جور نار
ورقات يتيم … الورقة 57
نشرت
قبل 10 أشهرفي

عبد الكريم قطاطة:
كيف لي ان انهي ورقاتي مع فرنسا دون ان اذكر محطات اخرى هامة في ما عشته هناك …لعلّ ابرز بصمة فيها الفخر بكوني تونسيا …

في جانفي 1978 عاشت تونس ثاني اكبر هزة في تاريخها مع بورقيبة… اولاها كانت فشل النظام التعاضدي في نهاية الستينات مع مهندسها احمد بن صالح… وثانيها احداث 26 جانفي 78 … لا ادّعي انّي مؤرخ مالك للحقيقة الكاملة حتى اجزم بموقف موضوعي في ما حدث، ولكن كانت ومازالت لديّ قناعة ان كلّ احداث العهد البورقيبي كان مأتاها سببان… اوّلهما تفرّد الزعيم بورقيبة بالرأي وثانيهما ما يجري انذاك في الكواليس السياسية داخل القصر وخارجه من اطماع انتهازية انتهت الى انقلاب السابع من نوفمبر … كانت الاطراف الفاعلة في كل ما حدث لتونس في عهد بورقيبة تعيش تطاحنا وتكالبا على: إما التقرّب لبورقيبة اي للمناصب ..او الطّمع في خلافته في آخر مراحل حكمه … وهذا الامر لم يختلف اطلاقا بعد 14 جانفي… التكالب على الحكم… ولهذه النقطة عودة بالتفاصيل في ورقات متقدمة …
في احداث جانفي 78 كنت موجودا في تونس وبالتحديد في صفاقس … لن ادّعي البطولة حتى ازعم انّي جئت خصّيصا لمواكبتها والمشاركة فيها ..بل كنت في اجازة قصيرة فكُتب لي ان اعيشها …ولكم ان تتصوروا مواطنا تونسيا يعيش في بلد الديموقراطية (فرنسا) بكل مفاصلها من حرية اعلام وحرية تظاهر والوان لا تُحصى من الاطباق الايديولوجية .. ويجد نفسه في واحد من اهم احداث تونس البورقيبية … انتفاضة 26 جانفي 78 …كانت صور ماي 68 بفرنسا تتخايل امامي وانا وسط الحشود امام مقر الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس …وكانت صور محمد علي الحامي وفرحات حشاد واحمد التليلي والحبيب عاشور تتمايل في زهو وخيلاء امام ناظريّ … وكانت ميولاتي اليسارية انذاك تُحيلني حتما لاكون الى جانب العمال والشغالين في تلك الاحداث …وذلك ما دفعني يومها لشراء بعض الدجاج المصلي لاقدّمه غداء للزملاء في اذاعة صفاقس والذين اشتغلوا يومها بالاذاعة الداخلية للاتحاد، كمساهمة منّي في حركتهم الاعلامية …
ذاك ما فعلته فقط … اقول هذا حتى لا ادّعي مرّة اخرى البطولة كما فعل العديد من زملائي في اذاعة صفاقس ليصبحوا كذبا ابطالا بعد مرور سنوات …والحال ان الابطال الحقيقيين كانوا لا يتجاوزون عدد الاصابع الواحدة وفي مقدمتهم عبدالمجيد شعبان ومختار اللواتي … اذن يومها شعرت بفخر غامر بأنني تونسي ..لم اغرق في تفاصيل ما حدث ومَن وراء ما حدث وكل الصراعات التي ولّدت تلك الاحداث ولكنّ مصدر نشوتي تلك الهبّة الشعبية الرافضة لما يحدث في تونس …هل كانت مصيبة في هبّتها ..؟؟؟ هل كانت واعية بما يحدث وراء الكواليس من صراعات ..؟؟؟ صدقا لا اظنّ … المهم انّي كنت ارى في تلك الهبّة لوحة مما يحدث في فرنسا بلد التظاهرات والمظاهرات اليوميّة …
عندما عدت الى فرنسا زاد فخري واعتزازي بكوني تونسيا لأنّ الاخرين (فرنسيين وعربا وافارقة) كانوا ينظرون اليّ بعين التقدير والاحترام …تونس تثور على واقعها …هكذا هم يُقدّرون الشعوب التي لا تستكين لاوضاعها …وانا هنا اتحدّث عن الراي الشعبي العام لا عن مواقف الحكّام …اذ انّه متى كانت مواقف الحكّام في كلّ دول العالم متطابقة مع مواقف شعوبها؟؟؟… الامم في جلّ تاريخها منقسمة الى اربعة ألوية ..لواء الحكّام وهم في معظمهم طغاة ولصوص ..لواء الازلام وهم القطيع الذي لا يعرف في السياسة (كوعو من بوعو)، هم من فئة عاش الملك مات الملك…لواء الشياطين الذين هم الحكام الفعليون حيث يصبح حكام القصور مجرّد بيادق لتنفيذ الاجندات التي تتوافق ومصلحتهم… وهؤلاء من الفئة الميكيافللية تلك التي لا تهمّها اساليب وادوار مشبوهة حتى ولو وصلت الى اهدافها على طريق معبّدة بالجماجم …
اللواء الاخير الفئة التعيسة وهي الاقلية الواعية بهموم الشعب والتي آلت على نفسها ان تبقى دوما الشوكة في حلوق اللصوص …. قلت تعيسة لسببين اولهما الجانب الكمّي لأنها عادة ما تكون فئة ضئيلة عددا وثانيهما انّها لم تتجدّد في خطابها وفي اساليب عملها ومن لا يتجدّد يتبدّد … ولهذا السبب الاخير وعبر التاريخ ايضا لم ينجح هذا اللواء الاخير في حركات التغيير الا متى خرج عن منظومة المعارضة السائدة و قامت بتقديم بديل مقنع جماهيريا ..شكلا ومحتوى … ما تبقّى جعجعة فيها كلامولوجيا لا غير ..وهذا حال اغلب المعارضين في الوطن العربي …
اثر عودتي إلى فرنسا بعد احداث جانفي 78 ..كان الجميع من زملاء في الدراسة واساتذة ينظرون اليّ كتونسي وكما اسلفت نظرة غمرتني فخرا وسعادة .. ومازال للسعادة عناوين اخرى… سنة 78 لم تكن مقتصرة على جانفيها كيف لي ان انسى جوانها …؟؟؟ شهر جوان 78 هو ايضا كان بالنسبة لي ولكل التونسيين شهر السعادة حتى الثُّمالة …كيف لا واليوم الثاني منه تعزف تونس اوّل سمفونية ابداع عربي افريقي ..الملعب هو روزاريو والمناسبة مشاركة تونس في كأس العالم المُقامة بالارجنتين ..والمنافس منتخب نجم مدريد آنذاك، “هوغو سانشيز” المكسيكي …التونسيون قبل ذلك اليوم كانوا مزهوين بالانتصار العريض الذي حققه الفريق الوطني على حساب شقيقه المصري في مباراة العودة بملعب المنزة بتونس باربعة اهداف مقابل هدف والتي رشحته ليكون الممثل الوحيد لافريقيا بكأس العالم بالارجنتين … هذه الكأس التي لم يحقق فيها فريق عربي او افريقي اي انتصار …
كانت تطلعاتنا انذاك وبكلّ امانة ان نمثّل تونس والعرب والافارقة تمثيلا مشّرفا …على الاقلّ ان لا نتكبّد خسائر مُذلة كتلك التي تكبدتها بعض البلدان الافريقية الاخرى والتي سبقت تونس في تمثيل القارة الافريقية …يومها خرج جل التونسيين واشقاؤنا العرب واصدقاؤنا الافارقة الى الساحات العامة في باريس … لمشاهدة المباراة على الشاشات العملاقة …وازداد توتّرنا والفريق المكسيكي يضرب شباكنا …الهدف المكسيكي بالنسبة لنا نحن التونسيين كان شبيها بطعنة خنجر حاد …صمت رهيب ممزوج بخجل اكثر رهبة .. وملوّن بخوف باطني من (طبيخة) …. هكذا كان احساسنا …. يومها وعلى غير عادتي لزمت مكاني … لم ابرحه …اذ انّه من عاداتي كمتفرج على الفريق الوطني او على فريق السي اس اس ان اغادر الملعب او حتى التليفزيون عندما يكون فريقي منهزما ..وهذا يحدث معي لحد هذا اليوم ..اغادر اما الملعب او البيت وابقى سائحا مهموما في الشوارع والانهج المجاورة المزدحمة بالمقاهي… وكلّما سمعت صيحة اهرع بسرعة لمعرفة الجديد ..واحيانا اكلّف ابني الاكثر تعقّلا منّي حتى يهاتفني بأيّ تغيير في النتيجة …هل اكتشفتم مدى ضعفي في تحمّل ما لا استطيع تحمّله …الم اقل لكم منذ بداية كتابة ورقاتي هذه انّ عيوبي لا تُحصى ولا تُعدّ ….
دعوني اصارحكم بحقيقة اخرى …انا لحدّ يوم الناس هذا لم احضر ايّة مباراة لفريقي الابيض والاسود مع الترجّي …من عيوبي ايضا انّي اتقبّل الهزائم مع كل الفرق الاخرى واعتبرها طبيعية لاّن الفريق الذي لم يُهزم لم يُخلق ولن يُخلق بعد … الا اني مع الترجّي بالذات لا اقبل الهزيمة فكيف لي ان اكون شاهدا عليها … (صحّيتك يا سي الطلطول تدخل للستاد تتفرّج على السي اس اس والمكشّخة وتربحك المكشّخة بكل روح رياضية اللي يقولو عليها …,لا راجل وسيد الرجال انت!) … _ نعم مع المعذرة لأصدقائي من احبّاء المكشّخة …لا اطيق الخسارة امامكم …
اعود لذلك الـ 2 جوان 1978 بباريس وجموع غفيرة نتابع معا اوّل مباراة لتونس امام المكسيك ..كنت احس قبل الشوط الثاني وتونس منهزمة هدفا لصفر بأن اعين اصدقائي من الافارقة خاصة ترمقني ..وكان يُخيّل اليّ بانّها تتتغامز عليّ وكأنّ لسان حالها يقول (شنوّة سي كريم …فخفخت علينا برشة راك بالعقربي وعقيد وطارق وغمّيض وعتّوقة … تي وينو عتوقة متاعك ؟؟..اصلا موش موجود في التشكيلة) … صدقا لم اكن قادرا بعد ان سجّلت المكسيك هدفها الاول والوحيد ان انظر في اعين الاخرين بينما كنّا نحن التونسيين نتبادل نظرات فارغة… ما اشقى الواحد منّا وهو ينظر دون ان يرى ..و ما ابشع ان نرى دون ان ننظر … وانطلق الشوط الثاني …كنت احس بأن شيئا ما سيحدث ..تسمّرت بشراسة على الكرسي كمن يحاول من يثبّت رجله على الارض .. وهذه حركة يعرفها من لعب كرة القدم ..هو لا شعوريا يقوم بحركات عبر رجليه ..كم يريد اصلاح تصويبة ما او اعطاء الكرة للاعب في موقع افضل ودون حتى شعور منه يصيح (اوكة الكعبي اعطيه ..اعطيه) ..ويعطيه ويسجّل الكعبي …
يااااااااااااااااااااااه ..كيف لي ان افسّر لكم ماحدث لي ولكل التونسيين انذاك والكعبي يسجّل هدف التعادل ….دعوني ابحث عن صورة مقاربة لما عشناه ..عندما نغوص في البحر لمدّة ما حتى انتهاء الاوكسجين بداخلنا نًسرع في الخروج من عمق اليمّ الى سطح الماء ..هنالك لحظة فارقة وهامة جدا لا يتجاوز عمرها عًشر الثانية ..لحظة خروج الرأس من تحت الماء ….هو من جهة يضرب الماء حتى يتجاوزه ومن جهة ثانية لحظة التزاوج مجددا مع الاوكسيجين … هي الشهقة الجميلة بالعودة الى الحياة …هي تحدّي الموت والانتصار عليه ..هي لحظة الصراخ دون صوت بأن الواحد منّا مازال حيّا …الغطس تحت الماء عندي هو بمثابة تحدّي الموت… انا تحتك ايّها الماء ميّت ولكن اتحداك وساعود حيّا ..اقول هذا فقط من زاوية تقريب الصورة الى الاذهان …اذ انّي اجبن الناس في علاقتي بالبحر ..احبّ البحر بشكل خرافي ولكنّي اخافه جدّا ..في داخلي قناعة بأنه هو ايضا يحبّني جدا وابدا ان يتركني ابارحه لو جازفت يوما ودخلت الى يمّه …نعم في داخلي قناعة متجذّرة فيّ كأني به حينما ارمقه بعشق كبير يبادلني ذلك العشق ..والقناعة تتعمّق اكثر الى مستوى التخاطب ..اخاطبه بعشقي للجمال وهل هنالك امتع من جمال البحر بموجه صاخبا كان ام هادئا… فيخاطبني باسلوبه هامسا احيانا هادرا احيانا اخرى: (يا نهارت اللي نطرّف بيك ..والله لا نسيّبك)… سيضمّني الى سكّانه دون رجعة لذلك لم ولن اتجرّأ يوما على غزله او بعبارة ادق على مندافه …
حين سجّل “العقربي” هدف التعادل كانت الشهقة وقتها مُدوّية … طبعا انا تعمدّت قول العقربي اذ انّ المُسجّل كان علي الكعبي ..وتعمُّدي هذا مأتاه انّ الجميع (تونسيين عربا افارقة ..والمعلّق الفرنسي) كانوا منبهرين باللاعب رقم 8… انه المعلّم …ورغم الماكينة الاعلامية انذاك للمكشّخة كي يكون طارق هو نجم تونس الاوّل، فان الاجماع لمن يفهم سحر الكرة تونسيا عربيا وافريقيا واوروبيا كان حول العقربي ..وحتى اقف قليلا عند هذه النقطة ساحاول تفسير الفارق بين حمادي وطارق …في معاهد تعليم الموسيقى يتخرّج العديد من الطلاب بديبلومات في علم الموسيقى ولكنّ قليلين من يصبحوا ملحّنين مبدعين ..احمد فؤاد حسن هو من اهم قادة الاوركسترا في مصر الشقيقة ولكن ابدا ان لحّن اشياء تُذكر باستثناء بضع القطع الموسيقية ..فبقدر ما لا احد يُنكر حذقه لإدارة الفرقة الماسية … وهو فعل ذلك مع الكبار وردة عبدالحليم نجاة… بقدر ما لا ولم ولن يستطيع ان يصل الى مرتبة المبدعين في التلحين لأنّ التلحين موهبة والموهبة لا نتعلمها في المدارس …
من هذه الزاوية يبقى طارق قائد اوركسترا ممتازا ويبقى العقربي المبدع الساحر … وفعلا كان في الارجنتين الطائر الذي غرّد خارج السرب ولفت انظار عاشقي السحر والابداع واسألو كاسبرجاك عمّا فعله به ..(بعثو من روزاريو حتى لجنوب افريقيا) … بعثه الى حيث بقي التاريخ يضحك عليه بحركة واحدة لا يعرف سرّها الا المعلّم ..دعوني اختم كلامي عن حمادي وهو الذي يستحقّ مجلّدات …كان ذلك في بداية الثمانينات وكان الدربي بين السي اس اس والرالوي وكان ان كلّف مدرب الرالوي مدافعا اسمر اللون يُدعى الطرابلسي بالرقابة المشددة على حمّادي… قال له: (تلقاشي تسعة داخلين راسهم راس الڨول اش يهمّك فيهم سيّبهم و شدّ حمّادي اكاهو)… التزم هذا المدافع بتوصيات ممرنه وبكل شراسة …حمّادي فهم اللعبة وفي كرة وصلته اوهم ذلك المدافع بانّه سيعطيها لاحد زملائه في الفريق وبلغة يفهمها الكوارجية (قرص الكورة)… فذهبت سنتمترات وعادت اليه ليجد المدافع نفسه مذهولا امام هذه الحركة ويواصل حمادي طريقه ليسجل الهدف ..
المدرب استشاط غضبا من لاعبه واخذ يصيح في وجهه قائلا: (اش قلتلك … هكة تخلّيه يتعدّى منّك يا بهيم؟) … المدافع كان مازال في ذهوله عندما ردّ على مدرّبه: (اش نعملّو عمل واحد اثنين هو والشيطان) …ذاك هو حمّادي …وتواصلت شهقاتنا مع الثاني لغميض وانفجرنا مع الثالث لذويب …وقتها ذابت باريس نهائيا بالنسبة لنا نحن التونسيين ..اندثرت تماما ..لاننا حوّلناها الى ضواحي المنزة بتونس او شاطئ بوجعفر في سوسة او المائة متر، شارع الهادي شاكر بصفاقس… اختفت كل الاغاني الفرنسية وحضر النشيد الرسمي التونسي ويا ديني محلالي عرسو والله الله يا بابا سيدي منصور يا بابا …يومها كنّا فعلا افضل سفراء لتونس… الانتصار وتونس العزّة والفخر ..يومها كنّا افضل من اي خطاب سياسي ..افضل من ايّة نشرة اخبار وافضل من اي برنامج سياحي حول تونس … يومها لم نقم بتكسير بللور واحد ولا بتهشيم سيارة واحدة ولا بحرق ايّة عجلة واحدة …كنّا فعلا على درجة كبيرة من التحضّر وهو الامر الذي زاد في تلميع صورة تونس من خلال سلوكنا الحضاري …
و”امشي يا زمان وايجا يا زمان” …ليتحوّل التونسي الى ارهابي يدعس الناس بعربته المجرورة ويقتل ويذبح هنا وهنالك في بقاع متعددة من انحاء المعمورة …قال اشنوة قال ثورة الربيع العربي ..انها مهزلة التاريخ العربي، حيث نتحول دون وعي منّا الى قردة وببغاءات ننفّذ اجندات غربية تستعمل فيها احيانا اليسار واحيانا اخرى اليمين… يوهمونهم بأن العصر عصرهم وانّه حان الوقت ليكونوا الخلفاء … وبكلّ غباء نبتلع جميعا الحربوشة ولم نكبّد انفسنا حتى عناء التساؤل وبكل بساطة: متى كان الغرب يهتم لمصالحنا وهل يسمح لاية خلافة ان تقوم هنا وهنالك ؟؟؟ اهكذا بكل غباء ينتحر الغرب .؟؟…متى ندرك ان كل الدّول الغربية دون استثناء كان ومازال كل همّها تشتيتنا وتشريدنا… حتى تضمن لاسرائيل سلاما يمتد على قرون وتضمن لمصانعها الحربية ان تعمل لتسويق اسلحتها …؟؟؟؟.. السنا بعالم صايع من حيث الفاعل و خاصة المفعول به …؟؟؟؟
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟
في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…
مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…
تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…
اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…
إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…
قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…
الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟
موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…
قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …
ـ يتبع ـ

جور نار
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
نشرت
قبل شهر واحدفي
15 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.
سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.
الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.
هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟
أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…
ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟
يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.


عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ


غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها

بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي

لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!

الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم

لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل يومين
غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها
- صن نارقبل يومين
بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي
- صن نارقبل يومين
لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!
- ثقافياقبل 3 أيام
الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم
- صن نارقبل 3 أيام
لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
- صن نارقبل 3 أيام
جدل في الكونغرس الأمريكي… حول صفقة أسلحة بـ 3 مليار دولار مع قطر والإمارات
- صن نارقبل 3 أيام
بغداد… قمة عربية تحت رماح أمريكية، إيرانية وإسرائيلية
- اجتماعياقبل 5 أيام
300 فرصة عمل جديدة في تونس خلال العام الحالي و800 وظيفة أخرى خلال العام القادم