من الواضح أن السنوات القادمة ستنضاف إلى سنواتنا العجاف التي عشناها، منذ أن كفرنا بنعم الله، وفتحنا الباب على مصراعيه للفوضى يوما صدّقنا سكّيرا عربيدا كلفتنا قارورة خمره الخراب من المحيط إلى الخليج، لأجل عيون “الماما” وربيبتها…من الواضح أيضا أن الشعب سيجوع هذه المرّة تحت حكم مولانا ساكن قرطاج…
كأني بمولانا أوعز لمن أجلسها على كرسي القصبة أن “أصلحي” حال البلاد حتى وإن جاع شعبها ولا أظنّها سترفض تطبيق أوامر مولاها ومولانا وصندوق “النكد” الدولي، خوفا على فخامته كرسي “دار الباي”…والواضح أن ما لم يُقدم على إتيانه من كانوا يمسكون بزمام أمور البلاد ستفعله نجلاء برعاية وتوصيات وأوامر مولانا…وستتحمّل هي طبعا كل تبعات ما سينجرّ عن الجوع…والخصاصة…والفقر…واستفحال البطالة…فهل قرّر مولانا هذه المرّة المضي قدما في الإصلاحات التي اشترطها صندوق “النكد” الدولي، حتى وإن كلفته كرسي قرطاج…وكل الكراسي الفرعية لقرطاج والقصبة…
فهذا الشعب لن يقبل بأن يموت جوعا بعد أن عاش الفقر والخصاصة وتدرّب طويلا على الجوع وأوجاعه وعلى القهر وآلامه عشرية كاملة…ولا أظنّه سيقبل بالموت جوعا في وطن أصبح أقرب إلى إقامة جبرية…وهل كان عرض تفقير الشعب وتجويعه الذي قدّمته نجلاء القصبة إلى طبوبي ساحة محمد علي، بداية الإيقاع بهذا الشعب وإجباره على قبول الأمر الواقع، بحجةّ الإصلاح الشامل وشروط صندوق “النكد” للخروج مما نحن فيه….فهل سيقبل العامل والموظف والمسؤول تبعات قرار نجلاء القصبة بقرار من قيس قرطاج بالتخفيض بعشرة بالمائة من الأجور الحالية….وهل سيقبلون أيضا بتجميد الأجور والترقيات والمنح الخصوصية ومنح الإنتاج وغيرها من الحوافز لمدّة خمس سنوات…وهل سيقبل الشعب بتبعات إيقاف الدعم للمواد الأساسية…وهل سيقبل الشعب بالتعامل في قادم السنوات بوصولات التموين؟؟
أظنّ أن البلاد مقدمة على مرحلة لم تعشها منذ دخول “عليسة” بلادنا هربا مما عاشته في بلادها…واظنّ أن مولانا لم يع إلى حدّ هذا اليوم، أن من يحبونه اليوم أو من يوهمونه أنهم “وراه…وراه” وأنهم وقعوا في هواه، سيتركونه في قادم الأشهر…فهذا الشعب سيتركه يوم يشعر بأن مرتبه لن يكفيه ثلث شهر…وسيتركه يوم لا يجد حلاّ لمشكله ابنه أو ابنته العاطلة عن العمل منذ أكثر من عشر سنوات…وسيتركه يوم يعيش الغبن، والقهر، حين لا يقدر على ملء قفّة اسبوعه بما يسدّ رمقه ومن معه في منزله، وفي كفالته….وسيتركه حين لا يقدر على دفع معاليم دواء لأحد أفراد عائلته…وسيتركه حين يشعر بالقهر يوم يطلب منه حفيده هدية عيد ميلاده أو نجاحه فيقول له لا مال عندي….وسيتركه حين يرتفع سعر الرغيف الواحد أكثر بعشرين مرّة من سعره اليوم….وسيتركه حين تطلبه ابنته في مصاريف زواجها الذي تأجل أكثر من عقدين بسبب دخول التتار والوندال ومن لا يفقهون شؤون تسيير الدولة شيئا بلادنا…
وسيتركه يوم يشعر أن من يحكم البلاد يهينه ويحتقره ويهمّشه بما يأتيه وما يقرّره…وسيتركه حين يتعرّض للظلم والهرسلة والتهديد والوعيد من رجال مولاه ساكن قرطاج أو القصبة فقط لأنه رفض سياساته وما يأتيه…وسيتركه يوم يموت أحد أفراد عائلته بسبب نقص حاد في الدواء وفي الرعاية الصحيّة بمستشفياتنا العمومية…وسيتركه يوم لا يجد مليما واحدا لإصلاح سيارته المعطوبة منذ أكثر من عشر سنوات…وسيتركه يوم يلاحق رجال مولاه ساكن قرطاج أو القصبة أحد أفراد عائلته لأنه يعارض قرارات وسياسة دولتهم…وسيتركه يوم يجابهه بعض أتباع مولاه ومولانا بالسوء والوعيد و بالتضييقات في مقر العمل والتهديد بالطرد لمجرد انضمامه إلى من يعارضون مولاه …
على ساكن قرطاج ومن معه وأتباعه، والمؤلفة قلوبهم، أن يعلموا قبل فوات الأوان أن هذا الشعب لن يحبهم لسواد عيونهم…ولن يقبل أن يكون قطيعا فقط لأن مولاهم…أخرج النهضة من الحكم إرضاء لبعض من الشعب يكرهها…أو لأنه أغلق مجلس النواب فقط لأنه بعض من هم فيه ومنه أصابوا الشعب الغثيان…ولن يقبل أن يواصل التصفيق فقط لأن مولاهم أعلن الحداد على الفساد…ولم يكشف فساد أي من العباد…ولن يقبل أي قرار من مولاهم فقط لأنه شتم وأعلن الحرب عمّن يكرهونهم ومن لا يريدونهم معهم…ولن يقبل بأن يقول لمولاهم “نعم” فقط لأنه يتحدث كثيرا عن الفقر والفقراء، وعن الجوع والجوعى ولم يفعل من أجلهم شيئا …ولن يقبل بأن يوافق على كل ما يأتيه مولاهم، فقط لأن هذا الأخير أعلن الحرب على كل الأغنياء…ولن يقبل بأن يخرج يهتف باسم مولاه فقط لأن مولاهم وعد بإعادة الأموال المنهوبة التي لا وجود لها ولن تعود كما يقول مولاهم…ولن يقبل…ولن يقبل…
فلم يعد هناك في بلادنا شيء يستحق العناء…ولا أظنّ أن هذا الشعب سيقبل مستقبلا بالانحناء…ولا أظنّ أن ظهره سيكون سهل الامتطاء…ففي السياسة…لا يوجد حبّ من طرف واحد…فإن أحببت الشعب …كل الشعب، دون استثناء يا قيس…أَحَبّك…لكن لا أظنّ أن مادّة “الحب” تُدرّسُ في كليات الحقوق…لا أظنّ…