تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 75

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الديماغوجيا في تعريفها هي كلمة يونانية الاصل وهي في حقيقتها مشتقة من كلمة “ديموس” وتعني الشعب، و”غوجيا” وتعني العمل …

عبد الكريم قطاطة

ومن غرائب الدنيا انها تحوّلت في ما بعد من هذا المفهوم الراقي الى مفهوم ثان يتفق عليه الباحثون متمثّلا في (كلام فضفاض لا منطق له يحاول صاحبه ان يستميل اليه المتلقّي بالاغراء)… وهي عادة ما التصقت بالسياسين حيث يعرّفها المعجم الوسيط كالآتي (الديماغوجيا هي مجموعة من الاساليب التي يتبعها السياسيون لخداع الشعب واغرائهم ظاهريا للوصول الى السلطة وخدمة مصالهم) … السنا في عهد ازدهار الديماغوجيا وبامتياز ..؟؟ قلت ازدهار لانّها هي ليست وليدة سنوات الجمر التي هلّ هلالها بعد 14 جانفي بل هي من “الصداقات” التي لازمتنا منذ عهود …

هذا يُحيلني لما صرّح به السيد محمد عبدالكافي انذاك وهو يردّ على استفسارات الصحفيين حول اختفاء الكوكتيل ومن ورائه عبدالكريم .. اذ وكما اسلفت في الورقة الماضية قدّم تفسيرا وفي منتهى الديماغوجية عبر جريدة البيان بتاريخ 27 ماي 85 واعاد نفس الاسطوانة بجريدة الايام بتاريخ 30 ماي من نفس السنة عند استفساره عن سبب اختفاء الكوكتيل حيث قال: (طالبنا بتصور جديد لمختلف البرامج لاننا نرفض تلك الحصص الشبيهة بالحنفية التي يخرج منها كل شيء… العسل والزفت والقطران… والاعتماد على آراء المستمعين فقط ليس العنصر الوحيد لتقييم عمل ما… المنطق يفرض على المنشط تكييف اذواق المستمعين، والواجب يحتّم عليه الارتقاء بدائرة معلوماتهم) … ثمّ يضيف: (ليست لنا نية الاستغناء عن عبدالكريم قطاطة هذا المنشط القدير وبامكانه استرجاع برنامجه حالما ينتهي من اعادة تصورجديد له… وان لم يتمكّن من ذلك ساقدّم له شخصيا تصوّري الخاص لهذه الحصّة الاذاعية)…

ظاهريا يبدو الامر منطقيا جدا و جدّا ايضا .. لكن من واكب برامجي سيدرك مباشرة انّ مديري تحدّث بمفهومي الخاص للمنشط والمستمع… فانا اعلنتها مرار ومنذ السنة الاولى من عملي في الكوكتيل ومازلت عند قناعتي انّي ضدّ منظومة (الجمهور عاوز كده)… احترامي للجمهور لا يعني ولن يعني اني مستعد لتمرير التفاهات شكلا ومحتوى .. ثم هو تحدث في تصريحه للبيان عن رؤيته للعمل الاذاعي حيث قال: (دعوته الى اعطاء تصوّر جديد للبرنامج بصورة تجعله يساير التغيير والتوجه الذي طرأ على البث المباشر والذي يميل الى التخصص والعمل ضمن نظام المجموعات)… هذا كلام جميل ايضا ولكنّه عار من الصحّة لسببين اولهما انّ السيد محمد عبدالكافي رحمه الله كان كلّما اجتمع بالمنشطين فترة عمله مديرا على راس اذاعة المنستير، كان يحثهم على الاستماع الى عبدالكريم قطاطة والاستفادة من منهجيته واسلوب عمله… وكان يقول لهم حرفيا: (اش ناقصكم انتوما وهو اش عندو زايد عليكم ؟)… ثمّ بين عشية وضحاها يتحوّل هذا المنشط القدير حسب ما ورد على لسانه، الى انسان عاجز حتى على تقديم تصور جديد… واستعداد المدير لمدّ يده لنفس المنشط وانتشاله من العجز …

هذا اولا… ثم ثانيا اين تصوّره الجديد في ما اقترحه هو و شلّته على زميلي عبدالجليل في نادي المستمعين ؟؟ اين التخصص واين العمل ضمن مجموعات ..؟؟ لم يوجد هذا بتاتا في نادي المستمعين ومن هنا كان ردّ مديري قمّة في الدمغجة … لأنّ ما حدث قبل ايقاف الكوكتيل وصاحبه كان كالآتي: تقدمت بطلب عطلة للراحة وفي الاثناء علمت من بعض الزملاء في الادارة ان النية متجهة الى تقليص عدد حصص الكوكتيل من خمس الى ثلاث… وكذلك تقليص مدته من ساعتين الى ساعة ونصف…

اتصلت بالمدير واعلمته برفضي لمثل هذه القرارات دون تفسير منطقي لها… كما عبرت له عن نيتي في ادخال بعض التعديلات على المحتوى دون حتى ان يطلب منّي ذلك… وبكلّ امانة انشرح مديري للامر او هكذا بدا لي وحظيت مقترحاتي بموافقته وكان ذلك يوم 18 ماي 85 … وعندا فوجئت بحلول جلول ونادي المستمعين محلّ الكوكتيل اتصلت بالادارة للاستفسار… اشعرتني بانها طلبت منّي تقديم مشروع كامل لتطوير البرنامج لكنّي لم استجب لذلك … هكّة عيني عينك … وقتها ادركت انّي خسرت الجولة الاولى من معركتي الثانية مع المدير والحاشية … وعندما سالتني الصحافة المكتوبة عن موقفي اكتفيت وقتها بالقول: لا استطيع ان اقول شيئا في الوقت الحاضر… (الايام 30 ماي 85).

اعود لاقول وجيعتي كانت كبيرة … مؤامرة حيكت بشكل دنيء … اذ من حقّ ايّة ادارة ان يكون لها موقف من منشط ما او برنامج ما، ولكن كنت احترم موقفها او قرارها لو لم يكن بشكل مخادع وجبان … وللامانة انذاك لم اقبل موقف جلّول والذي اعتبرته خيانة وقررت ان احرّض عليه المستمعين وفعلت… امّا مع الادارة فارتأيت ثانية ان استرخص في عطلة بلا مقابل ولمدة سنة قد اجددها حتى اتمكّن من الكتابة في الصحف واعلان الحرب على ادارة اذاعة صفاقس… حيث تمكنني هذه الرخصة من عدم الوقوع في فخ انعقاد مجلس التأديب اذا قمت بكتابة ايّ شيء تجاه مؤسستي وانا في حالة مباشرة …

وحصلت على رخصة بعطلة دون مقابل وبدأتُ حملتي الصحفية يوم 6 جوان 85 وبجريدة الايام بمقال طويل عريض يحمل عنوان (عبدالكريم قطاطة يردّ على ادارة اذاعة صفاقس) بالقول:بكلّ برودة دم لن اساوم (وها انا اوثّق للتاريخ بعض ماجاء في هذا المقال)… عندما كتبت في شهر اكتوبر 82 عن الكوكتيل وهو يتعرض للهزّة الاولى في سجلّ ايامه، عاب عليّ البعض تسرّعي ولهجتي الحادّة واعتبر مقالي انذاك تحدّيا لتقاليد عديدة والتي مازالت لحد الان بالية هزيلة شاحبة وخاوية… وكان ما كان ودفع من اراد عرقلة الكوكتيل الضريبة غالية… وعاد الكوكتيل الى الوجود شامخا هازئا رغم الاعداء والاعداء والاعداء .. وعند تولّي الزميل محمد عبدالكافي ادارة اذاعة صفاقس وعلى اثر اوّل لقاء بيننا، خاطبته حرفيا بقولي: (لست من غواة الكاشيات ولا من هواة المناصب .. كل ما ارجوكم هو مساعدتي على القيام بهذا العمل الشاق وذلك بالتعامل معي بصدق ونزاهة، فانا اقبل كل الملاحظات والنقد والاصلاح والتوجيه ما دام صاحبه ينطلق من معدن الوضوح والصراحة … فهل تُعتبر شروطي هذه مجحفة ؟؟؟ اذ شرعيّ جدا ان يحاول كلّ مسؤول جديد في مؤسسة ما، ادخال نفَس جديد وفلسفة شخصية على سير العمل بمؤسسته… لكن هل يمكن ان يكون ذلك على طريقة نيرون الذي احرق روما ؟ وفي باب التطوير هل من المعقول ان تنسى ادارة اذاعة صفاقس مجموعة كبيرة من البرامج اكلها السوس وهي نسخة مطابقة لبعضها البعض ومنذ الستينات ؟؟ لماذا حربوشة التطوير او كرتوشته توجهت بالذات الى الكوكتيل؟”...

وحديثك عن الجمهور … انت وغيرك يعلم ان جمهور الكوكتيل متنوع وحاضن لكلّ الفئات والمستويات التعليمية… وانّ الكوكتيل من جملة ما حصل عليه في الاستفتاءات انه البرنامج رقم واحد لدى المثقفين ..اذن حذار من كلامك عن جمهور الكوكتيل … ومن اهانتك له … وردّا على ورودك وانت تنعتني بالمنشط القدير، اليس من الغريب ان تنعت هذا القدير بالمحنّط وغير القادر على التجديد بل وتذهب الى حد استعدادك لمد اليد والدعم بتصوراتك .. في خاتمة كلماتي اوجز موقفي كما يلي: انا لم ولن اكون يوما مساوما بالكلمة وسابقى رافضا لكلّ المواقف المهزوزة… والكوكتيل هو كوكتيل المستمعين قبل ان يكون كوكتيل عبدالكريم… وايقافه هو ايقاف لمسار اذاعي جديد وبكلّ غرور، وهو تحدّ لارادة المستمعين ولقد سبق ان قلت سنة 82 بامكانك ان تقتل بلبلا مغرّدا ولكنّك لن تكون قادرا على قتل غريزة التغريد في البلابل … قد يتوقف الكوكتيل شهرا، سنة، عشر سنوات ولكن وبكلّ تحدّ لن يموت لأنه لن يساوم وسيقاوم”.

هذه مقتطفات من مقالي الذي احتلّ صفحة الا ربعا في جريدة الايام… كنت استفزازيا نعم … تركته ضمنيا في حرب مع المستمع نعم .. سخرت من ديماغوجيته نعم … وكنت على يقين تام ولا جدال فيه اني خسرت معركة ولم اخسر حربا … وكان تعاطف الزملاء في جريدة الايام اولا وفي عديد العناوين مشهودا … هذا ما كتب نجيب الخويلدي في ركن صحافة الرسائل وبتاريخ 13 جوان 85 (وبدات اذاعة صفاقس تزاحم الاذاعة الوطنية في قتل الموهوبين ومعاداة النجباء … التنشيط الاذاعي موهبة وليس خطة ادارية لذلك فانا لا اتصور ان محمد عبدالكافي يمتاز على عبدالكريم قطاطة في الخلق والتصورّ وبث الذبذبات الساحرة ؟ هل يستطيع عبدالعزيز بن عبدالله* ان يملك قلوبنا كما فعل ساحر الاجيال حمادي العقربي ؟؟ وبعد كل هذا ماذا يمكن ان يقترح محمد عبدالكافي على عبدالكريم قطاطة ؟؟ يا فلان انّ عبدالكريم امبراطورية لها جماهيرها التي انتخبتها بصفة ديموقراطية لانّ الامبراطور تعامل مع الناس بالحب والامل والارادة… وهذا كان شعار الكوكتال… هذه اربع كلمات من مئات اريد ان اقولها في مسالة تثليج عبدالكريم قطاطة… فهل ستتحول جنة الاذاعات اي اذاعة صفاقس الى جحيم ..؟؟ الايام ستجيب والتاريخ سيسجّل)...

هكذا كتب زميلي وصديقي نجيب الخويلدي… وفي نفس العدد فوجئت بمقال يكتبه زميلي عبدالقادر المقري وتحت عنوان (يكرهون الجمال)… هل تصدقون ان قلت لكم اني اعتبر ما كتبه قدّور من اغلى الاوسمة في حياتي …توقفت عن كتابة بقية هذه الورقة نصف ساعة لاُعيد للمرة لست ادري كم، قراءة مقالك يا قدّور … وللمرة لست ادري كم ايضا، تفيض عيوني دمعا وانا اترشفه …حاولت جاهدا اقتطاع بعض الفقرات منه ولكن عجزت عجزا تاما عن ذلك… ايُعقل ان ابتر يدا من جسد متكامل؟… ايُعقل ان افقأ عينا من رأس من يعزّ عليّ؟؟ هكذا خُيل اليّ وانا احاول جاهدا ان اقتطع لكم منه بعض الشيء … وعدا منّي ان انسخه لكم كاملا في الورقة القادمة وانا واثق جدا من اني ساهديكم دررا ثمينة وصادقة جدا لقلم ابن المقري … شكرا قدّور على وسامك…

ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رئيس النادي الصفاقسي آنذاك

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 92

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …

عبد الكريم قطاطة

حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…

العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…

وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….

نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …

ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….

تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …

قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …

التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …

تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

بطولة في السماء أم هزيمة على الأرض؟ (3)

نشرت

في

عبد القادر المقري:

نحتار حقا في توصيف ما جرى السنة الأخيرة في منطقتيْ شمال فلسطين وجنوب لبنان… ومبعث الحيرة هذا الدفق اللامتناهي من الدماء والدموع والشجن الذي يملؤنا ولا يترك وقتا ولا مجالا إلا للانحياز للمقتول ضد القاتل، وللمغتصب ضد الغاصب، وللمنزل الطائر شظايا ضد الطائرة الحاملة دمارا وعدوانا.

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

الدافع الثاني للحيرة هو ما يمكن تسميته بجلال الموت… نعم، ليس هناك من دليل أعلى على صدق أحد وبطولته وصفاء نواياه من أنه يقدم نفسه فداء لقضية ما… لذلك رحنا نطلق صفة الشهادة على من نتفق معه وهو حي، كما نطلقها على من نختلف معه حتى كليا عندما كان من هذه الدنيا… لا، الآن وبعد أن أهدى روحه على ميدان المعركة، فلا تجوز عليه سوى الرحمة والإكبار والتعميد بصفة الشهيد البار… المشكلة أن هذا المنطق يصلح في آداب التعامل مع الموت، في التنفيس عن مشاعر حنق تجاه عدو رئيسي ووجوديّ مكين… يصلح أيضا في رومانسيات الحروب وفرسانها الذين يستبسلون في معركة ويتحوّلون إلى أيقونات أمام عيون الصغار ودروس التربية الوطنية ومعاني الوطن… والعَبرة التي نشرق بها ونحن ننشد لحن الوفاء له، كلما رفرف علم وخفقت جرّاءه قلوب وتنادت أفئدة…

وتكبر الحيرة حين تختلط مع الرحيق المقدس أوشابٌ وأتربة وتساؤلات… نعم … للأسف لا تخلو كأسنا التي نتجرعها من بعض العلامات التي تجعلنا نتردد والزجاج الناعم يقترب من شفاهنا… جاء التردد من استرجاع بعض الصور والذكريات القريبة والبعيدة التي تقول لنا حذار… انتظروا… فاللون الأبيض النقي هو لون السكّر والملح في آن واحد، ورعود السماء تأتي بالمطر الطيّب والصاعقة القاتلة لنفس المُزارع المنتظر تحت شجرة… والبحار الطامية هي خير وسمك وبركة للصياد وهي أيضا الهلاك والغرق… تتشابه الأشكال بين مواد عدة وظواهر، ولكن هل تطابقت دوما الظواهر والجواهر؟

وتتداعى التمثّلات… ولكن على الأرض ماذا نقول في من قتلوا أنفسهم في عمليات داعش، وقتلوا معها تلاميذ مدرسة أو متزاحمين في سوق أو مصلين في جامع؟ … وماذا نقول في سقوط إرهابي صريعا ذات مواجهة مع الشرطة ويداه ملطختان بدم شكري بالعيد؟… وماذا نقول في المئات ممن غُسلت أدمغتهم فصاروا يعتبروننا كافة دار حرب وأقسموا على تصفيتنا فرادى وجماعات وهم معنا بالحزام الناسف؟ … للعلم فلهؤلاء مفتون من فئة خميس الماجري وأبي عياض والمرحوم حسن الغضباني، يسبغون عليهم نعت الشهيد بابتسامة هانئة وقلب مستريح… بل وينضمّ إليهم مذيع تافه لا همّ له سوى الحفاظ على كرسيّ أمام الكاميرا وريع سمين تحت أرجل الكرسي …

نهتف حتما للأبطال الذين استشهدوا، مع حسرة على فقدانهم وأمنية بأن يقتلوا العدوّ لا أن يسقطوا صرعى… الشهادة لهم لكن لنا الهزيمة في آخر المطاف… وهزائم الحروب ليست إنشاء ولا شعرا ولا لعبا بالمصطلحات… هي حصائل باردة لواحد مع واحد يساوي اثنين… من الذي خرج من الميدان (ولو شهيدا) ومن الذي بقي حيّا يصول ويجول؟… وهنا لا ينفع التأبين ولا التعظيم ولا الخلود ولا قناة الجزيرة… منطق الحرب أن تعيش لا أن تموت، وهذه أهم توصية تصدر عادة عن القادة وهم يوجهون جنودهم في مهمة… وحتى إذا شاء القدر وترك الواحد حياته على ساح الشرف، فيكون في المقابل أوقع بأعداد وافرة من صفوف العدوّ قبل أن يبذل الدم والروح…

ولكننا في هذه الموقعة إلى أين وصلنا وكم خسرنا من أرواح وكم خسر العدوّ؟ وكم كانت كلفة 7 أكتوبر 2023 وماذا كسبنا خلالها وأية رقعة حرّرنا؟ … دائما بمنطق الحروب القاسي، هذا ما حصل… عشرات الآلاف من مدنيي غزة والضفة وجنوبي لبنان، أعداد من “العسكريين” شبه العزّل تختلف الأرقام في تقديرها بين المتحاربين، ولكنها في النهاية كبيرة وموجعة… ويكفي أنها حرمت المقاومة من أهم قادتها وحتى التالين في الأهمية… دون الحديث عن دمار شامل فعلا لمدن وقرى وبلدات ومبان ومرافق تعجز قوى عظمى عن إعادة إعمارها بسرعة لو تمّت على أراضيها إثر كارثة طبيعية… فكيف بنا ولا زلزال سُجّل في غزة أو إعصار ضرب جنوب لبنان…

الزلزال الوحيد الذي ضرب أهالينا هناك كان قرارا بحرب غير متكافئة، سيئة التوقيت والحساب… بل ويجعلك تتساءل بعد هذا العبث وذلك الدمار: لفائدة من كل هذا؟ ولماذا انتقلت القضية من هدف تحرير الأرض إلى المناشدة بوقف إطلاق النار؟ ومن يعوّض لمن تيتّم أو ترمّل أو ثكل؟ ومن يؤوي الذين تشرّدوا؟ أم نكتفي بآية “لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله…”، وبمقولة ذلك القيادي في حماس عن مدى انشغاله بملايين المدنيين المعرّضين للقصف والموت: أولئك مسؤولية المجتمع الدولي؟!!!

أكمل القراءة

جور نار

هل حان فعلا، رد الدب الروسي على استفزازات الغرب؟؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

إثر تصميم الغربيين على تزويد اوكرانيا بصواريخ بالستية لضرب روسيا في العمق و تنفيذهم ذلك على الرغم من الإنذارات والتهديدات الروسية المتتالية التي يبدو اول الأمر أن الغرب لم يأخذها مأخذ الجد، كشف فلاديمير بوتين عن بعض نماذج من ترسانته العسكرية كما أدى زيارة هامة إلى كازاخستان خلال هذا الاسبوع مصرحا ان هذا البلد صديق لروسيا وشريك يعتمد عليه.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

وتكتسي هذه الزيارة طابعا عسكريا اكثر من اي شيء آخر كما تخللها عرض لبعض من ترسانة موسكو العسكرية، و كذلك لما يعرفه الروس عن ترسانة الغرب بالتفصيل و بدقة متناهية و أماكن تركيزها وتحركاتها بالإضافة إلى مقارنة قدرات كل صاروخ بالستي فرنسي كان او ألماني او انكليزي او أمريكي بما يقابله من بالستي روسي… وأكد الرئيس الروسي ان مخزون بلاده من هذه الأنواع كاملة يفوق اكثر من عشر مرات ما تحويه ترسانة الغرب برمّتها، مما دفع الغربيين إلى وضعية جديدة من الاستنفار والاجتماعات المعلنة و السرية أيضا للناتو، هذا بالإضافة إلى ردود فعل حول تصريح فلاديمير بوتين الذي استشاط غضبا امام تحدي الغرب ووقاحته المتعمدة.

لقد ايقنت الدول الغربية اخيرا ان بوتين أنهى المزاح والتهديدات المحدودة ومر إلى قرارات وشيكة بالدخول في حرب للدفاع عن روسيا التي مثلت وتجسم اليوم إرث الاتحاد السوفياتي التي تم تدميره وها أن الناتو يرغب في الاجهاز على روسيا بدورها عبر استنزافها اقتصاديا واجتماعيا و عسكريا وفرض حرب بالوكالة من خلال “حصان اوكرانيا”. ويبدو أن الكريملين كان يفهم هذه المخططات ويحاول جاهدا الاستعداد لها جيدا باعتبارها محددة لمصير روسيا وصورتها التي ستثبت اما تأكيد قوتها و مكانتها الاستراتيجية او انحلالها وعلى الأقل اضعافها. ويتبين ذلك اعتمادا على مخطط حرب غربية واردة مع الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة العدو الأكبر والأخطر على جميع الواجهات اقتصاديا خاصة وعسكريا أيضا. وكان لابد قبل ذلك من إزاحة روسيا من الطريق او القضاء على ترسانتها للتفرد بالغول الصيني.

فشلت الحرب الاقتصادية الغربية ضد الروس بل ان هؤلاء فرضوا وجودهم بالبلدان الافريقية ونجحوا في تخطي كل المعطلات لاقتصادهم و أسسوا تجمعا نقديا و اقتصاديا جديدا (البريكس) توسع وعلى بابه اليوم قائمة كبيرة من منتظري الانخراط. كل هذا بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات تعاون عسكري مع إيران ودعم التقارب الوثيق مع كوريا الشمالية التي بادرت بإرسال اكثر من 10 آلاف جندي لمساعدة روسيا في حربها ضد اوكرانيا.

واذا رجعنا للحرب الروسية الاوكرانية التي دامت طويلا جراء الدعم غير المسبوق من الناتو لكييف، يستوجب الإشارة إلى ان روسيا لم تكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي منشغلة بالحروب الميدانية التقليدية قدر ما ركّزت على تنمية الاقتصاد ورفاه السكان الذي كان متدهورا. أما الجانب الذي لقي الأكثر عناية فهو الأبحاث العسكرية و تعزيز القدرات النووية التي يرى الروس انها اهم رصيد دفاعي او هجومي… كما بلغ الجانب الاستخباراتي أيضا أوجه ويكفي التذكير بان اعدادا وافرة من الكوادر السامية والقيادات المؤثرة ثبت زرعها في مواطن القرارات والأبحاث و الاستخبارات وحتى التاثير على الانتخابات بالغرب، وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية…

بعد الانذار الاخير لبوتين استشعر الغربيون انهم لم يتركوا للدب المفترس اية فرصة غير الاستماتة في الدفاع عن عرينه. وفي هذه المرحلة الدقيقة التي تجسم قمة استعراض القوى بين غرب متخوف من عودة ساكن للبيت الأبيض لا يرغب كثيرا في إرهاق الخزينة الأمريكية لصالح الناتو او حرب اوكرانيا، وبين تهديدات تبدو جدية من ساكن آخر في الكريملين، نرى ان نتاج هذه الأوضاع ستكون حتما إما انهاء حرب اوكرانيا لصالح موسكو وربما يرفق ذلك بتنازل روسي طفيف عن جزء محدود من شرق اوكرانيا ووضع حد لكل التضييقات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات المتتالية ضد روسيا، او التورط في حرب عالمية كان الجميع يستبعد وقوعها، اذا ما اختلط الغباء الغربي بالعقلية الكوباوية للرئيس الأمريكي القديم الجديد.

أكمل القراءة

صن نار