بعد شهر من انتقالنا للبيت الجديد وصلتنا رسالة من بلدية المدينة.
يارب تجيرنا من هالرسالة!!
هؤلاء أمرهم بين الكاف والنون، يقولون للشيء كن فيكون، لكنهم لا يتحرشون بك إلا عندما تخالف القانون!
تقول الرسالة:يبدو أن لديكم أشجارا كثيرة ميتة ويابسة، ونظرا إلى ذلك أمامكم ثلاثة خيارات:إعادة انعاشها أو قطعها، أو استبدالها بأشجار العنب!
وتتابع: إذا قررتم استبدالها بأشجار العنب هناك برامج تقدم المقاطعة (County)من خلالها مساعدات مالية للمزارعين، أغلبها منح وبعضها قروض بلا فوائد، وبامكانكم الاتصال بهذه الأرقام…
البلدية تعتبر الأشجار اليابسة خطرا عندما يتعلق الأمر بالحرائق التي تلتهم مساحات واسعة من كاليفورنيا كل عام، ناهيك عن تشويه الجمال الذي يغرق المنطقة. لذلك، تصر على حل المشكلة قبل الوقوع في مشكلة أكبر منها. المدينة التي نعيش فيها تنقسم إلى قسمين:قسم يدعى (منطقة الخمور) وكله مزارع عنب ومصانع للخمور. والقسم الآخر يدعى (جبال الأفوكادو)، وأنا أعيش فيها.
جنوب كاليفورنيا يعاني من شح مائي، علما بأننا لا نشعر بآثاره إلا من خلال فواتير الماء التي تلتهم جل دخلنا.وباعتبار أن أشجار الأفوكادو تتطلب مياها كثيرة، تشجع المقاطعة المزارعين على استبدالها بالكروم، فشجرة العنب تتطلب فقط ثلث ماتحتاجه شجرة الأفوكادو. ومن جهة أخرى تنوي البلدية تحويل المدينة إلى منطقة خمور بالكامل، فحتى الآن تحوي 53 مصنعا للخمور بما تضمه من أماكن مخصصة لتذوق أنواعه واستضافة عشاقه. وهي تتصدر اليوم أفضل مناطق الخمور في أمريكا، وثاني أفضل مدينة سياحية في كاليفورنيا!….
المهم، قررنا التخلص من الأشجار واستدعينا ثلاث شركات (كالعادة في أمريكا) لكي توافينا بأسعار الكلفة، ثم نختار منها ما يناسبنا!
أصغر سعر وصلنا كان كافيا أن يصيبني بالسكتة القلبية!
ودخلنا في دوامة…..نحن هربنا من البيت القديم لأن فاتورة الماء أصبحت فوق قدرتنا، ولذلك لن نعيد انعاش تلك الأشجار خوفا من الوقوع في نفس الورطة. ولا أريد استبدالها بأشجار الكرمة لأنني لن أعيش عمر الحنطة والشعير، على حد قول ستي أم علي. والخيار الثالث ليس سهلا أيضًا، إنه كارثة مالية!!…
أفاق زوجي في صبيحة اليوم التالي، وقبل أن يلقي تحية الصباح كعادته، قال:بتعرفي شو قررت؟
– الله يعطينا خير قراراتك! شو؟
– قررت أن أقطع الأشجار بنفسي
– يا مجنون، أنت فيك تقطع أكثر من ستين شجرة؟
رد: أنت المجنونة!
سامحته على الفور لأنه لم يكن قد تناول بعد قهوة الصباح، وأعرف أنه يبقى مخرفا حتى يشربها!…
غاب ساعة عن البيت وعاد وفي جعبته ثلاثة مناشير من العيار الثقيل، واحد كهربائي واثنين على البنزين، مع طاقية ونظارات وقفازات خاصة لحماية رأسه وعينيه ويديه، و أيضا جزمة لحماية قدميه.
وابتدأ العمل!!! وأنا أراقبه وأوجهه من بعيد خوفا من أن تقع عليه بعض الجذوع!
خلال عشرة أيام كانت الأشجار اليابسة كلها طريحة الأرض.وبقي علينا طحنها في آلة خاصة نستأجرها من المحلات التي تملكها.
اتصلنا بإحدى الشركات التي تقوم بالمهمة، فانخفض سعر التكلفة بعد قطع الأشجار إلى أقل من نصف السعر السابق!
نفش زوجي ريشه ورفض العرض:
– أنا من سيقوم بذلك!
– مجنون!
– أنت المجنونة!
هذه المرة قالها وكان متخما بالقهوة، وفي عز صحوته، فتجاهلتها…
منذ أن انتقلنا إلى البيت الجديد و 90 بالمائة من طبخنا يتم على الحطب، فلدينا فرن ايطالي يقوم بالمهمة، ناهيك عن مذاق الطبخ والمتعة التي لا تضاهيها متعة!
لذلك، قرر أن يجمع من الأخشاب مايكفينا دهرا، ثم يستأجر آلة ويطحن ما يتبقى. المهمة تجري الآن على قدم وساق، وأنا سعيدة جدا بالنتائج، واستمتع بكل لحظة فيها. و ما يقهرني أنه أثبت أنني المجنونة!
يا شماتة الشيخ الحويني!!!!
لديه الآن برهان قاطع على أن النساء ناقصات عقل،
وما يقهرني أكثر أن هناك أكثر من ثلاثة أرباع المليار امرأة تجتر هذه التعاليم، وتركع وتصلي لمن ساهم في تسفيهها، وتحطيم كيانها!
الأمر الذي دمر أمة بكاملها….
يتصل زوجي الآن من مكتب ابني:جوعان، ماذا تريدينني أن آكل؟؟!!!
– ما ناقصك كوليسترول! لا تاكل بالمطعم، ارجع عالبيت!
البيت الذي تقوده امرأة يظل عامرا، فمن تلد الحياة هي وحدها من تعرف كيف تقودها