جور نار
ورقات يتيم … الورقة 55
نشرت
قبل 4 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
هنالك لدى الغرب عموما قناعة جماعية تذكّرنا بـ {اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا} ودون الدخول في جدل عن حقيقة الحديث موضوعا كان ام صحيحا وما المقصود منه في ابعاده العميقة، فالمؤكّد ان الغربي يعمل على الاقلّ بما جاء فيه في منظومة حياته ..هو يقدّس عمله ويتفانى فيه وهو ايضا قلّ ان يترك فرص التمتّع بالحياة …
اتذكّر جيّدا وانا في روما سنة 1988 عند قيامي صحبة العديد من الزملاء في مؤسسة التلفزة التونسية بتربّص تكويني في واحدة من اهم تلفزات العالم (الراي)… اتذكّر ذلك العامل البلدي الذي يرتدي يوميا بدلته الصفراء وهو يجتهد في تجميع القمامات من الحي الذي نقطن فيه في قلب روما… كان يعمل بكلّ فخر ومثابرة …. تقولشي مهندس في النازا … ذات ويك اند ونحن نتجوّل قرب الفاتيكان، تُطلّ علينا سيارة حمراء سبور لتتوقّف امام احدى المغازات وينزل منها شاب هو الوسامة والجمال والاناقة … حتما هو واحد من اشهر ممثلي هوليوود … ونُمعن النّظر فيه باعجاب شديد لنتكتشف أنّه العامل البلدي ذاته …
هكذا هم في نهاية الاسبوع …الويكاند عندهم للتفرهيد والخروج من روتين عمل الاسبوع… لذلك وفي جلّ عواصم اوروبا تُنظم رحلات اخر الاسبوع داخليا وخارجيا …
ذات مرّة قررنا شلّة من الاصدقاء ان نسافر آخر الاسبوع في رحلة منظّمة الى امستردام بهولندا حيث الزهور والطواحين ومدينة الدراجات الهوائية… (وهي التي تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد شنغاي الصينية وتاتي صفاقس في تلك السنوات مباشرة بعدهما) … كنّا مدركين جيّدا ان الهولنديين من اكثر الاوروبيين عنصريّة تجاهنا نحن العرب… كنّا نسمع كذلك ما يشاع من ان اسطورة كرة القدم الهولندية جوهان كرويف صرّح ذات مرّة انّه لو علم انّ العرب يتفرّجون عليه لما لعب بتاتا …لكنّ ذلك لم يمنع عزمنا على المشاركة في الرحلة لسببين… اوّلهما ان تجربتنا في فرنسا اكّدت بما لا يدع ايّ مجال للشك انّ الانسان عموما اذا احترم لابدّ ان يُحترم … (النفس نفسك وانت طبيبها وين تحط نفسك تصيبها)… فانا وجُلّ من اعرفهم، لم يحدُث ان استوقفنا عون امن ليطلب منّا اوراقنا ..اطلاقا ..اما ان يُعربد الواحد في مدينة الانوار ويشرب حتى يرى الديك اسدا ويصول ويجول بكل عنتريّة (يحساب روحو في حومة السمران او في الملاسين) فطبيعي جدا ان يقع ايقافه كعربي وسخ (ساال آراب) وربّما يقع ترحيله …
ثانيهما… الرحلة الى امستردام بالنسبة لي كان هاجسي الوحيد فيها ان اعيش تجربة الزطلة … نعم كانت لي رغبة جامحة في تجربة فعل الحشيش فيّ ..ولكم ان تسألوا عن الاسباب ولماذا امستردام بالذات … اوّلا وللتذكير انا في عشقي لا اكتفي بالشاطئ بل اريد سبر الاغوار في كل تجاويفها… واذا كانت الخمور بانواعها متوفّرة في كل مكان من المعمورة فانّي كنت اخاف تجريبها والغوص فيها عشقا دون حدود… بينما الامر في تلك الحقبة (نهاية السبعينات) بالنسبة للزطلة مختلف جدا لعديد البلدان العربية…باستثناء المغرب الذي رأيت فيه بائعي الحشيش سنة 74 كبائعي التبغ عندنا وباستثناء ايضا المقصورات المغلقة لدى الاثرياء في جُلّ البلدان العربية عموما والخليجية خاصّة…
وهنا تعود ذاكرتي الى رمضان 2008 عندما كنت في عمرة وتجاذبت اطراف الحديث مع سائق سيارة اجرة في مكّة … وهو شاب عرف اننا تونسيون وبالذات صفاقسيّون فطفق يرحّب بنا ترحابا خاصّا ويُعدّد لنا مآثرنا وعشقه للسي اس اس خاصّة …لم يكن يفعل ذلك طمعا او خبثا بل كان شابا ظريفا لطيفا عفويا …وكان لابدّ ان اردّ على تحيته ومديحه باحسن من ذلك، فرحت اُكيل اعجابي بالسعودي عموما وخاصّة بسكّان المدينة المنوّرة الذين يفيضون بِشْرا وابتسامة دائمة وطيبة… ففهم الشاب وهو ابن مكّة قصدي وابتسم في لطف وقال: عندك الف حق… سكان المدينة افضل بكثير منّا في كل شيء حتى في التزامهم بدينهم …ثمّ همس لي ونحن في الاسبوع الثاني من رمضان وتحسّبا من ان يصل صوته الى البقية في سيارة الاجرة: “تحبشي توة نهزّك لبقايع تحت الارض فيها كل شيء …خمر… نساء …حشيش ؟؟؟”…هو لم يقل ذلك بمعنى هل تريد وسيطا ؟، بل ليؤكد كلامي من انّ اهل المدينة المنورة افضل بكثير من متساكني مكّة… العهدة على من روى نعم …ولكن وعذرا يا رب ان كنت ميّالا لتصديق ذلك الشاب …
اذن امستردام هي مدينة الحشيش… لذلك اخترتها… وما ان وصلنا وحتى قبل دخولنا الى النزل المتواضع جدا (وهو اختيار منّا نظرا إلى عوزنا المادي كطلبة) … حتى لفت انتباهنا بعض المنشورات السياحية والتي تذكُر فيما تذكُر انّ استهلاك الحشيش ممنوع قانونيا ولكن نفس تلك المنشورات تُضيف: “ننصحكم بعدم التزوّد به من باعة الشوارع لأنّ نوعيته رديئة” … فهمتو حاجة ؟؟؟… ولأن امثالي الراغبين في عيش التجربة يهمهم جدا عجُز المنشور فان القرار اتُّخذ بعد… ساتعاطاه لاكتشف كُنهه كتجربة لا ادري وقتها توصيفها … الاولى والاخيرة ؟؟؟ الاولى وما تلاها ؟؟؟… المهم عندي ان امارس حقّي في التجربة …ما ان دلفنا إلى باب النزل حتى تيقّنت ان الميدان خصب جدا …جل رواد المكان مسطولون …رجالا ونساء ..وبانماط وسلوكات مختلفة …
اوّل من لفت انتباهي سيدة شقراء في غاية الجمال … كانت تجلس متسمّرة على حافة الكونتوار تحتسي خمرا وتدخّن حشيشا ..كانت في منتهى الهدوء والرصانة … تقولشي تمثال جامد لا حراك به …وكانت نظراتها اكثر جمودا ..عيناها وعلى عكس الاخرين مثبتتان الى سقف قاعة الاستقبال في بهو النزل لا تهتم باحد ولا تنظر الى احد ..كان النادل يقدّم لها كوبها حذو يدها كلّما انتهت من افراغ سالفه في جوفها ..هل هي عمياء؟؟ … عرفت فيما بعد انها عمياء نعم … وعرفت وهو الافظع انّها لم تولد كذلك الاّ انّها كانت منذ بدأت تستهلك الحشيش تمارس هوايتها المجنونة: النظر الى الشمس … الى ان فقدت بصرها …انه عالم المخدرات الرهيب …
اخذت مكاني ببهو النزل …طلبت قهوتي (كابوسان) وطلبت سيجارة …. .فهمني النادل واحضرها …دخنتها دون خوف او تردد …ولم يحدث لي شيء …هل غشني النادل؟؟؟… طلبت ثانية واشعلتها …لم اكن ادري ان تأثير الحشيش يتطلّب ربع ساعة على الاقل ليبدأ اشغاله داخل مُخيّخي وكياني … وما كدت اكمل الثانية (وهي “اوفر دوز” بالنسبة لغير المتعوّدين امثالي على استهلاك الحشيش)…حتى شعرت بالدوران يبدأ في فعل فعله …ولتفادي اي سلوك منّي وسط بهو النزل طلبت من اصدقائي التونسيين ان يصعدوا بي الى غرفتي وان لا يتركوني وحيدا وان يقوموا بتسجيل كل ما اقول وما افعل …في البداية لم استطع الوصول الى الغرفة التي كانت في الطابق الثالث الا بعد معاناة كبيرة ..كنت اتعثّر في كل درج اريد ان اتخطّاه ..والسبب انني اصبحت احس بخفّة غير عادية في جسدي وحركاتي… فكنت كلّما رفعت رجلي لاتخطّى الدرج الذي انا فيه اشعر بان ساقي ترتفع امتارا الى اعلى وهي في الحقيقة لم ترتفع الا بعض السنتمترات غير الكافية للوصول الى الدرج الموالي… لذلك اسقط واعيد الامر نفسه مع كل درج … حاصيلو ما وصلت لبيتي كان ما كل غديرة شربت ماها … لا علينا …كانت تجربة مهولة ومهبولة ورائعة …اكتشفت كلّ ذلك بعد ان استفقت وسمعت التسجيلات ..وهاكم الفيلم …
كنت ممددا على سريري في شبه غيبوبة ممتعة … وكنت ارى في سقف البيت المخربش بالاوساخ اشياء عديدة ..مخزوني المعرفي خرج ليفسرها ..كنت اقول لاصدقائي انظروا الى عنترة كيف استجابت له القبيلة ليدافع عن حماها وليرفع رأس حبيبته عبلة بشهامته وشجاعته …في ركن آخر كنت ارى طرفة بن العبد المنبوذ من عشيرته التي اُفردته افراد البعير المعبّد … انا ابن آداب لذلك جاءت تهويماتي تلك اللحظة من خلال ما اختزنته ذاكرتي من دراستي في الشعر والرواية ..الا انّ ذلك لم يمنعني من العودة الى واقعي (مزطول وحاذق!)… كنت ارجو من اصدقائي ان يُحضروا لي صديقتي الجزائرية التي صاحبتني في رحلتي تلك ..بل كنت ابكي واصرخ في وجهوهم: “يا حيوانات افهموا انها ليست الحاجة الجنسية التي تحكُمني فقط اريد ان اعرف كيف سيكون سلوكي معها في حالتي تلك” …
لكنّ اغرب ما وقع في تلك الزطلة، لوحة عبّاس بن فرناس في اوّل محاولة تاريخية للطيران … غمرتني الفكرة لحدّ الامتلاء وقمت من سريري متجها الى النافذة قائلا لاصدقائي: “عبّاس بن فرناس على حقّ” ..عندما يصل الواحد منّا الى هذه الدرجة من الخفّة سيتحدّى الجاذبية الارضية وسيبرهن على قدرته على الطيران .. وكان في نيّتي وبكل عمق وارادة وايمان ان اخرج من النافذة في الطابق الثالث طيرانا …نعم هكذا هي الزطلة وهكذا هو الحشيش …ولولا اصدقائي لطرت دون رجعة ودون ورقات يتيم… المهم في التجربة على روعتها انّها عمّقت لديّ فكرة استحالة تجربة المسكرات بكافة صنوفها والى الابد… وهذا ما حصل… كان الطلاق بالثلاث مع الخمور و مع الحشيش طبعا …كانت الاولى والاخيرة …وادركت بفعل السن و بعض الحكمة انّ الخمر الحقيقية والزطلة الحقيقية هما ما تصنعه انت بنظرتك العميقة للجمال… للاخر… للحياة …لا بمفعول مؤثّر خارجي لا حول لك فيه ولا قوة …
انا اسكر جدّا وانا استمع الى اغنية راقية ..وانا اقرأ قصيدة راقية …وانا اشاهد فيلما راقيا او مسرحية راقية …وحتى وانا انظر بمتعة الى قرنفلة وردية اللون… الى مشموم ياسمين… الى صغير يُلاغيني بموسيقى الكون … الى العقربي يقسّم برجليه تقاسيم موزارية … الى عبدالوهاب وهو يخرج الروائع الواحدة تلو الاخرى ليختمها بـ”من غير ليه”… الى العندليب ذلك الذي لم يستطع احد خلافته كارقى فنان ذي احساس مرهف … الى الست وهي تتاوه في (وصفولي الصبر)… ياااااااااااااااااااااااااه يا تومة عظمة على عظمة …
لذلك انا كنت وسابقى طيلة حياتي سكّيرا بكل ما هو جميل وراق …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 3 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 4 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 14 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟