تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 61

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

العمل في شريط الانباء كفنّي في المونتاج لا يتطلّب دراية كبرى في ذلك الفنّ بقدر ما يتطلب عنصرين هامّين لدى المركّب… العنصر الاوّل السرعة في الانجاز والثاني الدراية الكاملة بالبروتوكول الحكومي والحزبي للشخصيات التي يقع تصويرها ذلك اليوم والتي ستمرّ ضمن شريط الانباء…

عبد الكريم قطاطة

ولتوضيح عديد النقاط التي يجهلها جل المشاهدين دعوني افسّر لكم البعض منها … اوّلا لنتفق جميعا انه في تلك الفترة كانت الاحداث التي تُصوّر تهتم قبل كل شيء بنشاط رئيس الدولة اليومي سواء كان منها العادي حيث اجتماعاته بوزرائه وضيوفه وهي غالبا ما تكون على الساعة الـ11 صباحا بقصر قرطاج .. والرئيس له فريق تلفزي خاص به بالقصر ثم فرق تلفزية اخرى تابعة لقسم تصوير الاخبار مهمتها مواكبة اشغال الوزراء بدءا بالترتيب البروتوكولي لهم ..التصوير انذاك كان على شريط فيلمي وهذا يعني ان هناك عملية تحميض تتم بمخبر المؤسسة يوميا … دور المركّب وبالتنسيق الكلّي مع رئيس تحرير قسم الاخبار ان يقوم باختيار الصور المناسبة قيمة ومدّة لبثها في شريط الانباء على الثامنة مساء …

هذه العملية ليست بالهينة تماما، اذ لا يُعقل مثلا في اجتماع شعبي لرئيس الدولة ان لا تمُرّ صورته بمختلف اصناف الكادراج والتركيز خاصة على القريب منها حتى يُبرز الاختيار كاريزما الرئيس وهو المعروف والمشهود له بتأثير نظراته وحركات رأسه ويديه وقدرته الاسطورية على التغلغل بهذه الميزات في وعي ولاوعي المشاهد ..فخطاباته كانت ـ اكنت من محبّيه ام كارهيه ـ تخترق المشاهد وتشدّه موضوعيا بقدرة صاحبها (الزعيم بورقيبة) على الجذب والسحر والابهار ..هو بمثابة الممثل البارع في فن الخطابة الذي يُخضعك لصولجان براعته …

ثم على المركّب ان لا ينسى خاصة بعض الصور للماجدة وسيلة ولكن ورغم هيامه الاسطوري بها يجب الا تكون في حجم ومدّة حضور المجاهد الاكبر (نحبّك يا وسيلة ونموت عليك اوكي اما اللعب بعشانا لا) … ومع الماجدة حذار ان تمرّ منك صورة لها وهي تقدّ في روبتها او تتضيحك… لذلك الجيل هل شاهدتم مرة واحدة وسيلة تتزعبن؟؟؟ يستحيل لا خارج القصر و بالطبيعة لا داخله… حريم السلطان راهي … انها الماجدة الرصينة الجدية ..في كلمة (السلطانة) …دعوني هنا افتح قوسين … (تفوه على الدنيا التي تحصرنا في كهف الرصانة والجديّة الى حد العبوس… هذه النوعية هل عاشت حياتها؟؟… هل فهمت يوما ماهي متعة الحياة ؟؟ ما قيمة حياتنا اذا لم نعبث احيانا كالاطفال… نشطح معهم …نقهقه .. نغمس ارجلنا في الرمل على الشاطئ …نضرب ماء البحر باطراف اصابعنا… نخرج من معقّف البريستيج)… لهذه الاسباب وضعت الاشارة بين قوسين ..لأنّ حياتهم هي بين معقّفين اوّلهما (هو يصير ..؟؟)… وثانيهما (راك سي فلان او للة فلانة) …

طز والف بليون طز في كلمة سي وفي كل الالقاب التي تحرمني من قعيدة بالسروال العربي… في قهوة شعبية احتسي الكابوسان مع كل روادها من الڨاراجيست الى الاستاذ الجامعي … استمع الى الاول فاتعلّم منه بساطة ومتعة الحياة لانه من فصيلة بوزيد مكسي بوزيد عريان … واتحاور مع الثاني وكلّ همّي كان وسيبقى ان اقول له إن المثقف الحقيقي هو الذي ينزل الى الاخر فيقتسم معه حياته باسلوب مبسّط بعيدا عن مدارج الجامعة واؤكد له ان ذلك لن يُنقص من قيمته شيئا … واُعيده الى قائمة العظماء عبر التاريخ الانساني من انبياء وفلاسفة ومفكرين ليُدرك انّ عظمتهم مصدرها الاساسي الاختلاط بالعامة واستلهام عديد الدروس منهم .. الم يكن عمر بن الخطاب عظيما وهو يطهو بنفسه طعام تلك الجائعة بعد ان اشتكت له من امير المؤمين وهي لم تدرك وقتها انه امير المؤمنين ؟؟ ….ومع هذا الخليفة العادل الم يقل لداهية العرب عمرو بن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ..في حادثة اعتداء ولد ابن العاص على واحد من عامة الناس ..؟؟؟ اليست العظمة الحقيقية ان نتفاعل مع الاخر دون النزول الى الابتذال ونرتفع معا الى مستوى جميل ؟؟…

في المونتاج يجب الحرص ايضا على تركيب صور اعضاء الحكومة حسب الاهمية البروتوكولية لمناصبهم … وهذا من اختصاص بعض المركبين فقط انذاك كان امهرنا “الملك”… هكذا يُلقّبونه اشتقاقا من اسمه (محمد علي الرويدي) اخذوا الروي واشتقوا منها كلمة ملك بالفرنسية… الا انه كانت تعوزه بعض تفاصيل تقنيات المونتاج الهامة كلحظة الربط بين مشهد وآخر… حيث يجب حتما حذف ثلاث صور احيانا من المشهد الاول الذي به بداية حركة راس الشخص حتى لا تقلق البصر عند المشاهدة … هذه جزئيات يُحسّها المشاهد دون ان يدرك السبب ولكن فنّي المونتاج يدرسها نظريا ثمّ يطبق حذفها متى جاءت في الصورة .. دون نسيان بعض التعليمات التي تأتي للمركّب من رئيس قسم التحرير والتي من ضمنها مثلا عدم تمرير اية صورة للوزير الفلاني في شريط الانباء لذلك اليوم ..كنت انظر الى رئيس التحرير واسأل ببراءة خبيثة (اشنوة كمّل السيّد؟) اي طيّرو ..

وتأتي الاجابات حسب نوعية رئيس التحرير اما بالصمت ..ما يعبركش ..او بالهمهمة دون تفكيك اسرارها ..او بابتسامة من نوع (اش عنا فيهم هذي تعليمات اكهو خويا عبدالكريم) …ثم يضيف اغلبهم: (نمشي نتهنّى ؟)… وهذا السؤال في ظاهره عادي وفي باطنه خوف على منصبه …لان مثل هذه التعليمات تأتي مباشرة من القصر الى رئيس مدير عام المؤسسة وهو بدوره يبلّغها الى رئيس التحرير والاكيد ايضا انه يختمها بـ (نتهنّى ؟؟؟)… اذ انّ عدم تنفيذ تعليمات القصر تعني دون ادنى شك ثلاث رؤوس تطير (الرئيس المدير العام ومدير التلفزة ورئيس تحرير شريط الانباء) … لذلك افهموا عيارة نمشي ونتهنّى هي من نوع (يعيّش خويا راهي خبزتي) .. وهي في الحقيقة “بريوشة” ولم تكن يوما خبز عياله لانّ مثل هؤلاء هم في جلّهم يتذللون من اجل الكرسي لا من اجل قوت العيال ..هم من اجل ذلك المنصب الحقير يشربون ماء الحياة بذلّة وجهنم بالكرسي اطيب منزل …

كما اسلفت سابقا وقع تعييني في قسم المونتاج بشريط الانباء استعداد للحدثين الهامين اولهما مؤتمر الحزب في سبتمبر 79 .. في مثل هذه الاحداث تشتغل ماكينة “الملأ” …الملأ كلمة وردت بشكل مطّرد في القرأن الكريم وهي تعني الحاشية …والتي عموما تكون من النوع السيء: ملأ فرعون ملأ ملكة سبأ … وحتى بعد ظهور الاسلام لم يختف هذا الملأ وبدأت ملامحه الاولى في عهد الخليفة عثمان ثمّ عاد في جل العهود بدءا من الدولة الاموية ووصولا الى يوم الناس هذا لتشتغل… فالبجبوج له ملؤه والغنوشي له ملؤه* والاخرون لهم ندماؤهم … الحاشية في سنة 79 ارتات ان تعمل هي ايضا من اجل حساباتها الضيقة ..

منذ تلك السنة بدأت حاشية القصر تعمل لحسابها قبل حسابات الزعيم …. اي بدأت الدسائس والنظرة الاستشرافية لما بعد بورقيبة ..بعض فصائلها ركّزت جوكاراتها على الاعلام ..عينت رئيسا مديرا عاما جديدا لدار التلفزة، سالم بوميزة ..عينت مديرا عاما للاخبار، عبدالحميد سلامة… واقالت بشكل غير رسمي مدير اذاعة صفاقس انذاك المرحوم محمد قاسم المسدّي وذلك بالادعاء انها في حاجة الى خدماته ضمن فريق شريط الانباء …دون تعيين مدير لاذاعة صفاقس حتى لا تفتضح نواياها …وانطلقت اشغال المؤتمر …كانت اجواؤه مشحونة جدا ولكن ما كان يمرّ للمشاهد العادي وكالعادة الهتاف للزعيم من الجميع والابتسامات البلاستيكية لكل الاخوة الاعداء ..الا ان بعض الصور التي تصل الينا كنّا نقرأ فيها التحايا المسمومة والوجوه الحقيقية لذئاب السياسة …

صدقا لا ازعم انني من البارعين في الاهتمام بما يجري …لانني كنت ومازلت اعتبر جلّهم من طينة قابيل وانّ هابيل الحقيقي هو الشعب … وظهرت نتائج المؤتمر وخسرت حاشية جوكارات الاعلام المعركة …عاد المرحوم قاسم المسدّي الى عرينه … وارتأت رئاسة المؤسسة ان تنقذ ماء الوجه بانتاج شريط وثائقي هام حول انتقال الجامعة العربية الى تونس بعد القطيعة مع مصر السادات ممضي اتفاقية السلام مع اسرائيل … وراس الهم دادة عيشة …من لهذا العمل غيرك يا عبدالكريم …؟؟؟ كان ذلك صبيحة يوم اثنين …والصبيحة تعني عندي في عملي بقسم مونتاج شريط الانباء الحادية عشرة صباحا كان لطف بيهم ربّي …طبعا وباتفاق كُلّي معهم …. ولكن في المقابل قد لا اغادر عملي قبل منتصف الليل احيانا …

صبيحة ذلك الاثنين وجدت مدير الاخبار عبدالحميد سلامة في انتظاري… اتاني بكمّ هائل من الاشرطة المصورة حول تاريخ الجامعة ومعاهدة كامب دافيد ومؤتمر اخر قمة ببغداد حيث وقعت القطيعة مع مصر (افريل 79) ومشاهد عديدة لتونس ماضيا وحاضرا… وطلب منّي انتاج شريط وثائقي للحدث حسب تصوُّري الفنّي سيقع عرضه على رئيس الدولة قبل بثّه للضيوف العرب في انطلاق قمة تونس …ثم اضاف اريده شريطا طويلا لا يقلّ عن الساعة والنصف …نظرت الى الاشرطة ومن خلال تجربتي في الميدان قلت له إن هذه الاشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير …ضحك مدير الاخبار وقال بنغمة فيها شيء من الاستعلاء ليذكّرني بأنه مدير قد الدنيا: (انا نعرف اش نقول سي عبدالكريم …اوكي يقولو عليك من خيرة المركبين وجاي فرشك من فرنسا .. اما حتى انا نعرف خدمتي) …

ولأنني لم اكن يوما حربوشة سهلة الابتلاع .. ولأنني لم اتمسّح يوما على قدم مسؤول … قطّبت حاجبيّ بشيء من الانفعال وقلت: احتراماتي ليك سي عبدالحميد …انا لا يمكن لي يوما ان اضع الصفارة في فمي وان اقوم بدورك كحكم في مباراة لكرة القدم (باعتباره كان قاضي ملاعب في فترة ما) … ولا يمكن لي ان البس ميدعة بيضاء لاقوم بدورك كاستاذ في مادة العربية…( وهو كذلك ايضا) … ولكن في المقابل ودون افتخار او زهو اقول لك ما جلبته لي من اشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير، وهذه ليست عنترية من جانبي بقدر ماهي تجربة …هل يمكن لك ان تعطي مترا من القماش الى خياط وتطلب منه جلبابا لسيّد طوله متران …؟؟ وقف مدير الاخبار واجما مصعوقا من سي عبدالكريم هذا الذي تجرّأ على منطقه وهشّمه ….احسست في نفس الوقت باعجابه بعلوّ حجّتي … طبطب على كتفي وقال: انا سمعت عنك الكثير وكلّي ثقة فيك … ساترك الاشرطة وسادعك تعمل ..لن اشك في نزاهتك ولا في كفاءتك …لكن لندعه رهانا بيننا… اذا صحّت رؤيتي ستتكفّل بخلاص عشاء فاخر في اي مطعم اختاره واذا صحّت رؤيتك اطلب ما تشاء وفي ايّ مكان ايضا هل تقبل الرهان ..؟؟ نظرت اليه مليّا وقلت له: اوّلا اعدك بانّي ساكون نزيها وصادقا في عملي ولن اسرقك في الرهان ..لم يتركني اتمّ وقال هذا واثق منه انا مرة اخرى اقول لك انا لا اعرفك ولكن المعلومات التي تصلني عنك تسير في هذا المسار … قلت له وثانيا ساكون عند وعدي وارجو ان تكون عند وعدك …مسك يدي بحرارة وصدق وقال: صاحبك راجل …

وانطلقت رحلتي مع الشريط …كل كفاءتي ومهنيّتي وضعتهما في ذلك الشغل …كنت كل ليلة عندما انتهي من عملي على الشريط وقبل ان انام اعانق وسادتي واتمتم كلمات لا يفهمها احد .. باستثناء وسادتي …انا من الذين يعشقون وسادتهم …قد نرمي رؤوسنا احيانا على صدر من نحب ..هي لحظات ممتعة الى درجة الذوبان .. التوهان … ننسى فيها الزمكان … ولكن للوسادة الشخصية لكل واحد منّا طعما خاصا .. انها الخليل او الخليلة التي لا تهجرك … هي.طوع لك وانت طوع لها …لن تملّ منك في كلّ حالاتك مبعثرا كنت… شايخ… فادد …حزين …طاير … تنسجم معك تعانقك… تواسيك … تناجيك … تناديك … تلاغيك …تفهم جد والديك … واتممت عملي …جاء مدير الاخبار وبدأنا المعاينة …طيلة 55 دقيقة و40 ثانية مدّة الشريط لم ينبس ببنت شفة ولا بنت سلفتها ولا بنت اخت راجلها …كان رصينا جدا في مشاهدته للفيلم ومتتبّعا جيّدا لكل منعرجاته … نظر اليّ بعد نهايته وقال: سي عبدالكريم برافو …انت فنّان …ونهض دون ان يسأل عن مدته ودون ان يعود للرهان …عاد بعد لحظات وقال: ماشي نهزوه للمعلّم يشوفو … توة نرجعلك …والمقصود الرئيس المدير العام للمؤسسة…

عاد بعد ساعة ونصف واعاد تهنئتي بعد أن لمس سعادة عرفه بالمنتوج ثمّ سالني: قداش هو المدة متاعو؟؟؟ اجبته بانه لم يصل حتى لساعة من الزمن …رفع يده إلى جبينه باشارة معناها (هذا حقّك، اطلب وادلّل) …قلت له: نقلتي الى صفاقس …وبنبرة كلّها اندهاش قال لي: اشنوّة ..؟؟ قلت له نقلتي الى صفاقس …ردّ: اشنية هذي نكتة ..؟؟ قلت له ربحت الرهان وانت وعدتني بالاستجابة لطلبي وهذا هو طلبي … جلس بجانبي وقال لي: تحكي بجدّك يخخي ؟؟؟ كيفاش هذي ؟؟ انت هنا الف واحد يتمنّاو بلاصتك ؟؟؟ اش ماشي تعمل في صفاقس …؟؟…

انذاك “نڨّزت”على السؤال الاخير وقلت له …لماذا لا يتم بعث نواة تلفزية هنالك تقوم بانتاج برامج شهرية تُعنى بالجنوب … كلّ ما في الأمر كاميرا وطاولة مونتاج والبقية انا من سيتكفّل بها وسيُحسب ذلك انجازا هاما للمؤسسة في هذه الفترة …كنت ادرك جيّدا انّ مسّ يد ايّ مسؤول من خلال هذه الزاوية ستعطيه شراهة القبول والمُضي في الامر ..المسؤول يهمه فقط ان يذكره الاخرون بتاريخ انجاز ما في عهده …هكذا سي عبدالحميد ستضع اقتراحي للرئيس المدير العام ولا اظنه يرفض ….صمت قليلا ثم قال: من جانبي ارى الامر معقولا …وساقترح الأمر علي رئيسي …شددت على يديه وقلت له الان … انا ربحت الرهان فليكن الاقتراح الان ….كنت كمن ينتظر سيارة اجرة جماعية ويراها على بعد امتار منه ولا يريد ان تفوته …قال لي: هكة يا سي عبدالكريم الان ..؟؟ قلت له الحديد لا يُطرق الاّ ساخنا …الآن الآن وليس غدا ….

نهض مغادرا كابينة المونتاج ثم استدار باسما وقال : اوكي الآن …انذاك كنت اهتف الى عيّادة …ايّتها الغالية … عبدالكريم لم يف بوعده بعودته اليك من فرنسا دون بنت الرومية ان تختطفه منك، بل اراد لك “بونيس” بحجم سعادة عمرك به ..سيكون الى جانبك بصفاقس سيعود الى حوشنا الجميل سيعود الى … ان شاء الله تربح ساقيتنا ..الى الكازينو وسيدي منصور… قبل ان تعبث بهما مخنقة السياب والـ”ان بي كا” …الى المائة متر في قلب صفاقس …الى بوشويشة وسوق الحوت والجزارين وسوق الربع والرمانة …الى نهج الباي وسفنج السيالة ورحبة الرماد … الى كل ذرة من تراب مدينتي تماما كما تحبون كل ذرة من تراب مدنكم اينما كنتم …كم هي عزيزة مدننا علينا هي عزيزة على روحنا على تنفسنا هي الطعم الشهي لنوستالجيا الحياة ….ماهي قيمة حياتنا دون نوستالجيا ما عشناه؟ ..انسان بلا نوستالجيا عندي اشبه بغصن ميّت متدلّ من شجرة …اشبه بجثمان غير محمول على الاكتاف بل محمول على (كرعين صاحب الجثمان) …

ربع ساعة عشت فيها القادم …كنت ارى نفسي وانا ادقّ باب الحوش ليلا لاقول لهم عدت الى قصري …كنت ارى نفسي وانا مع اولاد حومتي لاقول لهم ايّا وين السهرية الجاية …؟؟..كنت ارى نفسي وانا ادخل اذاعة صفاقس لا كزميل زائر من تونس بل كواحد منهم يحمل معه مشروعا …مولودا جديدا ..موقعا جديدا لهذه الاذاعة الفتية …كنت ارى نفسي كل احد اغطس في ارجل حمّادي العقربي وانا اشاهده في جوفنتوس العرب يكوّر بكلّ من يحاول التقرّب منه … انّه العبث الجميل وما اشهى العبث الجميل في الحياة …كنت وكنت وكنت ثم افقت ….ايّا سي عبدالكريم …بداية من الاسبوع المقبل انت في صفاقس …قالها ..نعم والله العظيم قالها …يا ربّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. يا امّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. هل تدركون ما معنى ان نعانق اشياء نحبّها …ما معنى ان نضمّها بكل شوق وتوق حتّى ولو كانت محفوفة بالشوك …هل تفهمون حليّم عندما يئنّ في اغنيته فوق الشوك مشّاني زماني …انه يحكي عن اشواك الحب وبكلّ شوق وتوق وحب ….

في تلك اللحظة التي اعلمني فيها سي عبدالحميد بالقرار الرسمي سمّوني ما شئتم ….الاّ ان اكون انا ….مهبول …فرخ …معتوه ..باصص؟ …حلال عليكم …كلّ ما ادري انّني لا ادري … ….

ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*تنويه: النص مكتوب في سبتمبر 2017

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 69

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

وكان ايقاف الكوكتيل في اكتوبر 1982… وكان عليّ ان اقوم بعمل ما… ليس من طباعي ان ارضى بالقرارات التعسّفية وخاصّة تلك التي اشتمّ من ورائها مؤامرة …

عبد الكريم قطاطة

كان لي يقين بأن المدير بالنيابة انذاك المرحوم محمد الفراتي تصرف تحت نميمة ما… وتأكّد حدسي عندما جاءني الزميل رشيد العيادي بعد اشهر من الايقاف، واسرّ لي وبكلّ حميميّة انّ المرحوم الفراتي خضع لعمليّة ابتزاز من احد النقابيين لا اتقاسم معه بعض المواقف النقابية… انا كنت ومازلت اؤمن بأنّ العمل النقابي على مستوى القيادات العليا انتهى بعد موت حشّاد كعمل نقابي وطني صرف… وانّ كل من جاؤوا بعده كانت اعمالهم تخضع لحسابات سياسية وشخصية ضيّقة… وكنت لا اجد ايّ حرج في الاصداع بهذا الموقف… وبقدر ما كنت اقدّر واحترم صدق نسبة كبيرة من القاعدة النقابية المناضلة بحقّ من اجل مصالح الطبقة الشغيلة، بقدر ما كنت احترز جدا من مواقف الهياكل العليا …

هذه المواقف لم تكن لتُرضي بعض الاطراف النقابية في اذاعة صفاس وكانت ترى في اجهاري بها زعزعة لمكانتها ولنفوذها… خاصّة ان العديدين بدؤوا يحملون نفس مواقفي لذلك كان من صالح هذه الاطراف النقابية ابعاد عبدالكريم مع ضمان فترة علاقة سلمية مع الادارة، وهكذا لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي …

في الاسبوع الاول لايقاف البرنامج لم اكن اعرف هذه الحقيقة … ولكن مهما كانت الاسباب كان عليّ ان افعل شيئا ما… وقررت ان اكتب واخترت الجريدة الاكثر انتشارا انذاك (“البيان” الاسبوعية) والتي يرأس تحريرها الزميل نجيب الخويلدي وكان المقال الزوبعة “زوبعة باذاعة صفاقس” وبتاريخ 11 اكتوبر 1982 بالصفحة السابعة للجريدة … احتلّ المقال صفحة كاملة من صفحات الجريدة وهو في كلمات مقال موجّه الى المسؤولين عن الاعلام والى القرّاء… فيه تشريح لواقع الاعلام بتونس وفيه حيثيات لما حدث لبرنامج كوكتال من البريد الى الاثير … علما بأني كنت وجهت قبل نشر المقال رسالة الى وزير الاعلام واخرى الى المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية السيد عبدالعزيز قاسم ولم اتلقّ ايّ ردّ …. علاوة على انّي كنت تنقلت الى رئاسة المؤسسة طمعا في موعد مع الرئيس المدير العام وبتوسّط من مدير الاذاعة الوطنية انذاك المفكّر والاديب والاستاذ الجامعي الصديق رياض المرزوقي، الذي كان وللامانة على قدر كبير من التقدير لي والتعاطف معي …

في الحقيقة كان املي كبيرا في حصول اللقاء مع الرئيس المدير العام السيد عبد العزيز قاسم باعتباره رجل فكر وادب الا انّه رفض رفضا باتا وساطة السيد رياض المرزوقي ورفض وبكلّ حدّة مقابلتي وبالتالي عدت بخّفيّ حنين … لهذه الاسباب وبعد ان استحال عليّ توضيح موقفي ممّا حدث التجأت الى الصحافة المكتوبة (البيان) حتى اُطلع كلّ من يهمّه امر الكوكتيل بما حدث … المقال احدث زلزالا رهيبا نظرا إلى دوزة الجرأة التي جاءت فيه من جهة ونظرا إلى أن ايّ مسؤول في تلك الحقبة (يجنّ جنونو) متى كتبت الصحافة عن خلل ما في مؤسسته …

وكان اوّل ردّ فعل من الادارة العامة ان قرّرت يوم 13 اكتوبر وبمكتوب رسمي اعادتي الى خطّتي كمركّب افلام بالتلفزة التونسية… اي انهاء علاقتي باذاعة صفاقس… يوم تسلّمي المكتوب الرسمي لنقلتي كتبت لرئيس المؤسسة ردّا اعلمته فيه برفضي المطلق لقراره الذي اعتبرته جائرا في حقّي لانه لم يمكّني من سماع موقفي… ردّي كان مرفوقا برخصة مرض من احد الاطباء المختصيّن في الامراض النفسية كما يفعل العديد منّا اتقاء لفحص مضاد من طبيب المؤسسة باعتبار انّ المرض النفسي لا يخضع لهذا الإجراء… اضافة لواقعي العائلي الذي يحتّم عليّ البقاء باذاعة صفاقس…

الا انه وككل المديرين الذين يستاؤون من تنطّع بعض المنتمين الى مؤسساتهم (وهكذا هم يرون في من يقول لا)، ردّ عليّ بالمراسلة التالية يوم 18 اكتوبر: (جوابا على مكتوبكم المؤرخ في 16 اكتوبر 1982 المتعلّق برفضكم الالتحاق بعملكم ضمن اسرة التركيب بادارة التلفزة بتونس، اذكّركم بأنكم تشغلون خطّة مركّب وانّ ضرورة العمل تقتضي ان تباشروا مهامّكم الاصلية بقسم التركيب ابتداء من 9 نوفمبر تاريخ انتهاء رخصة المرض التي تحصلتم عليها، وذلك نظرا إلى وفرة العمل بهذا القسم الشيء الذي يستوجب تعزيز الاطار العامل به. اما الاعتذارات التي قدمتوها كتعلّة لبقائكم باذاعة صفاقس فانها غير مقبولة من الوجهة القانونية وانّ القانون الاساسي العام لموظّفي الدولة يفرض عليكم الالتحاق بمقرّ العمل الذي تعيّنه لكم الادارة. لذا فإن عدم مباشرتكم لعملكم بادارة التلفزة في التاريخ المذكور اعلاه يُعتبر رفضا للعمل ويُعرّضكم للعقوبات الادارية الواردة بالقانون الاساسي. الامضاء المدير العام للاذاعة والتلفزة التونسية) وجاء امضاؤه شخصيّا بعيدا عن العنعنة …

هذا الرد وبما فيه من تهديد ووعيد لم يرعبني بتاتا بل زاد في تنطّعي وقررت التصعيد ولكن دون تهوّر… كان عليّ ان اجد حلاّ يقيني شرّ ردود افعال الادارة فقررت ان اطلب رخصة عطلة لمدة سنة دون مقابل… كنت واثقا من انّي ساحصل على الموافقة لأنهم وبكلّ غباء ينظرون الى الامر من زاوية (اعطيوه رخصة بعام نرتاحوا من بلاه)… قلت بكلّ غباء لأنهم لم يتفطّنوا الى امر قانوني هام الا وهو انّه واثناء تلك الرخصة ولمدّة سنة، استطيع ان اكتب ما اشاء دون معاقبتي اداريا لأنه ليس من حقّ مجلس التاديب ان ينعقد لمحاسبة ايّ موظّف وهو في حالة رخصة طويلة دون اجر …اي بما معناه رضينا كطرفين برخصة دون اجر (وكل واحد شيطانو في جيبو)…

ومنذ قبول الادارة بمطلب رخصة دون مقابل لمدّة سنة حدثت اشياء عديدة … اوّل ما حدث تعيين زميلة في توقيت الكوكتيل ليعود برنامج اهداءات كما كان من قبل… هذا أعتبره امرا طبيعيا للغاية اذ لا يمكن لأية اذاعة ان تتوقّف على اسم ما مهما كان حجمه وعليها ان تسدّ الفراغ البرامجي الذي يتركهه في غيابه… لكن غير الطبيعي ان تستهلّ تلك الزميلة في اوّل ظهور لها بمقدّمة من نوع {بداية من اليوم سنقطع مع الميوعة وستتمكن ايّة فتاة من ان تواكب البرنامج مع ابيها والولد مع امّه!!! …اشنوّة يخخي كنت نعمل في بورنوغرافيا في الكوكتيل ؟؟؟… ولأن التاريخ لن يرحم ايّ واحد منّا، تعود نفس الزميلة وقبل خروجها للتقاعد في برنامج ارادت ان تكرّم فيه بعض الزملاء في مسيرتها… تعود لتختارني من ضمن المُكرّمين… هي لم تكتف باختياري كافضل منشّط في تاريخ اذاعة اذاعة صفاقس فقط، بل قالت بالحرف الواحد: عبدالكريم ليس منشطا فقط هو “ربّ” التنشيط !…

من تداعيات مكتوب رئيس المؤسسة الذي حمل كما اسلفت التهديد والوعيد، ان وجد بعض النقابيين الذين قاموا ببيعة وشرية مع المرحوم الفراتي لازاحة عبدالكريم من امام المصدح… وجد بعضهم الفرصة سانحة ليكتب مقالا مطوّلا عن عبدالكريم وعن الكوكتيل متهما اياي ايضا بالتهريج وبجهل مقوّمات العمل الاعلامي الناضج، ومدافعا عن قرار الادارة دفاعا حتى الادارة نفسها لم تقم به… والحال انّ برنامج الكوكتيل احتلّ في نفس تلك السنة المرتبة الاولى لدى المثقفين والطلبة في حين انّ برنامج ذلك المُدّعي لم يحصل الا على المرتبة العاشرة … وهو بكلّ غباء لم يدرك انّ التهمة التي وجّهها اليّ هي موجّهة ضمنيا للطلبة والمثقفين … وهنا لابد من الاشارة الى انّ السنوات التي تلت ازاحت سحب الخلاف الذي بيننا بعد جلسة تحاور وصفاء …

علاقتي بالمستمعين تواصلت من خلال حوارات عديدة اجرتها معي عديد القنوات الاعلامية في الصحافة المكتوبة… كان الجميع يطالب بمشروعية عودة الكوكتيل… الجرائد وخاصة الاسبوعية منها اصبحت منبرا اعلاميا للمستمعين واصبحت العرائض تفد من كل حدب وصوب وتفتّقت قريحة العديد منهم لتحكي عن مواجعها ….اتذكّر جيّدا برقية تعزية من مستمع في 7 ديسمبر 1982 كتب فيها معبّرا عن لوعته لفقدان الكوكتايل (“يا ايّها القاتلون لا اقتل ما تقتلون ولا انا قاتل ما قتلتم لكم ضميركم ولي ضميري اتقدّم لكم باحرّ التعازي بعد ان لفظت انفاسك الاخيرة اذاعتي ولم تحتفلي بعيد ميلادك الحادي والعشرين. لقد فارقت الحياة وانت في ربيع العمر جازى الله من كان سببا في قتلك. رحمك الله رحمة واسعة ورزق كافة مستمعيك واحباءك جميل الصبر والسلوان وانّا لله وانّا اليه لراجعون”) …

اذكر في هذا الباب ايضا رسالة يتيمة اقسم بالله انّها كانت الوحيدة… جاءت من احدهم تحت عنوان “نعم نحن من اوقفنا الكوكتيل” … ولأنه مرّة اخرى التاريخ لا يرحم، جاءني صاحب الرسالة في وسط التسعينات وطلب المعذرة بعد ان اصبح زميلا في اختصاص آخر وقال لي حرفيا: اريدك ان تغفر لي ما كتبت يوما لأنه انذاك كان السبيل الوحيد لديّ لادخل معمعة الانتاج باذاعة صفاقس، وفعلا نجحت خُطتي ودخلت كمكافأة على ذلك المقال الذي كتبته ضدّك … كان يروي لي والدموع في عينيه وبكلّ خجل… ربّتُّ على كتفيه وغفرت له واصبح من اقرب الزملاء اليّ… ان نسيت لا انسى تعاطف العديد من الزملاء باذاعة صفاقس معي، بعضهم كان يكتب باسماء مستعارة في الجرائد، مطالبين بعودتي (ابتسام المكوّر)… البعض الاخر كان يتحاشى محادثتي امام اعين الجواسيس في الادارة حتى لا يناله الطشّ … فكان ياتيني ليلا الى منزلي ليُعبّر لي عن مساندته المعنوية (العين بصيرة واليد قصيرة)…

وبعد ؟؟؟

بعد ذلك كان عليّ ان اجد عملا ولو وقتيا لضمان خبز عائلتي… انا ساكون ولمدّة سنة دون مرتّب وعائل لزوجة وابنة… وهنا لابدّ من الاشادة بما وجدته من زوجتي ومن عائلتي من مؤازرة كاملة دون اي احتراز… لن انسى افضالهم وصبرهم عليّ… ولكن وبعد يا سي عبدالكريم ..؟؟؟ تكبّر راسك اوكي، اما رزق عائلتك ؟؟ حليب بنتك ..؟؟ تذكرون جيدا فيضانات اكتوبر 82 ؟؟؟ حتى سيارتي انذاك تعاطفت مع الوضع وقررت ان تكون لها رخصة طويلة الامد من جرّاء مياه الفيضانات…يعني كيف تمشي تقطّع السلاسل …وصدقا لم اشعر يوما لا بالحاجة ولا بالندم …كنت وساموت مؤمنا بأنّ الاقدار حقيقة ثابتة لا تُجادل …اذ انّه من قال انّي ساصبح يوما ما منشّطا ؟؟؟ صحيح انّي درست العلوم السمعية البصرية في دراستي العليا بفرنسا… صحيح ايضا ان السنة الاولى من الدراسة خُصّصت للجذع المشترك بما في ذلك التنشيط الاذاعي والتقنيات الاذاعية من ضمن ما درست، ولكن الاختصاص كان الاخراج التلفزي …فاذا كانت الاقدار هي التي جعلت منّي منشّطا وبكل فخر واعتزاز لماذا اشتكي من اقدار اخرى لم تعطني ما اردت ؟؟؟ او نغّصت عليّ بعض ردهات السعادة في ما اردت او احببت ..؟؟؟

ولم تطل مدّة البطالة بلا اجر …تحرّك بعضهم وعرض عليّ فكرة ان اهتم بالشؤون الثقافية في كلّية العلوم الاقتصادية والتصرّف بصفاقس …فؤجئت بالعرض ولكن لم يفاجئني صاحبه …هو زوج الزميلة ابتسام، الصديق العزيز جدّا توفيق المكوّر …اعرفه مذ كان تلميذا في التعليم الثانوي نسكن في نفس المنطقة ولكنّه كان انذاك انزوائيا جدا… وعندما توطّدت علاقتي بابتسام توطّدت علاقتي بكلّ عائلتها وخاصّة بوالدها المربّي الفاضل سي عمر رحمه الله وبزوجها خويا التوفيق …هو انسان عملّي لابعد الحدود جدّي في العمل بشكل منقطع النظير، فنان في جلساته مع الاصدقاء، يهوى الموسيقى الراقية والعزف على العود وهو في تلك الفترة يشتغل كاتبا عاما لكلية التصرّف وله علاقة حميمة مع عميدها السيد عباللطيف خماخم …

عرض عليّ الامر ودون تردد وافقت ..وافقت لا لأنني عاطل عن العمل بل لأنّ علاقتي بالصديق التوفيق تريحني للعمل معه …وصدر يوم 23 فيفري 1983 قرار تعييني من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كمسؤول عن الانشطة الثقافية بكلية العلوم الاقتصادية والتصرّف بصفاقس … وبدات مرحلة مهنية اخرى في حياتي …الم احدّثكم عن الاقدار …حياة الواحد منّا كبحّار يخرج بمركبه الى البحر ويرمي الشباك بحثا عن السمك … هل هناك من يدّعي انّه قادر على معرفة نوع السمك الذي سيصطاده …قد يكون كعيبات صبارص يعملو ستة وستين كيف …قد يكون كعيبات مللو حجر اللي ولّينا نسمعو بيه اكاهو ولسنا من قبيلة هاضاكا … لنجده على طاولتنا … اما الكروفات الروايال هاكي عاد قريب سوم الكيلو يشري مرجع تراب …

فقط كل ما ندعو به الى العزيز الرحمان ان يرأف بذلك البحّار حتى لا يتعرّض في كفاحه اليومي في لجج البحر الى مداهمة قرش، خاصّة ونحن معه نعيش زمن مداهمة القروش من قرطاج الى مونبليزير …

ـ يُتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 68

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الاشهر الثلاثة الاخيرة من سنة 1982 شهدت اوّل منعرج في حياتي الاذاعية… في البداية كانت هنالك نقاط ضبابية جدا في التعامل مع المدير بالنيابة المرحوم محمد الفراتي…

عبد الكريم قطاطة

احسست بجفاف وبرودة من جانبه على امتداد مدّة لا بأس بها … كنت اظنّ انّ تحوّله من رئاسة مصلحة الاخبار الى مدير بالنيابة، جعله يلبس كسوة الطاووس المزهوّ بالثوب الاداري الجديد خاصّة وهو من الصنف الذي يصعب عليك فكّ شفرات نظراته… اذ قد يبدو سعيدا وهو غير ذلك تماما والعكس صحيح ايضا… وحتى في بعض المناسبات النادرة جدا التي دعاني فيها الى مكتبه كنت افاجأ بحواره معي في شؤونه الخاصّة والتي لا تمت لا للعمل بأية صلة… اذ كان يسألني احيانا عن حيرته في نوعية الغداء التي تؤرّق مضجعه واخرج بيد فارغة واخرى كلّها دهشة…

وللامانة كلّ هذا لا يُنقص من قيمته في شيء كواحد من افضل صحفيي اذاعة صفاقس في فترته …الاّ انّ بعض تصرّفاته كانت تبعث على القلق …ثمّ تجمّدت العلاقة معه بشكل مباشر لتُصبح بالمكاتيب… اتذكّر مرّة انّه سالني بالهاتف عن محتوى حصّتي القادمة من برنامج “كوكتيل” وهو ما لم يحدث اطلاقا مع سلفه المرحوم قاسم المسدّي… وطلب منّي ان يكون الردّ كتابيّا فكتبت له الاتي (وكل الوثائق التي ساعرضها عليكم مازلت احتفظ بنسخ منها)، كتبت له: الموضوع الرئيسي المقترح للحصّة المقبلة سيكون محوره النقل العمومي ومشاكله والهدف منه الاستماع لمشاغل الناس في هذا القطاع الحيوي، واذكّرك انّنا في وسيلتنا الاعلامية اذاعة صفاقس من واجبنا ان نستمع للمواطن ونقول للمحسن احسنت وللمسيء اسأت، واذا يُعاب علينا ان نكون كذلك فذلك شرف لنا، وليعلم كل واحد منّا انّ مسؤوليتنا تاريخية قبل ان تكون وظيفيّة اداريّة ..

كنت مدركا خاصّة بالجملة الاخيرة الواردة في مكتوبي انّي اشير اليه مباشرة بخطابي حتى اوقظ فيه جانب الصحفي المسؤول لا المدير بالنيابة على مقعده الوثير …ولكن يبدو انّ ذلك المقعد الوثير مغر… منذ فتنة عثمان رضي الله عنه هو مغر …ولو ادّى بقاتل أحد المُبشّرين بالجنّة إلى غرس خنجره فيه وهو يصيح (الله اكبر) …وكأنه قتل عدوّ الله … تماما كما يفعل منذ تلك الحادثة كلّ من يتصوّر انّه المهدي المنتظر في زمننا هذا .. رحم الله الامام محمد الغزالي الفقيه المصري في العصر الحديث الذي دعا دعاءه الشهير (اللهم ابعد اهل السياسة عن الدين وابعد اهل الدين عن السياسة) ….

بعد تلك الارساليات فوجئت يوما بنصف ورقة ارسلها اليّ المرحوم الفراتي يقول لي باحرف مبعثرة تشبه جدا روشتة الطبيب في طلاسمها والتي لم استطع فكّ رموزها الاّ بعد الاستعانة بصديق زميل يفهم في الطلاسم… ومفادها هنالك مستمعة اسمها كذا اشتكتك اليّ حيث انّك اهملت رسالتها ولم تردّ عليها … ضحكت صدقا حتى استلقيت على ظهري (ما هذه استلقيت على ظهري ؟؟… هكذا يقولون في القصص عن الامراء والملوك وابو دلامة او جحا يقصّ عليهم النوادر… وهنا لم افهم تماما اللوحة اذ كيف لملك جالس في مجلسه ان يستلقي على ظهره …؟؟ انا ادرك جيدا انّ لهؤلاء بيوت نوم فاخرة متعددة الصفات والمحتويات من القينات والغلمان … ولكن هل وقتها كان الملك (يعمل شاطح باطح) في بيت نومه وبالتحديد على سريره وعمّك جحا يروي نكته وهو راكش يبلع في ريقو .. يغزر وكل شيء فيه حي موش كان عينو حيّة … ساترك الامر للوافدين الجدد على المشهد الاعلامي جماعة شمس الشموسي يتدارسون الامر لأني اقّر بأنهم اكثر اختصاصا وكفاءة منّي .. والله لا يحضّرنا محاضر سوء) ..

اذن تلقّيت الرسالة وكان ردّي في منتهى السخرية… اجبته قائلا: “اوّلا انا لا اعرف هذه المستمعة بتاتا ثمّ وهو الاهم، الكوكتيل ليست له سلّة مهملات” .. اجابني: “انا لم اتحدث عن سلة مهملات تحدثت عن اهمالك لرسالة الصديقة” …شوفو هاكي القضية النووية اللي يحكي عليها مدير مع منتج ؟؟؟ .. ولأنني كنت ومازلت من قبيلة (وإذا عدتم عدنا) كتبت له: “بما انّ البرنامج ليست له سلّة مهملات فضمنيّا ليس هنالك اهمال لأية رسالة “… لم يردّ ولكن بدأت مجموعة من الشكوك تخامرني …اشبيه سي الفراتي هذا …؟؟ يخخي ما رقدش بلقدا قام يتوحّم عليّ؟؟ … للتوضيح انا احكي عمّا وقع في تلك الفترة دون رتوش وللتوثيق فقط لأننا وستكتشفون ذلك علاقتنا انتهت بكثير من الاحترام والتقدير الصادقين …

لم افهم وقتها بالضبط ما يُحاك لي في الخفاء …بل لم اتوقّعه بتاتا …الا انني فوجئت يوم 8 اكتوبر وانا ادخل للاستوديو بالفنّي يقول لي السيّد محمد الفراتي قرّر ايقاف الكوكتيل …حاف … قطّبت حاجبيّ للتعبير عن استغرابي العميق … وسألت الزميل الفنّي … اشنوّة ..؟؟؟ علاش ..؟؟؟ هزّ زميلي كتفيه وقال: ما نعرفش ما عندي حتّى معلومة قالولي قلتلك… خرجت من الاستوديو واتجهت الى مكتب المدير بالنيابة …طلبت من السكرتيرة الزميلة سامية ان تعلم السيد الفراتي بوجودي في مكتبه طالبا مقابلته …كلّمته في الامر ثم اغلقت الهاتف لتبلّغني الآتي: قللك ما انجمش نقابلك عندو ما يعمل …

عندها برز عبدالكريم الخايب للوجود … فتحت بابه دون استئذان ودخلت عليه كان يشرب كأس عصير ويغمس فيه “ڨرن” من البشكوتو… سلّمت عليه بكل هدوء واخبرته بما اخبروني به حول ايقاف الكوكتيل …وسألت: انجم نعرف الاسباب ؟؟… لم يأبه بسؤالي وقال: “انا ما آذنتلكش بالدخول وهذا يتسمّى اقتحام مكتب موظّف اثناء القيام بعمله” … اتّك اتّك شوف هاكي التهمة الخطيرة …نظرت اليه وقلت لشنوة تغطيس الڨرن في الكاس وطرف ما يلحق طرف، من الاعمال الجليلة عندك ..؟؟؟ اجاب من فضلك احترم غيرك … علا صوتي في تلك اللحظة وقلت آمرا ايّاه باصبعي على فمي بما معناه اسكت واستمع اليّ .. نظرت اليه بكل سخرية واستهتار وقلت .ذلك الكرسيّ الذي جلست عليه غرّك كثيرا وتوهّمت نفسك “مدير بالحق” ..ولكن خذه وعدا وعهدا عليّ ستغادر وقريبا ذلك الكرسيّ وساعود الى مصدحي رغم انفك …

لم ينبس ببنت شفة ولا حتّى بربيبتها … وغادرت المكتب والاذاعة الى لست ادري …سرت وحدي شريدا محطّم الخطوات، تهزّني انفاسي تخيفني لفتاتي، بعضي يمزّق بعضي، لست ادري الى اين ..طفت ربما يومها كلّ شوارع صفاقس وكل طرقها وثناياها وكانت عائلتي وكرامة التي لم يتجاوز عمرها بعض الاشهر هي ملاذي … اخبرتهم بالامر ولم اجد منهم جميعا الاّ الدعم غير المشروط وكلّ على طريقته وباسلوبه …

في الغد اتجهت الى الاذاعة لاجد استجوابا اداريا رسميا مرقونا في انتظاري وهذا محتواه (السيد عبدالكريم قطاطة لفت نظري في المدّة الاخيرة انحراف برنامجك “كوكتيل من البريد الى الاثير” عن طابعه التنشيطي التثقيفي الترفيهي وخروجه عنه بتحاليل قضايا سياسية من وجهة نظر تخالف اتجاه البرمجة وسياسة الحكومة، مثل طرق موضوع حول اليهود وفيه اثارة للمشاعر وبث التباغض بين الاجناس، كذلك مثل تعليق على مقابلة رئيستي بريطانيا والهند باسلوب ساخر قدّمت فيه احكاما جملية تقييمية عن سياسات دول العالم الثالث… الامضاء محمد الفراتي مدير اذاعة صفاقس) … يا بوقلب حب يلبّسهالي ولا تقرا لا تكتب هذا اولا، ثم هو مدير بالنيابة اعطاوه الكريّع مدّ ايدو للجديّق ! …

دعوني افسّر لكم ماذا حدث بالضبط في الموضوعين المشار اليهما… اولا بالنسبة لموضوع اليهود قرأت دراسة علمية لتاريخ اليهود منذ القدم دون ايّ تعليق منّي… امّا الموضوع الثاني فقلت فيه استقبلت السيدة انديرا غاندي السيدة مارغريت تاتشر واقامت على شرفها مادبة عشاء… وعلّقت بقولي زعمة مأدبات العشاء والغداء في البلدان الفقيرة موش لو كان وكّلو بيها شعوبهم خير ..؟؟؟… انا واع جدا بأن طرحي ليس بريئا بالمرّة ولكن هذا كان يحدث بشكل دائم في البرنامج مع سلفه المرحوم قاسم المسدّي فما الذي تغيّر ؟؟؟ هل الفراتي اكثر حرصا وكفاءة من سلفه ..يستحيل … خاصّة والمعروف عن المسدّي انّه واحد من جنود النظام وبكل حماسة ..الامر اذن فيه الف واو ..

في نفس اللحظة التي انتهيت فيها من قراءة الاستجواب كتبت له الرد: سيدي (حاف لا اسم ولا صفة ولا مندوب) تحية وبعد (حتى هذي شايحة كما ترون) ردا على ماجاء في مكتوبكم هذا، اعلمكم بأني غير مقتنع بتعليقكم على الموضوعين المشار اليهما حيث انّي اعتبر نفسي المتحدّث عن مشاغل تهم المواطن التونسي بموضوعية تاريخية وعلمية ولا تقبل مجالا للقدح وليس من شانها ان تثير الشغب، حيث يعلم المستمع موقف البرنامج من اليهود ومن الصهيونية… الا انّي اؤكّد لكم انكم ترقبتم الفرصة لإبعادي عن الميكروفون بعد نوايا مبيّتة وهذا من شأنه ان يضرّ بمؤسستنا الاعلامية ويخلق فيها تكتّلات واحلافا كنتم فيها المسؤول بدرجة كبرى… اؤكّد لكم ان كلّ حيثيات وجزئيات ما قمتم به لحدّ الان في هذا المضمار ساُطلع عليها وزير الاعلام والمدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية والرأي العام في رسالة مفتوحة ستُنشر على احدى صفحات الجرائد… وانّني ادين هذا التصرّف من جانبكم الذي اعتبره لامسؤولا من جهة، وتعسفا على حقوق آلاف المستمعين وسيرا ضدّ مسار الجماهير العريضة لهذا البرنامج … للحوار بقية …الإمضاء: عبدالكريم قطاطة …

ذلك كان محتوى الردّ على استجواب محمد الفراتي رحمه الله وغفر له بعد ان غفرت له يوما مّا كل الذي حدث وبشهادة السيد محمد عبدالكافي مدير اذاعة صفاقس… ففي 1987 هذا الاخير دعاني يوما الى مكتبه وقال لي السيد محمد الفراتي يريد ان يجلس اليك ويعتذر لك عما حدث سنة 82… انا من طبعي لم ارفض يوما ايّة يد تمتدّ لي للاعتذار كما لم ولن اتأخر يوما عن تقديم ايّ اعتذار متى اخطأت… لذلك قبلت الطلب وجلس ثلاثتنا… كان المرحوم محمد الفراتي اوّل من تكلّم: شوف خويا عبدالكريم اوّلا انت اذاعي من الطراز الممتاز ومكانك ليس في اذاعة تونسية فحسب بل في ايّة اذاعة عالمية … ثانيا انا جئت الان لاعتذر لك عما صدر منّي…دارو بيّ اولاد الحلال الله لا يسامحهم… وها انا امدّ يدي لاصافحك بكل صدق وارجو ان تغفر لي ماحدث …

نهضت من مقعدي وذهبت اليه عانقته وقبّلته وقلت له اطو الصفحة ليس لي ايّة صغينة احملها تجاهك … وكأنّ القدر كان يناديه …اذ انّه بعد اسبوع من تلك المقابلة تعرّض صحبة الزميل علي الجرّاية الى حادث مرور قاتل رحمهما الله …. نم يا زميلي محمد انا مسامحك دنيا وآخرة …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

“صعيدي” في الألعاب الأولمبية (2)

نشرت

في

عبد القادر المقري:

لطالما كان محصول أبطالنا من ذوي الهمم، في الألعاب الأولمبية وبطولات العالم إلخ، أكبر عددا وعدّة مما جلبه إلينا رياضيونا الأسوياء رغم قيمة ما فعله بعض هؤلاء…

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

وهنا يتبادر إلى الذهن أن ذلك قد يفسّر ببعض السهولة في أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة قياسا إلى الأولمبياد الآخر… ظننّا ذلك وكان الظن إثما، نعم … فألعاب ذوي الإعاقة لم تعد (بل لم تكن يوما) تجمّعا خيريا أو تسلية يوصي بها المرشد الاجتماعي للإحاطة النفسية … أبدا… بل هي مسابقات صارمة القوانين عالية الكفاءة تعتصر من المتسابق آخر رمق من موهبته وجهده وإرادة النصر التي يعمر بها قلبه… زائد فوق ذلك التكوين والإعداد والمعسكرات (كم أكره كلمة “تربصات” الرائجة عندنا بوقاحة) … هم هناك محترفون بأتم معنى الكلمة ويخضعون لتراتيب لا ترحم ولا محاباة فيها ولا صدقة جارية… حديد في حديد يعني، فلنكفّ عن استصغار ما هو كبير وجليل…

ولعمري فإن هذا يجعلنا ننظر بعين مقدّرة إلى إنجازات روعة التليلي ووليد كتيلة وقد أصبح الاثنان بعدُ من أساطيرنا ومن مراجع الرياضة العالمية … ويضاف إليهما شباب آخرون رفعوا رقابنا ورايتنا ونشيدنا كالتيساوي وبوكحيلي وأعتذر لمن لم يحضر الآن على طرف لساني… ننظر بعين الإكبار ونضع تلك الأسماء في مدار أعلام تونس ومفاخرها عبر الدهور… وكنت دائما أضع القمودي والشتالي جنبا إلى جنب مع ابن خلدون وابن منظور والشابي والمعزّ والجنرال حنبعل … وصار حتما علينا أن نضيف للائحة الشرف واحدة كابنة قفصة، هذه الروعة القصيرة جسدا واللامتناهية قيمة وهمّة ومجد ملكات…

بقي في القلب شيء من حتى… من المفروض ونحن من سنوات طويلة نرى رياضيينا البارالمبيين يكتسحون الدنيا بالقليل القليل الذي أخذوه… من المفروض أن ذلك فرصة لنا لكي نراجع سياساتنا سواء في العناية بهذا الصنف من الرياضة والرياضيين، أو بوضعية المعاقين في بلادنا بصورة هامة… لا منّة منا ولا شفقة، بل واجب دستوري لا نستحق دونه لقب دولة… صراحة… في هؤلاء ثروات تهزأ ببترول وغاز وأية سخطة يتعلل بها أي مسؤول ليبرر فقرنا وعجزنا وانبطاحنا “الاضطراري” لصندوق النكد الدولي والاتحاد الأوروبي، وهذه الطليانة التي تهدّ علينا بين الفينة الأخرى لتتفقّد مدى إجادتنا لدور عسّاس الحدود البحرية لبلادها…

معاقونا (وأسمح لنفسي باستعمال المصطلح الحقيقي حتى يأتي ما يخالف) معاقونا، أثبتوا دائما أنهم كنوز حية تكفيها نصف فرصة لصنع العجب… لا في الرياضة فحسب… بل في الإمكان أن يطلع منهم “هاوكينغ” تونسي، وطه حسين تونسي، و”هيلين كيلر” تونسية و”تولوز لوتريك” تونسي إلى آخر القائمة… شرط أن نعطيهم حقهم كبشر وأن نهيّء مؤسساتنا وفضاءنا العام لكي يكون لهم محضنا وحقلا خصبا وحافزا للطاقة…

نفعل ذلك بوعي وصدق وعمل لا يتوقف على مناسبات… لا أن نتذكرهم مرة كل نصف قرن بحميّة مباغتة أقرب إلى البروباغندا أو الموضة الزائلة بعد يومين اثنين… فنصدر كما فعلنا ذات تسعينات منشورا يأمر الإدارات بتخصيص مدرج خاص بالكراسي المتحركة… عاجلا وكما اتفق… فإذا بجميعها تسارع باستدعاء أقرب “بنّاي” وتطلب منه إنجاز مزلق بالإسمنت فوق الدروج الموجودة أو بجانبها أو بأي مكان… المهم تطبيق المنشور إرضاء لسلطة لا يهمها شيء… وقد أعطى ذلك في بعض الأحيان أشكالا سريالية أو زوايا حادة إلى درجة أنه لو استعملها معاق على كرسي، لتطلّب منه ذلك حبالا للتسلق صعودا، أو لانطلقت عجلاته كالسهم إلى عرض الطريق وهو نازل…

أكمل القراءة

صن نار