتها ..كان يجرّ رجليه بل هما اللتان كانتا تجرّانه .. كان الموجوع والمُحبّ والتائه والمكلوم .. عشنا تلك اللحظة نحن كذلك بكثير من الوجع والالم والتّيه … تبادلنا نظرة وقلت لرضا صديقي: “يمّة على خونا فلان …يجب ان نفعل شيئا ما” …عزمنا على الخروج لنتدبّر الامر بكلّ جدّية ..صديقنا في حاجة الينا وحان الامر للتدخّل ..مررنا على غرفته ونحن نعتزم الخروج فاذا به في فرشو مغطّي من راسو لساسو… ذلك المشهد زاد فينا اصرارا على التشبث بـ(زايد يلزمنا ننقذوه) ….في مثل هذه الامور كنت غالبا العقل المدبّر … في الايجابي وفي المقالب ايضا …انتحينا مكانا في مقهى شعبي بلافايات وبدانا تدارس الحالة …كنت ابحث عن حل جذري لمشكلة صديقي المسكين … ولم يطل انتظار رضا …بادرته بالقول: “تلك المرأة يجب ان تخرج من حياة صاحبنا ..هو لا يفكّر في الارتباط بها ..اذن يجب ان تخرج من حياته” ..لكزني رضا ببعض الشتائم ثم اضاف: “جبت الصيد من وذنو توّة، هذا نعرفوه اش جبت جديد ؟؟؟” … نظرت اليه بسخرية ورددتها عليه واستطعت قائلا: “اسكت واسمعني يا بهيم” … “ايّا هات اش عندك يا سي البغل” … هكذا ردّها عليّ …
اخذت نفسا عميقا من سيجارتي المنته رافقتها كعادتي كعبة الحلوى الفليّو انذاك والتي تحوّلت الى حلوى ابلا الان … وبدات اسرد حيثيات السيناريو: “اسمعني مليح …يوم السبت المقبل وعند مغادرة تلك السيدة الشقة سنتبعها لنكتشف محلّ سكناها ثم نعود ..في السبت الذي يليه ستجدنا امام منزلها وسنهدّدها بكشف سرّها لزوجها ان هي واصلت علاقتها مع صديقنا …وبعدها نرى ردّة فعلها امام تهديدنا وعلى ضوء ذلك نتصرّف” … واضفت: “فهمت يا سي الجحش؟”… طأطأ رضا راسه وقال: “يخلي دار امّك كيفاش لقيتها، فكرة جهنّمية !” …وكان ذلك …كان … نعم كان …لأني عندما اقرّر شيئا ما او اعد بشيء ما، اقول دوما ..سيكون …
بعد اسبوعين وبعد اكتشاف عنوانها وجدتنا قرب منزلها ..رحّبت بنا بكل سرور مندهشة من وجودنا .قالت: كيف السبّة انتوما هنا …راكم في حومتي ..؟؟”… لم نردّ على سؤالها ..كنّا متاهّبين لمعركة ..والمعارك عادة لا تحتاج الى مقدّمات او اطباق لفتح الشهيّة ..لم نكن يومها في حاجة الى سلايط لخوض المعركة ..كان الحوار مُلخّصا في قراءة نصّ حكم … الحكم مشاعريّا كم هو قاس، ولكن في المعارك، الرحمة لا … امّا ان تقتل او تُقتل … قلت لها باسلوب لا مجال فيه للحوار او النقاش …هو للتنفيذ فقط: “اسمع يا بنت الناس فلان يلزمو يخرج من حياتك …عشتو مع بعضكم سنوات جميلة نعم ولكن صار الوقت اللي كل واحد يشدّ طريقو …كان تحبّو بالحق خليه يبعد عليك وتبعد عليه… يلزمو ياخو ويكوّن اسرة …ترضالو في العمر هذا يقعد هكك؟ ..ما تعرفش انو الارتباط بيك حاجة مستحيلة؟ تنجم انتي تسلّم في صغارك الخمسة ؟؟.. كان تنجّم قللّي اذن هو اليوم هو غدوة ..وكان عندك حلّ اخر قللّي” …
لم تردّ بحرف واحد .. لم اترك لها المجال كي تأخذ جرعة اوكسيجين … واصلت الانقضاض… قلت لها: “كلامي معقول والاّ لا ؟؟؟”…لم تردّ ..”كان انا ظالمك قللّي” ..واصلت صمتها ..وقتها كان احساسي بأني نجحت في الاجهاز عليها وربحت المعركة ..وضعت يدي على كتفها وقلت: “شوف يا للاّ اذا مازلت تجي لفلان والاّ تحاول تتّصل بيه راهو المرة الجاية ما نجيشكش انا … راني نكلف حد باش يقول لراجلك وين تمشي كل عشيّة سبت… ما نحبلكش المضرّة لا ليك ولا ليه اما ما تلزّنيش … افهم كلامي بالڨدا وراني مانيش نفدلك ..تصبح على خير” … صدقا داخلي كان يقول: مااخيبك يا عبدالكريم علاش عملت هكّة …؟؟ … انت الذي تقدّس الحبّ والمحبين ..كيف لك ان تقتل عصفورين متحابّين .؟؟… ماذا فعلت بناسك متعبد في هيكل الحب ..؟؟؟ كم انت بشع وانت ترى امرأة تبكي بحرقة دون ان تذرف دمعة واحدة …؟؟؟ ما ابشع ان يبكي الواحد منّا دون ان يذرف دمعة واحدة ..وما اروع شهيّة البكاء عندما نفتح لها مصاريع ابوابها …هل جربّتم تسونامي البكاء وهو ينهمر كشلالات نياغارا ..صدقا كم اعشق ذاتي وانا على قبر عيادة في جلّ زياراتي لها متشوّقا باكيا الى حد الثُّمالة ….ياااااااااااااااااااااااااااااااااه “بجنّن” وانا كطفل صغير يبكي على صدر امّه حتّى وهي في قبرها …
كانت تلك مشاعري كانسان وانا اودّع تلك المرأة … ولكن صوت عقلي كان يقول: حسنا فعلت ..لانه لا اجابة عن (الى اين؟) …ربّما كنت اواسي نفسي بالقول: “انا اعطيتها فرصتها لحلول اخرى”… ولكنّها عبّرت بصمتها عن عدميّة حلول اخرى ..اما بالنسبة لصديقنا فكان الامر مختلفا … نجحت خطتنا في ابعادها عن دائرته واعرف انه سيتدمّر عندما يعرف الحقيقة… ولكن ابدا ان يكون الدّمار خاليا من امل في اعادة البناء … كنّا ننتظر بكثير من الخوف والريبة يوم السبت …وكعادته استعد لاستقبال حبيبته بنفس الديكور… ديكور حبّه وهيامه وديكور ام كلثوم وانااااااااااااااااااااااااااا في انتظارك ..كنت انظر اليه انا ورضا وكان كلانا يستمع الى الست ويردّد: ونحن في انتظار من صنف آخر ..؟؟ هل سيغضب منّا صديقنا لو علم بسيناريو المؤامرة ..؟؟ من منهما سيكون الضحية في تيتانيك ..؟؟ روز في ذلك الفيلم الرهيب نجت لأن جاك ضحّى بحياته من اجل ان تعيش روز ..فهل تضحّي فلانة من اجل ان يعيش صديقنا ..؟؟
لم نستطع صدقا يومها ان نواكب انتظاره ….قلقه … .هواجسه …ابتعدنا قليلا عن شقتنا بنهج كندا ولكن في موقع يضمن لنا مراقبة زوار العمارة… كنّا كعونين سريين نراقب وصول ارهابي لمسرح التفجير …يااااااااااااااااااااااااااااه لم تات الخليلة …ومع ميلان اشعة شمس العشية لمبارحة السماء، هاهو صديقنا يخرج من باب العمارة … اسرعنا الاختفاء حتّى لا يرانا ..وحتّى لا نراه ايضا ..كنّا مبتهجين بانتصار الخطّة نعم ولكن كنّا نعيش كمّا مهولا من الشفقة على صديقنا …يومها كنا نعرف انه سيهاتفها آلاف المرّات… ولكن لم نكن ندري هل استجابت لهاتفه او ردّ عليه ذلك الصوت الناعم عادة والمدمّر احيانا الى حد القرف والذي يصفعك وصاحبته تقول (لا يمكن الاستجابة لطلبكم ..الرقم المطلوب ليس في وضع اشتغال في الوقت الحاضر، الرجاء اعادة الطلب في وقت لاحق)… وهات من هاكة اللاوي متاعهم ..اوريدو على اورونج على تليكوم “معشر سُرّاق”… الم يكن كافيا ان ياتيك ذلك الصوت باوجز العبارات من فصيلة (مخاطبكم مشغول)؟؟؟ لازم هاكة الكتاب تقراوه علينا باش تربحوا فينا …؟؟ الله لا تربّحكم على بعضكم يا سُرّاق يا قُطعية … في بلاد اتّملات بالسرّاق والقطعيّة …وزيد عاد هاكة البونيس يتصبّ توّة يوفى توّة … تحبّوني نعاودها ..؟؟؟ برّاو الله لا تربّحكم (ونزيدهم بونيس من عندي) لادنيا ولا اخرة …
يومها وعندما عاد صديقنا الى الشقة كان الانكسار بعينه … كان وكأنه ما كان …سالته دون ان انظر اليه خوفا من اكتشاف امري: “اشبيك موش قد بعضك؟” …صمت ثم اجاب بصوت غير مسموع بالمرّة: “فلانة لم تات وهاتفها لا يردّ” ..سمعته حتى وهو يحكي بصوت غير مسموع …اجبت وانا ادير له ظهري: “ربّما ظروفها ما سمحتلهاش” ..رد باقتضاب: “عمرها ما عملتها” …حاولتُ تمييع القضية على منبر الامم المتحدة وانا انظر إليه بكل براءة الذئب الخبيث وقلت: “عاد اشبيه الليلة انزل على الكسكسي من غير لحم” …لم يعبأ بفذلكتي البايخة وحمل نفسه الى غرفته، لينام دون ان ينام ودون حتّى كسكسي …
وتكرّر الامر في السبت الموالي ..وتكررت مشاهد الانكسار والوجيعة والالم عند صديقنا وتاكّد انتصارنا في الفصل الاوّل من المعركة …والان كيف يمكن لنا ان نُنهي القضيّة مع صديقنا ..؟؟ رضا ارتأى ان نترك الأمور للايام مختصرا في (يكبر وينسى)… الاّ انّي لم اتعود في تعاملي مع اصدقائي على الخديعة والصمت عليها …فبقدر ايماني بوجوب ما قررت ان يكون، بقدر رفضي المطلق ان اُخفي عن صديقي كل ما حدث حتى لو خسرته ..ربّما ايضا هي قناعتي الدائمة بأن طيّ الملفّات دون مكاشفة حقيقية من ارذل المخادعات… ثمّ أيضا غروري النرجسي الذي يقول ستنتصر ما دمت شفافا نزيها …واعيا بعمق ما تفعل …وقررت مكاشفته بكل ما حدث اي بمؤامرتنا انا ورضا … دعوته الى ترشف قهوة معا بعد انتهاء عمله المرموق في احدى المؤسسات المرموقة، لامر هام يخصّه ..وحضر ورويت له كلّ تفاصيل التفاصيل …نهض من مجلسنا بالمقهى وغادر دون ايّ رد فعل ..لكن اساريره كانت توحي بغضب شديد وبالم كبير …كان رضا يردد: “قلتلك يا غفاص خللي الامور تمشي بطبيعتها ..يعجبك توة اللي عملتو؟” … لكن بعنادي وغروري كنت واثقا من أني فعلت ما يجب فعله …
اتممنا قهوتنا وعدنا الى الشقة ….لم نجد صديقنا …عاد الى البيت ونحن نيام وخرج ونحن نيام ..طبيعة عملي تسمح لي بأن اكون من قبيلة آل نعاس …ذهبنا اليه في مقرّ عمله … رفض استقبالنا …انتظرناه حتى يخرج وقت الغداء فخرج من الباب الخلفي (موش كان سي العريض طلع يستنى فيهم من قدام جاوه من تالي ..الفارق انو احنا ما عندناش الاستخبارات اللي عندو …شفتو البهايم قداش يحسبونا بهايم ..؟؟؟)… انتظرنا عودته ليلا… لم يعد …في الغد اكتشفنا انه انتقل بالسكنى الى شقة اخرى لاحد اصدقائنا …هذا يعني القطيعة ….ويعيد سي رضا صديقي نفس الاسطوانة (عجبك؟…حتى يصل بي الى ما نتُن من شتائم وسباب)… ولأني من مخلوقات الله التي جُبلت على الصبر وبكل برودة دم لم تكن تمسّني شتيمته بقدر ما كنت افكّر في صديقي الآخر الذي سيضيع نفسه، وسيضيع منّا ايضا …وقررت ان انهض باكرا ذات يوم وان العن النعاس وان انتصب امام مؤسسته كالقدر المحتوم كالقضاء …وهاهو ..وقفت امامه ومنعته من مواصلة السير وقلت: “انا خوك يا فلان …خوك راني موش عدوك …وعلى خاطر نحبّك كان يلزم نعمل هكاك …مانيش خوانجي… مانيش شرّير وانتي تعرف هذا …نحبك تفيق على روحك … نحبك تعرف انك معاها في طريق مسدود …كان عندك حل اخر قللي وانا نمشي توّ نجيبهالك …قللّي وما تسكتش عليّ”…
و انهرت بكاء بكيت بكلّ حرقة …بكيت بصدق الدنيا لصديق كانت تقول عنه عيّادة (هاكة سيدكم الكل)… وهل يّفتى في الاصدقاء وفيهم عيّادة؟؟ … عندما بكيت عانقني صديقي بكل حنّية وكانت تلك الحركة الرائعة … تفطنتم لها ..؟؟ نعم انّها الطبطبة … ولمّا واصلت نشيجي وانا نتشلهق …وقتها سمعت صوته الذي لم استمع اليه منذ ثلاثة ايّام وهو يقول: “حتّى انا خوك ..اما حقّك قلتلي” ..مسكته من اعلى ذراعيه وقلت: “تحّب تضرب اضرب… تحبّ تسبّ سبّ” .. ولم يتركني اتمّ كلامي حيث وبابتسامة صغرونة جدا ولكنّها صادقة اوقف الديسكور بقوله: “اش فيك ما يتضرب …زوز اعواد يتحرّكو” …عانقته من جديد وقلت له: “زوز اعواد يتحرّكو صحيح اما يفعلو” … وكبرت ابتسامته هذه المرة وقال: “نروّحو هالويكاند لصفاقس؟” ..قلتلو نمشي معاك لجهنّم …
تفارقنا على امل اللقاء وقت تناول الغداء في المنزل… مسحت بقايا الدموع من عينيّ وكم وجدتني وقتها في حاجة لأن أرقص… أن أغنّي… أن أصيح… وأن أقول لصديقي رضا: شُفي صديقنا فلان يا بهيم… نعم كانت تلك التجربة عندي بمثابة الشفاء من مفترق طرق… وفي مفترق ازقة مطار قرطاج يوم عودتي من باريس كانت هنالك شقة نهج كندا بألف حكاية وحكاية… وكانت ايضا دار التلفزة التونسية وعديد الزملاء الاعزاء على قلبي… وفي بُقيعة صغيرة من ساقية الدائر كان هنالك شلّة وخطيبة وكانت عائلة وكانت عيّادة… ومن كان يستطيع ان ينافسها على ايّ اختيار…؟؟؟ من يجرؤ …؟؟؟؟ عذرا ايّها الوافي… جئت متأخرا جدا… لأن من يجرؤ هي ملكية ادبية تاريخية تخصّ عيّادة وكلّ من يعرف عيّادة في حياتها الاولى أو في حياتها الثانية وهي في برجها القبري الجميل… من يجرؤ وانا في مطار تونس قرطاج.ان يناقش في مسلكي وطريقي وشوقي لن يكون الا لعيّادة؟؟؟؟ …
ـ يتبع ـ