جور نار
في ذكرى رحيل الشاعر أولاد أحمد … لحْظتان بهيجتان عِشتُهما معَهُ
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri” ها أنا
أتصفّح الدستور.
باسم الشعب.
أقرأ.
ثم أضحك.
ثم أعذر للعصابة ما تخطّط في الظلام
مخافة من يوم غد ! ” (أولاد أحمد)
يُصادف غدا 05 أفريل الذكرى السّادسة لوفاة فقيد البيت الشعري التونسي محمد الصغيّر اولاد احمد الذي أعتبرُهُ شخصيا – مع الشاعر أبو القاسم الشابي من قبلِه- نِتاجا تونسيا خالصا،
بمعنى أنه عندما يُقرأ شعرهما في العراق أو في الأردن أو في أي مكان عربي آخر، ينتبه المستمع مباشرة إلى تونسيّتهما وانخراطهما المباشر ودون كثير تهويمات شعرية مجرّدة في محاربة المستعمرين والدجّالين والتخلف والمتخلّفين. (وهي خاصيّة لا تُنقِصُ شيئا من قيمة التجارب الشعرية التونسية الأخرى ورياديّتها).
اللحظة الأولى : حضرت فعاليات ملتقى ابن رشيق للنقد الأدبي بالقيروان أواخر أفريل 1993 بدعوة لطيفة من الشاعرة المتميّزة جميلة الماجري، وكان أول لقاء حقيقي لي مع المرحوم أولاد أحمد… وقفتُ خلاله على مكانته بين الشعراء والأدباء والنقّاد ولمست إنسانيّته اللامتناهية، فكتبت فيه آنذاك النص التالي.
أولاد أحمد العائد لتوّه من ألمانيا كان محلّ إعجاب وتهافت الجميع. قرأ وصيّته الأخيرة لأنه أضحى على يقين أنه ميّت لا محالة في النصف الأخير من شهر “غُشت” خلال هذه الصائفة. ولأنه يعاني من ملاحقات محيطه النكديّة راح يستمر في مسيرة التحدي وليّ عُنق السّائد حتى النهاية بشكل يتيح لنفسه تصميم مراسم موته بنفسه وتقرير كيفية التعامل مع غيابه وكأنه من المُشيّعين لجنازته الخاصة متمتّعا بحقّه في الحضور وحماية تاريخه من الشماتة والتأبينات الكاذبة. لكننا وبنفس روح العنف الذي يكتنف هذا السيناريو الشعري، سنمنع شاعرنا من ممارسة حقة في الموت (لأنه لم يختر مجيئه إلى الحياة ولا إلى عالم الشعر) طالما مازال حُلمُه ببيْت شعر لم يتحقق وصدره مازالت تعتمل داخله بعض البراكين الواعدة.
ثمّ أنسيتَ يا محمد الصغير أنك لست حيّا بما فيه الكفاية كي تموت ؟ !
أضيفُ أنني اكتشفتُ في هذا الرجل بُعدًا لم أكن أدركه، ومردّ ذلك أنّ لدى عامة الناس انطباع سيّئ حول أمزجة الشعراء وطِباعهم حتى ليُخيّل اليك أن أفضل طريقة لحماية بريق صورة المبدع من التلاشي هي أن لا تسعى الى اقتحامه خارج أروقة القصيدة وأن لا تحاول مُعايشته على هامش ما يُتيحه موضوع الإبداع من التقاء. في القيروان رأيتُ قلبَ أولاد أحمد على كفِّهِ ضخما ونابضا ونقيّا، لأنني لم أكن شاعرا أو أديبا أو ناقدا حتى يخُصّني بكل تلك العناية والحرارة والترحاب. لماذا أقول هذا ؟ ربّما لأن هذا “الاكتشاف” يعبّر على نحو مَا أنني لست غير نبيه تماما ما دُمتُ أتوصّل إلى سبر بعض أغوار الناس من خلال بعض التفاصيل الصغيرة، فقد أعلنتُ ذات يوم أمام صديق مناوئ أن أولاد احمد شاعر صادق جدا … كالأطفال يبكي ويلهو ويُناور ويحلو له أن يقول بعض البذاءات اللذيذة أحيانا.
يقول محمد الصغير “إن علاقة الكاتب الجماهيري بالقارئ لا يمكن أن تكون إلا علاقة حب أو كراهية… نريد محبّين جيّدين وأعداء جيدين” … فأعلن إذن أنني من المُحبّين لهذا الشاعر ومن المطالبين بتدريس شيء من نصوصه النثرية والشعرية في مدارسنا وكليّاتنا … ومن المدافعين أيضا عن حقه المشروع في التّمايز حتى لا نتعامل معه نحن القراء كإسكافي أو تاجر توابل مُطالب بالاستجابة لأهوائنا وذائقتنا على حساب ذاتيّته.
اللحظة الثانية : لمّا كان أولاد أحمد يُشرف على القسم الثقافي بمجلة الملاحظ أرسلت إليه بورقة حول البِزنس الثقافي السائد آنذاك، من حسن حظي، أعجبه النص وأذِن بنشره في المجلة المذكورة بتاريخ 20 جويلية 1993 ولكنه اختار له عنوان البُرنس الثقافي حاذفا النقطة من على حرف الرّاء، مبرّرا فِعلته بأن مصطلح البُرنس يعبّر بشكل أفضل عن واقع المُتاجرة بالألقاب الثقافية من مصطلح “البزنس” الدّخيل… والبرنوس –حسب قوله- لباس بربري وبريّ أصيل يقي من البرد والحرارة في نفس الوقت وقادر على الصمود مدى الحياة على أكتاف لابسيه.
(وهذا جزء من البرنس).
هذا زمن ثقافة التعليب و”المزيّن من برّة آش احوالو من داخل”.
يكفي في زمننا الغاشم هذا أن يكون التعليب جيدا والصورة مُركّبة بشكل مُحكم والاسم مُحيلا على جملة من القيم النّافذة مجتمعيا (مثل البرَكة والأصالة والإحسان والكرم…) حتى تتشكّل للبضاعة المعيّنة مكانات مناسبة في لاوعي المستهلك على شكل أدراج الدكاكين ورفوف المغازات، بصرف النظر عن مدى الحروق وعمق القروح التي يسببها الاقبال على ما بداخل العُلبِ والقراطيس.
… لكي تصنع لنفسك اسما ثقافيا، لابد من معابر وأروقة ودعاية وأضواء ورياء وكثير من تمارين رياضة الجمباز… وحتى يكون الأديب أديبا والشاعر شاعرا والفنان فنانا…يتعين عل المترشح لحيازة هذه الصفات أن يطرق كل الأبواب ويعالج كل النوافذ بحثا عمّن يُبيّض صورته ويمنحه ألقابا خيالية وعناوين مزورة تبوّئه لاعتلاء أرائك باذخة يبدو وهو مُتكوّر فيها من فرط هشاشته وكأنه “هرّ ” (أي سيد باللغة الألمانية) أعياه التسكع ليلا في حانات المدينة المقفرة.
وهاتان حالتان اقترفت فيهما عمليات سطو موصوفة خلال الشهر الحالي فقط (جويلية 1993) :
الحالة الأولى : كان الصحفي في جريدة يومية يتحدث عن فتاة تعمل كمنشطة بقناة تلفزية ومُسوِّدة لبعض الفقرات في بعض الصحف ليتوقف عند “امكانياتها العريضة ومؤهلاتها المتميزة”، ثم في تعرضه لسيرتها الذاتية يقول “منشطتنا الحلوة والنشيطة صحفية من حيث تكوينها…” والحال أنها لم تتجاوز عتبة الباكالوريا . واعتقادي أن كاتب المقال يعرف جيدا هذه الحقيقة لكنه أثناء تحبيره لمقاله المشبوه فضّل الخضوع إلى سلطة تكوّرات وانسيابات مّا، بدلا من الخضوع الى سلطة الموضوعية ونبذ التزييف.
الحالة الثانية : بمناسبة الذكرى كذا لتأسيس جريدة عمالية التأمت تظاهرة ثقافية وتنشيطية وجّه المشرفون عليها الدعوة الى عديد الوجوه الأدبية والشعرية حتى تساهم بنتاجاتها وتثري فعاليات هذا الحدث، ومن بين المدعوين اسمٌ وقع التعريف به على أنه “شاعر وباحث وناقد” والحال أن المكتبة الثقافية لا تعرف له أشعارا ولا بحوثا ولا أعمالا نقدية تذكر. فكل انتاجه لا يتجاوز مجموعة شعرية بسيطة وبعض المقالات السريعة الحريصة دوما على عدم إزعاج السلطان. اللّهم الا إذا كان القصد من البحث هو السّعي بمفهومه البدوي البدائي وراء كرسي أو هالة ما، والقصد من الناقد ذاك الذي يجمع النقود بأيسر الجهود.
رحم الله شاعرنا الكبير محمد الصغير أولاد أحمد الذي ترك إرثا ثقيلا سيُخلّده ويُؤبّده في قلوب التونسيين لأجيال وأجيال أخرى.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 13 ساعةفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل ساعتين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 6 ساعات
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 6 ساعات
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 6 ساعات
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 6 ساعات
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 6 ساعات
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 7 ساعات
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل 8 ساعات
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!