جور نار
ورقات يتيم … الورقة 58
نشرت
قبل 3 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
وحان وقت العودة ….كان ذلك في شهر افريل 1979 … انتهت حقبة من اهمّ حقب حياتي …اتممت دراستي بالمعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس، متحصّلا على ديبلوم درجة ثالثة في الميدان اختصاص اخراج …
كنت صدقا مزهوا فخورا سعيدا سعادة طفل يُقدّم دفتر امتحانه لوالديه وهو متحصّل على المرتبة الاولى في دفعته مع شهادة امتياز …كنت جذلان خاصّة والجميع، اساتذة وزملاء تونسيين في اختصاص تقني بحت (مهندسين) يطوّقونني بتهانيهم الصادقة …كيف لا وابن بلدهم يسجّل افضل النتائج من حيث المجموع ويرفع رؤوسهم عاليا ..وللامانة ايضا كان الزملاء الافارقة في دفعتي مقتنعين جدا بنجاحي على راس الدفعة ..ربّما لانّهم اكتشفوا فيّ ميزتين اولاهما انّني كنت اتجاوزهم خبرة وكفاءة وثانيهما انني كنت صديقا حميما لهم حقا لا مجاملة …بل كان البعض منهم اقرب اليّ من بعض التونسيين …
فيليب ندوغوي ذاك السينغالي الاصل كنت بالنسبة له الملجأ ..كان قويّ البنية شهم الاخلاق وعذب الابتسامة الدائمة …وللجميع ومع الجميع …ولكنّه كان كثيرا ما يأتيني الى بيتي في مبيت فيلييه وهو منهار تماما …كان يبكي كالاطفال بل ويصبح طفلا بين احضاني ..هو متزوج واب ولكنّ اقداره ابت الا ان تضعه في فرن الهيام ….وللهيام افران نقرأ عنها ونشتهيها ولكن عندما نقع فيها نعيش الثلج والنار فلا الثلج يطفئ النار ولا النار تذيب الثلج … فيليب تعرّف في المعهد على طالبة جزائرية ووقع كلاهما في شباك الآخر … ولا اتصوّر انّكم لا تعرفون ما معنى الوقوع في الشباك … الانسان في مثل هذه الحالات هو تماما كذلك العصفور الذي يثب على تلك القمحة المعلّقة في صنّارة الفخّ … دون وعي دون قراءة حساب لـ(اش بعدو) … ثمّ يجد نفسه حصل في المنداف…
ودعوني اسأل: هل هناك معنى للهيام اذا تعاملنا معه بمنطق زعمة نوخّر والا نقدّم ؟؟؟ زعمة نوحل ..؟؟ زعمة اشنيّة العاقبة …؟؟ الستم معي في انّ مثل هذه الحالات اذا وضعناها في خانة المنطق الحسابي او لنقل العقلاني تصبح خالية من المنطق الهيامي ..هل تساءل يوما مجنون ليلى عن اش بعدو ..؟؟ هل تساءل روميو عن غده مع جولييت ..؟؟؟ هل تساءل شمشون عن هيامه بدليلة الذي اوصله لهدم ما حوله من بنيان وهو يقول (عليّ وعلى اعدائي )؟؟؟ الهيام هو منطق لا منطق فيه …وهكذا كان فيليب مع زميلته الجزائرية …حبّ جنوني غامر من جهة وابواب موصدة تماما أمام مصير ذلك الحب ….يوم حصولي على الديبلوم قال لي فيليب: وانا لمن ستتركني …؟؟؟ وذاك كان درسا عميقا من الدروس التي تعلمتها في حياتي وصاحبتني في جلّ علاقاتي مع الاخر …اذ انّي حاولت جاهدا الا اخذل جلّ من عرفت حتى لا اتركهم …
في النصف الاخير قبل عودتي النهائية لتونس زارني احد الاصدقاء من مدينتي … هو اتى خصيصا لقضاء شؤون كثيرة من باريس ومن ميلانو بايطاليا… عرض عليّ مصاحبته لميلانو وقبلت ذلك عن طواعية لانّه من الاصدقاء المقرّبين لي … كانت زيارته اثناء المعرض الدولي لميلانو
(وهاكي المعارض والا بلاش _ فقط اكتفي بالقول انّه يعرض كلّ شيء بما في ذلك الطائرات ..ليست تلك التي كنّا نركبها ونحن اطفال في معرض صفاقس لصاحبها صالح الجربي رحمه الله… ولاصلاح اسناد الضمائر اعتذر واقول كان الاخرون يركبونها لأني كنت “طلطول” ولم اتجرّأ يوما على ركوبها خوفا وجبنا … في المقابل كنت اكتفي بل واستمتع بركوب تلك السيارات الصغيرة التي تشتغل بالكهرباء والتي كنت وامثالي نجد متعة فيها… فقط لأن الفرصة مواتية باش نتسلّطو على البنات اللواتي تركبن البعض منها فنصطدم بهنّ عنوة وزيد بكلّ قلّة حياء نقوللهم خاطيني، ثمة شكون دزّ كرهبتي يخخي اتضربت في كرهبتك … رغم انو الاصحّ ولو كان الدنيا دنيا كنت نحب نقوللها اتضربت فيك ….شفتو ما اشطنّي مللّي انا صغير ..؟؟ اش نعمل ..هاكة حدّ الجهيّد) …
في معرض ميلانو شفت العجب ..قضينا يوما كاملا فيه ولم نزر منه الا عُشُره مساحة … في الغد كان في برنامج صديقي ان ننتقل الى احدى ضواحي ميلانو لاتمام صفقة تجارية هامة بالنسبة له ..لم اكن اعرف ماهي بالضبط ولم اسال عنها فتلك شؤونه ..قبل مغادرة النزل مدّني بكمّية هامة من العملة الصعبة (الفرنك الفرنسي) ورجاني ان اضعها تحت ثيابي تماما كما وضعها هو (اي نعم عبدالكريم اشتغل مهرّبا!)… ركبنا حافلة النقل العمومي التي ستّقلّنا الى محطة قطارات ضواحي ميلانو …كانت الامور هادئة جدا ..وكنت كمهرّب اُجيد دور ذلك اللامبالي ..لكأني اشتغل في عالم التهريب منذ سنوات ….رغم انّ ما احمله من ملابس كانت كافية للشكّ فيّ (سروال دجين، مريول بحارة ابيض مخطّط بالازرق “ماران”، لحية سائبة وكثيفة وكأني سبقت جماعة داعش العلنيين وأيضا المتخفّين وراء شعارات “الاسلاميين المعتدلين” وهم اشدّ بلاء…
توقفت الحافلة عند وصولنا وكنّا نهمّ بالنزول حين صاح احد الركّاب العرب (وهو عُماني): سرقولي فلوسي… سرقولي فلوسي اولاد الحرام … ولا طاح لادزّوه كبّش السيّد في كرومتي ..انت …هكذا وبكلّ وثوق قالها وهو يشير الى عبدالكريم …. تمالكت وقلت له: يخخي تفدلك …؟؟؟ ثارت ثائرته وازبد وارعد: انت ومانيش مسيّبك كان في الشرطة .. الف فرنك فرنسي هزيتهملي من مكتوبي …فرنك فرنسي ؟؟؟ مشيت فيها يا عبدالكريم … اشنيّة حجّتك والبوليس الايطالي يفتّش في ثيابك ويجد الفرنك الفرنسي بين ملابسك ..؟؟؟ اش ماشي يكون موقفك امام الامم المتّحدة .. واعني بها عائلتي …زملائي في المهنة …زملائي في الحومة …خطيبتي ..عيادة ….اش هالفضيحة … على وجه شكون صبّحت ؟؟؟ الله يهديك يا محمد (اسم صديقي) توّة انا متاع هالاشياء ..؟؟؟ انا وجهو ؟؟؟ وانا الذي لم اسرق ابدا في حياتي الا وانا طفل ذلك التفاح من جنان الجيران واللي كليت عليه طريحة نباش القبور …او ذلك العصبان من زير المسلّي بمؤامرة ابن عمّي ودهانو كان كافيا لكي لا افلت من عينيْ عيادة ….
دعوني اقل لكم انّ اجمل الدعوات التي كانت تغدق بها عليّ عيادة كانت (برّة يسترك ويستر ذراريك دنيا وآخرة)… نعم كانت تلك الدعوة حاضرة وبشكل خرافي في كلّ مراحل حياتي …التفتّ بابتسامة صفراء ولكنّها ماكرة وقلت لذلك العماني: اعرفني انا شكون وبعد نمشي معاك وين ما تحبّ… ودلفت يدي في جيبي لاقدّم له بطاقتي المهنية حيث فيها انتمائي الى مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية …. بحلق العُماني فيها ثم وبـ180 درجة خجل من نفسه واصبح يترجّاني ان اقبل اعتذاره …خويا تونسي وفي ميدان الاعلام ..بجاه ربّي سامحني الله غالب خوك من عُمان محروق على فلوسي واللي ما يعرفكش يجهلك ….وتنفست الصّعداء … ياااااااااااااااااااااااه في مثل تلك الحالات نعرف قيمة الاوكسيجين الحقيقي …ولكن وبعد مرور العاصفة نعرف الاهمّ … قيمة التونسي لدى الاشقّاء …زيدو قولو بورقيبة بيه وعليه …انا مرة اخرى اقول أن الزعيم بورقيبة اقترف عديد الاخطاء في مسيرته والبعض منها فادح وجدا ..ولكن ايضا هو زعيم اعترف له بالفضل الكبير في الوجه المشرّف جدا الذي كان يحظى به التونسي في المشرق والمغرب… وهو ما عشته ولمسته في كل البلدان التي زرتها عربيا واوروبيا هذا اولا … ثمّ اخطاء كارهيه وحتّى جرائمهم لا تقلّ فظاعة عن اخطائه …وفي هذه النقطة هم في جلّهم جزّار يعظّم على مراڨزي…
وتكملة للامثال الشعبية التي كم هي معبّرة دعوني اذكّركم بمثل شعبي آخر ليكون منطلقا لآخر ما قمت به قبل عودتي النهائية الى تونس …الفلّوس ما ينقر كان عين خوه …هذا مثل ينطبق تماما على السيارة التي اشتريتها بيجو 204 حمراء مازوت عمرها شهران …كيف لا وانا عائد من فرنسا بعد ثلاث سنوات …؟؟؟ معقولة ما نبرّدش حق كرهبة ؟؟؟ صحّيتك يا سي المدكّ ترجع بخُفّي حنين …للامانة كنت ادرس واشتغل احيانا مع شركة سينمائية خاصّة كمركّب افلام ..تتذكّرون جيّدا تلك الاستاذة المركّبة الرئيسية التي كانت سببا في انتقالي من دراسة مستوى ثان الى مستوى ثالث ..انّها هي ذاتها التي عرضت عليّ فكرة العمل نهاية الاسبوع مع شركة خاصّة… كنت اتقاضى الخير والبركة 30 الف اجرة نصف يوم من العمل بينما كانت منحتي الشهرية 130 الف ..ولمعلوماتكم القطاع السمعي البصري في التلفزيون والسينما هو من ارفع القطاعات اجورا في العالم ….قلتلكم الخير والبركة… الشيء الذي مكّنني من ادّخار الكثير.. انفقت البعض منه في شراء لوازم جهاز خطيبتي و جهاز خطيبة صديقي واخي رضا لانّه لا يُعقل عندي ان اشتري لخطيبتي ولا اشتري لخطيبة صديق عمري… وادّخرت البعض الاخر من المال لشراء السيارة .وللاشارة ليس معنى هذا اني كنت(قرنيطة)… ابدا وحده الله يعلم قداش فلّقت وترتقت فلوس ولحدّ يوم الناس هذا مازلت كذلك ..وهو عيب آخر من عيوبي لم ولا اظن استطيع يوما ان احسن التصرّف في كل ماهو فلوس ..
عرض عليّ احد الاصدقاء (وهو صفاقسي ابا عن جدا) ان يبيعني سيارته الجديدة بيجو 204 وبثمن معقول جدا ان لم يكن زهيدا …ايه مازال الخير في الدنيا زايد ما يحن عليك كان ولد بلادك … وزيد ديازال …هذي جنّة بالبقلاوة… طرت فرحا لا بمعرفة معنى كلمة البقلاوة (بالمغربي وهي غير محبذة هناك) بل بسيارة جديدة بالكاد عمرها شهران … ودون اطالة اكتشفت بعد سنوات قليلة انّي حصلت كي الضبع لانّها من اسوأ الماركات في تعقيدات ميكانيكها …وحتى لا اكون جاحدا يكفي ان اقول انّي هتّكت بيها تونس من بنزرت لبن قردان …وعملت بيها البطيط … الا ان متاعبها ونكساتها كانت تذكّرني بالمدّب التريكي والد صديق عمري الذي عرض عليه ابناؤه فكرة شراء سيارة… وكان له صديق اسمه رمضان كثيرا ما يجده منهمكا في اصلاح عربته الحطام… اجاب المدّب ابناءه بقوله (علاه تحبوني ضحكة كيف رمضان اللي يقعد تحت منها اكثر مللي يقعد فوق منها؟؟؟)… حتى لا اطيل عليكم سيارتي كان آخر عهدي بها عندما تعنّتت ذات يوم امام ملعب الطيب المهيري واقسمت باغلظ الايمان انّها ماعادش تزيد خطوة معايا ..فما كان منّي بعد ان رجوتها عديد المرات …(يا 204 يهديك .. يا بنتي يكون العقل منّك .. يا طفلة على الاقلّ وصّلني للدار وبعد يعمل الله) …كانت في قمّة عنادها … وقتها عاد طلعت الكلبة بنت الكلب وحبّيت نعمل فيها راجل ..غزرتلها وقلتلها ..طالق بالثلاثة والثلاثين … هاتفت الميكانيكي الذي تعوّد على نزواتها وقلت له السيارة موجودة بجانب ملعب الطيب المهيري وانت بيع ..احرق .. لوّح ..اعمل اللي يظهرلك …
كان ذلك بعد خمس سنوات من شرائها ..ذات يوم اقبل عليّ مع مُشتر ..قلت له راك ماشي تدفع فلوسك حرام ..ما تقولش غشّني والله في بلاصتك لا نشريها بدينار ..ضحك وقال: باهي اما انا شاريها… واشتراها منّي بـ 300 دينار… كان فرحا مسرورا وكنت اشد غبطة منه ….ذات يوم قابلت ذلك الصفاقسي الذي باعني اياها في فرنسا ..سلّم عليّ بحرارة وصدقا لم استطع مبادلته تلك الحرارة …لم احدّثه في امرها وابتلعت ريقي … الدڨان في الجيفة حرام …في نفس ذلك الاسبوع الاخير قبل عودتي اي في نهاية شهر افريل ..اتصلت بي تلك الاستاذة التي درّستني في المستوى الثاني المونتاج… اتصلت بي هاتفيا بالمعهد ورجتني انتظارها للقائها لامر هام ومستعجل جدا … ان شا الله خير … وما هي الاّ ساعة حتّى قدمت مرفوقة بسيّد تبدو عليه علامات الوقار والشياكة …تصافحنا ودعتني على قهوة بمشرب المعهد …لم تطُل حيرتي خاصة وهي تقدم لي مرافقها ..هذا هو صاحب الشركة الخاصة الذي كنت تتعامل معه احيانا في تركيب الافلام ..جاءك اليوم يريد ان يقدّم لك عرضا بعد انتهاء دراستك بتفوّق وتميّز …السيّد كان عمليّا جدا… شوف سي كريم ..انا حريص على خدماتك وساعرض عليك عقدا تفاصيله كالآتي: هو عقد لمدة 5 سنوات امكّنك فيه عند الامضاء من 50 مليون منحة امضاء مع الترفيع للضعف في اجرك اليومي الى 120 د … (طلعت نيمار وانا ما في باليش !)… ابتسمت له وقلت …
انتظروا موقف نيمار كيف كان وخاصة لماذا كان كذلك، في الورقة القادمة …يخخي انتقال نيمار من البارصا القارصة (هاذي قرصة من مدريدي) لباريس سان جرمان وذلك التشويق الذي سبقه، خير منّي زعمة ..؟؟؟ انا على الاقلّ عندي اسبقية تاريخيّة عليه …. انا نحكي على نيمار 1979 ونزيدكم زيادة اللي حبّ يشريني موش قطري … خاصة انا نحبّهم برشة هاكة الرهوط …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
حتّى اختتم الحديث عن دورتنا التكوينية في الراي اونو والتي كانت على امتداد شهرين، عليّ ان ادوّن هذه الملاحظات التي بقيت عالقة في خانة الذكريات ..
كلنا نعرف ان السفر مع فرد او مجموعة عنصر هام لمعرفة ذلك الشخص او تلك المجموعة معرفة عميقة .. وسفرة ايطاليا لم تخرج عن هذا الاطار ..اكتشفنا مثلا (القرناط) الذي يستخسر في نفسه شراء قهوة، في بلد اشتهر بمتعة قهوته… اكتشفنا اناسا غاية في الضمار الجميل، وكنا نحسبهم غاية في المساطة… اكتشفنا ميولاتنا الى السهرات بكلّ الالوان من حيث مشروباتنا، ومن حيث ميولاتنا لمشاهدة نوعية اخرى من البرامج الايطالية في القنوات الخاصة والتي لا يصلنا بثها الى تونس… وانا ما نقلّكم وانتوما ما يخفاكم (كولبو غروسّو ـ الضربة الكبيرة) مثال من تلك البرامج التي هي في شكل مسابقات والعاب حيث يتنافس فيها رجل وامراة للاجابة عن بعض المسابقات وبعد كلّ سؤال يقوم الخاسر بنزع قطعة من ثيابه… ستريبتيز، ما تمشيوش لبعيد .. ينتهي خلع الملابس وقت نوصلو لهاكي الاشياء …
روما ايضا هي عاصمة الاناقة في اللباس .. تقف امام واجهة متجر لبيع الملابس للرجال وللنساء ..تقف ساعات مشدوها بجمالها وفيانتها ومصدوما باسعارها … وتكتفي بالعشق ..نعم وقفت مرة امام متجر واعجبت بكوستيم (بدلة) ايّما اعجاب ..وغادرت ..وأعدت زيارة نفس المتجر مرات ومرات ولم اشتر البدلة ..الذي يعرفني يعرف اني من النوع الترتاق الفلاق في الفلوس ..ولكن كان كلّ همّي ان اخصص مدخراتي المالية لعائلتي ..وفي الاخير اشتريت ما شاء الله من ادباش وهدايا لعائلتي واكتفيت بقميص لي .. فقط فقط فقط …
وعدنا الى تونس بعد انقضاء فترة التدرب التكويني .. وان انسى فانني لن انسى ما حدث لي عند وصولي الى مقرّ سكناي بصفاقس ..ولدي انذاك كان عمره سنة ونصف ..نظر اليّ نظرة باهتة لا روح فيها ..ثمّ وبعد ثوان ارتمى بين احضاني دون ايّة اشارة من ايّ طرف من العائلة ..سعادة مثل هذه المواقف تدّخر منها فرحا طفوليا من الابن ومن والده ما يكفي لسنوات من الازمنة العجاف …نعم من مثل هذه الاحداث يستمد الواحد منّا طاقة لا تفنى في مواجهته لمصاعب ومصائب الزمن .. يكفي ان يتذكّر طفلا له يرتمي في احضان ابيه بتلك السعادة والفرح حتى يقول (وان تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها)…
سنة 1988 عشت فيها اذاعيا محطات لا يمكن ان انساها ..اوّلها التفكير ثم الانجاز لمشروع اسميته انذاك في احد برامجي (من اجل عيون الطفولة) ..والذي اردته تفكيرا منّي وانجازا من المستمعين في شكل بعث مكتبات خاصة بالاطفال المقيمين بالمستشفيات الجامعية… لنخفّف من احزانهم ووحشتهم ولنعوّدهم على مقولة (الكتاب خير جليس وخير انيس) ..قمت بدعوة المستعمين للقيام بحملة تجميع الف كتاب او مجلة لكلّ مكتبة وكان التآلف عجيبا مع هؤلاء المستمعين… ولم تمض 3 اشهر حتى ارسينا اوّل مكتبة بقسم الاطفال بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس ..وتواصل المشروع مع مستشفيات اخرى ..
كنت وما زلت مؤمنا بانّ التونسي عندما تكلّم فيه لغة العقل والقلب يستجيب ..وهذا عامل من عوامل تفاؤلي الدائم بتونس والتونسيين ..اعرف انّ تونس دخلت مرحلة سوداء في العلاقات المجتمعية والعائلية منذ 2011 ..ولكن ثقتي لا حدود لها في انّ معدن الانسان الاصيل مهما مرّغوا انفه في مخططاتهم (ونجحوا ايما نجاح في ذلك ) لا بدّ ان يعود الدرّ الى صدفته .. فالذهب قد يعلوه الغبار ولكن ابدا ان يصدأ …في نفس السنة فكّرت ادارة اذاعة صفاقس في تخصيص مساحة اسبوعية للشباب حيث ينتقل فريق اذاعي الى مناطق عديدة من الجنوب التونسي لربط مباشر مع الاستوديو الذي كنت اشرف عليها تنشيطا… هدف البرنامج اعطاء الفرص وعلى امتداد 3 ساعات للشباب ليعبروا عن مشاغلهم بكلّ حرية وبعيدا عن ايّة رقابة ..ايّة رقابة … وهذه التجربة كانت منطلقا لبعث اذاعة الشباب في اذاعة صفاقس سنة 88 وساعود للحديث عنها ..
في اكتوبر سنة 88 قامت الاذاعة التونسية بتجربة جديدة في البث الاذاعي اسمتها (فجر حتى مطلع الفجر)… وكما يدلّ العنوان هو برنامج مباشر ينطلق في منتصف الليل ويتواصل حتى الخامسة صباحا… وهو برنامج يومي ويُبث بشكل مشترك بين الاذاعة الوطنية واذاعة صفاقس واذاعة المنستير ..ينشطّه من الاذاعة الوطنية مجموعة من الزملاء ونصيبهم في ذلك 5 ايام في الاسبوع… بينما بقيّة فتات الاسبوع تتقاسمه اذاعة صفاقس واذاعة المنستير حصّة واحدة في الاسبوع …وشكرا على هذه الصدقة ..والله لا يضيع اجر المحسنين ..
كنت انا من عُينت لتنشيط تلك الحصة اسبوعيا ممثلا لاذاعة صفاقس … وللامانة كانت مناسبة متميّزة لمستمعي الاذاعة الوطنية ونظرا إلى انّ بثّ اذاعتنا لا يصل لبعض مناطق البلاد حتى يكتشفوا اصواتا اخرى والوانا اخرى واجواء اخرى… وهنا اتقدّم بالرحمة على روح الزميل الحبيب اللمسي الذي كان رابطنا الهاتفي مع المستمعين المتدخلين في ذلك البرنامج من غرفة الهاتف للاذاعة الوطنية… وسي الحبيب كان ممن يسمونه حاليا (فان) لعبدالكريم…
في اكتوبر 88 حدثان هامان عشتهما في مسيرتي الاذاعية… اولها الاعتراف بديبلومي الذي نلته من المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس سنة 1979 .. اي نعم بعد 9 سنوات من الاهمال والظلم… والفضل في هذا يعود للمرحوم صلاح معاوية الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة ….علم بالاشكال الحاصل بيني وبين الادارات والمسؤولين الذين سبقوه، فدعاني لمكتبه ودعا مدير التلفزة انذاك الزميل مختار الرصاع والكاتب العام للمؤسسة، وطلب منهما وفي اقرب وقت رفع المظلمة التي تعرضت لها ..وفعلا وفي ظرف اسبوع قام بانهاء تلك الوضعية التي طالت وبكلّ جور ..
الحدث الثاني وقع بعد زيارة المرحوم معاوية لاذاعة صفاقس للاطلاع على حاضرها وآفاق تطويرها … يومها التقيته في كواليس الاذاعة وكان صحبة زميلي رشيد الفازع الذي انتمى في بداية السبعينات الى نفس دفعتي عندما قامت بتكويننا لتدعيم التلفزة التونسية باطارات جديدة كلّ في اختصاصه ..رحّب بي المرحوم صلاح الدين معاويو وهمس لي: ايّا اش قولك تشدلي انتي اذاعة الشباب ؟؟ ..واذاعة الشباب هذه انطلقت في اذاعة صفاقس منذ 1988 وهي عبارة عن فترة زمنية بساعتين من السابعة الى التاسعة مساء… فوجئت صدقا بالمقترح ..وعرفت في ما بعد انّ المرحوم صلاح الدين معاوي كان ومنذ بداية الثمانينات متابعا لاخباري بحلوها ومرّها في اذاعة صفاقس ..
اعيد القول اني فوجئت بالمقترح ..بل لم يستهوني ..وهاكم الاسباب ..انا منذ دخولي لمصدح اذاعة صفاقس كان لي مخطط لمستقبلي المهني ..هذا كان مخطّطي: 10 سنوات اذاعة …10 سنوات تلفزة … وبقية العمر ان طال العمر للسينما …. و(اللي يحسب وحدو يفضلّو) لان الانسان في كلّ حالاته ..في طفولته .. في شبابه .. في كهولته .. في شيخوخته ..وفي كلّ قرارات حياته منذ الولادة الى المغادرة لا تخطيط له ..نعم هنالك “اجندا الهية” نخضع اليها جميعا .. قد تاخذنا نرجسيتنا وثويريتنا لنقول: سافعل .. سافعل .. سافعل ..ولكن وعند الوصول الى سنّ الحكمة سنكتشف اننا جميعا خاضعون للاجندا الالهية … انا كنت وسابقى دائما من المؤمنين بالارادة والطموح والفعل …وهذا لا يتنافى مع ما قلته بل هو متناسق مع (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ..
اعود للعرض المقترح من السيد صلاح الدين معاوي وكان ردّي الفوري: تي انا نخمم نوقّف العمل متاعي في الاذاعة لانتقل للعمل كمخرج في التلفزة وانت تقللي اذاعة الشباب ؟؟ وفعلا انا منذ سنة 88 قررت التحضير لمغادرة المصدح ولكن على مراحل اوّلها ردم كوكتيل من البريد الى الاثير واعلان وفاته .. بالمناسبة، عندما سمع المرحوم صالح جغام بنيّتي في ايقاف الكوكتيل (قطّع شعرو) كما تعرفونه رحمه الله عندما يغضب ..طلبني هاتفيا وقال لي: يا خويا عبدالكريم يخخي هبلت توقف الكوكتيل ؟؟ برنامجك ضارب ودائما الاول في الاستفتاءات السنوية .. اش قام عليك ؟؟ ضحكت وقلت له يا صالح ستعرف يوما الاسباب وبعدها نحكيو…
انذاك فكرت في ايقاف الكوكتيل وفعلت ..الكوكتيل اصبح في اذهان المستمعين اسطورة ..وانا من موقعي الفكري كنت دوما ضدّ الاساطير … اذن عليّ ان اكون متناسقا مع نفسي واوقف الاسطورة ..نعم ربما بقساوة على نفسي وعلى المستمعين اوقفت الكوكتيل ..وتلك هي المرحلة الاولى ..وفي المرحلة الثانية التجات للتعويض .. عوضته في مرحلة اولى ببرنامج مساء السبت ثم باصدقاء الليل …واختيار هذه المواقيت كان مقصودا ايضا ..كنت محسودا على فترة الكوكتيل من العاشرة الى منتصف النهار وكان بعض الحساد ينسبون نجاحي الى تلك الفترة الزمنية من اليوم ..لذلك ومع كوكتيل الاصيل ومع البرامج التي ذكرتها كنت اريد ان ابرهن انّ نجاح ايّ برنامج ليس مأتاه فترته الزمنية… بل اقول اكثر من ذلك، المنشط هو الذي يخلق الفترة الزمنية وليست الفترة الزمنية هي التي تخلق نجاح المنشط ..وحتى عندما اوقفت الكوكتيل وعوضته بمساء السبت كان في نيتي وبكل حزم ان انهي علاقتي بالمصدح سنة 1990 لانتقل الى مخططي وادخل في الحقبة الثانية وبدءا من 1990 في عشرية العمل التلفزي …
سمعني السيد صلاح الدين معاوي بانتباه وبتركيز شديدين وانا اعلمه بنية مغادرتي العمل الاذاعي سنة 90… وقال لي (ما اختلفناش… شدّلي اذاعة الشباب توة، وعام 90 يعمل ربّي .. هذا طلب اعتبرو من صديق موش من رئيس مدير عام) ..ابتسمت وقلت له طلبك عزيز وعلى العين والراس لكن بشرط ….في بالي فيه البركة مع الورقة 85 .. وطبعا ندّلل عليكم لاترك ماهيّة شرطي الذي وضعته، للورقة المقبلة …
ـ يتبع ـ
جور نار
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
نشرت
قبل 3 أيامفي
6 نوفمبر 2024عبد القادر المقري:
فوز دونالد ترامب بعهدة ثانية (غير متصلة) في سدة البيت الأبيض يحمل معه عددا لامتناهيا من الدلالات… خاصة إذا عرفنا أن منصب الرئيس الأمريكي هو عبارة عن “واجهة” لتوازن قوى وإرادات ونوايا داخل الطبقة النافذة وأجهزتها، بأكبر قوة على الأرض حاليا.
قد يبدو الأمر مستغربا خاصة من وجهة بلدان كمنطقتنا حيث تتجمع كل السلطات في يد شخص واحد تسبغ عليه أجلّ الأوصاف البشرية وفوق البشرية وحتى الإلهية… وهذا طبيعي بحكم الموروث الذي تراكم لدينا على مر آلاف السنوات، وتمركزت فيه السلطة بشكل مبالغ فيه لدى أفراد حملوا مختلف الألقاب التي توحي بالعظمة والقهر والسلطان المطلق، وبات ذلك مقبولا وبديهيا لدى العامة مهما كانت قشور بعض الدمقرطة هنا وهناك… وحتى في العشرية الماضية التي يسوّق أصحابها أنها كانت قوسين ديمقراطيين وسط عصور من الاستبداد، فلقد تصرف “الديمقراطيون” بشكل لا يختلف عمن سبق وعمن لحق… ويكفي هنا التذكير بذلك “الاعتصام” الذي دفعوا إليه بأنصارهم سنة 2012 أمام مبنى التلفزة التونسية، وطالبوا خلاله بعودة الإعلام الوطني إلى تمجيد “إنجازات” الحاكم، بدل عملنا الإخباري المحايد الذي حاولنا الشروع فيه بعد جانفي 2011…
إذن أسفرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن عودة دونالد ترامب إلى الحكم مجددا كإحدى النوادر في تاريخ تلك البلاد… إذ تذكر المصادر أنه وحده رئيس قديم يدعى “كليفلاند” حكم في بداية القرن 19 فترة أولى، ثم خسر معركة التجديد، وعاد بعد ذلك إلى البيت الأبيض … أما الـ 55 رئيسا الباقون فكانوا إما يجددون وهم في مكانهم، أو يخرجون خروجا لا رجعة بعده… وهذا قد يعكس قوة شكيمة لدى شخصية ترامب المضارب العقاري الذي لا ييأس وفي جعبته صبر التجار وعنادهم الأزلي… ويترجم هذا الرجوع خاصة رغبة الـ “إستابليشمنت” الأمريكي في حسم بعض الملفات التي بقيت مفتوحة، بل مبعثرة الأوراق، في عهد العجوز المريض جو بايدن…
من هذه الملفات أو في صدارتها الحرب في أوكرانيا… هي كما وصفها عديدون حرب أوروبية أوروبية، وقد اندفعت في خوضها (بالوكالة) إدارة بايدن أولا لتأكيد زعامة الولايات المتحدة على الحلف الأطلسي… وثانيا ربما لانتماء الرئيس المتخلي إلى جيل ولد ونشأ وكبر ومارس السياسة والأعمال زمن الحرب الباردة، وخلّف ذلك لديه نفورا من السوفيات والروس وكل ما له صلة بهم… فضلا عن سبب ثالث يتم التطرق إليه بين الفينة والأخرى وهو أنشطة ابنه “هونتر” التجارية ومصالحه بأوكرانيا، فيما يتهم الروس بايدن الإبن بامتلاك مختبرات في كييف لإنتاج أسلحة كيميائية… وعلى العموم، فقد كلفت هذه الحرب الخزينة الأمريكية ما يزيد عن 174 مليار دولار على الأقل، من المساعدات العسكرية والاقتصادية … حسب آخر تصويت من الكونغرس (الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون) في شهر أفريل الماضي…
وفي هذا الباب، يقف دونالد ترامب على النقيض من بايدن… فمعروف عنه موقفه غير العدائي من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين خاصة… بل يمكن وصف علاقة الطرفين بنوع من التفاهم إن لم يكن بالصداقة… كما أن ترامب ينتهج بعضا من نظرية “مونرو” الانكفائية خصوصا في ما يتعلق بعدم الالتزام بقضايا لا تهم المصلحة الأمريكية المباشرة… فكما قلنا، الصراع الأوكراني هو شأن أوروبي، ومكانة هذه القارة (سيما بعد أن أصبحت اتحادا) في سياسة ترامب لا تعدو كونها منطقة منافسة أكثر منها حليفا تندفع الولايات المتحدة للذود عنه والإنفاق عليه…. وهذا ما يفسر تخوف العواصم الأوروبية من مآل السباق نحو البيت الأبيض، وهي عارفة ما ينتظرها في صورة رجوع ترامب بعد أن جربته في العهدة الأولى…
وتبعا لهذا، من المنتظر رؤية عديد الالتزامات الأمريكية الخارجية تتقلص إن لم نقل تتلاشى بصفة شبه كلية… لا ننسى أن ترامب انسحب من تعهدات دولية عديدة كالتي حول المناخ مثلا، وأهم منها تهديده المستمر بالانسحاب من الحلف الأطلسي ولو جزئيا… ويستتبع ذلك كما أسلفنا انحسار “السخاء” الأمريكي في مساعدة دول هذا الحلف عسكريا وحتى اقتصاديا… دول هذا الحلف ومن ترضى عنه هذه الدول أيضا… ولعل أول من استبق هذا الانحسار، كان إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الذي سارع إلى ترميم علاقاته بدولة كالمغرب… وقد تتبع ذلك خطوات مماثلة مع دول عربية وإفريقية تجمعها علاقات “تاريخية” بفرنسا والمتروبول الأوروبي عامة (في سياسات الهجرة والتأشيرات ربما)… وقد تمثل هذه الفضاءات وأسواقها بديلا، إلى حد ما، عن الدعم الأمريكي لاقتصاد القارة العجوز… عكس ما يتوقعه اليمين الأوروبي المتطرف من قمع متزايد للهجرة، اقتداء بسياسات ترامب في بلاده من هذه الناحية…
فلسطينيا… وإن كانت سياسة واشنطن المنحازة كليا للكيان الإسرائيلي لا تختلف بين شتى الجالسين في المكتب البيضاوي، إلا أن تفاصيل صغيرة قد تتغير مع إمساك ترامب بمقاليد إدارة الصراع… وهنا يتوجب الانتباه إلى الدور الإيراني في مجريات الأحداث الأخيرة الناجمة عن هجوم 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من عدوان إسرائيلي ماحق على غزة والحنوب اللبناني… وسواء كان الطرف الثاني في مواجهة الاحتلال منظمة حماس أو تنظيم “حزب الله”، فإن هذه الفصائل تمثل باعتراف إيران نفسها، أذرع طهران في المنطقة إضافة إلى مثيلاتها في سوريا والعراق واليمن البعيد…
وإذا كانت المواجهة في عهد بايدن ظلت تكتفي بمحاربة الأذرع العربية دون المساس بالجوهر الإيراني، فإنها مع ترامب قد تغيّر مسارها ومرماها تماما… ترامب له حساب قديم مع طهران وبرنامجها النووي وليس في وارده “ملاطفة” إيران كما فعل بايدن، كما أنه قد يركز على ضرب إيران مباشرة وتهدئة الجبهة مع أذرعها… مما قد يفضي إلى تشجيع تغيير في حكومة الكيان (وقد بدأت التصدعات بعد في فريق نتنياهو) يقضي بوقف ولو تدريجي لإطلاق النار في قطاع غزة وجنوب لبنان…
يقيت نقطة أخيرة في ما يخص “كامالا هاريس” المرشحة سيئة الحظ… لقد أثبتت هذه المرأة رغم هزيمتها، شجاعة وديناميكية منقطعتي النظير… امتطت قطار الانتخابات وهو سائر لتعويض “جو بايدن” بُعيد انسحابه المفاجئ في 21 جويلية الماضي… فيما كانت الحملة الانتخابية في أوجها على مسافة 100 يوم فقط من يوم الاقتراع، وفيما كان منافسها ترامب جاهزا منذ أشهر وحملته ماضية على أشدها… فكان عليها أولا الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ولم يكن ذلك بديهيا، ثم خوض حملة طاحنة في فترة قصيرة، ثم خاصة الرد على مثالب الخصم الشرس حول رئيسها وفترة حكمه، ثم حولها شخصيا وحول مقدار كفاءتها لاعتلاء منصب الرئيس…
ولئن تجاوزت الولايات المتحدة إرثها المثقل بالميز العنصري عند انتخاب أوباما كأول رئيس أسود ومن أصول غير بروتستانتية (ولا مسيحية حتى) سنة 2008، ولأسباب انكشف أنها جاءت وفق “كاستينغ” متلائم مع مرحلة تصعيد الإسلام السياسي لحكم البلاد العربية… فإنه لا يبدو أن ذلك سيتكرر بسهولة، خاصة أن هاريس تعترضها “عوائق” ما زالت ذات وزن في العقلية الأمريكية والغربية عامة… ورغم التطور الكبير في العقليات، إلا أنه يبدو أنه لم يحن الوقت بعد لرؤية امرأة على رأس بعض الديمقراطيات الكبرى… فقد فشلت “هيلاري كلينتون” سنة 2016 في سباق مماثل نحو الرئاسة الأمريكية، كما فشلت قبلها “سيغولين روايال” في فرنسا سنة 2007، وكلاهما بيضاوان أوروبيتان أصلا ومفصلا…
وهذا ما يضيف أسهما إلى شجاعة امرأة ذات أصول إفريقية وآسياوية، مثل كامالا هاريس…
عبد الكريم قطاطة:
الحديث عن ايطاليا البلد الذي احتوانا في تدرّبنا بالراي اونو حديث يحتاج الى مجلّدات .. اليوم ساحدثكم عن ايطاليا والمعمار والجمال ..
لا نختلف في انّ جمال المدن الايطالية له رونق خاص وهذا ما دفع بالبعض وهو يصف بعض هذا الجمال يردد مقولات من نوع: (اشاهد فينيسيا، اي “البندقية” المدينة العائمة، ثم اموت) VEDERE VENEZIA E MORIRE .. … رغم انّ تاريخ هذه المقولة يؤكّد انها قيلت عن مدينة نابولي وليس فينيزيا ..ولانّ الجنوب كان ومازال ضحية التحيّل والظلم، تحوّل المثل الى البندقية … اي نعم كل جنوب قدره الاحتقار ..وحتى ايطاليا نفسها الواقعة في جنوب اوروبا يعتبرها الاوروبيون الاخرون حثالة اوروبا… رغم انهم يدركون جيدا انّ الفنّ خُلق في ايطاليا ..والسباغيتي ايطالية او لا تكون… والمثلجات بفففففففففف دنيا اخرى .. خللي عاد من الكورة المحنونة .. نودّكم ولا نشهّيكم ..
نحكي على اوروبا .. اما كي نحكيو على العالم كُرويا بالنسبة لي تبقى البرازيل عنوان السحر وتجي بعدها تونس (متاع الجرو والقادري!! .. ايّا نبدّلو هالصحيّن) .. في زمن ما… القرن الخامس عشر… اصبحت ايطاليا زعيمة العالم ورائدته في الفنون والثقافة ..وهو ما يسمّى عصر النهضة ..طبعا النهضة متاعهم موش النهضة متاعنا …ما اقرب طز لشرّڨ …في ذلك الزمن وتحديدا في افريل 1507 وضع البابا يوليوس الثاني حجر الاساس لبناء معلم الفاتيكان… والذي هو وبعبارة موجزة يمثّل مكّة بالنسبة للمسيحيين، لانّه مركز القيادة الروحية للكنبسة الكاتوليكيّة… وككل المشاريع الضخمة في المعمار كان عرضة للعراقيل لانّ بناء معلم الفاتيكان نهائيا لم يتمّ الا في 14 ماي سنة 1590 …
وكيف نكون في روما ولا نزور الفاتيكان؟ … الفاتيكان اصبحت فيما بعد اصغر دولة في العالم 0 فاصل 49 كيلومتر مربع مساحة… وسكانا لا يتجاوز تعداده 850 فردا ..هذه المعلومات اسوقها فقط للتذكير بها لكن ما هالني وانا ألج إلى كاتدرائية “الفاتيكان”سيكستين” هذا المعمار الضخم والرهيب …كنت اتساءل كيف للانسان في ذلك الزمن (القرن 15) ان يشيّد مثل ذلك المعلم وبذلك الحجم ..اعمدة رهيبة طولا وسُمكا .. كيف صنعوها ؟؟ كيف رفعوها وهي طولا بحجم عشرات الامتار وسُمكا بقطر دائري ضخم؟؟ .. بكلّ امانة لم ار في حياتي لا الواقعية ولا الافتراضية معلما بتلك العظمة… وهو مُحلّى بابهى الزخارف والفسيفساء اتسمعني ليونارد ديفنشي ؟؟ وبتماثيل عملاقة … قلت في بداية توصيفي له هذا المعلم الرهيب ..اي نعم ..رهبته تتمثّل في انّ كلّ من لا يحمل في قلبه ايمانا عميقا بالاسلام، قادر هناك في لحظات وجيزة ان يعتنق العقيدة المسيحية !…
معلم آخر وهو في قلب العاصمة روما لا يمكن لكلّ زائر للمدينة الخالدة ان لا يذهب اليه .. انها نافورة تريفي (لافونتانا دي تريفي) ..النافورة تُعدّ من اجمل نافورات العالم وهي من مواليد القرن السابع عشر واستغرق بناؤها 30 سنة… و منذ ولادتها ولحدّ الان ظلت محلّ رعاية واصلاح وتطوير (كيف المعالم التونسية اللي عندنا بالضبط قريب يطيحو على روسنا … وهي المصنفة في خانة “دار الخلاء تبيع اللفت”)… الشيء الخاص بنافورة تريفي انّها تختزن اسطورة منذ القدم ..فالسائح عند الوقوف امامها عليه ان يرمي بقطعة نقدية في فسقيّتها… حسب المعتقدات الايطالية، فإن القاء تلك القطعة النقديّة يحقّق لصاحبها كلّ ما يتمنّى وحتما سيعود لزيارة روما ..انا كنت طبعا من الذين القوا بالقطعة النقدية .. فقط لاخذ صور تذكارية … ولانّ نيتي كانت مخوّزة .. لم تتحقق برشة امنيات ومللي دفنوه ما زاروه …
الايطالي في حياته انسان (تعشقو عشق) يحبّ جدّا الحياة بكلّ ملذّاتها .. وفي نفس الوقت يؤمن بالعمل كقيمة حضاريّة ..الايطالي يمكن ان نفهمه من اغنية لـ”توتو كوتونيو” بعنوان (دعوني اغنّ)… لاشاتا مي كانتاري… لانه حتى وهو يتحدّث ويداه في حركات سمفونية رائعة، يغنّي .. حتى وهو يمشي (وهنا الاصحّ حتى وهي تمشي) هي تغنّي وترقص …الباعة الذين ينتصبون كلّ ايام الاسبوع في اماكن مخصصة لهم يعرضون بضاعتهم على الآخرين وهم يغنّون .. ربما هم من فهموا (المغنى حياة الروح … يسمعها العليل تشفيه ..وتداوي كبد مجروح ..تحتار الاطباء فيه ..وتخلّي ظلام الليل .. بعيون الاحبّة ضيّ .. شوي شوي شوي شوي غنيلي وخذ عينيّ) .. اصبحت لديّ شكوك في انّ الكبير محمود بيرم التونسي صاحب كلمات هذه الاغنية عمل حرقة في زمانو لايطاليا واستلهم من روح شعبها الفنان في كلّ شيء ..اغنية الستّ غنيلي شويّ شويّ …
وهنا يتوقف قلمي عن مواصلة الكتابة ..معناها بعد رائعة بيرم كلمة، وزكرياء احمد تلحينا، والستّ غناء نواصل انا في لغوي؟؟ عيب يا عبدالكريم عيب …
ـ يتبع ـ
استطلاع
صن نار
- جلـ ... منارقبل 7 ساعات
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
- اجتماعياقبل يومين
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم … الورقة 85
- اقتصادياقبل 3 أيام
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
- اجتماعياقبل 3 أيام
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
- جور نارقبل 3 أيام
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
- صن نارقبل 3 أيام
انتخابات أمريكية: تزامنا مع فوز ترامب… الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس
- صن نارقبل 3 أيام
الاحتلال يلقي أكثر من 85 ألف طن من القنابل على قطاع غزة