جور نار
ورقات يتيم … الورقة 86
نشرت
قبل 3 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
لم انس ما فعله معي المرحوم صلاح الدين معاوي في حلحلة المظلمة التي تعرضت لها بعد عودتي من فرنسا وانا احمل معي ديبلوم الدرجة الثالثة للعلوم السمعية البصرية سنة 1979 دون أن يشفع لي نجاحي اوّل في تلك الدفعة …
لم اجاز على ذلك الا بتلكؤ كلّ الادارت التي تعاقبت والتي وبخطأ منها رسمتني في قائمة المهندسين… وهذه كانت بالنسبة لي جناية في حقّ كل من ينتمي لذلك الاطار في الوظيفة العمومية لانّي لم ادرس يوما لاتخرّج مهندسا ..وامام رفضي لهذه الوضعية رغم اغراءاتها المادية وقع تجميد ملفّي 9 سنوات كاملة… حتى اقدم السيّد صلاح الدين معاوي على فتح ملفي من جديد وفي ظرف وجيز قام بالتسوية… لذلك وامام اقتراحه بتكليفي بمهمة الاشراف على اذاعة الشباب من اجل ادخال تطويرات عليها، خجلت من نفسي ان انا رفضت… ولكن وللشفافية المطلقة قلت له طلبك على عيني سي صلاح لكن بشرط ..ابتسم لي وقال (ايّا اعطينا شروطك يا كريّم .. اما ما تصعبهاش عليّ) ..
قلت له (اعترافا منّي بالجميل لك ولن انسى جميلك ساقبل الاشراف على اذاعة الشباب ولكن ضمن رؤيتي الخاصة لكيف يجب ان تكون اذاعة الشباب) .. لم يتركني اكمل واجاب على الفور ..انا اعرفك منذ سنوات ..واعرف ثوابتك ..ومن اجلها اخترتك لتكون مشرفا عليها وبنفس تلك الثوابت ولك منّي الضوء الاخضر والدعم الكلّي ..شكرته واردفت (سافعل كلّ ما في وسعي لارضاء ضميري ولاكون في مستوى ثقتك ..لكنّي لم اتمّ حديثي) .. ودائما بوجهه الباسم قال: (هات ما عندك) ..قلت اوّلا اشرافي على اذاعة الشباب يجب الاّ يبعدني عن المصدح ..المصدح هو عشق وانا لا استطيع التنفس لا تحت الماء ولا فوقه دون ذلك العشق…
ودون انتظار منّي قال سي صلاح ..واشكون قلك ابعد عن المصدح ؟؟ مازالشي حاجة اخرى يا كريّم ؟ … قلت له نعم هي حاجة اخيرة ..ساقبل على هذه المسؤولية بكلّ ما اوتيت من معرفة وجدّية وحبّا في بلدي لكن ساتخلّى عن هذا الدور بعد سنة للشروع في التوجّه الى الاعمال التلفزية كمنتج وكمخرج ..ضحك هذه المرّة سي صلاح وقال لي (يقولولي عليك راسك كاسح وما تعمل كان اللي يقلك عليه مخّك ..ويبدو انهم عندهم حقّ… المهمّ الان توكّل على الله ثمّ لكلّ حادث حديث) …
وفعلا شرعت بداية في الاستماع لبرامج اذاعة الشباب والتي تبثّ يوميا من الساعة السابعة الى التاسعة ليلا باستثناء يوم الاحد حيث تبدأ من الثانية ظهرا حتى السادسة مساء .. لآخذ فكرة عن واقعها ولاصلح ما يمكن اصلاحه… ولعلّ ابرز ما لاحظته في استماعي شهرا كاملا انّ عديد الاصوات التي كانت تعمّر اذاعة الشباب لا علاقة لها البتّة بالعمل الاذاعي ..ثم حرصت في نفس تلك الفترة على التعرّف على هويّة منشطيها فادركت انّهم في جلّهم من المنتمين الى التجمّع …وهنا عليّ ان اشير الى احترامي دوما لتوجّهات الفرد في اختياراته لكن شريطة ان لا يتحوّل المصدح الاذاعي لخدمات مصالحه الحزبية الضيقة ..المصدح كان وسيبقى في خدمة البلد لا في خدمة الاشخاص والاحزاب …
وامام هذه الحالة قررت ابعاد العديد من المنتمين لاذاعة الشباب انذاك امّا لاسباب مهنيّة بحتة (اي هم لا يصلحون للعمل الاذاعي لا صوتا ولا حضورا) او لوضوح مطامح البعض منهم وبشكل انتهازي لاجندة الحزب الحاكم ..وفي الاثناء كان عليّ ان اجد البديل ..اتجهت رأسا لبرامج الاطفال التي كانت تبث باذاعة صفاقس لدرايتي بالخبرة التي اكتسبها عديد براعمها مع منتجي تلك البرامج وعلى راسهم الكبير سي عبدالرحمان اللحياني حفظه الله ..وفعلا وجدت في تلك البرامج اسماء في بداية سنّ الشباب …وقمت ايضا بكاستينغ اخترت فيه اسماء جديدة قادرة على ان تكون ضمن اذاعة الشباب ..ووزّعت هذه الاسماء على فرق وكلّفت بعض الزملاء ذوي التجربة والكفاءة برئاسة تلك الفرق … وانطلقت مع الجميع في برمجة جديدة هدفها الاهتمام اليومي بمشاغل الشباب دون استعمال آلات الايقاع وعلى رأسها البنادر .. كان الشعار الذي اتبعناه انذاك (نحن معا نبحث عن الحقيقة كلّ الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة) ..ونجحت اذاعة الشباب في استقطاب جمهور عريض ..ونجح العديد من براعمها في نحت اسماء مازالت لحدّ الان تعمل بنجاح ..لانّها تعوّدت على الجدّية وعشق المصدح ..والالتزام بان لا شيء يعلو فوق الوطن ..
وبعد سنة يوما بيوم قدّمت استقالتي امام دهشة الجميع ..كان الجميع على علم بشرطي المتمثّل في مغادرة اذاعة الشباب بعد سنة ..لكنّ العديد منهم كان يتصوّر ذلك مجرّد تسويق كلام ..حتى حصل ما كان في الحسبان ..وكُلّف الزميل عبدالقادر السلامي رحمه الله بالاشراف عليها بعد مغادرتي حتى وقع حلّها عندما فُتح المجال لاذاعة الشباب بتونس لتصبح الضرّة التي قتلت ضرّتها ..وما اكثر ضرائرنا عندما يتعلّق الامر بصفاقس ..
قبل ان اصل الى التسعينات لابدّ من العودة الى نهاية الثمانينات لاشياء عشتها سواء اذاعيا او صحفيا ..في بداية جانفي 1988 كنت استعدّ للدخول الى الاستوديو لتقديم الكوكتيل في الاصيل… توقيتا كانت الساعة تشير الى الثالثة والربع ليتّصل بي موزّع الهاتف قائلا هنالك مستمعة اتصلت بك عشرات المرات لحاجة شخصيّة ملحّة ..هي معي على الخطّ هل امررها لك .قلت مرحبا ..جاءني صوت شابة يقطر حزنا وخذلانا ..لم تتأخّر عن الكلام وقالت بصوت متهدّج ..انا اسمي مروى من الساحل ..مشاكلي لا تُحصى ولا تُعدّ ولذلك قررت وضع حدّ لحياتي وسيكون برنامجك اخر شيء استمع اليه ..وانقطع الخطّ ..
للامانة انا كنت ومازلت اعوّل على احساسي بصدق الاخرين ..احسستها صادقة وكان عليّ ان افعل شيئا ما… قلبت البرنامج في محتواه المقرّر له… الغيت كلّ الاغاني المبرمجة مسبقا وعوضتها باغان تدعو للامل والتشبث بالحياة … كان سباقا ضدّ الساعة ..دخلت الاستوديو وبسطت الامر على المستمعين في سؤال للجميع ..هل باماكننا انقاذ مروى وثنيها عن قرارها ..وتهاطلت مكالمات المستمعين بكلّ حرقة وروح انسانية عالية… وقبل ان اغادر الاستوديو خاطبت صديقتنا مروى بقولي (انا ساغادر الاستوديو الان ولكن لن اغادر مقرّ الاذاعة حتى ياتيني هاتفك ليقول لي ولكلّ المستمعين انّك عدلت عن قرارك) …
نعم وكان ذلك…وبقيت متسمّرا في الاذاعة حتى منتصف الليل ليرنّ الهاتف بمكتبي وياتيني صوت مروى الباكي والمبشّر بشكرها وامتنانها للبرنامج وللمستمعين الذين اعادوا لها الامل في الحياة..ورجوتها ان تطمئننا من حين لاخر عن حياتها وفعلا فعلت… بل وهو الامر الذي اسعدني وأسعد المستمعين، حياتها استقرّت وتزوجت وانجبت اطفالا وهي تنعم بالسعادة والامان ..ما ذكرته لا يعني بالمرة استعراضا لبطولة ما وافتخارا بها، بل كنت ومازلت اؤمن انّ المنشط ان مات اوتجمّد في داخله الانسان لا يستحقّ وجوده امام المصدح .. ما قيمة الانسان ان مات في داخله الانسان .. انه اشبه بالدمية التي لا روح فيها ولا عطر ولا حياة…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
جور نار
“اش جاب رجلي للمداين زحمة”…
نشرت
قبل يوم واحدفي
28 يناير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashمحمد الأطرش:
ما هذا الذي نعيشه نحن العرب من طنجة إلى بغداد مرورا بما بينهما؟؟ لماذا أصبحنا أمة شماتة وحقد وكراهية؟ لماذا تخلينا عن ثقافة الاعتذار… وعن التصالح والتسامح وعن أخلاق وثقافة الأخوة والجوار؟ لماذا نحن اليوم هكذا؟
ألتقي العديد من الأصدقاء في بعض مقاهي المدينة يوميا…واستمع إلى الكثير من القصص الغريبة عن ثقافة الحقد والشماتة ورفض الاعتذار… ومن أغرب القصص التي أسمعها حين يشمت بمصائبك أقرب الناس إليك، وحين يفرح بوجعك وما أنت فيه مَن كنت تعتقد أنه صديقك وأوفاهم عندك ولك… والموجع والخطير هو ما يعيشه كل العرب دون استثناء فكل العرب يسعدون بجراح كل العرب… ويرقصون على أوجاع كل العرب… ويشربون على نخب كل مآسي العرب… في بلادنا كما في أغلب بلاد العرب يموت بعضنا فترى أرهُطُا من الشامتين يتحدثون ويكتبون ويسعدون بما وقع لذلك البعض… وترى بعضهم يسعدون ويخرجون للاحتفال بمجرّد سجن بعضهم الآخر ممن يختلفون معهم… وينقسم إعلامنا إلى ثلاثة أقسام… من إعلام شامت وسعيد، إلى إعلام مستنكر رافض، وآخر خيّر الصمت وابتلاع لسانه خوفا من تبعات ما قد يعبّر عنه… ويظهره…
ومصيبتنا الأكبر هي اننا شعوب لا تعترف بثقافة الاعتذار وتسخر ممن يدعون إليها… فنحن نعيش هذه الحياة بتقلباتها وتشنجاتها ومطبّاتها وخلافاتها… وكثيرا ما نخطئ في حقّ بعضنا البعض ونصل حدّ التصادم لفظيا والعنف أحيانا… لكننا وعوض أن نراجع ذواتنا ونعتذر عمّا صدر منّا، نتعالى ونرفض الاعتذار ولا نكلّف أنفسنا عناء نطق كلمة آسف… أليس الاعتذار شيئا وجب فعله لكل من أخطأنا في حقّهم… ومن ظلمناهم وأسأنا إليهم؟؟
هل أصبحت ألسنتنا غير قادرة على نطق “سامحني”… “خوي بربي سامحني راني غالط معاك”…”أختي سامحني عيش أختي” …”خوي انت صادق سامحني غالط معاك”… هل نسينا هذه الكلمات؟ لماذا تصاب ألسنتنا بالشلل حين وجب نطق هذه الكلمات؟ لماذا أصبحنا غير قادرين ورافضين التلفظ بكل كلمة توحي بالاعتذار؟
علينا أن نعترف أن حياتنا جميعا ومنذ 14 جانفي انقلبت رأسا على عقب… فما حدث أكّد لنا جميعا أننا شعوب لا ولن تقبل بالاختلاف ولن تقبل بآخر يقول لها ما لا تريد سماعه… فنحن تربينا على مدى قرون على العصا… وضرب القفا… واجلده مائة جلدة… واضرب عنقه، ولم نتعوّد على أن نختلف ونناقش اختلافنا بهدوء وعقل ورصانة… فحياتنا تغيرتْ ومعها أيضا إنسانيتنا فبعضنا حافظ على انسانيته وبعضنا، وهم الأغلبية، فقدوها… أضاعوها… فالإنسان مهما كان وزنه وقيمته ومهما كانت درجة ادراكه وثقافته وعلمه، ليس ملاكا ولا معصوما من الخطأ… جميعنا نملك عقولا نتميّز بها ونميّز بها بين أفعالنا وأقوالنا وتصرفاتنا وما نأتيه في حقّ الآخرين وخاصة من نختلف معهم وربما ننافسهم في مجال معيّن…
الحقيقة التي نعيشها ونخجل من الاعتراف بها، هي ان أغلبنا لا يمتلكون الشجاعة والقدرة على الاعتراف بالخطأ في حقّ من اخطؤوا في حقّه أو ظلموه أو حتى نكّلوا به إعلاميا… أو حتى بعض من لفقوا لها أمرا مُشينا انتقاما منه ومن اختلافه عنهم وربما لعدم اعترافه بهم او انتمائه لهم… أغلبنا لم يتعلم ولم يتعوّد سلوك الاعتذار وثقافة التسامح والتصالح… وأغلبنا لا يدركون حجم الألم والوجع والقهر الذي يتسببون فيه للآخر إلا يوم يتذوقون ما تذوقه الآخر من دمار نفسي ووجع بدني وما مرّ به من مأساة…
في تونس كما في أغلب البلاد العربية التي اصابتها لعنة الربيع العربي المزعوم (لو كان ربيعا لازدهرت بلادنا وبلاد العرب بالديمقراطية واحترام الآخر وراي الآخر والقبول بالاختلاف)… أقول، في تونس وفي كل بلاد العرب التي أوهموها بالربيع العربي يفرحون لفشلك ويصطادونه ويروجون له… كما يحزنون لتميزك ونجاحك وتفوقك… في تونس وفي اغلب بلاد العرب زماننا هذا، تتساقط على رأسك معاول التحطيم والتخريب والإحباط ومطبات العراقيل يوم يعلمون بهزيمتك وفشلك وخسارتك فيزيدون من وجعك ونكبتك ويضاعفون مصيبتك…
في تونس وفي كل بلاد العرب التي اصابتها لعنة الربيع العربي المشؤوم (لو كان ربيعا حقا لكنت سعيدا ولن أبالي) أقول في تونس وفي كل البلاد التي أصابتها لعنة الفتن والحقد والكراهية، يسعدون يوم يصيبك مكروه أو تصاب بأحد الألغام التي زرعوها في طريقك… فتراهم يسعدون ويطلقون العنان لخيالهم الخصب من التهم والأكاذيب والقصص الخيالية، فتصبح في نظر الجميع خائنا وفاسدا ومجرما وجب تعقبك والتخلّص منك حتى وإن اخترت الهرب إلى المرّيخ… فأنت في نظرهم فاسد… سارق… خائن… غير كفء… هكذا هم… وهكذا اليوم حالنا وحالهم…
تعالوا نبحث عن إنسانية فقدناها أو ضاعت منّا في زحمة ما وقع لنا وعلينا… تعالوا نستعد رصانتنا… ونبحث عن شتات عقلنا الذي أضعناه وسط موجة الأحقاد والكراهية التي زرعوها في جسدنا… تعالوا نعترف ببعضنا البعض… ماذا لو اعترف حاضرنا بتاريخنا… واعترف تاريخنا بحاضرنا… ماذا لو احتضن تاريخنا حاضرنا… ليكون مستقبل أبنائنا أجمل… وأفضل… لا حقدا ولا انقساما… واللهم اجعلنا من الذين يعتذرون إن أخطؤوا… ولا تجعلنا من اللئام… وكما يقول صديقي الجليدي العويني بصوت صديقي عدنان … “اش جاب رجلي للمداين زحمة … واش جاب قلبي لناس ما يحبوه”… والسلام…
جور نار
“لقد أنقذني الله لأعيد للماما عظمتها!”…
نشرت
قبل 4 أيامفي
25 يناير 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashمحمد الأطرش:
خرج علينا دونالد ترامب يوم تنصيبه صارخا مُوَلْوِلا: “الآن يبدأ عصر أمريكا الذهبي” هكذا قال ساكن البيت الأبيض داعما بذلك ما خرج به على العالم خلال حملته الانتخابية… فدونالد أطال الله انفاسه وعد بعصر ذهبي للماما بعد ان مرّغ من حكموا قبله أنفها في التراب… وكأني بالعصر الذي سبق عصر دونالد الثاني كان من الخردة أو من القصدير لا ثمن له…
هكذا يعيد دونالد على مسامعنا ما نسمعه جميعا وفي كل دول العالم من شيطنة للقديم، وسياسات القديم وشيطنة خيارات واختيارات كل من جلسوا على كراسي حكم بلدانهم… وكأني بدونالد يريد إعادة التاريخ إلى ما بعد سنوات الحرب الاهلية الأمريكية وظهور شخصيات اقتصادية خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر أمثال “روكفلر” وغيره… شخصيات ثرية ساهمت في تغيير وجه الماما اقتصاديا وسياسيا وجعلت منها القوّة الاقتصادية الأولى في العالم… قوّة حكمت العالم لأكثر من قرن… وكأني بدونالد ابن الماما غفر الله لها ما تقدّم وما تأخر من ذنوبها وذنوب أبنائها وأحفادها ومن صاهرها وجالسها وأكل معها… أقول وكأني بدونالد يريد ترك ما يفوق الأثر الذي تركه كبار الرؤساء الذين ناموا على سرير البيت الأبيض…
دونالد جمع حوله إيلون ماسك، مارك زوكربيرغ، وجيف بيزوس وغيرهم من كبار الشخصيات التي لها تأثير اقتصادي وسياسي ومالي كبير وتساهم جديا في كتابة مستقبل الإنسانية اقتصاديا وعلميا وعسكريا وتجاريا… وهذا الأمر لم يحصل منذ نهاية القرن التاسع عشر… فهل يريد حقّا دونالد إعادة المجد للماما بعد ان أغرقت العالم ظلما وعدوانا…؟؟ وهل سيكون جادا في تهديده الضرائبي والجمركي لكل الاقتصادات الكبرى في العالم؟ وهل سيحني ظهر أوروبا والصين وغيرهما ويرهقها جميعا بإجراءاته الجمركية المنتظرة؟
ألا يذكرنا ما يقوم به دونالد المسكين بما أتاه ريغن حين رفع شعار “أمريكا عظيمة مرّة أخرى” خلال سنوات حكمه (1981-1989)؟ فريغن كان يصرّ في سياساته الخارجية على “القوّة” وكان يقول في كثير من المناسبات بأن السلام لا يأتي بغير القوّة فالقوة هي التي تفرض السلام… ريغن ضرب اقتصادات وسياسات خصومه الكبار بالقوّة دون أن يحاربهم بطريقة مباشرة… ونجح في تفتيت كل من أقضّوا مضاجع أحفاد العمّ سام والماما بالقوّة دون أن يوجه رصاصة واحدة إلى موسكو وساكن الكرملين… فقط لعب وتلاعب بعقل غورباتشيف ونجح معه في إنهاء الحرب الباردة وكان سببا غير مباشر في حصول ميخائيل على جائزة نوبل للسلام سنة 1990…
ففي 12 جوان 1987، تحدى ريغان غورباتشوف حول المضي قدمًا في إصلاحاته التي بدأها وفي إرساء الديمقراطية من خلال هدم جدار برلين، في خطاب ألقاه عند بوابة براندنبورغ بجانب الجدار… قال ريغان: “أيها الأمين العام غورباتشوف، إذا كنت تسعى للسلام، وإذا كنت تسعى إلى تحقيق الرخاء للاتحاد السوفييتي ووسط وجنوب شرق أوروبا، إذا كنت تسعى للتحرر، تعال إلى هذه البوابة، يا سيد غورباتشوف، افتح هذه البوابة… يا سيد غورباتشوف… اهدم هذا الجدار”
… فهل سيفعل دونالد ما فعله رونالد ويتلاعب بعقول خصومه الاقتصاديين دون أن يرفع في وجوههم السلاح ويعيدهم إلى حجمهم الطبيعي بعقليته “الشعبوية” التي أصبحت مذهبا سياسيا له الكثير من الأتباع بين ساسة العالم؟؟؟ فدونالد تحدث كثيرا خلال حملته الانتخابية على أنه الوحيد ممن سكنوا البيت الأبيض ولم يورّط العمّ سام وحرمه الماما في أية حرب خلال عهدته الأولى… فهل يواصل دونالد سياساته “الشعبوية” ويعيد الماما إلى حكم العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا بعد أن شاركتها الصين اقتسام كعكة العالم اقتصاديا؟… وهل ستؤدي القيود الضريبية والجمركية التي سيفرضها دونالد وفريقه الجديد على الاستيراد، إلى اتخاذ تدابير مضادة، بعضها في مجالات حيوية للتنمية (المواد الخام، والذكاء الاصطناعي، الاتصالات)… وهل ستنجح الإجراءات المضادة من دول القارة العجوز والصين ومن معها من جماعة “البريكس” في إرهاق الماما وحلفائها وشركائها في سياسات دونالد الجديدة…
دونالد يريد ويصرّ على تعزيز قبضة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي وتكييف المؤسسات والمعايير الدولية لتتناسب مع احتياجاتها حماية لمكانة الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية منذ عام 1945…. دونالد يدرك أن العديد من الدول الكبرى والناشئة تحاول التحرر من هذه الأزمة ولهذا السبب رفع صوته عاليا مخاطبا هؤلاء بقوله “لقد ولى الزمن الذي حاولت فيه دول مجموعة (البريكس) الابتعاد عن الدولار… انتهى الامر… ونحن نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لمجموعة (البريكس)، وعدم دعم أية عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي… وإلا فسوف يخضعون للتعريفات الجمركية % 100 ولن يتمكنوا بعد اليوم من الوصول إلى خدماتنا الاقتصادية الرائعة وبيع منتجاتهم”…
فهل تنجح الماما بقيادة دونالد في ما نجح فيه رونالد… وهل ستفتح الماما “نيرانها” على من تعتبره التهديد الأول في العالم وتقصد بذلك الصين من خلال فرض “الجزية” على أكثر من ثلثي العالم… فالعرب أيضا سيكون مصيرهم قبضة ما سيفرضه دونالد… وسيرهق حفيد العمّ سام ميزانيات دول الخليج ليعيد للماما عصرها الذهبي بأموال نفط وغاز العرب… فالماما أوقعت بين العرب والفرس من أجل مواصلة عرض خدمات حمايتهم من حاكم قمُّ وتهديد طهران… فليسعد ساكن البيت الأبيض بما هو فيه… ألم يقل عن محاولة الاغتيال التي نجا منها في باتلر (بنسلفانيا، جويلية 2024) “لقد أنقذني الله لأعيد لأمريكا عظمتها …”…
عبد الكريم قطاطة:
قبل الاجابة عن ردود المرحوم عبدالقادر عقير حول مكتوبي، اسمحولي بالعودة الى برنامجي انذاك (اذاعة بالالوان) في اشهر حلقتين بالتحديد من شهر نوفمبر 2001…
لكأنّي كنت اتوقّع احداثا في الطريق اليّ وإلى البرنامج (وقلب المؤمن خبيرو) فسارعت وضمن ركن بدون قفاز والخاص ببعض مواقفي وآرائي حول موضوع ما او شخص ما، بطرح مشكلين رياضيين: اوّلهما امضاء اسكندر السويح عقدا مع الترجي… وثانيهما تعلّق بالرئيس السابق للترجي (سليم شيبوب)… طبعا الطرح كان باسلوب ناقد وبشراسة وطبعا ممزوجا بكثير من التهكم والسخرية… ففي الموضوع الاول الخاص بالقطيعة بين السويح وناديه الام وانتقاله المفاجئ للترجي، ها انا ولاوّل مرّة اكشف لكم خفايا لا يعرفها احد الا انا واسكندر…
في نفس اليوم الذي امضى فيه اسكندر عقده مع الترجي مساء، رنّ جرس هاتفي بمكتبي على الساعة العاشرة صباحا… رفعت السماعة فاذا بعون الاستقبال يفيدني بانّ اللاعب اسكندر بباب الاذاعة يريد مقابلتي… اذنت له بالدخول… اسكندر لم يكن فقط ذلك اللاعب النجم بل كنا صديقين ايضا… استقبلته بمكتبي وكنت على علم بمشاكله انذاك مع الهيئة المديرة للسي اس اس… فسالته مالجديد؟… قال لي بالحرف الواحد: انت تعرف ثقتي وتقديري واحترامي لك، لذلك جئت استشيرك في وضعيتي التي اصبحت مقلقة جدا في علاقتي بالهيئة المديرة وفي علاقتي بمستقبلي الكروي… وجئت لآخذ رايك ونصيحتك قبل اتخاذ اي قرار…
قلت له تفضل ما جديدك؟ قال لي اليوم لي موعد باحد نزل الحمامات مع رئيس الهيئة السيد لطفي عبدالناظر لنحسم في وضعيتي بالنادي… انا جيت باش تكون على علم وباش تنصحني اشنوة نعمل… قلت له: يا اسكندر انت ساقيك منجم متاع ذهب… من جهتي وكمحب للنادي ارجو ان لا تغادر نادينا… لكن اذا لم تصلا الى اتفاق يرضي الطرفين، ساقيك هوما راسمالك بامكانك اللعب في ايّ فريق اوروبي… فقط انصحك بعدم الامضاء لفريق الترجي لانك ستخسر كلّ احبائك في صفاقس… ودون تردد اجابني اسكندر: (لن افعلها، يخخي انا مهبول؟)… تمنيت له التوفيق وغادر مكتبي متوجها الى الحمامات… مالذي حدث بعد ذلك؟ عند وصوله الى النزل مكان موعده مع رئيس النادي انتظر ساعة كاملة ولم يات الرئيس… هزّ روحو مباشرة الى سليم شيبوب وقال له هات العقد لامضائه… وامضى مع الترجي!..
نظريا في دنيا الاحتراف هذا امر معقول جدا، ويصير على اللاعبين… لكن وجعي تمثّل انذاك في لاعب صديق جاء للاستشارة والنصيحة وأَجزمَ انه لن يفعلها وفعلها… اي اشنوة انا؟ لواه جيتني؟ عسكر كردونة؟ كنت اغفر له شخصيا لو كان صادقا في موقفه واخبرني مثلا انه ان لم يصل الى اتفاق مع رئيس ناديه سيجد نفسه مضطرا لامضاء عقد مع الترجي… قد انصحه بالتفكير مليا في الموضوع واكتفي بذلك… لكن ان يحدث ما حدث فذلك يعني يا اسكندر انك كنت مخادعا وكذبت عليّ… وانا لا انسى المخادعين والكذابين… وعندما تناولت موضوع انتقاله الى الترجي في برنامج اذاعة بالالوان، اخذته من زاوية مغايرة لما حدث لاني لا املك تسجيلا للقائي معه كعنصر اشهاد مادي… فقط ذكّرته في تلك الحصة بانّه قد يجد جماهير ترجية تتغنى باسمه ولكن ابدا ان يجد اهازيج من نوع (اوو السويح هاي يبرّك ويطيّح) ..او (خبز ومرقة وموبيلات زرقة)… وعددت له ومضات من زمانه في السي اس اس وفي صفاقس لن يجدها حتما بنفس الطعم ونفس الالوان في باب سويقة…
في نفس البرنامج اذاعة بالاوان وفي نفس الركن دون قفاز خصصت بعض الدقائق لرئيس الترجي انذاك سليم شيبوب… وكان الطرح مهنيا في منتهى السلامة… ذكرت في طرحي كل المؤاخذات التي يراها البعض حول سلوكات شيبوب في التعاطي مع المشهد الكروي عموما وفي عديد المخالفات التي ارتكبها منذ حلّ برئاسة الترجي… وبعبارة اصدق (عرّيتو) وفي الاخير طلبت منه الآتي: اذا كانت هذه التهم التي وُجهت اليه في محلها، عليه بمغادرة الساحة الرياضية نهائيا والاعتذار عما صدر منه، والله اعلم هل المتضررون يقبلوا اعتذارك او يطالبوا بمحاكمتك… واذا كانت هذه التهم باطلة فعليك ان ترفع قضايا على كل من اتهمك لتنال حقوقك…
حكى لي بعض معاونيه انّ تسجيل الحصة وصله من اذاعة صفاقس واستمع اليه وكان ردّه وبغضب وهو يتوجه بكلامه اليّ: (صحّة لامّو ولد ….تيلت… ما خلانيش منين نشدّو قانونيا)… من اوصل إليه من اذاعة صفاقس؟ صدقا لم ابحث عن اجابة لانّ ما وقع ومنذ ديسمبر 2001 اكّد لي انّ التسجيل فعلا تحصّل عليه من اذاعة صفاقس… من جانبي احمد الله اني تحدثت في موضوعي السويح وشيبوب قبل ان يتوقف برنامج اذاعة بالالوان والا كانت تقعد غصّة كبيييييييرة في قلبي…
اذن سلّكتها يا عبدالكريم اعود بكم الان الى ردّ السيّد مدير اذاعة صفاقس على مكتوبي الذي ورد في الورقة الماضية (102)… كنت على الساعة العاشرة صباحا جالسا بمكتبي يوم 24 ديسمبر 2001 واذا بزميلي الحاجب المكلف بمكاتب المدير يدقّ الباب ليسلّمني ظرفا من المدير مغلقا ومتكوبا عليه (سرّي) يااااااه هذا زعمة من البنتاغون؟… فتحت الظرف وكان على فكرة زمنيا بعد عيد ميلاد اذاعة صفاقس الاربعين بأيام وبعد عيد الفطر المبارك بأيام أيضا… زعمة تهنئة Deux en un …تعرفوه المثل العامّي (حلم الكلب في منامو شاف سيدو يطعم فيه .. فاق الكلب من منامو لقى سيدو يضرب فيه)؟…حاشاكم وحاشى الكلاب ايضا…
هاكم محتوى المكتوب السري البنتاغوني:
المحتوى: جدول مواظبتكم خلال الاسبوع الموالي لعيد الفطر المبارك 1422 هـ … الملاحظات احيله عليكم قصد تذكيركم انّ الخطة الوظيفية التي تشغلونها هي من الاهمية بمكان وتستدعي حضوركم الفعلي في العمل خلال التوقيت الاداري كحدّ ادنى… (في الورقة المصاحبة جدول مفصل لتاخري في القدوم للاذاعة او لمغادرتي العمل قبل التوقيت الاداري لايام 17 _ 18 _ 19 _ 20 _ 21 _ 22 _ ديسمبر 2001 وجملة التاخير في هذه الايام 254 دقيقة )…اي نعم…
نتصوركم تتساءلوا زعمة الانقطاعات اللي حصلت وقتها في البث كانت بسبب تاخيري في الوقت؟ للتذكير فقط، عنصران هامان في كل حياتي المهنية: العنصر الاول اني انتميت لسلك مهني منذ كنت في العاصمة لا يخضع للتوقيت الاداري… والعنصر الثاني اني ومنذ تقلّدي مهمة رئيس مصلحة البرمجة اعلمت المدير العام للقنوات الاذاعية وكذلك السيد عبدالقادر عقير رحمه الله اني غير مستعد للالتزام بالتوقيت الاداري… ولكن وسواء كنت بتونس العاصمة او باذاعة صفاقس كنت اقدّم ضعف التوقيت الاداري… وما يعلمه الجميع ايضا اني عملت طيلة مسيرتي الاذاعية وخاصة في الـ5 سنوات الاولى 7 ايام على سبعة و11 شهرا على 12 ولم اتمتّع اطلاقا لا بعطل تعويضية ولا بتعويضات مادية… ثم وهذا ومديري شاهد عليه منذ 1998 تاريخ تقليدي لمنصب رئيس مصلحة البرمجة، كنت فعلا لا احترم التوقيت الاداري لا في الدخول ولا في الخروج لكن كنت اؤدّي يوميا اكثر من 10 ساعات عمل .. ولكن السؤال الاهمّ لماذا صبر عليّ مديري منذ 1998 ولم يوجه لي مثل هذه الرسالة السرية جدا الى ديسمبر 2001 ؟؟…
حال وصول رسالته السرية استشطت غضبا رغم اني لم اكن يوما سريع الغضب وفتحت باب مكتبي وتعمدت ان اصيح حتى يصله كلامي عن طريق بعض الزملاء الموجودين قرب مكتبي… نعم اردتهم سعاة بريد فوري وكنت اعرف انهم لن ينتظروا اشارة مني ليستعملوا البريد السريع لتمكينه حرفيا مما تفوهت به… نعم وتفوهت وبالصوت العالي بالتهديد والوعيد… ولم يوقفني عن صراخي الا الزميل المرحوم انور عشيش الذي كان باستوديو البث يستعد لبرنامجه المباشر (اسال مجرّب واسال طبيب)… اسرع اليّ بكلّ ودّ ولطف ورجاني ان اعود الى مكتبي ووعدني بانه سيتحدث في الامر مع المدير… وتقديرا واحتراما له لبيت رجاءه وعدت الى مكتبي وبدات في كتابة ردّ على مكتوبه السرّي… بل وبدأ مسلسل يمكن عنونته بـ (قاتلك قاتلك)…
للتذكير انا اوثّق والله شاهد على اني بعيد كل البعد عن الشماتة او التشهير بل وهذا يشهد عليه ايضا خالقي انا وقبل ممات كل الاطراف التي كان لها ادوار في تلك الفترة… غفرت لهم ودون ايّ استثناء وارجو من الرحمان ايضا ان يغفر لي ان اسات في حق ايّ واحد منهم…
ـ يتبع ـ
استطلاع
صن نار
- رياضياقبل 3 ساعات
مائدة مستديرة حول المرأة والرياضة
- رياضياقبل يوم واحد
نادي حاجب العيون… مسيرة متعثرة وانتدابات بالجملة
- جور نارقبل يوم واحد
“اش جاب رجلي للمداين زحمة”…
- ثقافياقبل يوم واحد
ندوة أيام قرطاج لفن العرائس
- تونسيّاقبل يوم واحد
أستاذا ورجل اقتصاد ونقابيا… حسين الديماسي في ذمة الله
- صن نارقبل يومين
في رسالة إباء غاضبة… رئيس كولومبيا يتحدى إجراءات ترامب
- صن نارقبل يومين
الضفة تحت النار… الاحتلال يشدّد حصارا واعتقالات وعمليات قصف جوّي
- صن نارقبل يومين
فرح وسط آلاف الأنقاض… السكّان يعودون إلى شمال غزة