جور نار
الغش والمخاتلة في الجامعة التونسية !
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriشدّ انتباهي طلب للعروض تقدّمت به إحدى جامعاتنا التونسية العمومية المرموقة في الآونة الأخيرة (جوان 2022) وتبحث من خلاله عن اقتناء “منظومة إعلامية لمقاومة الغشّ لفائدة مؤسسات التعليم العالي الراجعة إليها بالنظر : استشارة عدد 105/2022″، وهي أول مرّة حسب رأيي تخرج فيها ظاهرة الغشّ والسرقة العلمية في الوسط الجامعي من دائرة الأحاديث الخاصة المُتداولة بين الجامعيين وسائر المهتمّين بالشؤون الطالبية في حلقات مُغلقة، إلى مربّع التداول العمومي وانتشار الظاهرة على نطاق واسع ممّا دفع بالمؤسسات المشرفة على حظوظ تعليمنا العالي إلى البحث عن حلول آلية لمقاومتها والحدّ منها وردع المخالفين.
وكان من الطبيعي أن تظلّ ظاهرة الغش والمخاتلة من المواضيع “المحظور تناولها” لأنها مُسيئة إلى صورة جامعاتنا ومستوى الشهائد الجامعية التي تُسندها، إلى جانب كونها ظاهرة كونيّة تعاني منها أغلب المؤسسات التعليمية والتكوينية في العالم (تذكر بعض التقارير الجدية في هذا الخصوص أن نسبة تتراوح بين الثلث والرّبع في الولايات المتحدة الأمريكية من الطلبة ينقُلون مقاطع تكبر أو تصغر حسب الحالات من الإنترنت دون ذكر المصدر، وتصل هذه النسبة في فرنسا إلى 34.5 % من المتعلّمين الذين ينقلون نصوصا مُقتطعة بصفة كلية أو جزئية من مصادر متنوعة ويقدمونها على أنها أعمال شخصية).
هنالك حسب رأيي ثلاثة عوامل أســاسيّة تدفع الطلبة إلى خرق أخلاقيـــات البحث والإبداع في الوسط الجـــــامعي :
أولا : الغشّ ظاهرة مُجتمعية مستفحلة
تزخر لغتنا العربية الطاهرة والورِعة بكمّ هائل من المصطلحات التي تدور على معنى الغشّ والاحتيال مثل الدهاء والمكر والنفاق والخداع والدّجل والكذب والمخاتلة والتلاعب والسرقة والنّصب والمراوغة و”التمسكية” و”التفسكية” و”الترسكية” الخ… بما يؤكّد أننا نعيش في مجتمع تتأصّل فيه قيم المُواربة و”إخدم جوّك” أكثر بكثير من قيم الصدق والثقة والأمانة التي تدّعيها ثقافتنا. فكيف نطلب من شاب أو شابّة تتعامل يوميا مع بائع يُقسم بأغلظ الأيمان ويبيع الزيت خلسة، وهاتف جوّال لا يرطن إلا بالآيات البيّنات ويسكن خلفه إنسان كذوب ومتذاك، ومع جزار يبيع لحم الحمير على أنه لحم عجول، ومع جار يعمل في شركة الكهرباء ويتمتّع بمجانية التنوير لكنّه يوزّع الأسلاك المجانية على كل أبناء عمومته، ومُزارعين يشفطون الماء الصالح للشراب لصالح حقولهم ويحكُمون على باقي المتساكنين الواقعة بيوتهم بعد ذلك المستوى بالعطش وتجفيف حلوقهم… كيف نطلب منهم أن يتحلّوا بالاستقامة والأمانة.
وعلى هذا النحو، أينما ولّيت وجهك، عليك أن تكون شديد الحذر والانتباه حتى لا تقع في شِباك المتصيّدين وكل الذين جعلوا من “الفهلوة” وسيلة للارتزاق في تثبيت مُريع للغشّ الذي أصبح ملتصقا بجميع تصرفاتنا وعلاقاتنا ومعاملاتنا.
ثانيا : مكتبة بحجم الكوْن في متناول الجميع
من المؤكد أن الطرقات السيّارة للمعارف والمعلومات ومحركات البحث العملاقة والمصادر الإلكترونية والمجلات الرقمية على الويب ساهمت بشكل كبير في تيسير الحصول على كل المعلومات التي يستحقها الباحثون الشبّان في مشاريعهم البحثيّة، ومن المؤكد أيضا أن مستوى جودة واكتمال ما يُنشر في المواقع الجادّة على الشبكة العنكبوتية يُغري المُطالعين ويجعلهم يشعرون أنهم مهما فعلوا واجتهدوا لن يتيسّر لهم تأليف نصّ في نفس مستوى التماسك والبناء المنهجي وطرافة الأفكار… فينقلونه بحشيشه وريشه حتى يبدو على درجة كبيرة من الانزياح المُخيف بالنسبة إلى ما يحاولون هم كتابته أو إضافته.
ثالثا : الكتابة دُربة وتكوين ووجدان
هنالك ضعف هيكلي عام لدى أبنائنا وبناتنا في اللغات جميعها (عدا قلّة قليلة من المتفوّقين في كل الشعب الدراسية) لأن مدرستنا لم تُكابد في ترسيخ المطالعة كقيمة مركزية في التعلّم، حتى باتت المكتبات المدرسية أشبه ما تكون بمخازن لترصيف كتب بالية منقطعة تماما عما يُكتب ويُنشر حديثا في الرواية والقصة والخيال العلمي والنقد وعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة وشتى أنواع العلوم، ولأن عائلتنا تُفضّل عادة شراء مكتبات لعرض تشكيلات الصّحون على إبراز دُرر الكتب والمُتون. (79 % من التونسيين لا يمتلكون كتابا واحدا داخل بيوتهم مقابل معدّل 70 كتابا يقرؤه الفرنسيون سنويّا على سبيل المثال). فالقدرة على الكتابة والتأليف والتحليل تتأتّى من هذا المخزون الذي يتراكم عبر القراءات والمطالعات الشيّقة والمُضنية في آن.
طلبة اليوم هم جامعيّو الغد
فوجئتُ شخصيا وعند إصلاح بعض الأعمال البحثية لطلبة الماجستير بإحدى المؤسسات الجامعية، أن عديد الطلبة يُخيّرون التحرير باللغة العربية رغم ضعف مستواهم في هذه اللغة ورغم طبيعة الاختصاص المكتوب فيه أساسا باللغات الأجنبية، والسّبب في ذلك يعود (حسب رواية الطلبة المعنيين أنفسهم) إلى إستراتيجية الإفلات من رقابة التطبيقات الإعلامية المتخصصة في رصد الغشّ والنّقل الموصوف لنصوص أو فقرات لا تتضمّن إحالة على مراجعها الأصلية عندما لا يكون النص الخاضع للتقييم باللغة الفرنسية .
والموجِع في انتشار هذه الظاهرة خاصة في صفوف من يتهيّؤون لاستكمال شهادة الماجستير وشهادة الدكتوراه بعد سنوات قليلة، هو أن هؤلاء هم من سيتولّون مهمة التدريس في الجامعات وتأطير الطلبة وإقدارهم على ممارسة البحث العلمي بضوابطه المنهجية الصارمة وموانعه الأخلاقية العارمة. ويحضرني في علاقة بهذا، الكتاب الجريء لفقيد الجامعة التونسية الأستاذ محمّد الطاهر المنصوري “صمت المدرّجات” والذي يحاول فيه كسْر الصمت المريب الذي يُخيّم على عديد الممارسات غير السويّة في جامعاتنا ومنها ظاهرة “النّشل الأكاديمي” والسرقات البحثية المفضوحة في صفوف زملائه الذين يُقضّون عمرا جامعيا كاملا بالنسبة إلى عدد كبير جدا منهم دون إنتاج مقال علمي واحد رغم تأسّس أجورهم في جزء منها على مُكافأة مجهود البحث والتأطير.
لكن أحد أوجه الحقيقة أيضا أن الذين يختارون مواصلة دراستهم الجامعية بعد المستوى الأول أي مستوى الإجازة هو أنهم يُقبلون على ذلك لا لرغبة حقيقية في تعميق معارفهم أو هوْس بيّن باكتساب قدرات بحثية صلبة، بقدر ما يُدفعون إلى ذلك دفعا نتيجة انسِداد آفاق التشغيل أمامهم وبالتالي الرغبة في إطالة أمد البقاء على قيد “مزاولة التعليم” وتأجيل الاصطدام بجدار البطالة، أكثر ما يمكن… وعليه فهم موجودون في حقل البحث بشكل عرضي لا يمتّ بصلة لمعنى المشروع والمسار الواعي والنتائجي.
المسألة في تقديري مسألة بناء قاعدي نتولاّه مجتمعيا وسياسيا ويمتد على أجيال بكاملها، بناء إنسان جديد يتربّى منذ طفولته على القطع مع الهاتف الجوّال (كهدية ملغومة يُكافأ بها أطفالنا) والإقبال المحموم على الكتب والتدرّب على التحرير كتابيا والتكلّم شفاهيا والمحاجّة ذهنيا.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 14 ساعةفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل 3 ساعات
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 6 ساعات
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 7 ساعات
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 7 ساعات
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 7 ساعات
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 7 ساعات
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 7 ساعات
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل 8 ساعات
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!