و في أثناء ذلك … من شفط المال العام، إلى تبديد المال الخاص (2)
نشرت
قبل 3 سنوات
في
أن تأتي بمسرحيين “كبار” كهشام رستم و الصنهاجي و لا أدري من ليبخّروا عملا دراميّا مّا، في نقاش مع منشط إذاعي ذائع الصوت و الصيت … لا يعني بالضرورة أن العمل الدرامي جيّد و أن تلك الشهادات وسام استحقاق ثقافي …
أوّلا لأن تلك الشهادات مضروبة، أو مجروحة بلغة أهل القانون … فالسيد رستم اشتغل في مسلسلات الفهري طويلا و قبض منه عريضا … و ما زال أمامه أمل في مزيد الشغل و مزيد الاستخلاص … أما الأخ الصنهاجي، فعلى ما أذكر عمل مدة محللا في أحد برامج القناة و طبعا نال هو الآخر ما ناله من كاسة الحوار التونسي … هذا أيضا يسمى تضارب مصالح، فالفم الذي تم إطعامه سيطلب من العين أن تستحي و من اللسان أن يلحس و يلحّس … و يكفينا فخفاخ أول حتى ندخل في معركة بين عشرات المصالح و المكانس حتى … دون أن ننسى في الخضمّ المذيع الزعيّم و هو عامل بالأجرة عند سامي، فماذا تراه يقول عنه و يسمح بالقول فيه؟ جوعان يأكل من زادي و يمسكني؟؟
ليس حديثنا عن التدفقات المالية في كل الاتجاهات حديث لعب … فظاهر للعيان أن دجاجة القناة و صاحبها تبيض “بلاتوهات ” من الذهب لا بيضة واحدة … من مستشهري جينيريك المسلسل و عددهم يقارب العشرين في كل حلقة … إلى فواصل الإعلانات المطوّلة و المتجاوزة لكل النسب المتعارفة … إلى المسابقات التي لم يتخلص منها الفهري حتى بعد مروره من المنوعات إلى الإنتاج الدرامي و هاهو يبشرك بدار بالبيسين و المسجد و المسلخ بـ 400 مليون … إلى المنصة الخاصة و التي مهما قيل في حقوق تأليفها، فإنها تُدخل على ما يبدو لصاحب القناة ما لا يقلّ عن 7 مليارات في نصف شهر فقط … أي “مصوار” نجمين عالميين مثل ميسي و كريستيانو معا في شهر كامل …
اللهم لا حسد، و الله العظيم لا حسد … كم أفرح لأبناء بلدي و هم يتعبون و يكسبون المال الوفير مهما كان الرقم و لكن … و لكن مقابل ماذا؟ لقد صدّرت كلامي الأوّل بمثال عن “الكوبيزم” و هو في النهاية مدرسة فن لها فلسفتها و سياقها التاريخي في أوروبا المترفة حتى البشم … مدرسة محترمة قادها أعلام كبار (بيكاسو، براك، ليجيه …) برعوا في الفن الكلاسيكي قبل أن ينتقلوا إلى التجريب … و لكن ما نشاهده عندنا من مسلسلات يقوم به صبيان من ذوي التكوين الضحل، ثم هم يمارسون علينا ترفا بورجوازيا في اختيار مواضيع جمعت بين شذوذ المعنى و بدائية الشكل …
شذوذ المعاني عندما تترك واقعنا بما فيه من مشاكل تكوينا كيّا (غلاء معيشة، بطالة، فساد، إرهاب، تهريب، تسرب مدرسي، تفقير و إقفار لريفنا المعطاء …) و تذهب لمواضيع هامشية كم هي نسبتها في مجتمعنا؟ … في السابق كان الحديث مكرورا عن المولودين خارج إطار الزواج … أكثر من عشر سنوات و سامي الفهري يصرّ على هذا الموضوع بل و لا يتعامل إلا مع هذا النوع من المواضيع و الشخوص إلى درجة تجعلك تتساءل هل حتى نحن أبناء آبائنا فعلا و بالصداق القانوني؟ … و اليوم و بعد أن فرغ من “مكتوب” (1و 2 و 4 و 10) و أولاد مفيدة بأجزائه اللاأدري كم … بعد هذا هاهو يدق باب الزواج العرفي، في انتظار إتحافنا بالزواج المثلي … لم لا و هو منذ مدة دشن موضة البلالط في آذان الذكران؟؟؟
أما شكلا، فأنت أمام ممثلين هواة بل تحت مستوى الهواية في جميع تفاصيل أدائهم … عارضات وعارضو أزياء في معظمهم، ربما لجعل جمهورنا الشاب يحلم و يدمن على الأحلام و أضغاثها … المهم الاستجابة لمعايير يراها المخرج جمالية و أراها من ذلك الجمال “الباسل” الماسط الخالي من أي ذوق … حتى المحترفون القلائل الذين يتم استدعاؤهم، يؤخذون من أسوإ زوايا التصوير و بأداء متسرّع كأنهم لم يتمرنوا عليه … و زاد عليهم تصوير قاتم و صوت لا يكاد يُسمع، ثم ما حكايتهم و كلهم ـ نعم كلهم ـ يتكلمون همسا و وشوشة من أول الحلقة إلى آخرها؟!
نعود إلى قصة المال الجرّار … هذا مشروع رابح 1000 بالمائة و لكنه لم يفد المجموعة بشيء، فهناك مشاريع أقل منه موارد و أكثر مصاعب و مع ذلك تشغّل أضعاف ما يشغّل من طالبي عمل … القطاع العام عاون الفهري ماضيا في عهد بني طرابلس و القضية ضاعت بين أقدام ساسة الانتفاع و الابتزاز … و اليوم هاهو القطاع الخاص يضخّ الإعلانات هناك بالبالة، و كان ممكنا أن يستثمر أموالها في تنمية الجهات أو توسيع نشاطه و تطوير منتجاته و تشجيع البحث العلمي لذلك الهدف … و لم أتكلم عن عائدات الدولة من ضرائب فنحن نعرف مأساة الجباية في بلدنا و على من تحطّ …