تابعنا على

جور نار

أبناء التونسيين، كلهم أوائل في أقسامهم !

نشرت

في

كنتُ أحاول جاهدا إقناع تلامذتي بأن مستواهم الحقيقي لا تعكسه بالضرورة مرآة الأعداد، إذ يكفي أن تتغيّر صيغة التمرين أو ينتقل التلميذ من قسم إلى آخر أو كذلك أن تُصحّح ورقة الامتحان من قِبل شخص آخر حتى تتغيّر العلامات بشكل ملحوظ ارتفاعا أو نزولا… وذلك من خلال القصّة التالية :

منصف الخميري Moncef Khemiri
<strong>منصف الخميري<strong>

أسألهم جادّا : “لو أطلب منكم أن تُسندوا عددا لأدائي المهني معكم، فبأيّ عدد ستمنّون عليّ ؟ أؤكّد لكم أن العدد سيتراوح بين 3 من عشرين بالنسبة إلى البعض و17 من عشرين بالنسبة إلى البعض الآخر. فمن نصدّق يا تُرى ؟ هل أن مستواي يُساوي 3 أم 17 من عشرين أو المعدل الحسابي بينهما أي 10 من عشرين ؟ الواقع أن مستوى أدائي يستحق علامة أخرى مختلفة تماما لا يعرفها أحد سواي بالنظر خاصة إلى ما أنا قادر على صُنعه بمؤهلاتي الذاتية التي يصعب قيْسها بالمساطر التقليدية.

والتاريخ يزدحم بعديد الشخصيات التي بلغت مراتب عليا في الشّهرة والنجاح رغم فشلها المدرسي مثل تشرشل وإنشتاين وإيديسون وغوتييه… والإعلامي والمنشط والمنتج ومقدم البرامج التلفزيونية ذائع الصيت ميشال دروكير غير الحاصل على شهادة الباكالوريا، لأنه قرر في سن السابعة عشرة من عمره مغادرة المنزل العائلي وانطلق في البحث عن سبل أخرى للنجاح. يقول “إن مكمن قوّتي الوحيد كان العمل الدؤوب والشّاق وإلى حدود سنّ الخمسين لم أفكر بشيء آخر غير العمل. كنت أشتغل بمعدل 15 ساعة يوميا ولم أتمتع بأية عطلة مدّة عشرين عاما”. وهو قال أيضا: “إن الأشخاص الذين يعانون من إعاقة مّا لا يُحبّون مشاهدة أنفسهم، ربما لأن المرآة (الأعداد المدرسية في سياقنا هذا) لم تعد تعكس صورتهم الحقيقية، كمُجتهدين معطائين وجسُورين وحالمين باهرين”.

هستيريا المعدّلات وحرب المراتب الأولى.

في نهاية كل ثلاثي ونهاية كل سنة دراسية تستعر هستيريا الامتحانات والمعدلات والرّتب، وهذا أمر جيّد في حدّ ذاته لأنه يعكس ولعًا تونسيا خالصا بالمدرسة وإيمانا بمكانتها ودورها الحاسم في تملّك مفاتيح سعادة الأفراد ونموّ المجتمعات.  

المثير للاستغراب في هذه الظاهرة هو أن الأب أو الأم لا يبحثان عند تسلّم بطاقة الأعداد عن حقيقة مستوى منظوريهم الذي لا يتجلّى دائما من خلال الرتبة أو الانطباع العام في علاقة بالمعدل، أو البحث عن ملاحظة فطِنة وغير كسولة تساعد على تمثّل طبيعة الصعوبات التي تعترض منظورهم وبالتالي البحث عن سُبُل للتدارك… وإنما يبحثان عن رتبة وعن موقع وعن درجة في سلّم النياشين مهما كان المستوى العام للقسم ضعيفا ومهما كان التضخم في الأعداد مغشوشا وتنعدم فيه الموضوعية والمسؤولية.

المثير للدهشة كذلك أنك كلما سألت التونسيين عن رتب أبنائهم (وأحيانا دون أن تسأل) يكون الجواب حتما “الأول أو الأولى” وفي أسوإ الحالات يقولون لك : المرتبة الأولى يتصارع عليها مع ابن أو ابنة فلان (والذي عادة ما يكون مديرا أو معلما أو مسؤولا في أجهزة الدولة…). ولا تشذّ هذه العقلية كثيرا عمّا تسمّيه الباحثة الفرنسية بياتريس هيبو بـ “الأوّلانية التونسية” le primisme tunisien على معنى التغنّي دائما بالاستثناء التونسي والذي نُصنّف بموجبه دائما الأوائل في سنّ أول دستور وضعي وأول مجلة للأحوال الشخصية وأول بلد ألغى العبودية وأول امرأة تقود طائرة وأول طبيبة امرأة الخ…

أغلب الذين أعرفهم ممّن لهم أبناء متمدرسون لا يرضون بأقل من الرتبة الأولى لمنظوريهم في أروقة السباق المدرسي ! وإذا كان الأمر كذلك، فأينهم كل أولئك المتحصلين على المراتب العاشرة والعشرين والرتبة الخامسة والأربعين ؟ هؤلاء الذين كان يقول عنهم والدي “لو لم يستوقفه الجدار الخلفي للقسم لكان ترتيبه أربعون أو أكثر”.

العقدة في رأيي ليست كامنة لدى الأطفال بقدر ما هي معششة في عقلية آبائهم وأمهاتهم وحتى لدى الكثير من المربّين.

هؤلاء عاجزون بصفة عامة عن انتزاع الرتبة الشرفيّة الأولى في أدائهم المهني وعموم نشاطاتهم وحياتهم، فيلجؤون من حيث لا يشعرون الى ركوب ظهور أبنائهم علّهم يؤثثون الفراغ ويستصدرون قيمة مفقودة، خاصة في مناخ تنتعش فيه الألقاب الزائفة والعناوين المزورة والصفات المرموقة المُسندة ذاتيّا.

العقلية السائدة يغمرها الكثير من التطرف والحدية والثنائيات الانشطارية، فالناس لدى عامة الناس خيرون وأشرار، نزهاء وخبثاء، أمناء وخونة، وفي المدرسة نجباء وأغبياء، أذكياء وحمير، ونستلذّ عندما لا نتردد أثناء الدرس في وصف هذا بالنبوغ تبارك الله عليه وذاك بالمحدودية وعد الله عليه.

التلميذ المتعارف عليه بكونه ذكيّا ليس في رأيي أكثر من ذلك الذي حفظ درسه عن ظهر قلب وأرجع لأستاذه أو معلمه نفس البضاعة التي قُدّمت له (أي القدرة على الخضوع كما يقول سيريلنوك) أو من ورث عن عائلته “رأس مال ثقافيا ذا قيمة مُضافة مدرسيّا “. والتلميذ المحدود هو ذلك الذي لم تتوافق نوعية ذكائه مع آليات نظام التعلّم والتقييم القائم، وبالنتيجة فإن المدرسة لا تؤوي اليوم أذكياء وأغبياء بل أطفالا ذوي ذكاءات مختلفة وأنساق تعلم متباينة وتمشيات متنوعة في التعامل مع مناهج التدريس وضوابطها. والطفل الذي نصفه بالعبقرية والذكاء سينطلي عليه الادّعاء وتتضخّم ثقته بقدراته (المحدودة بالضرورة) وتتورّم “الأنا” فيه. أما الطفل الذي نصفه بالغباء والتخلف سينطلي عليه الادّعاء هو الآخر وسينفض يده من “جميع التزاماته” ويجعل من محدودية مستواه المؤشّر عليها رسميا (بملاحظات وأختام رسمية ذات سيادة) وضعف مردوده، شمّاعة يُعلّق عليها دونيّة نتائجه وفشله فيما بعد.

وأقول ختاما، هل بِوِسْع حرف “الألف” باعتباره أول حروف الهجاء، الادّعاء مثلا بكونه أفضل الحروف وأكثرها خدمة لجهاز اللغة : هذه الأم العطوف على كل حروفها دون تمييز ؟ لأنه مثلما قيل في الألف :

أنت أمني وأماني، ومأمني وأمنيتي، وأسراري وأنغامي، وأقرابي وأحلامي،

فقد قيل أيضا في آخر حروف الهجاء (الياء) أنت يومي، ويميني ويُمنِي، و يوسفي، ويقيني ويقظتي، ويَمِّي و ياقوتتي، ويمامة قلبي.

ثمّ،ألم يحن الوقت بعد لاعتماد بيداغوجيا التملّك والاتقان  la maîtrise  بدلا من بيداغوجيا الصّندقة والترتيب، لأن وجود الأوائل في كل قسم ليس سوى الجزء البارز من جبل الجليد ؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 90

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

كنت حدّثتكم سابقا عن مخطّطي في مسيرتي المهنية والتي وللتذكير عزمت فيها على تخصيص العشر سنوات الاولى منها للعمل الاذاعي اي من 1980 حتى 1990… والعشرية الثانية للعمل التلفزي كمخرج وهو اختصاصي بعد تخرّجي من المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس افريل 1979… ثم أنتقل بعدها وكحلم ايّ مخرج للعمل بعد سنة 2000 في دنيا السينما…

عبد الكريم قطاطة

الا انّ تجربتي الاذاعية وما نتج عنها من شغف سحري بالمصدح وباصدقائي المستمعين، جعلني اعدّل بعض الشيء… نعم لم استطع فكّ طلاسم وسحر المصدح الذي احتلّني وارتأيت ان يصبح لي موعد اسبوعي قارّ معه… نعم للعشق احكامه… وفي العشق لزاما علينا ان نكتفي بالقول “وما تشاؤون الا أن يشاء الله إنّ الله كان عليما حكيما” .. نعم كنت اخطّط لذلك وبكل حزم وإرادة وبكل حبّ ايضا، خاصة وقد اصبحت وظيفيا احمل رتبة مخرج… والفضل في ذلك يعود الى الصديق صلاح الدين معاوي رحمه الله حين كان رئيسا مديرا عاما لمؤسسة الاذاعة والتلفزة… والذي حرص وفي وقت قياسي على تسوية وضعيتي وتمكيني من حقي بعد 11 سنة ظلما …

في بداية سنة 1990 بدات في دراسة مشاريع اكون فيها المنتج والمخرج وراء الكاميرا كطبيعة عمل ايّ مخرج… ومرة اخرى ولانّه وما تشاؤون الا ان يشاء الله، وجدت نفسي اعمل تلفزيا ولكن هذه المرة كنت امام الكاميرا كمنشط… اي نعم … كان ذلك عندما اجتاحت تونس فيضانات جانفي 1990… ادارة التلفزة فكّرت في تيليتون لجمع التبرعات لفائدة الجهات المنكوبة ..وهو اوّل تيليتون في تاريخ التلفزة .. وطبعا فكّرت مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية في الاسماء التي ستنشط سهرتي التيليتون ..وعادي جدا ان تختار الاسماء التي تحظى بحيّز جماهيري كبير لتامين البرنامج ..وكان على راس القائمة من تونس الزميل نجيب الخطاب رحمه الله وكنت مرشّح اذاعة صفاقس مع مرشحين اخرين من اذاعة المنستير …

كانت تجربتي الاولى والاخيرة في التنشيط التلفزي وساعطيكم لاحقا تفسير كلمة الاخيرة …في السهرة حرصت ان اكون كما اريد انا لا كما يريد الاخرون ..كنت مثلا الوحيد من بين المنشطين الذي نشّط وهو جالس… نعم وانا لحدّ الان لم افهم لماذا ينشط البعض وهم وقوفب.. التنشيط عندي في مثل هذه المواقع يحتاج الى الهدوء والرصانة اكثر من حاجته للوقوف والتروقيص… وكان مدير اذاعة صفاقس انذاك الزميل محمد عبد الكافي رحمه الله لم يهدأ له بال وهو يراني عكس الاخرين ملتزما بمقعدي ..جاءني مرات ليقنعني ان اقف مثلهم وكان موقفي دائما الرفض حيث كنت اردّ عليه بالقول (ومن قال لك اني اريد ان اكون مثلهم ؟)… ربما موقفي فيه نوع من الغرور قد يراه البعض ولكن كانت ومازالت تلك ثوابتي… انا ابحث لي ولكلّ من تدرّب على يديّ ان تكون لكل منا بصمته الخاصة …

اتذكّر هنا جيّدا احد الشباب الذين تدرّبوا عندي يوما ما وقد جاءني وهو يحكي عن طموحاته واحلامه قائلا (اتمنى ان اكون مثلك يوما ما)… اجبته مباشرة بالقول (اِعتبر نفسك من هذه اللحظة فاشلا)… كانت اجابتي بالنسبة له صدمة… قمت بالطبطبة عليه وقلت له (اريدك ان تكون انت لا نسخة منّي او من ايّ كان ..وقتها ستحقق كل احلامك ووقتها ستكون افضل منّي) … زميلي محمد عبدالكافي رحمه الله يئس منّي وفهم انّو يصب في الدواء في العين العورة …ولا حول ولا قوة الا بالله …

في ذلك التيليتون الذي نجح نجاحا باهرا وقعت اشياء بقيت عالقة في الذاكرة… لاحظت مثلا تدفق العديد من التونسيين بمختلف تركيباتهم الاجتماعية، وهو ما اكّد دوما انّ التونسي للتونسي رحمة وفي كل الازمنة والازمات ..لكن في المقابل لاحظت الغياب الكلّي لحاملي المناصب فتوجهت بالدعوة الصريحة وبكلّ استغراب وعتاب لتلك الشريحة وذكرت مناصبهم (الوزراء والمديرين العامين الخ) ..قلت لهم اينكم .؟ توحشناكم راهو ؟ والمفروض انكم تكونوا السابقين في مثل هذه الحالات حتى تعطوا المثل .. كنت موقنا انّ الدعوة فيها نوع من الجرأة التي قد وقد وقد ..اما بالنسبة لي، فـ”بوزيد مكسي بوزيد عريان” ..انذاك كنت مقتنعا بتدخّلي ذاك فـ”تڨرّعت”… وفوجئت بعدها بعديد المسؤولين الكبار يتسابقون للتبرع ..معناها جابني ربي في الصواب…

مما اتذكره ايضا انّ التيليتون خصص مجموعة من اللوحات الفنية التي تبرع بها اصحابها الرسامين لتكون للبيع بمزاد علني يُرجى من ورائه تدعيم خزينة التبرعات بثمن تلك اللوحات .. صدقا في بداية فتح المزاد العلني لم اكن اتصور ذلك التهافت على شراء اللوحات… نعم كنت جدّ منبهرا بالحصيلة ..لكن ما لفت انتباهي وجود متدخّل دائم من اذاعة المنستير عند بدء عملية المزاد العلني… نعم نفس الاسم وفي كل مرة يضيف رقما مهولا على الرقم الذي سبقه ..فهمت بعد ثلاثة او اربعة تدخلات …منه انّه شخص استُعمل خصيصا للغرض … وانا لا احبّ النفاق عموما وخاصة النفاق الاذاعي ..وهنا تدخلت وبشكل غاضب وقلت لذلك الشخص مستسمحا زميلي نجيب الخطاب في مبادرتي ووقتها وصل ثمن اللوحة الى ملايين ..قلت له (طاح عليك السوم وننتقل الى لوحة اخرى) .. وفصّ ملح وذاب ..ذلك الشخص لم يشتر اللوحة واختفى نهائيا من المشهد … اي نعم احيانا الميادين فيها بعض المنزلقات ..والسيد زلق طاح ما في عينو بلّة … خدموه شوية رقّاص ومشى على روحو…

اعود الان الى تفسير ما معنى كانت التجربة الاولى والاخيرة في العمل تلفزيا امام الكاميرا … عندما وقع اختياري لاكون ممثل اذاعة صفاقس في التيليتون لم اكن صدقا كما يفعل البعض وعادة ما يفشلون… لم اكن فرحا مسرورا وفي قمة سعادتي لترشيحي من اذاعة صفاقس لاقوم بتلك المهمة ..ولكن صدقا ايضا لم اكن رافضا لها ..موقفي كان (وين المشكل نجرّب ونشوف)… لم اكن مهتما بما سيقوله البعض عنّي خاصة في خانة الاعجاب والشكر و المديح وذلك لسببين: اوّلهما انّو اذا حبّوك ارتاح ..والله مهما كانت عيوبك يخخي موش يقولو القرد في عين بوه غزال .. ؟؟ والسبب الثاني انّ عمليّة التقييم والنقد ليست ممكنة لكلّ من هبّ ودبّ ..اي نعم اقرا الان بعض التعاليق على العديد من الزملاء في المسموع والمرئي وابكي لحال هؤلاء .. للمعلّق وللمُعلّق عليه …

سآخذ مثالا على ذلك… اقرا كثيرا في بعض التعاليق عبارات من نوع (انت مبدع او انت مبدعة) لزملاء، الله اعلم كيفاش موجودين امام الكاميرا او وراء المصدح… وأجزم ومن خلال ما تعلمته في كل ما هو سمعي بصري ومن خلال تجربتي، أن ذلك المنشط او تلك المنشطة اللذين يوسّمهما البعض بتوصيفة الابداع لا يستحقان ايّ وجود في الميدان السمعي بصري …تي اصلا من المطر ما تدخلهمش… لذلك وعندما قررت المشاركة في التيليتون، رجوت من بعض الزملاء في وحدة الانتاج التلفزي ان يقوموا بتسجيل البرنامج حتى اعود اليه في الغد لقراءة تجربتي امام الكاميرا… اي نعم… وفعلت… وشاهدت… وبعدها قررت انها ستكون الاخيرة…

عبدالكريم لم يقتنع بعبد الكريم امام الكاميرا ..انا لي قناعاتي في كيف يجب ان يكون المنشط التلفزي لعلّ اولها الحضور والكاريزما ..نعم كنت متاثرا ومقتنعا بعديد المنشطين التلفزيين وشغوفا بهم وخاصة الاوروبيين منهم… وكنت ارى فيهم القدوة شكلا ومضمونا… وعندما قارنت نفسي بهم وجدتني لا علاقة … اييييييه ما اقرب مكة لبوجربوع… مع احترامي لاصدقائي في بوجربوع… اي نعم اعترف بقساوتي في النقد لانّ ايّ نقد لا يحكمه العقل هو عبث ومُلغى بالنسبة لي… اذن يا عبدالكريم يسلّم ولدي سكّر باب التنشيط التلفزي والى الابد راك موش متاعو… واغلقته وللابد…

والشيء بالشيء يذكر… هناك من قام ببعض التجارب من الزملاء في التنشيط التلفزي وعلى قلّتها وتواضعها مازالوا يتباهون بها….اقسم بالله قلّة حياء ومسخرة… حاصيلو عاش من عرف قدره واكاهو…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.

لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…

هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..

أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار