جور نار
ورقات يتيم … الورقة 64
نشرت
قبل 3 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
الخيبة التي لا تُولّد شرارة الانتفاضة تعني الموت … والحلم الذي لا تحدّي فيه هو كحلم مهزوم نخرته النكبات واستسلم للخرف ..
هكذا كنت اردّد مع عبدالكريم الآخر وانا اغادر حوشنا لأعانق اوّل مرّة مصدح من البريد الى الاثير، خيبة فشل النواة التلفزية وقبرها، وتحدّي الواقع الاعلامي الباهت انذاك… اذن لابدّ من رؤية اخرى ومستمع آخر ورسالة… في تلك الفترة كان هناك اسمان فقط شغلا الناس اذاعيا… المرحومان صالح جغام ونجيب الخطاب وقبل دخولي دنيا التنشيط كنت من ضمن مستمعيهما وباعجاب… كانا مختلفين جدا وكانا دوما متنافسين جدا في الخفاء والعلن… عندما عدت من باريس بعد اتمام دراستي في العلوم السمعية البصرية اصبحت استمع اليهما باذن ناقدة وفهمت من خلال دراستي معنى الاختلاف لديهما… كان نجيب ممتعا جدا وكان صالح مقنعا جدا… والتنشيط علميا هو الذي يحقّق المعادلة بين الامتاع والاقناع… وكانت الثغرة التي عملت من خلالها على تحقيق تلك المعادلة…
هذه كانت النقطة الاولى في استراتيجيّة عملي… الثانية تتعلّق بالمستمع التونسي في تلك الفترة… هو امّا سلبيّ للغاية بطبعه او مفقود تماما لأنه مغيّب اراديّا من لدن السياسة الاعلامية حتى تتجنّب اخطار وجوده كفاعل وشريك في المشهد… اي (فكّنا من بلاه)… وهذا كان بالنسبة لي تحدّيا كبيرا حتّى اجر السلبي جرّا الى ساحة اعمال الفكر اوّلا، والى تحطيم جدران الكهف ليخرج الى النور… هذا من جهة، ثمّ اجبار اباطرة الاعلام على حلحلة مواقفهم وبتدرّج قد يصل بهم يوما الى الخضوع لواقع اعلامي آخر…
المفصل الاخير الذي خطّطت له هو الرسالة… انا ترسخت لديّ قناعات من خلال تكويني المعرفي من ناحية وحسّي الوطني من ناحية اخرى، انّ السلطة الرابعة هي ديكور باهت اذا لم يكن المنضوون تحت لوائها اصحاب موقف واصحاب رسالة … ومن ثمة كنت ومازلت اعتبر الحياد كذبة كبرى والاعلامي الذي لا موقف له هو اشبه بـ”روبو” يعبث به من يشاء عندما يضغط على زرّ من ازراره كي ينفّذ فقط ما يريد الضاغطون عليه من مواقف… وهو ما نسميه الان اعلام الاجندات… كنت ومازلت اومن بأن لا اجندة الا للوطن وللانسان.. وفي هذه النقطة بالتحديد لا فُضّ فوه الكاتب المغربي المزلزل محمد شكري وهو يتحدث عن مهمة الكتابة والكاتب فيقول: {انّ مهمة الادب الاساسية كما اعتقد هي الاستنكار والاحتجاج والتمرّد على كلّ واقع مسكون بالبؤس والعفونة والاستغلال البشع}…
اليست هي ايضا مهنة ورسالة الاعلامي ..؟؟؟
عندما اقترح عليّ المرحوم قاسم المسدّي المساهمة في برنامج من البريد الاثير سعدت جدا بتلك المساحة اليومية من العاشرة صباحا الى منتصف النهار… سعدت لا لتوقيتها او مدّتها او معدّل بثها اسبوعيّا… بل لانّها مساحة اذاعية متخلّفة جدا في مضمونها… اذ ماذا يعني ان نبقى ساعتين يوميّا فلان يُهدي اغنية لفلانة و فتاة تُهدي اغنية لأمها وهي تقطن معها تحت سقف واحد .. ايّة جدوى في ذلك ..؟؟ ايّة رسالة .؟؟؟ والغريب ان تلك الاهداءات في الاذاعات الثلاث وفي نفس التوقيت … الان ستفهمون اكثر معنى سعادتي .. كنت كذلك الفلاح الذي يجد نفسه امام ارض خصبة ولكنّها جدباء لا تنتج شيئا ..اليس عليه ان يشمّر على ساعديه للحرث والزراعة …؟؟؟ في انتظار مطر اوّلا وحصاد ثانيا … وعلى هذا الفلاح ايضا ان يعرف ماذا وكيف ومتى يزرع .. حتى تتحقق معادلة الامتاع والاقناع …
في من البريد الى الاثير بدأت خطوتي الاولى ولمدّة شهر كامل اقدّم تحيّتي ومعها قصيدة شعر لنزار قباني فقط واترك الاستوديو لمنجي وحسناء لتقديم اغاني الاهداء ..كنت اجسّ النبض …ومنذ الاسبوع الاوّل بدأ الغيث النافع يهلّ على زرعي ..شعر القباني والقاء عبدالكريم (ضرب) وبريد المستمع بدأ يتكاثر … بعد ذلك الشهر ادمجت اوّل ركن لصحافة الموقف في البرنامج وكان (قرأت سمعت شاهدت)… ضرب هو ايضا رغم الليونة والهدوء في تعاليقي حتى لا اثير قلق المراقبين واولاد الحلال… من داخل الدار ومن خارجها وتكاثر تكاثُر البريد . ثمّ جاءت دعوتي للمستمع للفعل التشاركي ..لاخراجه من قمقم المستهلك واخترت له ابسط السبل: انتقاء حِكم او مقولات واسميت الركن (كلمات من ذهب)… ثم تلته اركان اخرى لمزيد تفعيل دور المستمع في انتاج البرنامج…
ثم جاء دوري لاكون بجانب هذا المستمع في محيطه في بيئته في بيته وانا اتنقل اسبوعيا كل احد لزيارته على عين المكان ولتسجيله كعضو فاعل بصوته ..بكيانه ..بمشاعره ..بآماله وما اجمل الآمال ..وبآلامه وما اجمله وهو يئن امام المصدح انينه الصادق …. الركن انذاك (مع احباء البرنامج على عين المكان) ..وهو ركن اتاح لي زيارة معظم مناطق تونس التي لم اكن اعرفها من قبل واتاح للمستمع ان يوصل صوته … اليس ذلك حقّه المشروع ..؟؟ ما قيمة الاذاعة دون حضور فعلي لمستمعيها …قلت فعلي واضيف فاعل ..لان المستمع الذي يكتفي بالحضور الباهت الماسط موجود وسيبقى موجودا اذا لم يأخذ المنشط بيده كي يرتفع به الى الاجمل والارقى… ولكن انّى لمنشّط ماسط وباهت وفارغ ان يرتفع بالمستمع ..وتلك هي معظم حالات منشّطي هذا الزمن الاحرف …. ضحك وتهنهين واستعراض عضلات ببعض الكلمات الفرنسية في حين ان جُلّهم لا يفرّقون بين les héros et les zéros الابطال والاصفار ، وهم ينطقونها في صيغة الجمع باللغة الفرنسية …
لنعد الى خرفاننا كما يقول المثل الفرنسي …كاينّي صعّبتها شويّة بهذا المثل الفرنسي على هاضوكا المنشطين اللي عمرهم ما كانوا منشطين …واللي البعض منهم دخلو بقفة زيتون او بالرمّان لبعضهن … هذي هاكة العام عملت زلزال كيف حكيت عليها ..ونساو اولاد الحلال اني استثنيت الزميلات الشريفات … ولي عودة لها عند اوانها لأني تعودت كذلك ان اقولها واُمضي ولا امضي…راجعين يا هوى ملوّث راجعين…هوى اعنيها وليست هواء …
تلك كانت استراتيجيتي في العمل ضمن برنامج من البريد الى الاثير .. تحسيس المستمع بعدم جدوى اغنية للاهداء والتقليص من وجودها مرحليا والقيام بعدعام واحد باستفتاء مع مستمعي البرنامج حول ضرورة بقاء ركن الاهداءات من عدمه ..وكان اوّل رهان اربحه .. المستمع ينادي بنسبة 90 في المائة بالغاء الاهداءات تماما وفسح المجال لاركان ومحتويات اخرى اكثر جدوى …وتضاعف بريدهم عشرات المرات… وكان بريدهم كما اسميته انذاك امانة حقا … اذ والله شاهد على ما اقول لم يطّلع ايّ كان على محتوى رسائل مستمعيّ ..ايّ كان ..علاقتي بالمستمع على مستوى الثقة تجذرت بشكل غريب … المستمع اصبح يعتبر المنشّط جزءا من حياته فيسقط عليه كلّ ما ينقصه في محيطه ..هو الاستاذ …هو الاب هو الاخ … هو الصديق …هو الحبيب ..هو الزوج … اي هو المفقود في الواقع المعيشي ..نعم …وهذا طبيعي جدا في غياب اي فرد من هؤلاء الذين ذكرتهم …انذاك سيُسقط على منشطه المفضل ذلك الدور بل ويتجاوز ذلك (وهي حالة لم يفهمها العديدون) المستمع وخاصة المرأة بفعل ظروفها الاجتماعية والبيئية التي حرمتها من عدّة اشياء… سيصبح المنشط بالنسبة اليها يقول الشعر فيها ولها وحدها ..كل الاغاني في الحصّة هي مهداة لها وحدها .. اي سيصبح المنشط عالمها الجميل في عالم لم تعش فيه يوما الجمال ..
ومن هنا جاءت غيرة العديدين من بعضهن البعض ..المرأة في مثل هذه الحالات تصبح لبؤة تغار بشدة على قرينها … لكن ما لا يعرفه الكثيرون من مستمعيّ ان بعض الرجال هم ايضا يغارون ..اما من المنشط على زوجاتهن ..وهذا اراه معقولا .. حتى ان بعضهم، وهذه حالات علمت بها منهم، كاد يُنهي حياته الزوجيّة نظرا إلى تعلّق زوجته المفرط بمنشطها …وذات يوم جلسا لمناقشة امر الطلاق فطلبت الزوجة من زوجها بكل رجاء ان يستمع مرة واحدة الى ذلك المنشط… فاذا به يُصاب هو ايضا بادمان العشق … وانتهى الخلاف… والقصص لا تعدُّ ولا تُحصى في هذا الامر ..
ومن جهة اخرى هنالك من المستمعين من يغار من المستمعات في حبّهن الغامر للمنشّط ويعتبرون انفسهم مهضومي الجانب عندما يقرؤون او يسمعون اشياء من النساء من نوع (هاكة متاعي وحدي) .. يوما ما، دخل واحد منهم على الخاص ليُعبّر لي عن غضبه من مثل هذه الظواهر بالقول (حتى احنا عندنا باي فيك ومتاعنا زادة)… تحدثت عن هذه الامور من اجل التوثيق… اولا لاني لست دون جوان ولا كازانوفا ولا جيجي لاموروزو . ولم ارد البتة التباهي بهذه الاشياء . ولكن ما اردت ان اوصله لكم هو الآتي: ليس هناك ايّ سرّ في تعلّق المستمع بمنشّطه… هذا لن يحدث الا اذا تحققت معادلة الامتاع والاقناع واذا كان المستمع شريكا في البرنامج واذا كان للبرنامج رسالة سامية… رسالة في سطورها حب الوطن ..حب الانسان ..الدفاع عن المظلومين والتحالف وبصفة لا تجادل مع الجمال ضد القبح ومع الحب ضد الكراهية ..انذاك فقط يتعانق الانسان مع الانسان حتى وان لم يره يوما في حياته ..وهل هنالك اجمل من عناق الانسان للانسان … اعانقكم ودون عقد …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 5 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 5 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 15 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟