جور نار
سيدي الرئيس … زوّد الصنّارة بما يناسب السمك !
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashطبعا لست من الذين رفعوا عقيرتهم بالصراخ مطالبين بالتراجع عن “الانقلاب”، ستستغرب سيدي الرئيس إن أسميت ما أتيتموه انقلابا …لأني على يقين أنه انقلاب…نعم انقلاب محمود في البعض من جزئياته…لكن على ماذا يا ترى؟ هو أولا انقلاب على ما وقع الاتفاق عليه في اجتماع باريس، فاتفاق باريس كان شبه اتفاق دائم بين الأطراف التي هندسته، فهؤلاء نسوا أو تناسوا أن تونس تعيش على رمال متحرّكة يستحيل معها الحفاظ على استقرار سياسي في أعلى هرم السلطة، ويستحيل معها استنساخ نتائج محطة انتخابية مع محطّة أخرى…
***
وهو ثانيا انقلاب على منظومة أنتم أحد أطرافها الثلاثة…والانقلاب في أبـسط تعريفاته هـو الإطـاحـة بـالـسـلـطـة الـشـرعـيـة بطريقة غـيـر شرعيـة، لكن في حالتنا هذه فالسلطة الشرعية انقلبت على نفسها وغيّرت المواقع، ولها الكثير من المبررات التي تُلزمها بالانقلاب على جزء منها…فلو انتظرتم سيدي الرئيس لشهر واحد فقط لتعلنوا “انقلابكم” لكان الانقلاب شاملا على كل المنظومة ولكان المشهد مخالفا تماما عمّا نعيشه اليوم…أو لكان انقلاب بقيّة أجزاء المنظومة عليكم سيدي الرئيس…ولأصبحتم في عداد العاطلين عن العمل، السياسي طبعا…وثالثا هو انقلاب ستحصدون كل ثماره وستستفيدون منه …لكن هل سيحصد الشعب معكم شيئا يا ترى، وهل سيستفيد مما فعلتم سيدي الرئيس…ورابعا هو انقلاب عقابي نأمل أن لا يزيد الطين بلّة…فأنتم عاقبتم بعضكم أو جزءا من منظومتكم بسبب فشلها في القيام بما يقع على عاتقها، وهنا علينا أن نسأل أيضا، هل قمتم أنتم بما يقع على عاتقكم ألستم أحد أضلع هذه المنظومة؟ وهل ستقبلون بعقاب الشعب غدا إن أخفقتم في ما يقع على عاتقكم؟ فأنتم لا تمتلكون تلك العصا السحرية للنجاح…والنجاح غير مضمون بعد كل ما حصل في البلاد خلال عشرية كاملة من التخريب والتدمير الممنهج…
***
إذن سيدي الرئيس، أنتم أكبر المستفيدين مما حصل ويحصل اليوم، فأنتم استحوذتم على كل السلطات لمدّة معلومة قابلة للتمديد، ستغيّرون خلالها ما يعرقلكم عن أداء عملكم وإنجاز بعض وعودكم لمن انتخبوكم، والله يعلم أننا لا نعلم إن كنتم ستمدّدون في مدّة “استيطان” السلطة إلى ما لا نهاية أم ستعيدون البعض من “مستوطنات” الحكم إلى من افتككتم منهم نصيبهم من السلطة والحكم…فبالفصل 80 من الدستور انقلبتم على من انقلبوا عليكم…وغدا بالفصل 163 من القانون الانتخابي قد تخرجون الجميع من تحت قبّة باردو وقد تقايضونهم من أجل مصلحة عليا لوطن يتألم…فأنتم وسعتم صلاحياتكم…لكن ضيّقتم الخناق على أنفسكم دون أن تكونوا على بيّنة من الأمر…فاليوم أنتم من سيحاسبه الشعب عن كل فشل أو انهيار … ولا أحد غيركم…
هل ستنجحون في ابعاد أصحاب الولاءات الأجنبية وهم كثر في مشهدنا؟ هل باستطاعتكم أن تساعدوا البلاد على أن تنهض من جديد بين كل هذه الأنقاض، وبعد كل هذا الدمار والانهيار؟ هل بإمكانكم، وهل ستنجحون في تغيير عقلية ساستنا من عقلية السمسرة إلى عقلية النزاهة؟ هل ستغامرون وستكون لكم الشجاعة في أن تقولوا لا للاتحاد وأن توقفوا مهزلة الاقتطاع الآلي…وهل…وهل…كلها أسئلة نسمعها اليوم من ألسنة المواطن المسكين…فالمواطن التونسي اليوم يحقّ له أن يحلم…ويحقّ له أن يرى أحلامه تتحقّق…فمجرّد ابعاد النهضة عن المشهد الحاكم كان حلما…فأصبح حقيقة…
سيدي الرئيس، مشكلة هذا الشعب ليست في ما فعلتموه إن كان انقلابا أو فقط عملية إنزال سياسي من أجل توسيع صلاحياتكم وتغيير ما لا يمكن تغييره تحت قبّة باردو…المشكلة تكمن في أن السلطة التي انقلبتم عليها وأوصلتنا إلى ما نحن فيه هي سلطة فاسدة ساقطة ومجرمة لم تلتفت يوما لوجع شعبها…ولم تكترث بمآلات أفعالها…فهذا الشعب لم يعد يكترث من يكون رئيس الحكومة ومن يكون الوزير، ومن يكون من حول الوزير فالنتيجة عندهم واحدة، ولن يتغيّر حالهم بمجرّد تغيير الأسماء…فالشعب يعيش منذ عشر سنوات أو يزيد في قبضة سلطة قتلت شعبها وخربت اقتصاد بلدها…دمرت القضاء والتعليم والصحة…وكل القطاعات المنتجة وغير المنتجة…أحبطت جيلا بأكمله أصبح يجد في الانتحار غرقا في المتوسط حلاّ لجميع مشكلاته…
***
هل تسمحون سيدي الرئيس أن أسألكم، وأنا على يقين أني قد أُعدم أو قد أُسجن أو قد أحَاسب حسابا عسيرا من أجل تطاولي على مقامكم، ومقام انقلابكم بأسئلتي هذه وبما كتبت، وأنتم اليوم تملكون كل تفاصيل الحكم وكل ما يسمح لكم بالاستبداد إن أردتم طبعا ولا أظنّ أنكم ستستبدون يوما…ولأني سُعدت بالانقلاب كأغلب أبناء هذه البلاد…ولكل سبب سعادته، فأغلب من خرجوا يبايعونك يوم أعلنتم الاستحواذ على بقية السلط، خرجوا فقط لأنكم أبعدتم النهضة وشيخها عن هرم السلطة والحكم…ولا أحد منهم حين خرج فكّر في الوطن وفي انهيار البلاد اقتصاديا وسياسيا…جميعهم نسوا أن النهضة ومن معها تسببوا في كل ما نحن فيه ووجب محاسبتهم قبل ابعادهم…جميعهم وقعوا في الفخّ…هذا الفخّ الذي نعاني منه منذ انتخابات 2014 …فالباجي استعمل النهضة للوصول إلى الحكم ثم أجلسها إلى جانبه وجالسته وداعبها وداعبته حتى مات رحمه الله وأورثنا تركة مؤلمة أوجعتنا كثيرا…وبعض الأحزاب اليوم تستعمل النهضة أيضا لرفع حجم مخزونها ومضاعفة عدد أنصارها…وأنتم اليوم سيدي الرئيس تدغدغون مشاعر وأمزجة أتباعكم وأنصاركم وبقية مكونات المشهد بضربكم للنهضة وشيخها…أتدرون سيدي الرئيس أن هناك من كانوا سببا في ما نحن فيه بحجم النهضة أو أكثر وليسوا من الأحزاب…أتدرون…
شخصيا لست ضدّ ما فعلتم لكن خوفي من الآتي هو سبب ما كتبت…فأنتم في نهاية الأمر أنقذتم البلاد حتى إشعار آخر…لكنكم أيضا أنقذتم النهضة ومن معها ووضعتم الحبل، وأقصد حبل مسؤولية وتبعات الحكم الذي كان يلف رقبة المنظومة وعلى رأسها النهضة برقبتكم…فأنتم من سيتحمّل مستقبلا جوع الجائع…وبكاء المظلوم…وخيبة الفشل…ومرض المسنّ…وألم فراق الشهيد…ونحيب الثكالى…وغيرها من أوجاع الشعب والأمة…فأنتم اليوم “مولاها” ومن يتحمّل كل أوجاعها وأوجاع شعبها…فهل أنتم على بينة مما فعلتم وما تفعلون؟ فأنتم، وأنتم فقط بعد أن هربت النهضة ومن معها بجلدها …أقول أنتم فقط من ستحاسبون عن فشل أو نجاح هذه العهدة وهي إلى الفشل والخراب أقرب بما تركته لكم منظومة الخراب…وأظنكم واعين بهذا الأمر وما ينتظركم…
سيدي الرئيس ليس أمامكم الكثير من الوقت وأنتم أمام أصعب مهامكم، وطريقكم ستكون مزروعة ألغاما…وفخاخا…وعليكم وهذا الأهمّ أن تحقّقوا وفي زمن قياسي إنجازا ولو صغيرا ترسلون به رسالة طمأنة للداخل والخارج…فدون طمأنة لا أظنّ أن هذا الشعب الموجوع سينتظر كثيرا قبل العودة إلى الشارع…ولا أظنّ أنه لو خرج سيعود قبل تغيير ما يراه صالحا لأجيالنا القادمة…
هم سعدوا لأنكم أبعدتم النهضة…وأنا سعدت بما سعدوا لكن سُعدت أكثر لأنكم أقلتم المشيشي السبب الأكبر لما نحن فيه…لكن هل هذا كل ما نريده فقط منكم سيدي الرئيس؟ هل أن مشكلاتنا هي فقط كيف نُبعد المشيشي لأنه انقلب علينا وارتمى في أحضان شيخ النهضة…وهل أصبحت النهضة وطنا حتى تكون هي مشكلتنا ألم تفسد في الأرض عشر سنوات؟ أنسيتم أن النهضة أعطتكم نصف مليون من أصواتها لأنها كانت ترى فيكم شبيها بمن سبقكم على كرسي قرطاج…أنسيتم أن المشيشي هو من وقع عليه اختياركم؟ إذن فأنتم اليوم انقلبتم على من كانوا إلى وقت غير بعيد سندا لكم، فهل لكم القدرة على تحمّل تبعات الفشل وهو الأقرب من كل الفرضيات الأخرى غدا… فمن كانوا سندا لكم أصبحوا خصوما يحاربونكم بما أوتوا من قوّة؟
***
هل ستخرجون البلاد من أزمتها؟ وهل ستنجحون في حلّ أغلب معضلاتها… المديونية… تراجع مخزوننا من العملة… شلل تام في الاستثمار والتنمية… المعاناة الاجتماعية… الحاجة الى الاصلاحات…هل ستنجحون في مقاومة الفساد وهو جزء هام من المنظومة الحالية؟ هل سترفعون المظالم التي ارتكبت في حقّ كل كفاءات البلاد سنة 2011؟ هل ستنجحون في كسب معركتكم الأولى والأهمّ اليوم، حربكم على الوباء؟ والأهمّ هل ستنجحون في مصالحة هذا الشعب بعضه ببعضه…هل ستنجحون في تخفيض نسبة الحقد التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم؟ أتدرون أن سقف انتظارات هذا الشعب أصبح مرتفعا جدا فهل سترفعون التحدّي؟
***
سيدي الرئيس…شعبكم وأنصاركم واتباعكم، ومن أسكرتهم “خمرة” قراراتكم، فخرجوا دون وعي منهم، دون احترام لبرتوكول التباعد الجسدي ولبس الكمامة، يبايعونكم ويصرخون “الله احد وقيس ما كيفو حدّ” سيستفيقون من سكرتهم بعد أن تُكملوا وضع بقية تفاصيل تحويل ملكية مستوطنات الحكم باسم مقامكم، أقول شعبكم سيخرج ليطالبكم بما وعدتموه…وبدفع الدين الذي بذمتكم….أتدرون سيدي الرئيس…أن العاطل سيسألكم عملا…وإن لم يجد فسيدير وجهه عنكم….والمظلوم سيسألكم العدل فإن لم تعدلوا بسبب أو بآخر… فإنه سيدير وجهه عنكم…والمريض سيسألكم توفير مصحة أو مستشفى بقريته لأن زوجته ماتت وهي في الطريق إلى العاصمة لإجراء عملية قيصرية…فإن لم توفروا له ما يريد …فإنه سيدير وجهه عنكم…والمسجون ظلما سيسألكم العفو فإن عجزتم …فإنه سيدير وجهه عنكم…والذي نهبت الدولة أمواله سيسألكم حقّه فإن أبيتم…فإنه سيدير وجهه عنكم…ومن منعوا عنه جواز سفره سيسألكم حقّه، فإن رفضتم…فإنه سيدير وجهه عنكم…وأبناء الشهيد الذين يموتون جوعا سيسألونكم دم والدهم، فإن أطلتم الردّ…فإنهم سيديرون وجوههم عنكم…والمدوّن الذي سجنتموه ظلما سيسألكم عدلكم، فإن أدرتم له وجهكم…فإنه سيدير وجهه عنكم…والكفاءة التي ظلمت وحرموها من ترقيتها وجُمدت في رتبتها ستسألكم عدلكم وحقّها، فإن تغافلتم…فإنها ستدير وجهها عنكم…والجائع الذي لم يجد قوت يومه وما يسدّ به رمق أطفاله سيسألكم مالا وصدقة، فإن أبيتم…فإنه سيدير وجهه عنكم…هذا جزء بسيط مما ينتظركم سيدي الرئيس…فهل أنتم واعون بما فعلتم…وهل أنتم على وعي بما ينتظركم وما ستفعلون؟
سيدي الرئيس، وأنتم تستعدون للإعلان عن حكومتكم…أول حكومة ستختارونها بالكامل…هل فكّرتم فعلا في كفاءات البلاد التي أبعدت….وكفاءات البلاد التي شرّدت…وكفاءات البلاد التي ظلمت…أتحتاج هذه الأرض إلى كل أبنائها…سمعنا كثيرا في أغلب خطبكم عن العدل…وعن الحقّ…وعن نظافة اليد…لا أحد منّا …وليس خوفا ولا مدحا يشككّ في نظافة يدكم… وفي نزاهتكم…فهل أنصفتم من ظلموا…وأياديهم نظيفة…وهل أنصفتم كفاءات المنظومة السابقة التي تواصل المنظومة التي انقلبتم عليها هرسلتَهُم والتنكيل بهم كل أسبوع بالمحاكم…أتريدون أن يحبكم الشعب…كل الشعب…أعدلوا بين من كانوا في الحكم قبل 2011 ولم يفسدوا وبين من حكموا بعد 2011 ولم يفسدوا….ونحن نعلم أنكم تعلمون أن من أفسدوا بعد ذلك التاريخ هم أضعاف أضعاف من افسدوا قبله…
***
سيدي الرئيس، سيحوم حولكم الكثيرون…وسيتقرب منكم الكثيرون…وسيهجر بعضهم أحزابهم ولودّكم سيخطبون…سيجتمع حولكم الكثيرون وفي بعض المواقع يرغبون…منهم من هم من عائلتكم…ومنهم من هم من اصهاركم…ومنهم من هم من أصدقائكم…فلا تستمعوا إلا لما يمليه عليكم ضميركم…والحقّ…فكل من سبقوكم هناك على كرسي بورقيبة العظيم…وبورقيبة نفسه… خُدعوا…من أقرب الناس إليهم…فأخطأوا كثيرا…ولم يعدلوا في بعض الحالات…وظَلموا دون أن يعلموا أنهم ظَلموا…فاعتبر سيدي الرئيس…اعتبر من كل أخطاء من سبقوك…
***
سيدي الرئيس الأكيد أنكم قرأتم في أسباب ما نحن فيه…والأكيد أنكم شخّصتم الوضع جيدا…فليست الأحزاب وحدها التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه… ابحثوا عن الأسباب…فمن يا ترى أوقف انتاج نفطنا…ومن يا ترى عطّل انتاج فسفاطنا…ومن يا ترى اغلق معاملنا…ومن يا ترى خرّب اقتصادنا…ومن يا ترى أبعد عنّا استثمارات الأجانب بيننا…ومن يا ترى ضاعف حجم كتلة أجورنا…ومن يا ترى ساهم في إضعاف إنتاجنا…ومن يا ترى قطع طرقنا…ومن يا ترى يجلس مع كل حكوماتنا يفرض خياراته عليها…ويشاركنا الحكم في أدقّ أدقّ تفاصيله…
***
سيدي الرئيس، سيقايضونك في ألف قضية وقضية…وسيضيّقون عليك الخناق يوم ترفض طلبا لهم…وسيهددونك بالإضراب العام وغلق مواقع الإنتاج…فأعلن قبل فوات الأوان…أعلن مواقع انتاجنا مواقع عسكرية… فجيشنا الوطني هو ضمانة الدولة والأمن والاستقرار…
سيدي الرئيس، لا تلوموني فأنا لست ممن يحبون الثناء ويجيدون المدح، لذلك فلا تنتظروا مني ثناء ومدحا…فأنا لست ممن يتملقون ليخبروكم بما تظنونه عن نفسكم وهو ربما ليس فيكم، طمعا في موقع أو ترقية أو مال…
سيدي الرئيس أختم رسالتي لأقول أن السمك يفضّل الديدان لذلك عندما أذهب للصيد لا أفكّر في ما أريده أنا من لحم ومن فاكهة بل في ما يريده السمك…لذلك أقول لكم سيدي الرئيس، استعملوا نفس الإدراك لكسب الرجال زوّدوا الصنّارة بما يناسب السمك…وأضيف…حدّثوا شعبكم بما يرغب فيه لا بما ترغبون فيه أنتم…وأكشفوا له الحقيقة الكاملة عن وضع البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا…فهو ينتظر الكثير…في زمن قصير…فقد يهادنكم…ويصبر عليكم…إن أخبرتموه بوجع الوطن…هو يريد منكم أن تروا ما يرى…وأن تسمعوا ما يسمع…وأن تقولوا ما يقول…وأن تشعروا بما يشعر…دون ذلك فلن يهادنكم…ولن يصبر…
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
حتّى اختتم الحديث عن دورتنا التكوينية في الراي اونو والتي كانت على امتداد شهرين، عليّ ان ادوّن هذه الملاحظات التي بقيت عالقة في خانة الذكريات ..
كلنا نعرف ان السفر مع فرد او مجموعة عنصر هام لمعرفة ذلك الشخص او تلك المجموعة معرفة عميقة .. وسفرة ايطاليا لم تخرج عن هذا الاطار ..اكتشفنا مثلا (القرناط) الذي يستخسر في نفسه شراء قهوة، في بلد اشتهر بمتعة قهوته… اكتشفنا اناسا غاية في الضمار الجميل، وكنا نحسبهم غاية في المساطة… اكتشفنا ميولاتنا الى السهرات بكلّ الالوان من حيث مشروباتنا، ومن حيث ميولاتنا لمشاهدة نوعية اخرى من البرامج الايطالية في القنوات الخاصة والتي لا يصلنا بثها الى تونس… وانا ما نقلّكم وانتوما ما يخفاكم (كولبو غروسّو ـ الضربة الكبيرة) مثال من تلك البرامج التي هي في شكل مسابقات والعاب حيث يتنافس فيها رجل وامراة للاجابة عن بعض المسابقات وبعد كلّ سؤال يقوم الخاسر بنزع قطعة من ثيابه… ستريبتيز، ما تمشيوش لبعيد .. ينتهي خلع الملابس وقت نوصلو لهاكي الاشياء …
روما ايضا هي عاصمة الاناقة في اللباس .. تقف امام واجهة متجر لبيع الملابس للرجال وللنساء ..تقف ساعات مشدوها بجمالها وفيانتها ومصدوما باسعارها … وتكتفي بالعشق ..نعم وقفت مرة امام متجر واعجبت بكوستيم (بدلة) ايّما اعجاب ..وغادرت ..وأعدت زيارة نفس المتجر مرات ومرات ولم اشتر البدلة ..الذي يعرفني يعرف اني من النوع الترتاق الفلاق في الفلوس ..ولكن كان كلّ همّي ان اخصص مدخراتي المالية لعائلتي ..وفي الاخير اشتريت ما شاء الله من ادباش وهدايا لعائلتي واكتفيت بقميص لي .. فقط فقط فقط …
وعدنا الى تونس بعد انقضاء فترة التدرب التكويني .. وان انسى فانني لن انسى ما حدث لي عند وصولي الى مقرّ سكناي بصفاقس ..ولدي انذاك كان عمره سنة ونصف ..نظر اليّ نظرة باهتة لا روح فيها ..ثمّ وبعد ثوان ارتمى بين احضاني دون ايّة اشارة من ايّ طرف من العائلة ..سعادة مثل هذه المواقف تدّخر منها فرحا طفوليا من الابن ومن والده ما يكفي لسنوات من الازمنة العجاف …نعم من مثل هذه الاحداث يستمد الواحد منّا طاقة لا تفنى في مواجهته لمصاعب ومصائب الزمن .. يكفي ان يتذكّر طفلا له يرتمي في احضان ابيه بتلك السعادة والفرح حتى يقول (وان تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها)…
سنة 1988 عشت فيها اذاعيا محطات لا يمكن ان انساها ..اوّلها التفكير ثم الانجاز لمشروع اسميته انذاك في احد برامجي (من اجل عيون الطفولة) ..والذي اردته تفكيرا منّي وانجازا من المستمعين في شكل بعث مكتبات خاصة بالاطفال المقيمين بالمستشفيات الجامعية… لنخفّف من احزانهم ووحشتهم ولنعوّدهم على مقولة (الكتاب خير جليس وخير انيس) ..قمت بدعوة المستعمين للقيام بحملة تجميع الف كتاب او مجلة لكلّ مكتبة وكان التآلف عجيبا مع هؤلاء المستمعين… ولم تمض 3 اشهر حتى ارسينا اوّل مكتبة بقسم الاطفال بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس ..وتواصل المشروع مع مستشفيات اخرى ..
كنت وما زلت مؤمنا بانّ التونسي عندما تكلّم فيه لغة العقل والقلب يستجيب ..وهذا عامل من عوامل تفاؤلي الدائم بتونس والتونسيين ..اعرف انّ تونس دخلت مرحلة سوداء في العلاقات المجتمعية والعائلية منذ 2011 ..ولكن ثقتي لا حدود لها في انّ معدن الانسان الاصيل مهما مرّغوا انفه في مخططاتهم (ونجحوا ايما نجاح في ذلك ) لا بدّ ان يعود الدرّ الى صدفته .. فالذهب قد يعلوه الغبار ولكن ابدا ان يصدأ …في نفس السنة فكّرت ادارة اذاعة صفاقس في تخصيص مساحة اسبوعية للشباب حيث ينتقل فريق اذاعي الى مناطق عديدة من الجنوب التونسي لربط مباشر مع الاستوديو الذي كنت اشرف عليها تنشيطا… هدف البرنامج اعطاء الفرص وعلى امتداد 3 ساعات للشباب ليعبروا عن مشاغلهم بكلّ حرية وبعيدا عن ايّة رقابة ..ايّة رقابة … وهذه التجربة كانت منطلقا لبعث اذاعة الشباب في اذاعة صفاقس سنة 88 وساعود للحديث عنها ..
في اكتوبر سنة 88 قامت الاذاعة التونسية بتجربة جديدة في البث الاذاعي اسمتها (فجر حتى مطلع الفجر)… وكما يدلّ العنوان هو برنامج مباشر ينطلق في منتصف الليل ويتواصل حتى الخامسة صباحا… وهو برنامج يومي ويُبث بشكل مشترك بين الاذاعة الوطنية واذاعة صفاقس واذاعة المنستير ..ينشطّه من الاذاعة الوطنية مجموعة من الزملاء ونصيبهم في ذلك 5 ايام في الاسبوع… بينما بقيّة فتات الاسبوع تتقاسمه اذاعة صفاقس واذاعة المنستير حصّة واحدة في الاسبوع …وشكرا على هذه الصدقة ..والله لا يضيع اجر المحسنين ..
كنت انا من عُينت لتنشيط تلك الحصة اسبوعيا ممثلا لاذاعة صفاقس … وللامانة كانت مناسبة متميّزة لمستمعي الاذاعة الوطنية ونظرا إلى انّ بثّ اذاعتنا لا يصل لبعض مناطق البلاد حتى يكتشفوا اصواتا اخرى والوانا اخرى واجواء اخرى… وهنا اتقدّم بالرحمة على روح الزميل الحبيب اللمسي الذي كان رابطنا الهاتفي مع المستمعين المتدخلين في ذلك البرنامج من غرفة الهاتف للاذاعة الوطنية… وسي الحبيب كان ممن يسمونه حاليا (فان) لعبدالكريم…
في اكتوبر 88 حدثان هامان عشتهما في مسيرتي الاذاعية… اولها الاعتراف بديبلومي الذي نلته من المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس سنة 1979 .. اي نعم بعد 9 سنوات من الاهمال والظلم… والفضل في هذا يعود للمرحوم صلاح معاوية الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة ….علم بالاشكال الحاصل بيني وبين الادارات والمسؤولين الذين سبقوه، فدعاني لمكتبه ودعا مدير التلفزة انذاك الزميل مختار الرصاع والكاتب العام للمؤسسة، وطلب منهما وفي اقرب وقت رفع المظلمة التي تعرضت لها ..وفعلا وفي ظرف اسبوع قام بانهاء تلك الوضعية التي طالت وبكلّ جور ..
الحدث الثاني وقع بعد زيارة المرحوم معاوية لاذاعة صفاقس للاطلاع على حاضرها وآفاق تطويرها … يومها التقيته في كواليس الاذاعة وكان صحبة زميلي رشيد الفازع الذي انتمى في بداية السبعينات الى نفس دفعتي عندما قامت بتكويننا لتدعيم التلفزة التونسية باطارات جديدة كلّ في اختصاصه ..رحّب بي المرحوم صلاح الدين معاويو وهمس لي: ايّا اش قولك تشدلي انتي اذاعة الشباب ؟؟ ..واذاعة الشباب هذه انطلقت في اذاعة صفاقس منذ 1988 وهي عبارة عن فترة زمنية بساعتين من السابعة الى التاسعة مساء… فوجئت صدقا بالمقترح ..وعرفت في ما بعد انّ المرحوم صلاح الدين معاوي كان ومنذ بداية الثمانينات متابعا لاخباري بحلوها ومرّها في اذاعة صفاقس ..
اعيد القول اني فوجئت بالمقترح ..بل لم يستهوني ..وهاكم الاسباب ..انا منذ دخولي لمصدح اذاعة صفاقس كان لي مخطط لمستقبلي المهني ..هذا كان مخطّطي: 10 سنوات اذاعة …10 سنوات تلفزة … وبقية العمر ان طال العمر للسينما …. و(اللي يحسب وحدو يفضلّو) لان الانسان في كلّ حالاته ..في طفولته .. في شبابه .. في كهولته .. في شيخوخته ..وفي كلّ قرارات حياته منذ الولادة الى المغادرة لا تخطيط له ..نعم هنالك “اجندا الهية” نخضع اليها جميعا .. قد تاخذنا نرجسيتنا وثويريتنا لنقول: سافعل .. سافعل .. سافعل ..ولكن وعند الوصول الى سنّ الحكمة سنكتشف اننا جميعا خاضعون للاجندا الالهية … انا كنت وسابقى دائما من المؤمنين بالارادة والطموح والفعل …وهذا لا يتنافى مع ما قلته بل هو متناسق مع (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ..
اعود للعرض المقترح من السيد صلاح الدين معاوي وكان ردّي الفوري: تي انا نخمم نوقّف العمل متاعي في الاذاعة لانتقل للعمل كمخرج في التلفزة وانت تقللي اذاعة الشباب ؟؟ وفعلا انا منذ سنة 88 قررت التحضير لمغادرة المصدح ولكن على مراحل اوّلها ردم كوكتيل من البريد الى الاثير واعلان وفاته .. بالمناسبة، عندما سمع المرحوم صالح جغام بنيّتي في ايقاف الكوكتيل (قطّع شعرو) كما تعرفونه رحمه الله عندما يغضب ..طلبني هاتفيا وقال لي: يا خويا عبدالكريم يخخي هبلت توقف الكوكتيل ؟؟ برنامجك ضارب ودائما الاول في الاستفتاءات السنوية .. اش قام عليك ؟؟ ضحكت وقلت له يا صالح ستعرف يوما الاسباب وبعدها نحكيو…
انذاك فكرت في ايقاف الكوكتيل وفعلت ..الكوكتيل اصبح في اذهان المستمعين اسطورة ..وانا من موقعي الفكري كنت دوما ضدّ الاساطير … اذن عليّ ان اكون متناسقا مع نفسي واوقف الاسطورة ..نعم ربما بقساوة على نفسي وعلى المستمعين اوقفت الكوكتيل ..وتلك هي المرحلة الاولى ..وفي المرحلة الثانية التجات للتعويض .. عوضته في مرحلة اولى ببرنامج مساء السبت ثم باصدقاء الليل …واختيار هذه المواقيت كان مقصودا ايضا ..كنت محسودا على فترة الكوكتيل من العاشرة الى منتصف النهار وكان بعض الحساد ينسبون نجاحي الى تلك الفترة الزمنية من اليوم ..لذلك ومع كوكتيل الاصيل ومع البرامج التي ذكرتها كنت اريد ان ابرهن انّ نجاح ايّ برنامج ليس مأتاه فترته الزمنية… بل اقول اكثر من ذلك، المنشط هو الذي يخلق الفترة الزمنية وليست الفترة الزمنية هي التي تخلق نجاح المنشط ..وحتى عندما اوقفت الكوكتيل وعوضته بمساء السبت كان في نيتي وبكل حزم ان انهي علاقتي بالمصدح سنة 1990 لانتقل الى مخططي وادخل في الحقبة الثانية وبدءا من 1990 في عشرية العمل التلفزي …
سمعني السيد صلاح الدين معاوي بانتباه وبتركيز شديدين وانا اعلمه بنية مغادرتي العمل الاذاعي سنة 90… وقال لي (ما اختلفناش… شدّلي اذاعة الشباب توة، وعام 90 يعمل ربّي .. هذا طلب اعتبرو من صديق موش من رئيس مدير عام) ..ابتسمت وقلت له طلبك عزيز وعلى العين والراس لكن بشرط ….في بالي فيه البركة مع الورقة 85 .. وطبعا ندّلل عليكم لاترك ماهيّة شرطي الذي وضعته، للورقة المقبلة …
ـ يتبع ـ
جور نار
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
نشرت
قبل يومينفي
6 نوفمبر 2024عبد القادر المقري:
فوز دونالد ترامب بعهدة ثانية (غير متصلة) في سدة البيت الأبيض يحمل معه عددا لامتناهيا من الدلالات… خاصة إذا عرفنا أن منصب الرئيس الأمريكي هو عبارة عن “واجهة” لتوازن قوى وإرادات ونوايا داخل الطبقة النافذة وأجهزتها، بأكبر قوة على الأرض حاليا.
قد يبدو الأمر مستغربا خاصة من وجهة بلدان كمنطقتنا حيث تتجمع كل السلطات في يد شخص واحد تسبغ عليه أجلّ الأوصاف البشرية وفوق البشرية وحتى الإلهية… وهذا طبيعي بحكم الموروث الذي تراكم لدينا على مر آلاف السنوات، وتمركزت فيه السلطة بشكل مبالغ فيه لدى أفراد حملوا مختلف الألقاب التي توحي بالعظمة والقهر والسلطان المطلق، وبات ذلك مقبولا وبديهيا لدى العامة مهما كانت قشور بعض الدمقرطة هنا وهناك… وحتى في العشرية الماضية التي يسوّق أصحابها أنها كانت قوسين ديمقراطيين وسط عصور من الاستبداد، فلقد تصرف “الديمقراطيون” بشكل لا يختلف عمن سبق وعمن لحق… ويكفي هنا التذكير بذلك “الاعتصام” الذي دفعوا إليه بأنصارهم سنة 2012 أمام مبنى التلفزة التونسية، وطالبوا خلاله بعودة الإعلام الوطني إلى تمجيد “إنجازات” الحاكم، بدل عملنا الإخباري المحايد الذي حاولنا الشروع فيه بعد جانفي 2011…
إذن أسفرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن عودة دونالد ترامب إلى الحكم مجددا كإحدى النوادر في تاريخ تلك البلاد… إذ تذكر المصادر أنه وحده رئيس قديم يدعى “كليفلاند” حكم في بداية القرن 19 فترة أولى، ثم خسر معركة التجديد، وعاد بعد ذلك إلى البيت الأبيض … أما الـ 55 رئيسا الباقون فكانوا إما يجددون وهم في مكانهم، أو يخرجون خروجا لا رجعة بعده… وهذا قد يعكس قوة شكيمة لدى شخصية ترامب المضارب العقاري الذي لا ييأس وفي جعبته صبر التجار وعنادهم الأزلي… ويترجم هذا الرجوع خاصة رغبة الـ “إستابليشمنت” الأمريكي في حسم بعض الملفات التي بقيت مفتوحة، بل مبعثرة الأوراق، في عهد العجوز المريض جو بايدن…
من هذه الملفات أو في صدارتها الحرب في أوكرانيا… هي كما وصفها عديدون حرب أوروبية أوروبية، وقد اندفعت في خوضها (بالوكالة) إدارة بايدن أولا لتأكيد زعامة الولايات المتحدة على الحلف الأطلسي… وثانيا ربما لانتماء الرئيس المتخلي إلى جيل ولد ونشأ وكبر ومارس السياسة والأعمال زمن الحرب الباردة، وخلّف ذلك لديه نفورا من السوفيات والروس وكل ما له صلة بهم… فضلا عن سبب ثالث يتم التطرق إليه بين الفينة والأخرى وهو أنشطة ابنه “هونتر” التجارية ومصالحه بأوكرانيا، فيما يتهم الروس بايدن الإبن بامتلاك مختبرات في كييف لإنتاج أسلحة كيميائية… وعلى العموم، فقد كلفت هذه الحرب الخزينة الأمريكية ما يزيد عن 174 مليار دولار على الأقل، من المساعدات العسكرية والاقتصادية … حسب آخر تصويت من الكونغرس (الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون) في شهر أفريل الماضي…
وفي هذا الباب، يقف دونالد ترامب على النقيض من بايدن… فمعروف عنه موقفه غير العدائي من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين خاصة… بل يمكن وصف علاقة الطرفين بنوع من التفاهم إن لم يكن بالصداقة… كما أن ترامب ينتهج بعضا من نظرية “مونرو” الانكفائية خصوصا في ما يتعلق بعدم الالتزام بقضايا لا تهم المصلحة الأمريكية المباشرة… فكما قلنا، الصراع الأوكراني هو شأن أوروبي، ومكانة هذه القارة (سيما بعد أن أصبحت اتحادا) في سياسة ترامب لا تعدو كونها منطقة منافسة أكثر منها حليفا تندفع الولايات المتحدة للذود عنه والإنفاق عليه…. وهذا ما يفسر تخوف العواصم الأوروبية من مآل السباق نحو البيت الأبيض، وهي عارفة ما ينتظرها في صورة رجوع ترامب بعد أن جربته في العهدة الأولى…
وتبعا لهذا، من المنتظر رؤية عديد الالتزامات الأمريكية الخارجية تتقلص إن لم نقل تتلاشى بصفة شبه كلية… لا ننسى أن ترامب انسحب من تعهدات دولية عديدة كالتي حول المناخ مثلا، وأهم منها تهديده المستمر بالانسحاب من الحلف الأطلسي ولو جزئيا… ويستتبع ذلك كما أسلفنا انحسار “السخاء” الأمريكي في مساعدة دول هذا الحلف عسكريا وحتى اقتصاديا… دول هذا الحلف ومن ترضى عنه هذه الدول أيضا… ولعل أول من استبق هذا الانحسار، كان إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الذي سارع إلى ترميم علاقاته بدولة كالمغرب… وقد تتبع ذلك خطوات مماثلة مع دول عربية وإفريقية تجمعها علاقات “تاريخية” بفرنسا والمتروبول الأوروبي عامة (في سياسات الهجرة والتأشيرات ربما)… وقد تمثل هذه الفضاءات وأسواقها بديلا، إلى حد ما، عن الدعم الأمريكي لاقتصاد القارة العجوز… عكس ما يتوقعه اليمين الأوروبي المتطرف من قمع متزايد للهجرة، اقتداء بسياسات ترامب في بلاده من هذه الناحية…
فلسطينيا… وإن كانت سياسة واشنطن المنحازة كليا للكيان الإسرائيلي لا تختلف بين شتى الجالسين في المكتب البيضاوي، إلا أن تفاصيل صغيرة قد تتغير مع إمساك ترامب بمقاليد إدارة الصراع… وهنا يتوجب الانتباه إلى الدور الإيراني في مجريات الأحداث الأخيرة الناجمة عن هجوم 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من عدوان إسرائيلي ماحق على غزة والحنوب اللبناني… وسواء كان الطرف الثاني في مواجهة الاحتلال منظمة حماس أو تنظيم “حزب الله”، فإن هذه الفصائل تمثل باعتراف إيران نفسها، أذرع طهران في المنطقة إضافة إلى مثيلاتها في سوريا والعراق واليمن البعيد…
وإذا كانت المواجهة في عهد بايدن ظلت تكتفي بمحاربة الأذرع العربية دون المساس بالجوهر الإيراني، فإنها مع ترامب قد تغيّر مسارها ومرماها تماما… ترامب له حساب قديم مع طهران وبرنامجها النووي وليس في وارده “ملاطفة” إيران كما فعل بايدن، كما أنه قد يركز على ضرب إيران مباشرة وتهدئة الجبهة مع أذرعها… مما قد يفضي إلى تشجيع تغيير في حكومة الكيان (وقد بدأت التصدعات بعد في فريق نتنياهو) يقضي بوقف ولو تدريجي لإطلاق النار في قطاع غزة وجنوب لبنان…
يقيت نقطة أخيرة في ما يخص “كامالا هاريس” المرشحة سيئة الحظ… لقد أثبتت هذه المرأة رغم هزيمتها، شجاعة وديناميكية منقطعتي النظير… امتطت قطار الانتخابات وهو سائر لتعويض “جو بايدن” بُعيد انسحابه المفاجئ في 21 جويلية الماضي… فيما كانت الحملة الانتخابية في أوجها على مسافة 100 يوم فقط من يوم الاقتراع، وفيما كان منافسها ترامب جاهزا منذ أشهر وحملته ماضية على أشدها… فكان عليها أولا الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ولم يكن ذلك بديهيا، ثم خوض حملة طاحنة في فترة قصيرة، ثم خاصة الرد على مثالب الخصم الشرس حول رئيسها وفترة حكمه، ثم حولها شخصيا وحول مقدار كفاءتها لاعتلاء منصب الرئيس…
ولئن تجاوزت الولايات المتحدة إرثها المثقل بالميز العنصري عند انتخاب أوباما كأول رئيس أسود ومن أصول غير بروتستانتية (ولا مسيحية حتى) سنة 2008، ولأسباب انكشف أنها جاءت وفق “كاستينغ” متلائم مع مرحلة تصعيد الإسلام السياسي لحكم البلاد العربية… فإنه لا يبدو أن ذلك سيتكرر بسهولة، خاصة أن هاريس تعترضها “عوائق” ما زالت ذات وزن في العقلية الأمريكية والغربية عامة… ورغم التطور الكبير في العقليات، إلا أنه يبدو أنه لم يحن الوقت بعد لرؤية امرأة على رأس بعض الديمقراطيات الكبرى… فقد فشلت “هيلاري كلينتون” سنة 2016 في سباق مماثل نحو الرئاسة الأمريكية، كما فشلت قبلها “سيغولين روايال” في فرنسا سنة 2007، وكلاهما بيضاوان أوروبيتان أصلا ومفصلا…
وهذا ما يضيف أسهما إلى شجاعة امرأة ذات أصول إفريقية وآسياوية، مثل كامالا هاريس…
عبد الكريم قطاطة:
الحديث عن ايطاليا البلد الذي احتوانا في تدرّبنا بالراي اونو حديث يحتاج الى مجلّدات .. اليوم ساحدثكم عن ايطاليا والمعمار والجمال ..
لا نختلف في انّ جمال المدن الايطالية له رونق خاص وهذا ما دفع بالبعض وهو يصف بعض هذا الجمال يردد مقولات من نوع: (اشاهد فينيسيا، اي “البندقية” المدينة العائمة، ثم اموت) VEDERE VENEZIA E MORIRE .. … رغم انّ تاريخ هذه المقولة يؤكّد انها قيلت عن مدينة نابولي وليس فينيزيا ..ولانّ الجنوب كان ومازال ضحية التحيّل والظلم، تحوّل المثل الى البندقية … اي نعم كل جنوب قدره الاحتقار ..وحتى ايطاليا نفسها الواقعة في جنوب اوروبا يعتبرها الاوروبيون الاخرون حثالة اوروبا… رغم انهم يدركون جيدا انّ الفنّ خُلق في ايطاليا ..والسباغيتي ايطالية او لا تكون… والمثلجات بفففففففففف دنيا اخرى .. خللي عاد من الكورة المحنونة .. نودّكم ولا نشهّيكم ..
نحكي على اوروبا .. اما كي نحكيو على العالم كُرويا بالنسبة لي تبقى البرازيل عنوان السحر وتجي بعدها تونس (متاع الجرو والقادري!! .. ايّا نبدّلو هالصحيّن) .. في زمن ما… القرن الخامس عشر… اصبحت ايطاليا زعيمة العالم ورائدته في الفنون والثقافة ..وهو ما يسمّى عصر النهضة ..طبعا النهضة متاعهم موش النهضة متاعنا …ما اقرب طز لشرّڨ …في ذلك الزمن وتحديدا في افريل 1507 وضع البابا يوليوس الثاني حجر الاساس لبناء معلم الفاتيكان… والذي هو وبعبارة موجزة يمثّل مكّة بالنسبة للمسيحيين، لانّه مركز القيادة الروحية للكنبسة الكاتوليكيّة… وككل المشاريع الضخمة في المعمار كان عرضة للعراقيل لانّ بناء معلم الفاتيكان نهائيا لم يتمّ الا في 14 ماي سنة 1590 …
وكيف نكون في روما ولا نزور الفاتيكان؟ … الفاتيكان اصبحت فيما بعد اصغر دولة في العالم 0 فاصل 49 كيلومتر مربع مساحة… وسكانا لا يتجاوز تعداده 850 فردا ..هذه المعلومات اسوقها فقط للتذكير بها لكن ما هالني وانا ألج إلى كاتدرائية “الفاتيكان”سيكستين” هذا المعمار الضخم والرهيب …كنت اتساءل كيف للانسان في ذلك الزمن (القرن 15) ان يشيّد مثل ذلك المعلم وبذلك الحجم ..اعمدة رهيبة طولا وسُمكا .. كيف صنعوها ؟؟ كيف رفعوها وهي طولا بحجم عشرات الامتار وسُمكا بقطر دائري ضخم؟؟ .. بكلّ امانة لم ار في حياتي لا الواقعية ولا الافتراضية معلما بتلك العظمة… وهو مُحلّى بابهى الزخارف والفسيفساء اتسمعني ليونارد ديفنشي ؟؟ وبتماثيل عملاقة … قلت في بداية توصيفي له هذا المعلم الرهيب ..اي نعم ..رهبته تتمثّل في انّ كلّ من لا يحمل في قلبه ايمانا عميقا بالاسلام، قادر هناك في لحظات وجيزة ان يعتنق العقيدة المسيحية !…
معلم آخر وهو في قلب العاصمة روما لا يمكن لكلّ زائر للمدينة الخالدة ان لا يذهب اليه .. انها نافورة تريفي (لافونتانا دي تريفي) ..النافورة تُعدّ من اجمل نافورات العالم وهي من مواليد القرن السابع عشر واستغرق بناؤها 30 سنة… و منذ ولادتها ولحدّ الان ظلت محلّ رعاية واصلاح وتطوير (كيف المعالم التونسية اللي عندنا بالضبط قريب يطيحو على روسنا … وهي المصنفة في خانة “دار الخلاء تبيع اللفت”)… الشيء الخاص بنافورة تريفي انّها تختزن اسطورة منذ القدم ..فالسائح عند الوقوف امامها عليه ان يرمي بقطعة نقدية في فسقيّتها… حسب المعتقدات الايطالية، فإن القاء تلك القطعة النقديّة يحقّق لصاحبها كلّ ما يتمنّى وحتما سيعود لزيارة روما ..انا كنت طبعا من الذين القوا بالقطعة النقدية .. فقط لاخذ صور تذكارية … ولانّ نيتي كانت مخوّزة .. لم تتحقق برشة امنيات ومللي دفنوه ما زاروه …
الايطالي في حياته انسان (تعشقو عشق) يحبّ جدّا الحياة بكلّ ملذّاتها .. وفي نفس الوقت يؤمن بالعمل كقيمة حضاريّة ..الايطالي يمكن ان نفهمه من اغنية لـ”توتو كوتونيو” بعنوان (دعوني اغنّ)… لاشاتا مي كانتاري… لانه حتى وهو يتحدّث ويداه في حركات سمفونية رائعة، يغنّي .. حتى وهو يمشي (وهنا الاصحّ حتى وهي تمشي) هي تغنّي وترقص …الباعة الذين ينتصبون كلّ ايام الاسبوع في اماكن مخصصة لهم يعرضون بضاعتهم على الآخرين وهم يغنّون .. ربما هم من فهموا (المغنى حياة الروح … يسمعها العليل تشفيه ..وتداوي كبد مجروح ..تحتار الاطباء فيه ..وتخلّي ظلام الليل .. بعيون الاحبّة ضيّ .. شوي شوي شوي شوي غنيلي وخذ عينيّ) .. اصبحت لديّ شكوك في انّ الكبير محمود بيرم التونسي صاحب كلمات هذه الاغنية عمل حرقة في زمانو لايطاليا واستلهم من روح شعبها الفنان في كلّ شيء ..اغنية الستّ غنيلي شويّ شويّ …
وهنا يتوقف قلمي عن مواصلة الكتابة ..معناها بعد رائعة بيرم كلمة، وزكرياء احمد تلحينا، والستّ غناء نواصل انا في لغوي؟؟ عيب يا عبدالكريم عيب …
ـ يتبع ـ
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
ورقات يتيم … الورقة 85
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
استطلاع
صن نار
- اجتماعياقبل 14 ساعة
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم … الورقة 85
- اقتصادياقبل يومين
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
- اجتماعياقبل يومين
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
- جور نارقبل يومين
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
- صن نارقبل يومين
انتخابات أمريكية: تزامنا مع فوز ترامب… الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس
- صن نارقبل يومين
الاحتلال يلقي أكثر من 85 ألف طن من القنابل على قطاع غزة
- صن نارقبل يومين
ترامب يعود