جور نار
ورقات يتيم … الورقة 61
نشرت
قبل 8 أشهرفي

عبد الكريم قطاطة:
العمل في شريط الانباء كفنّي في المونتاج لا يتطلّب دراية كبرى في ذلك الفنّ بقدر ما يتطلب عنصرين هامّين لدى المركّب… العنصر الاوّل السرعة في الانجاز والثاني الدراية الكاملة بالبروتوكول الحكومي والحزبي للشخصيات التي يقع تصويرها ذلك اليوم والتي ستمرّ ضمن شريط الانباء…

ولتوضيح عديد النقاط التي يجهلها جل المشاهدين دعوني افسّر لكم البعض منها … اوّلا لنتفق جميعا انه في تلك الفترة كانت الاحداث التي تُصوّر تهتم قبل كل شيء بنشاط رئيس الدولة اليومي سواء كان منها العادي حيث اجتماعاته بوزرائه وضيوفه وهي غالبا ما تكون على الساعة الـ11 صباحا بقصر قرطاج .. والرئيس له فريق تلفزي خاص به بالقصر ثم فرق تلفزية اخرى تابعة لقسم تصوير الاخبار مهمتها مواكبة اشغال الوزراء بدءا بالترتيب البروتوكولي لهم ..التصوير انذاك كان على شريط فيلمي وهذا يعني ان هناك عملية تحميض تتم بمخبر المؤسسة يوميا … دور المركّب وبالتنسيق الكلّي مع رئيس تحرير قسم الاخبار ان يقوم باختيار الصور المناسبة قيمة ومدّة لبثها في شريط الانباء على الثامنة مساء …
هذه العملية ليست بالهينة تماما، اذ لا يُعقل مثلا في اجتماع شعبي لرئيس الدولة ان لا تمُرّ صورته بمختلف اصناف الكادراج والتركيز خاصة على القريب منها حتى يُبرز الاختيار كاريزما الرئيس وهو المعروف والمشهود له بتأثير نظراته وحركات رأسه ويديه وقدرته الاسطورية على التغلغل بهذه الميزات في وعي ولاوعي المشاهد ..فخطاباته كانت ـ اكنت من محبّيه ام كارهيه ـ تخترق المشاهد وتشدّه موضوعيا بقدرة صاحبها (الزعيم بورقيبة) على الجذب والسحر والابهار ..هو بمثابة الممثل البارع في فن الخطابة الذي يُخضعك لصولجان براعته …
ثم على المركّب ان لا ينسى خاصة بعض الصور للماجدة وسيلة ولكن ورغم هيامه الاسطوري بها يجب الا تكون في حجم ومدّة حضور المجاهد الاكبر (نحبّك يا وسيلة ونموت عليك اوكي اما اللعب بعشانا لا) … ومع الماجدة حذار ان تمرّ منك صورة لها وهي تقدّ في روبتها او تتضيحك… لذلك الجيل هل شاهدتم مرة واحدة وسيلة تتزعبن؟؟؟ يستحيل لا خارج القصر و بالطبيعة لا داخله… حريم السلطان راهي … انها الماجدة الرصينة الجدية ..في كلمة (السلطانة) …دعوني هنا افتح قوسين … (تفوه على الدنيا التي تحصرنا في كهف الرصانة والجديّة الى حد العبوس… هذه النوعية هل عاشت حياتها؟؟… هل فهمت يوما ماهي متعة الحياة ؟؟ ما قيمة حياتنا اذا لم نعبث احيانا كالاطفال… نشطح معهم …نقهقه .. نغمس ارجلنا في الرمل على الشاطئ …نضرب ماء البحر باطراف اصابعنا… نخرج من معقّف البريستيج)… لهذه الاسباب وضعت الاشارة بين قوسين ..لأنّ حياتهم هي بين معقّفين اوّلهما (هو يصير ..؟؟)… وثانيهما (راك سي فلان او للة فلانة) …
طز والف بليون طز في كلمة سي وفي كل الالقاب التي تحرمني من قعيدة بالسروال العربي… في قهوة شعبية احتسي الكابوسان مع كل روادها من الڨاراجيست الى الاستاذ الجامعي … استمع الى الاول فاتعلّم منه بساطة ومتعة الحياة لانه من فصيلة بوزيد مكسي بوزيد عريان … واتحاور مع الثاني وكلّ همّي كان وسيبقى ان اقول له إن المثقف الحقيقي هو الذي ينزل الى الاخر فيقتسم معه حياته باسلوب مبسّط بعيدا عن مدارج الجامعة واؤكد له ان ذلك لن يُنقص من قيمته شيئا … واُعيده الى قائمة العظماء عبر التاريخ الانساني من انبياء وفلاسفة ومفكرين ليُدرك انّ عظمتهم مصدرها الاساسي الاختلاط بالعامة واستلهام عديد الدروس منهم .. الم يكن عمر بن الخطاب عظيما وهو يطهو بنفسه طعام تلك الجائعة بعد ان اشتكت له من امير المؤمين وهي لم تدرك وقتها انه امير المؤمنين ؟؟ ….ومع هذا الخليفة العادل الم يقل لداهية العرب عمرو بن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ..في حادثة اعتداء ولد ابن العاص على واحد من عامة الناس ..؟؟؟ اليست العظمة الحقيقية ان نتفاعل مع الاخر دون النزول الى الابتذال ونرتفع معا الى مستوى جميل ؟؟…
في المونتاج يجب الحرص ايضا على تركيب صور اعضاء الحكومة حسب الاهمية البروتوكولية لمناصبهم … وهذا من اختصاص بعض المركبين فقط انذاك كان امهرنا “الملك”… هكذا يُلقّبونه اشتقاقا من اسمه (محمد علي الرويدي) اخذوا الروي واشتقوا منها كلمة ملك بالفرنسية… الا انه كانت تعوزه بعض تفاصيل تقنيات المونتاج الهامة كلحظة الربط بين مشهد وآخر… حيث يجب حتما حذف ثلاث صور احيانا من المشهد الاول الذي به بداية حركة راس الشخص حتى لا تقلق البصر عند المشاهدة … هذه جزئيات يُحسّها المشاهد دون ان يدرك السبب ولكن فنّي المونتاج يدرسها نظريا ثمّ يطبق حذفها متى جاءت في الصورة .. دون نسيان بعض التعليمات التي تأتي للمركّب من رئيس قسم التحرير والتي من ضمنها مثلا عدم تمرير اية صورة للوزير الفلاني في شريط الانباء لذلك اليوم ..كنت انظر الى رئيس التحرير واسأل ببراءة خبيثة (اشنوة كمّل السيّد؟) اي طيّرو ..
وتأتي الاجابات حسب نوعية رئيس التحرير اما بالصمت ..ما يعبركش ..او بالهمهمة دون تفكيك اسرارها ..او بابتسامة من نوع (اش عنا فيهم هذي تعليمات اكهو خويا عبدالكريم) …ثم يضيف اغلبهم: (نمشي نتهنّى ؟)… وهذا السؤال في ظاهره عادي وفي باطنه خوف على منصبه …لان مثل هذه التعليمات تأتي مباشرة من القصر الى رئيس مدير عام المؤسسة وهو بدوره يبلّغها الى رئيس التحرير والاكيد ايضا انه يختمها بـ (نتهنّى ؟؟؟)… اذ انّ عدم تنفيذ تعليمات القصر تعني دون ادنى شك ثلاث رؤوس تطير (الرئيس المدير العام ومدير التلفزة ورئيس تحرير شريط الانباء) … لذلك افهموا عيارة نمشي ونتهنّى هي من نوع (يعيّش خويا راهي خبزتي) .. وهي في الحقيقة “بريوشة” ولم تكن يوما خبز عياله لانّ مثل هؤلاء هم في جلّهم يتذللون من اجل الكرسي لا من اجل قوت العيال ..هم من اجل ذلك المنصب الحقير يشربون ماء الحياة بذلّة وجهنم بالكرسي اطيب منزل …
كما اسلفت سابقا وقع تعييني في قسم المونتاج بشريط الانباء استعداد للحدثين الهامين اولهما مؤتمر الحزب في سبتمبر 79 .. في مثل هذه الاحداث تشتغل ماكينة “الملأ” …الملأ كلمة وردت بشكل مطّرد في القرأن الكريم وهي تعني الحاشية …والتي عموما تكون من النوع السيء: ملأ فرعون ملأ ملكة سبأ … وحتى بعد ظهور الاسلام لم يختف هذا الملأ وبدأت ملامحه الاولى في عهد الخليفة عثمان ثمّ عاد في جل العهود بدءا من الدولة الاموية ووصولا الى يوم الناس هذا لتشتغل… فالبجبوج له ملؤه والغنوشي له ملؤه* والاخرون لهم ندماؤهم … الحاشية في سنة 79 ارتات ان تعمل هي ايضا من اجل حساباتها الضيقة ..
منذ تلك السنة بدأت حاشية القصر تعمل لحسابها قبل حسابات الزعيم …. اي بدأت الدسائس والنظرة الاستشرافية لما بعد بورقيبة ..بعض فصائلها ركّزت جوكاراتها على الاعلام ..عينت رئيسا مديرا عاما جديدا لدار التلفزة، سالم بوميزة ..عينت مديرا عاما للاخبار، عبدالحميد سلامة… واقالت بشكل غير رسمي مدير اذاعة صفاقس انذاك المرحوم محمد قاسم المسدّي وذلك بالادعاء انها في حاجة الى خدماته ضمن فريق شريط الانباء …دون تعيين مدير لاذاعة صفاقس حتى لا تفتضح نواياها …وانطلقت اشغال المؤتمر …كانت اجواؤه مشحونة جدا ولكن ما كان يمرّ للمشاهد العادي وكالعادة الهتاف للزعيم من الجميع والابتسامات البلاستيكية لكل الاخوة الاعداء ..الا ان بعض الصور التي تصل الينا كنّا نقرأ فيها التحايا المسمومة والوجوه الحقيقية لذئاب السياسة …
صدقا لا ازعم انني من البارعين في الاهتمام بما يجري …لانني كنت ومازلت اعتبر جلّهم من طينة قابيل وانّ هابيل الحقيقي هو الشعب … وظهرت نتائج المؤتمر وخسرت حاشية جوكارات الاعلام المعركة …عاد المرحوم قاسم المسدّي الى عرينه … وارتأت رئاسة المؤسسة ان تنقذ ماء الوجه بانتاج شريط وثائقي هام حول انتقال الجامعة العربية الى تونس بعد القطيعة مع مصر السادات ممضي اتفاقية السلام مع اسرائيل … وراس الهم دادة عيشة …من لهذا العمل غيرك يا عبدالكريم …؟؟؟ كان ذلك صبيحة يوم اثنين …والصبيحة تعني عندي في عملي بقسم مونتاج شريط الانباء الحادية عشرة صباحا كان لطف بيهم ربّي …طبعا وباتفاق كُلّي معهم …. ولكن في المقابل قد لا اغادر عملي قبل منتصف الليل احيانا …
صبيحة ذلك الاثنين وجدت مدير الاخبار عبدالحميد سلامة في انتظاري… اتاني بكمّ هائل من الاشرطة المصورة حول تاريخ الجامعة ومعاهدة كامب دافيد ومؤتمر اخر قمة ببغداد حيث وقعت القطيعة مع مصر (افريل 79) ومشاهد عديدة لتونس ماضيا وحاضرا… وطلب منّي انتاج شريط وثائقي للحدث حسب تصوُّري الفنّي سيقع عرضه على رئيس الدولة قبل بثّه للضيوف العرب في انطلاق قمة تونس …ثم اضاف اريده شريطا طويلا لا يقلّ عن الساعة والنصف …نظرت الى الاشرطة ومن خلال تجربتي في الميدان قلت له إن هذه الاشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير …ضحك مدير الاخبار وقال بنغمة فيها شيء من الاستعلاء ليذكّرني بأنه مدير قد الدنيا: (انا نعرف اش نقول سي عبدالكريم …اوكي يقولو عليك من خيرة المركبين وجاي فرشك من فرنسا .. اما حتى انا نعرف خدمتي) …
ولأنني لم اكن يوما حربوشة سهلة الابتلاع .. ولأنني لم اتمسّح يوما على قدم مسؤول … قطّبت حاجبيّ بشيء من الانفعال وقلت: احتراماتي ليك سي عبدالحميد …انا لا يمكن لي يوما ان اضع الصفارة في فمي وان اقوم بدورك كحكم في مباراة لكرة القدم (باعتباره كان قاضي ملاعب في فترة ما) … ولا يمكن لي ان البس ميدعة بيضاء لاقوم بدورك كاستاذ في مادة العربية…( وهو كذلك ايضا) … ولكن في المقابل ودون افتخار او زهو اقول لك ما جلبته لي من اشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير، وهذه ليست عنترية من جانبي بقدر ماهي تجربة …هل يمكن لك ان تعطي مترا من القماش الى خياط وتطلب منه جلبابا لسيّد طوله متران …؟؟ وقف مدير الاخبار واجما مصعوقا من سي عبدالكريم هذا الذي تجرّأ على منطقه وهشّمه ….احسست في نفس الوقت باعجابه بعلوّ حجّتي … طبطب على كتفي وقال: انا سمعت عنك الكثير وكلّي ثقة فيك … ساترك الاشرطة وسادعك تعمل ..لن اشك في نزاهتك ولا في كفاءتك …لكن لندعه رهانا بيننا… اذا صحّت رؤيتي ستتكفّل بخلاص عشاء فاخر في اي مطعم اختاره واذا صحّت رؤيتك اطلب ما تشاء وفي ايّ مكان ايضا هل تقبل الرهان ..؟؟ نظرت اليه مليّا وقلت له: اوّلا اعدك بانّي ساكون نزيها وصادقا في عملي ولن اسرقك في الرهان ..لم يتركني اتمّ وقال هذا واثق منه انا مرة اخرى اقول لك انا لا اعرفك ولكن المعلومات التي تصلني عنك تسير في هذا المسار … قلت له وثانيا ساكون عند وعدي وارجو ان تكون عند وعدك …مسك يدي بحرارة وصدق وقال: صاحبك راجل …
وانطلقت رحلتي مع الشريط …كل كفاءتي ومهنيّتي وضعتهما في ذلك الشغل …كنت كل ليلة عندما انتهي من عملي على الشريط وقبل ان انام اعانق وسادتي واتمتم كلمات لا يفهمها احد .. باستثناء وسادتي …انا من الذين يعشقون وسادتهم …قد نرمي رؤوسنا احيانا على صدر من نحب ..هي لحظات ممتعة الى درجة الذوبان .. التوهان … ننسى فيها الزمكان … ولكن للوسادة الشخصية لكل واحد منّا طعما خاصا .. انها الخليل او الخليلة التي لا تهجرك … هي.طوع لك وانت طوع لها …لن تملّ منك في كلّ حالاتك مبعثرا كنت… شايخ… فادد …حزين …طاير … تنسجم معك تعانقك… تواسيك … تناجيك … تناديك … تلاغيك …تفهم جد والديك … واتممت عملي …جاء مدير الاخبار وبدأنا المعاينة …طيلة 55 دقيقة و40 ثانية مدّة الشريط لم ينبس ببنت شفة ولا بنت سلفتها ولا بنت اخت راجلها …كان رصينا جدا في مشاهدته للفيلم ومتتبّعا جيّدا لكل منعرجاته … نظر اليّ بعد نهايته وقال: سي عبدالكريم برافو …انت فنّان …ونهض دون ان يسأل عن مدته ودون ان يعود للرهان …عاد بعد لحظات وقال: ماشي نهزوه للمعلّم يشوفو … توة نرجعلك …والمقصود الرئيس المدير العام للمؤسسة…
عاد بعد ساعة ونصف واعاد تهنئتي بعد أن لمس سعادة عرفه بالمنتوج ثمّ سالني: قداش هو المدة متاعو؟؟؟ اجبته بانه لم يصل حتى لساعة من الزمن …رفع يده إلى جبينه باشارة معناها (هذا حقّك، اطلب وادلّل) …قلت له: نقلتي الى صفاقس …وبنبرة كلّها اندهاش قال لي: اشنوّة ..؟؟ قلت له نقلتي الى صفاقس …ردّ: اشنية هذي نكتة ..؟؟ قلت له ربحت الرهان وانت وعدتني بالاستجابة لطلبي وهذا هو طلبي … جلس بجانبي وقال لي: تحكي بجدّك يخخي ؟؟؟ كيفاش هذي ؟؟ انت هنا الف واحد يتمنّاو بلاصتك ؟؟؟ اش ماشي تعمل في صفاقس …؟؟…
انذاك “نڨّزت”على السؤال الاخير وقلت له …لماذا لا يتم بعث نواة تلفزية هنالك تقوم بانتاج برامج شهرية تُعنى بالجنوب … كلّ ما في الأمر كاميرا وطاولة مونتاج والبقية انا من سيتكفّل بها وسيُحسب ذلك انجازا هاما للمؤسسة في هذه الفترة …كنت ادرك جيّدا انّ مسّ يد ايّ مسؤول من خلال هذه الزاوية ستعطيه شراهة القبول والمُضي في الامر ..المسؤول يهمه فقط ان يذكره الاخرون بتاريخ انجاز ما في عهده …هكذا سي عبدالحميد ستضع اقتراحي للرئيس المدير العام ولا اظنه يرفض ….صمت قليلا ثم قال: من جانبي ارى الامر معقولا …وساقترح الأمر علي رئيسي …شددت على يديه وقلت له الان … انا ربحت الرهان فليكن الاقتراح الان ….كنت كمن ينتظر سيارة اجرة جماعية ويراها على بعد امتار منه ولا يريد ان تفوته …قال لي: هكة يا سي عبدالكريم الان ..؟؟ قلت له الحديد لا يُطرق الاّ ساخنا …الآن الآن وليس غدا ….
نهض مغادرا كابينة المونتاج ثم استدار باسما وقال : اوكي الآن …انذاك كنت اهتف الى عيّادة …ايّتها الغالية … عبدالكريم لم يف بوعده بعودته اليك من فرنسا دون بنت الرومية ان تختطفه منك، بل اراد لك “بونيس” بحجم سعادة عمرك به ..سيكون الى جانبك بصفاقس سيعود الى حوشنا الجميل سيعود الى … ان شاء الله تربح ساقيتنا ..الى الكازينو وسيدي منصور… قبل ان تعبث بهما مخنقة السياب والـ”ان بي كا” …الى المائة متر في قلب صفاقس …الى بوشويشة وسوق الحوت والجزارين وسوق الربع والرمانة …الى نهج الباي وسفنج السيالة ورحبة الرماد … الى كل ذرة من تراب مدينتي تماما كما تحبون كل ذرة من تراب مدنكم اينما كنتم …كم هي عزيزة مدننا علينا هي عزيزة على روحنا على تنفسنا هي الطعم الشهي لنوستالجيا الحياة ….ماهي قيمة حياتنا دون نوستالجيا ما عشناه؟ ..انسان بلا نوستالجيا عندي اشبه بغصن ميّت متدلّ من شجرة …اشبه بجثمان غير محمول على الاكتاف بل محمول على (كرعين صاحب الجثمان) …
ربع ساعة عشت فيها القادم …كنت ارى نفسي وانا ادقّ باب الحوش ليلا لاقول لهم عدت الى قصري …كنت ارى نفسي وانا مع اولاد حومتي لاقول لهم ايّا وين السهرية الجاية …؟؟..كنت ارى نفسي وانا ادخل اذاعة صفاقس لا كزميل زائر من تونس بل كواحد منهم يحمل معه مشروعا …مولودا جديدا ..موقعا جديدا لهذه الاذاعة الفتية …كنت ارى نفسي كل احد اغطس في ارجل حمّادي العقربي وانا اشاهده في جوفنتوس العرب يكوّر بكلّ من يحاول التقرّب منه … انّه العبث الجميل وما اشهى العبث الجميل في الحياة …كنت وكنت وكنت ثم افقت ….ايّا سي عبدالكريم …بداية من الاسبوع المقبل انت في صفاقس …قالها ..نعم والله العظيم قالها …يا ربّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. يا امّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. هل تدركون ما معنى ان نعانق اشياء نحبّها …ما معنى ان نضمّها بكل شوق وتوق حتّى ولو كانت محفوفة بالشوك …هل تفهمون حليّم عندما يئنّ في اغنيته فوق الشوك مشّاني زماني …انه يحكي عن اشواك الحب وبكلّ شوق وتوق وحب ….
في تلك اللحظة التي اعلمني فيها سي عبدالحميد بالقرار الرسمي سمّوني ما شئتم ….الاّ ان اكون انا ….مهبول …فرخ …معتوه ..باصص؟ …حلال عليكم …كلّ ما ادري انّني لا ادري … ….
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*تنويه: النص مكتوب في سبتمبر 2017

تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في علاقتي بالاشخاص عموما كنت ومازلت اعطي اهمّية قصوى لنظرة العيون… لا ادّعي فراسة كبيرة في ذلك لكن ربما هو بعض مما جاء في اغنية الكبير محمد عبدالوهاب (حكيم عيون افهم في العين وافهم كمان في رموش العين)… طبعا مع بعض الاحتراز على كلمة حكيم…

فقط نظرة العيون في مراحل عديدة من حياتي وفي علاقاتي كانت النافذة الاولى للتعرّف احساسا على ما تحمله تلك العيون من صدق او نفاق او من مواقف باهتة لا روح فيها… يوم التقيت مع زميلي وصديقي الصادق بوعبان ونظرت الى عينيه احسست بامرين… الاول انّ الصادق كان صادقا في إقدامه على محاولة الصلح بيني وبين مديري… والامر الثاني وهذا ما حدث بعد ذلك في اللقاء، انه اراد ان يكون محتوى لقائنا بعيدا عن التصعيد منّا نحن الاثنين… وقبل ان نجتمع رجاني (بالكشخي) قائلا: خويا عبدالكريم رجاء ما تصعّدش، وساقول نفس الشيء لسي عبدالقادر … اجبته: داكوردو اما بشرط انّو سي عبدالقادر يتحدّث عنّي باحترام ولا يفتري عليّ… طمأنني سي الصادق وذهب لمقابلة مديري في مكتبه قبل اللقاء الثلاثي…
بعد ربع ساعة تقريبا هاتفتني كاتبته في تلك الفترة (الزميلة فاطمة العلوي) بالقول: سي عبدالقادر يحبّ عليك في بيروه… فاطمة هي السكرتيرة الرابعة للمدير بعد ان قام بطرد ثلاث قبلها… وميزة فاطمة انها كانت تعمل مع رئيسها بكلّ انضباط واخلاص… وانا احترم هذه النوعية من السكرتيرات، وللامانة كذلك كانت سكرتيرتي وزميلتي سامية عروس بمصلحة البرمجة وزميلتي وسكرتيرتي نعيمة المخلوفي رحمها الله بمصلحة الانتاج التلفزي، كانتا في منتهى الوفاء والاخلاص لي رغم كلّ الاغراءات التي سلّطت عليهما ليكونا (صبابّة) لاعوان المدير …
دخلت مكتب المدير، صافحته بادب واحترام وبدا زميلي الصادق بخطابه متوجها لنا الاثنين… خطابه كان منذ البداية واضح المعالم ومبنيّا على عنصرين مفصليّين اولهما الاشادة بمحاسن كل واحد فينا وحاجة اذاعة صفاقس لكلينا… والعنصر الثاني تحاشي الجدال في كلّ ما وقع بيننا اذ لا طائل من ورائه… وكانت اخر كلماته وهو يتوجه لنا هل انتما مستعدان لطيّ ملفّ الماضي وفتح صفحة جديدة من اجل مصلحة الاذاعة لا غير؟.. وطلب مباشرة موقف مديري من رجائه كوسيط بيننا… سي عبدالقادر ودون تردّد كانت اجابته كالتالي: والقرآن الشريف ومنذ هذه اللحظة انا طويت صفحة الماضي وفتحت صفحة جديدة مع سي عبدالكريم… استبشر خويا الصادق بهذا الامر وقال لي: اشنوة رايك خويا عبدالكريم؟ صمتُّ للحظات وقلت: ارجو ذلك ان شاء الله…
لماذا كان ردّي مختصرا للغاية وفيه نوعا ما من الشكّ في ما قاله مديري ؟ اجيبكم… هل تتذكّرون ما قلته لكم في بداية الورقة حول نظرة العيون ؟؟ نعم كنت طوال الجلسة الثلاثية انظر واتفحّص جدا عينيْ مديري… نعم انّ بعض الظنّ اثم … ولكنّ نظراته لم تكن مُريحة وهو اقلّ ما يُقال عنها… تصافحنا جميعا وتمنّى لنا زميلي الصادق بوعبان تكليل محاولته الصلحية بالنجاح… وغادرت معه مكتب المدير وما ان ابتعدنا عن مكتبه حتى قال لي الصادق: علاش نحسّ بيك شاكك في نوايا سي عبدالقادر ؟ قلت له حدسي لم يرتح له وارجو ان يكون حدسي كاذبا…
ودّعت الصادق وذهبت الى مكتبي بوحدة الانتاج التلفزي… لم البث اكثر من ربع ساعة حتى اعلمتني سكرتيرتي نعيمة رحمها الله انّ منشطتين من اذاعة الشباب جاءتا لمقابلتي… استقبلتهما بكلّ حفاوة ويا للمفاجأة… اتضح أنهما مستمعتان ومراسلتان لعبدالكريم في برامجه منذ اكثر من 15 سنة… واليوم اصبحتا زميلتين في اذاعة الشباب… عبرت لهما عن سعادتي وفخري بهما وطفقتا تطنبان في فضلي عليهما حتى في اختيارهما لمعهد الصحافة وعلوم الاخبار بعد الباكالوريا تاثّرا بي وبرسالتي الاعلامية… وبلّغتاني تحيات بعض اساتذتهما لي وتقديرهم لمسيرتي المهنية (عبدالقادر رحيم، منصف العياري ، رشيد القرقوري، الصادق الحمامي…) وبعد يجي واحد مڨربع مللي قال فيهم المتنبي وهو يهجو ذلك الكافور المخصي (وقدره وهو بالفلسين مردود) ويقلك اشكونو هو عبدالكريم واش يحسايب روحو ؟؟ اي نعم هذا ما تبوّع به البعض عنّي… واقسم بالله اقول مثل هذا الكلام واخجل منكم جميعا لانّي لا احبّ والله ايضا لا يحبّ كلّ مختال فخور…
انا لم ادّع يوما انّي فارس زمانه الذي لا يُشقّ له غبار… لكن على الاقلّ اجتهدت وعملت ليلا نهارا وتعبت وكان ذلك في فترات طويلة على حساب زوجتي وعائلتي وارجو منهما ان يغفرا لي… وما قمت به في اذاعة صفاقس كان واجبي ولا انتظر عليه لا جزاء ولا شكورا… اما توجع وقت تجيك من انسان مديتلو اليد واحطت بيه ووقفت معاه وعلى مستويات عديدة وهو اصلا لم يصل الى مرتبة خُمُس منشط او هي لم تصل ثُمُن منشّطة، ويتجرّا يقول تي اشكونو هو عبدالكريم واعيد القول انا اوثّق للتاريخ لكن انا مسامحهم دنيا واخرة …
اعود للزميلتين من اذاعة الشباب طلبتُ منهما كيف استطيع خدمتكما في ما جئتما من اجله… ابتسمتا وقالتا جئنا من اجلك يا استاذنا… ولغة اعيُنهما كشفت لي عن حديث او احاديث لهما رايتها بقلبي قادمة في الطريق… ولم تخذلني مرة اخرى لغة العيون اذ عبّرتا عن سعادتهما بانّ ادارة اذاعة الشباب وافقت على سهرة خاصة من استوديوهات اذاعة صفاقس يقع فيها تكريم الاعلامي عبدالكريم قطاطة وموعد السهرة هو الليلة من العاشرة ليلا الى منتصف الليل… شكرت لهما حركتهما النبيلة معبّرا عن سعادتي وشرفي بنزولي ضيفا على مستمعتيّ… زميلتاي شكرتاني على كلّ شيء واستأذنتا الذهاب لمديري لشكره على منحهما استوديو وفنّيا لاتمام المهمة وودّعتاني على امل اللقاء في الموعد في الاستوديو… اي العاشرة ليلا لذلك اليوم …
الساعة انذاك كانت تشير الى منتصف النهار… كدت اغادر المكتب للعودة الى منزلي (واللي فيه طبّة عمرها ما تتخبّى، وين المشكل مادامني معروف عند مديري بعدم الانضباط في القدوم الى الاذاعة و في مغادرتها ؟؟ خاصة ونحن اليوم ومنذ سويعة ونصف بدأنا صفحة جديدة في علاقتنا… وبالقرآن الشريف زادة… لكن كان هنالك حبل سرّي خفيّ شدّني الى مقعدي في مكتبي… احسست بنوع من الانقباض لم ادر مأتاه… استعذت من الشيطان دون ان اغادر مكتبي… وماهي الا عشر دقائق حتى عادتا اليّ زميلتا اذاعة الشباب وعيونهما توحيان بامر ما قد حدث… كانتا واجمتين وصمتهما كان ثقيلا ايضا ولكنّه كان يحمل اشياء وسترون كم هي ثقيلة ايضا…
تقدّمت احداهما وهي ماسكة شجاعتها بيديها كما يقول المثل الفرنسي وسالتني… يخخي ما زلت متعارك مع سي عبدالقادر عقير مديرك ؟؟ قلت بهدوء وبكثير من الرصانة: لا في بالي توضحت الامور منذ هذا الصباح وطوينا صفحة الماضي ..وسالتهما: يخخي صارت حاجة بينكم وبينو توة وقت شفتوه ؟؟ نتبادلتا النظر وكأنّ كلّ واحدة تقول للاخرى (ايّا قللو اشنوة اللي وقع.. تي اتكلّم يا سخطة انا والله لتو لفهمت شيء)…تكلمت احداهما وقالت (شوف يا سي عبدالكريم انت عزيز علينا ومكانتك ما ياخذهاش لا سي عبدالقادر ولا غيرو… احنا طول عمرنا يستحيل ننساو فضلك علينا ولهذا نحكيلك شنوة اللي وقع بالضبط مع سي عبدالقادر… هو استقبلنا بكل حفاوة وترحاب وعندما اعلمناه بما نحن عازمتان عليه لتكريمك تغيّرت ملامح وجهه وسالنا يخخي لازم ضيفكم يكون سي عبدالكريم ؟ انا مستعد نوفرلكم اي منشط او منشطة عوضا عنه وانا راهو نحكي في مصلحتكم ومصلحة برنامجكم… انتوما تعرفو سي عبدالكريم من عيوبو انو سليط اللسان واشكون يعرف يقولشي حاجة او بوحاجة.. ويخليكم في ورطة… انا نعاود نقوللكم راني حريص انو برنامجكم يتعدّى من غير مشاكل…. فردّت عليه احداهما: احنا راهو جايين خصوصي لبرنامج الهدف منو تكريم استاذنا الاعلامي الكبير سي عبدالكريم اللي علّمنا فيما علّمنا تحمّل مسؤولية افعالنا وقراراتنا…
انذاك وحسب ما اضافته الزميلتان احسّ السيّد عبدالقادر عقير بخطورة ما قاله وكاّنه يقول اش عملت اش عملت… وفي رواية اخرى جمرة وطاحت في الماء، ولسان حاله يتساءل زعمة جيت نطبّها عميتها؟؟… ورجانا (تواصل الزميلة الشابة) ان لا نذكر لك ما حدث… تذكرتوها هاكي الخاتمة متاعو في لقائنا الصباحي وفي نفس يوم قدوم زميلتيّ من اذاعة الشباب مع الزميل الصادق بوعبان (والقرآن الشريف صفحة جديدة بداية من اليوم مع سي عبدالكريم)؟؟؟… ربي يسامحك ويغفرلك خويا عبدالقادر …
ومع مطلع جانفي 2025 اي غدا* ستكون الحلقة الاخيرة في الورقة 113 من حكاياتي مع مديري سي عبدالقادر . رحمه الله وغفر له كلّ شيء… و كتهنئة بحلول سنة 2025 ادعو للجميع بهذه الدعوة (الامن والامان لتونس العزيزة لفلسطين المحتلة وهي في قلب محنتها مع اعدائها من الداخل والخارج … لكلّ الشعوب الشقيقة والصديقة ولكلّ انسان لم يمُت في داخله الانسان ..الله لا يحرمكم من السلام الروحي في هذه السنة الجديدة… صدقوني انها من اعظم نعم الله)…
ـ يتبع ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المقال منشور لأول مرة في 31 ديسمبر 2024


عبد الكريم قطاطة:
في مارس 2003 وكما ذكرت في الورقات السابقة انغمست انغماسا كلّيا في التعرّف على ديني… وبعد اشهر فهمت قول خالقي (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُون)…

نعم فهمت انّ خالقي اراد ان يعوّضني في تلك الفترة عن ما عشته من تجاذبات ومشاكل لا حصر لها مع مديري انذاك سامحه الله وغفر له… ورغم انّي غادرت مصلحة البرمجة كرئيس لها وغادرت قبلها المصدح رغم عشقي الكبير له ووقعت تسميتي على رأس مصلحة الانتاج التلفزي، لكنّ كلّ ذلك حزّ في نفسي وبكلّ ألم… الاذاعة والمصدح كانا بالنسبة لي عشقا لا يوصف… لكنّ الله اجابني وانا اطّلع على قرآنه العظيم بالقول (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم) اذ انّ نقلتي مكنتني اوّلا من الاقتراب من خالقي ومكنتني كما ذكرت من سلام روحيّ داخلي عوّض عليّ كلّ ما اعتبرته خسارات…
وبقيت منذ مارس 2003 حتى يوم 23 اكتوبر من نفس السنة في قطيعة تكاد تكون كلّيا مع مديري… هو على حالو وانا على حالي لا واحد يجي على ساحة لوخر… يوم 23 اكتوبر 2003 مدّتني سكرتيرتي بظرف يحمل شيئا من مديري… فتحته فوجدت فيه السيد عبدالقادر عقير يستجوبني عن الاسباب التي جعلت من وحدة الانتاج التلفزي لا تنتج… في البداية اعتبرت انّ تساؤله مشروع جدا واجبت مفسّرا ذلك يثلاثة اسباب… السبب الاول انّ الوحدة لا تملك ضمن العاملين بها فريق اخراج اي على الاقلّ مخرجا وكاتبة مخرج… والانتاج طبعا يتطلب حتمية وجود هذين الاختصاصين… السبب الثاني انّ وحدة الانتاح غير مدرجة ماليا في ميزانية اذاعة صفاقس فكيف يمكن لها ان تؤمّن حتى الحدّ الادنى من نفقات الانتاج؟… والسبب الثالث انّي توجهت الى رئاسة المؤسسة بتقرير كامل عن وضعية وحدة الانتاج منذ الاسبوع الاول من مباشرة مهامي على رئاسة مصلحة الانتاج بها، لكن لا حياة لمن تنادي… و لتلك الاسباب اقتصرت اعمال الوحدة على بعض الريبورتاجات الاخبارية او نقل بعض المباريات الرياضية…
وتصورت انّي بردّي هذا اغلقت الملفّ… لكن ما ان حلّت سنة 2004 وبالتحديد في 3 فيفري حتّى مدّني الزميل الشاذلي الغريبي رئيس مصلحة الشؤون الادارية والمالية بنسخة من مراسلة ادارية وصلته من السيّد المدير مضمونها الآتي حرفيّا: من مدير اذاعة صفاقس الى رئيس مصلحة الشؤون الادارية والمالية …الموضوع حول مواظبة مسؤول… أما نصّ المراسلة فيقول: (وبعد… فانّ بعض المسؤولين يعمدون الى عدم احترام التوقيت الاداري، من ذلك انّ السيّد عبدالكريم قطاطة رئيس مصلحة الانتاج التلفزي يعمد الى الالتحاق بعمله متاخّرا ومغادرته له مبكّرا… ادعوكم الى وضع مواظبته تحت المراقبة وموافاتي اسبوعيا بتقرير مفصّل في الغرض وخصم ما يجب خصمه من رصيده في الاجازات السنوية والسلام)…
اشنوة معناها؟ تقولشي مجرم خطير يجب ان يوضع في غوانتنامو وتحت حراسة مشدّدة زادة… تتذكروا اني في ورقة ما، قلتلكم علاقتو بيّ منذ خلافنا معا يمكن تلخيصها في (قاتلك قاتلك) ؟؟.. هاكي هي … اذن هذا يعني انّ المدة الماضية كانت استراحة محارب فقط… بل والانكى انّ احد الزملاء اسرّ لي بانه توعّدني بالقول (والله اللي ما نخرّجو من الاذاعة قبل التقاعد)… للامانة وقتها لم اردّ الفعل بتاتا الم اقل لكم انّ الايمان العميق يمنحنا السلام الروحي؟… بل عندما اسرّ لي احد الزملاء بقسمه ذاك ضحكت وقلت له بالحرف الواحد: الله وحده هو من يُحيي ويُميت… وقررت وابتعادا عن مزيد من المشاحنات وتعكير الاجواء ان اتقدّم برخصة مرض لمدّة شهر علّني اُريح واستريح… وكان ذلك…
نعم لم اكن مريضا ولكن تعاطف الطبيب الذي هو يوما ما، كان احد مستمعيّ وواكب مسيرتي بهضابها وسهولها، لم يتأخّر لحظة واحدة في مدّي بتلك الرخصة المرضية لمدة شهر كامل… بل وابى بشكل بات ان يأخذ منّي ايّ ملّيم مقابل كشفه… وسلّمت الشهادة الطبية للمصلحة المالية والادارية تجنبا للقاء مديري في تلك الظروف… ولبثت في منزلي لا اغادره الا لشرب قهوة سريعة والعودة اليه… وفي اليوم الثالث من اعتكافي فوجئت بجرس المنزل يدقّ… خرجت لاستطلاع الامر فاذا به رجل محترم يقدّم لي شخصه كطبيب مرسل من ادارة اذاعة صفاقس للقيام بما يسمّى الفحص المضادّ حتى يقوم بعده بكتابة تقريره الطبي لادارة اذاعتي… ضحكت بكلّ هدوء وقلت له تفضّل وقم بعملك… كان صوتي الداخلي يقول (اكتب يا حسين انا متيقن من النتيجة)…
وتوجهت ادارة اذاعة صفاقس بمراسلة لرئاسة المؤسسة مرفوقة بتقرير الفحص المضادّ وكانت النتيجة ان رفضت المؤسسة رخصة مرضي وإن منحتني الحقّ في 13 يوما خُصمت مما تبقى لي من عطلتي السنوية وكذلك خصمت 17 يوما من مرتّبي الشهري… قبلت القرار بصدر رحب وقلت في نفسي وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير ولكم… والحمد لله بفضل صبر عائلتي وتآلف البعض من اهلي واصدقائي لم ابت وعائلتي ليلة واحدة وفي كلّ ازماتي مع مديري الاذاعة، دون عشاء… وصبرت على كلّ المحن… لكنّ مديري رحمه الله وغفر له واصل سلوكه معي ودائما من صنف قاتلك قاتلك… ومما زاد ألمي وحزني انه وعندما انتقلت عيادة الى جوار ربها يوم 30 مارس 2004 هو لم يكتف فقط بعدم زيارته لي لتقديم التعازي بل كلّف البعض بتسجيل اسماء كل من يحضر موكب العزاء… هم كانوا في نظره خونة له وانصارا لعبدالكريم …
ولعيّادة طبعا حضور مؤكّد في ورقتي القادمة… ايماني العميق بالله وبقضائه واقداره وبكل امانة كانت رافدا لصبري في فقدان عيادة رحمها الله… ولكن ألمي بعد فقدانها اوعز لديّ رغبة شديدة في اطلاع رئيس المؤسسة على كلّ ما عانيته… فكان ان قررت ارسال مكتوب لرئيسها انذاك اعلمه فيه بكلّ ما حدث مع مديري منذ توليه ادارة اذاعة صفاقس بحلوها ومرّها… والله يشهد على انّي لم اكذب عليه اطلاقا… واكّدت له انّي رئيس مصلحة الانتاج التلفزي على الورق فقط… وأن كلّ مكاتيب المدير لوحدة الانتاج التلفزي لا تصلني البتّة بل كان يرسلها لرئيس المصلحة التقنية… الاعداد التي يضعها رئيس المصلحة للمنضوين تحت مسؤولياته سواء المتعلقة بمنحة الانتاج او بالاعداد المهنية لم اعد مكلّفا بها… بل الادهى انّ اعدادي المهنية ومنذ كنت اشتغل في المؤسسة الأم في بداية السبعينات ورئيسي المباشر سي ابراهيم الغضاب اطال الله عمره شاهد على ما ساقول… اعدادي لم تنزل يوما عن 100 بالـ 100 .. لكن الآن ومنذ تعكّرت علاقتي بمديري سي عقير، اصبحت اعدادي المهنية من هواة الهبوط ودون باراشوت… الى ان وصلت الى 80 بالـ 100…
المكتوب كان طويلا ومطوّلا ولكن اردت من خلاله ان اقول لرئيس المؤسسة مادمت لا اقوم بايّ عمل في مصلحة الانتاج التلفزي فما الفائدة من وجودي هناك؟ اليس الاجدى تعيين زميل في مكاني حتى تستفيد الوحدة منه؟ واقسم بالله اني كنت صادقا في ذلك… للامانة ليست لي ايّة فكرة عن كيفية تعامل الرئيس المدير العام مع مراسلتي تلك… ولكن فوجئت يوما بالزميل والصديق صادق بوعبان يكلمني هاتفيا ويطلب منّي ان اقبل رجاءه والمتمثل في تدخله بيني وبين مديري كواسطة خير لرأب ما تصدّع… وقال انه مستعدّ للمجيء إلى صفاقس للقيام بهذه المحاولة شريطة ان يتلقّى موافقتي… الزميل الصادق بوعبان عرفته منذ عملنا معا في جريدة الأيام وعرفته كمنشط في اذاعة المنستير وعرفته عندما اشتغل بالمؤسسة الأم مديرا لقناة 21 ثم للتلفزة الوطنية الاولى… ليس بيننا سوى الودّ والاحترام وبيننا ايضا تقاطعات في عديد الافكار والمواقف…
ضحكت ضحكة مختصرة وصمتّ قليلا… فاردف خويا الصادق بالقول: (انا نعرفك ونفهمك اما اشنوة خاسرين كيف نعملو محاولة صلح؟ انت صديقي وسي عبدالقادر صديقي وانا نحبّ نصلّح بيناتكم)… قلت له (خويا الصادق رغم اني مانيش متفائل برشة بالنتيجة متاع القعدة، اما مرحبا بك طلبك غالي)… واتفقنا على اليوم والتوقيت… وجاء ذلك اليوم وشرفني زميلي الصادق بزيارته وكان اللقاء الثلاثي… نعم تمّ ذلك اللقاء ولكن ما تمّ بعده وفي نفس اليوم غيّر مجرى الاحداث تماما ..
يااااااه على اقدار الله ..نعم، قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا (سورة التوبة آية 51) …. لا تقلقوا كثيرا غدا باذن الله تتواصل الحكاية في الورقة 112… قولوا عاد ما نحبكمش ترا…
ـ يتبع ـ


محمد الأطرش:
طالب منذ أيام نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي بإعادة تمثال الحرية إلى فرنسا… واعتبر البعض هذه الدعوة والحملة التي أطلقها رافائيل غلوكسمان، استفزازية إلى ابعد الحدود… لكنها في نفس الوقت غير مبررة…

ورغم كل هذا فإن إدارة ترامب نفسها، من خلال بعض التصريحات والمواقف المبدئية والقرارات التي صرّح بها ترامب، تعطيها بعض المصداقية والشرعية… علما بأن تمثال الحرية هو هدية من فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة الذكرى المائوية لإعلان استقلالها… ويحتوي الاسم الكامل لذلك التمثال على السبب الذي من أجله قدمته فرنسا إلى الولايات المتحدة بمناسبة مائوية استقلالها، وهو “الحرية التي تنير العالم”… ويعتبر صاحب الدعوة إلى إعادة التمثال والذين معه، أن ترامب أطفأ نور تلك الحرية التي أهدت من أجلها فرنسا ذلك التمثال لبلاد العمّ سام… ترامب قرر تعليق وكالة التعاون “يوسايد” التي أسسها جون كينيدي منذ 64 عامًا… وهذه الوكالة كانت لفترة طويلة من أهمّ القوى الإنسانية القليلة التي تحسب على ما يُسمى “الإمبريالية الأمريكية”، لأنها كانت تقدم مساعدات إنسانية وتدعم التنمية في مئات الدول الفقيرة حول العالم، ففي سنة 2024 فقط، قدّمت الوكالة مساهمات تقدر بحوالي 72 مليار دولار…
إلغاء هذه الوكالة يعني إيقاف المساهمة والدعم للآلاف من البرامج والعقود في جميع أنحاء العالم… برامج وعقود كانت تهدف إلى توزيع الطعام، وتقديم الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة تهريب البشر… إضافة إلى تسبب هذا القرار في فصل وتعليق عمل الآلاف من الموظفين بشكل دائم…
وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” التي تأسست على يد أطباء فرنسيين إن هذا القرار قد يقتل ملايين الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة، وقد تقتل أيضا الآلاف من الأطفال المصابين بالملاريا، واللاجئين والنازحين… فالمشهد الإنساني اليوم سيتغيّر في العشرات من الدول الفقيرة وفي كل مكان في العالم حيث كانت هناك لافتات تعلن للفقراء والمستضعفين أن “الديمقراطية الأمريكية” قد جاءت لمساعدتهم… هذه اللافتة لن تكون موجودة مستقبلا… ترامب ألغى كل عمل انساني كان يميّز أمريكا عن الكثير من الدول التي كانت تدعي الديمقراطية وترفع شعار حقوق الانسان… وقد يكون أغضب جون كيندي في قبره… هذا إن كانت طبعا نوايا الرئيس الراحل جون كيندي إنسانية بالأساس قبل أن تكون حاملة لنوايا استعمارية…
ويعتبر قرار ترامب ترحيل مئات الأجانب وطردهم من الولايات المتحدة سببا آخر من أسباب المطالبة بإعادة تمثال الحرية من بلاد العمّ سام غفر له… وقد تمّ نشر شريط قصير يظهر 250 فنزويليًا مكبلين بالأصفاد، يتم إجبارهم على الركوع ليتم حلقهم ثم اقتيادهم إلى الزنزانات منحنيين بزاوية 90 درجة… واعتبر هذا الشريط من كل مَن شاهده نوعا من الإذلال العلني… وقد قامت الحكومة الأمريكية بطرد هؤلاء استنادًا إلى قانون قديم يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر حول “الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act) وهو قانون يسمح باعتقال وترحيل أفراد مشبوهين (لكن لم يُدانوا قط) دون محاكمة، وذلك في حالة الحرب أو الغزو من قبل دولة معادية…
كما يعتبر قرار ترامب إغلاق “صوت أمريكا” و”راديو أوروبا الحرة “و”راديو آسيا الحرة” وهي محطات إذاعية بعضها تأسس سنة 1942 لمكافحة الدعاية النازية في أوروبا، سببا آخر في ما تقدّم به النائب الفرنسي… وقد كانت هذه المحطّات الإذاعية أداة إعلامية ونضالية حاسمة في الحرب الباردة من خلال وصولها إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت الأنظمة التي تسيطر عليها الرقابة السوفياتية المستبدة… وكانت تبث بـأكثر من أربعين لغة وتهدف إلى جعل العالم أكثر حرية، من خلال تقديم الأخبار الموثوقة لأولئك الذين لم يكن لديهم مصدر لها… لكن اليوم والآن على تردداتها، يخيّم الصمت… وقد وصف مدير إذاعة أوروبا الحرة قرار ترامب بالهدية العظيمة لأعداء أمريكا…
قرارات ترامب لا رائحة للحرية فيها ولا تتقاطع ابدا مع الأبيات التي في اللوحة التي توجد أسفل تمثال الحرية… والتي تقول فيها إيما لازاروس، الشاعرة الأمريكية ذات الأصول اليهودية: “هلموا إليّ أيها المتعبون والفقراء، والجموع الحاشدة التواقة إلى استنشاق الحرية”…
فهل تعود الحريّة مكبّلة بالأصفاد إلى منزل أهلها باكية نادبة حظّها؟…


صفاقس تودع الفنانة إيناس النجار

تركيا: الاحتجاجات غير المسبوقة تتواصل… و”أكرم إمام” يدعو إلى الوحدة

مصر… مظاهرات عارمة ضد تهجير الشعب الفلسطيني

ترامب “غاضب جدّا” من بوتين… وينوي معاقبة روسيا!

أمطار آخر رمضان: قرقنة 24 مم… ونفزة 29!
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل 8 ساعات
صفاقس تودع الفنانة إيناس النجار
- صن نارقبل يوم واحد
تركيا: الاحتجاجات غير المسبوقة تتواصل… و”أكرم إمام” يدعو إلى الوحدة
- صن نارقبل يوم واحد
مصر… مظاهرات عارمة ضد تهجير الشعب الفلسطيني
- صن نارقبل يوم واحد
ترامب “غاضب جدّا” من بوتين… وينوي معاقبة روسيا!
- صن نارقبل يومين
أمطار آخر رمضان: قرقنة 24 مم… ونفزة 29!
- صن نارقبل يومين
ترامب: غرينلاند سنأخذها… ولو بالقوة !
- أسعد عيدقبل 3 أيام
عيدا مبهجا وموسما أخضر
- صن نارقبل 3 أيام
كلهم سواء: قضاء الاحتلال يرفض إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة!