دفءُ نار

“يُظهرلي وقيّت … السيّـد الرئيــس !”

نشرت

في

“لا يمكن لأيّ أحد منّا مهما كانت فِطنته أن يحقق نصرا دائما إذا تصرف بمفرده” نيلسون مانديلا

لقد حان الوقت تماما يا سيادة الرئيس للدفع بعملية الاستقطاب الجليّ إلى مداها الأقصى والتي أصبح بمقتضاها يجري الفرز لا داخل الغرف المظلمة بل على قارعة الطريق (داخل معابر سفارة الأمريكان أو في بيت السفير) بين شُخوص نعرفهم اسميا وقيميّا (هم ليسوا حتى بالشخصيات) وأحزاب قُدّت من أموال عطِنة ومن نُسغ جُلودنا ودوائر مُعادية تنشط ما وراء المحيطات من ناحية وسائر القوى الوطنية التي لا تخشى غضب الأمريكان وحلفائهم الناطقين بكل لغات العالم.

<strong>منصف الخميري<strong>

ما يحصل في الآونة الأخيرة هو خطر داهم من طراز آخر لأنهم مرّوا إلى السرعة القصوى بعد فشلهم في تجنيد المرتزقة والأنصار يوم 26 جويلية للقيام بفعل مّا يُبقيهم في دائرة التأثير والحضور الاتصالي، وهي التحصّن بنفوذ أسيادهم وأولياء نعمتهم الأمريكيين بالخصوص فيتحوّلون فجأة وأمام أنظار التونسيين والعالم إلى عملاء بعوْرات مكشوفة يحدوهم استعداد مطلق للعودة إلى برلمان العار على ظهر دبابة م1 أبرامز .

إذن هي اللحظة المناسبة أمام هذا الاصطفاف البيّن والنهائي لإعلانها لا معركة ضد الفساد والاحتكار والتهريب بل معركة وطنية حقيقية بين التونسيين والعملاء، بين المنتمين لهذا البلد بحُلوه ومُرّه والبائعين سوءاتهم  لغرب دموي دمّر بلدانا بكاملها (ليبيا وسوريا والعراق وأفغانستان …) ولم يبْن في المقابل شيئا، هي معركة المصير بين الوطن واللاوطن.

لقد حان الوقت تماما يا سيادة الرئيس لإطلاق صفّارات البداية والشروع في البناء فورا لأن ما حصل يوم 25 جويلية ملأ قلوب التونسيين فرحة وابتهاجا ولكنه في ذات الوقت أحدث فراغا لا يمكن بأي حال الاستمرار في ملئه بملاحقة مضاربي البطاطا والبصل والحديد والتبغ فحسب، بل من خلال تخيّر أفضل وأصدق وأنقى ما أنتجت تونس من خبرات وكفاءات في شتى المجالات للاضطلاع بمهمّة تدارك ما راكمته حكومات العشرية الماضية من تخريب ومُباشرة الإصلاحات الضرورية والمستعجلة.

آن الأوان تماما لنُظهر أمام العالم (بأصدقائه وأعدائه في نفس الوقت) أننا عطّلنا مسارا خاطئا وملغوما من أجل بناء مسار جديد على أنقاضه لها عناوين قليلة وواضحة وصادمة : دولة قوية لا يضطر رئيسها للإشراف بنفسه على تسيير حركة المرور بالأماكن المزدحمة وقلوب مطمئنة ورفاه عيش موزع بعدالة بين الجميع ومدرسة تُصدّر ذكاءها وماء للاستحمام في كل البيوت وأمن يكون أعوانه على صلة أدنى بالكتاب والفكرة والذهن والقيم السّامقة.

يبدو لي أنّكم أبطأتم كثيرا يا سيادة الرئيس في الإعلان عن الروزنامة الوطنية التي ستنير سبيلنا على امتداد عام أو عامين ثم يمضي كل واحد إلى حقله وموقع إنتاجه ومربّع واجبه، كأن يُشكّل منتخب حكومي وطني يكون لاعبوه مثل العقربي في مهارته وتميم في سرعته والنايلي في صموده و القاسمي في روحه الفدائية وعقيد في قدرته الضاربة… فريق يبسط سلطانه على الأنداد و لا يرهب من مواجهة الدول الكبرى و لا يتعلل بقلّة الإمكانات و ظروف اللعبة لكي يفشل و يبرر الفشل … ثم نُستفتى في تعديل بعض ما أعاق مسيرتنا ونمرّ في النهاية إلى التعاطي مع صندوق انتخابي “نظيف” ومتطهر من آثار العجين بأنواعه وتأثير أئمّة الجهل وخطباء الفتنة.

صحيح أن الخراب عمّ جميع مواقع الدولة يا سيادة الرئيس  ولكن ليست مهمتكم إطلاقا تفقد مخازن الزيت المدعّم واقتحام فضاءات تبريد الغلال إلا في حدود ما تقتضيه رمزية بعض الخطوات المشحونة بمعاني الإصرار والجدية… بقدر ما هي مهمة إدارة قائمة لها من المال العام والوسائل ما يسمح لها بتغطية كل شبر من هاذي البلاد / القرية. دوركم في الأصل يقتصر على توضيح الرؤى وبلورة التوجهات واستشراف خط الوصول.

كل يوم يمر دون هذه الأركان هو مساحة متروكة للأعداء وأساطيلهم وميليشياتهم الجاهزة للانقضاض وأسلحتهم المخبّأة بعناية ودولاراتهم المكدّسة في غابات الزيتون وفي رمال الصحراء… كل يوم يمرّ هو مزيد من تدنّي مستوى الخدمات الإدارية المقدمة للمواطن… هو تحصّن بعض الموظفين بمكاتبهم التي حوّلوها إلى أصول تجارية لابتزاز المواطنين والتنكيل بهم… هو آلاف من التلاميذ المتسرّبين من المدارس والجامعات دون أدنى تأهيل…هو مئات المستثمرين من أصحاب النوايا الوطنية الصادقة الذين أصبح يقتلهم التردّد والخشية والريبة إزاء مستقبل غامض وتحرّش مجاني… هو أمنيون وقضاة وديوانيون وإداريون متنفّذون منتشرون في كل المسالك والمسارب يُسيئون إلى سمعة أسلاكهم ويُبرهنون بالدليل الملموس أن لا شيء تغيّر وأن دار لقمان ظلّت على حالها.

“وقيّت” يا سيادة الرئيس حتى يصبح الأمل حقيقة والحلم واقعا، وقيّت حتى نرى شعاع الشعارات الكبرى ينعكس في خبز الناس ودراسة أبنائهم ومتانة أحذيتهم شتاءً ودسامة أكلهم وأمن قطيع أغنامهم وفي تعامل المواطن مع مركز الأمن دون توجس أو خوف وفي إعادة الاعتبار لقيمة العمل والجهد والمبادرة. .. وقيّت أيضا كي يعرف التونسيون بالاسم والقرينة مَن اغتال شكري والبراهمي ونقّض وجنودنا وأمنيينا، ومن أرسل شبابنا إلى محرقة العراق وسوريا وليبيا، ومن نهب الخزينة الوطنية ومن أثرى دون وجه حق…

ليس من حقّكم الفشل لأنكم فرصتنا الأخيرة في استعادة بلدنا من أيدي المُقامرين وبنائه من جديد حجرا حجرا على قاعدة أجمل ما لدى التونسي من غيرة على وطنه وحب للحياة وتوق إلى الحرية والكرامة.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version