صادف أن استعملت الطريق السيارة عدة مرات خلال هذه الصائفة و توقفت تقريبا في أغلب محطات الخدمات على الطريق … و لكن ما لاحظته فيها هذه السنة و على غير العادة غياب النّظام والنظافة و خاصة في دورات المياه … مياه مقطوعة في بعضها … حمامات متسخة … أرضيات مبللة في البعض الآخر … غياب ورق الحمام … و النقص في عدد العاملات كذلك …
لا أعلم سبب هذا التدهور في الخدمات لكن ما أعلمه أن هذا النوع من الاستراحات هو واجهة البلاد و الصورة الأولى و قد تكون الأخيرة كذلك التي يأخذها الزائر مهما كانت جنسيته عن بلادنا … هي مرآتنا في عيون أنفسنا وفي عيون الآخرين … و بعد ما عاينته في هذه الاستراحات أدركت سبب تصنيف صحيفة الاندبندنت البريطانية لتونس من ضمن البلدان التي لا يرغب السياح في زيارتها … ألم يحثّ الدّين على النظافة ؟ ألم نتعلم في الصغر أنّ النظافة من الإيمان و الوسخ من الشيطان أ لم ننشد أطفالا ” انا الفتى النظيف مهذب لطيف ” ؟ فأين ذهبت هذه التعاليم ؟؟ لماذا حينما ندخل فضاءاتنا العامة لا نرى إلا الوسخ و حينما نسير في شوارعنا لا نرى إلا الأتربة وتراكم الاوساخ _
و لن أتحدث عن صفاقس التي صارت حالة مستعصية و طبّع أهلها مع أكداس القمامة و صمت مجتمعها المدني عن مصب الميناء الذي كان مؤقتا فصار دائما … أم أن اتساخ الطرقات و الساحات و الشاطئ والغابات هو جزء من تعفن المشهد عموما؟! تعفن الحياة السياسية تعفن الوضع الاجتماعي و علاقات أبناء الشعب ببعضهم البعض .. تعفن ” الفن ” و اختلاط الحابل بالنابل ما عشناه في مهرجاناتنا الأسبوع الأخير أ ليس عفنا ؟ أ ليس استفزاز الآخرين و استعمال الألفاظ السوقية و البذيئة مشهدا من مشاهد الوسخ ؟ أ ليس استعمال النفوذ و استغلال السلطة مظهرا من مظاهر العفن ؟؟
أ لم ينتخب الشعب الكريم السيد الرئيس بمعيار النظافة ؟؟ أ لم يكرروا على مسامعنا في كل مرة نقدناه فيها أو انتقدنا أداءه و تعامله الهاوي مع واقعنا ” يكفيه أنه نظيف ” فأين هذه النظافة التي يمجدونها ويبحثون عنها في سلوكهم و ممارساتهم ؟؟ كل مرتش لابد له من راش و كل فاسد كبير لا بد له من فسدة صغار و كل مغتصب حق لا بد له من أعوان و كل متحرش لا بد له من مدافعين و مبررين…
فعن أية نظافة يتحدثون ؟ هل طبقوا على أنفسهم هذا المعيار ؟ نظافة المحيط و نظافة اليد و نظافة اللسان و نظافة القلب و نظافة الفكر.. أين هي النظافة و نحن نلقي بأوساخنا و بقايا سجائرنا وطعامنا وومشروباتنا تحت أرجلنا في الطرقات و من نوافذ السيارات؟ أين هي هذه النظافة و نحن نتلذذ الخوض في الأعراض و سحل الناس و التشهير بهم و الحديث في خصوصياتهم و نتباهى بالسبق الصحفي و تداول أسرار فلان و فلتان و كشف العلاقات الخاصة و السرية ؟
أين هي النظافة و نحن نحرّض الأخ على أخيه و الصديق على صديقه و نتلذذ السباب و الشتم و اللفظ البذيء ؟ أين هي النظافة و نحن نقذع في القول عند التعامل مع أصحاب الفكر المختلف و نشنّ حملات التشهير والشتم و الثلب ضدّ المعارضين و نحرّض ضدهم الذباب الإلكتروني بمختلف ألوانه ؟ فهل بهذه السلوكيات سيتغير وضعنا ؟ و هل بهذه السلوكيات سترتقي بلادنا؟؟ كم سنة أو كم جيلا علينا أن ننتظر حتى نرى بلادنا نظيفة في كل المجالات …
سنحلم ، مادام الحلم مشروعا و ممكنا و سنفكر في سبل تحقيق ذلك مادام الفكر ( المادة الشخمة ) والطاقة البشرية، ثروة تونس …