جور نار
هل تونس خضراء فعلا؟ (10)
نشرت
قبل سنتينفي
كنت من المدمنين على متابعة “تور دي فرانس” (دورة فرنسا) للدراجات … لا، ليس غراما بالملكة الصغيرة و تلولها الكثيرة و عجلاتها النحيفة و كرسيها المثلث الذي لا يكاد عصفور يجلس عليه … أبدا، فمع احترامي لهذه الآلة و مريديها و الناصحين بها رياضة و شغلا، لم أمتطها أول مرة لا في سن العامين أو الثلاثة كما يقع لأطفال اليوم، و لا الخمسة كما كان في عصرنا، بل لم يحصل لي الشرف إلا عند الـ 18 سنة حينما اشتريت واحدة في سن جدتي و من ذلك الموديل (كادر 700) الذي لا يقل ارتفاعه عن متر و نصف و يلزمك سلّم أو معين للصعود … و قد عانينا ـ شقيقي عبد الرحيم و أنا ـ أسبوعا بحاله قبل أن نروّض الهيكل المعدنيّ الحرون، و نتلقّى دونه سلخا من رُكَبنا و جلود أيدينا بقيت آثاره إلى اليوم …
نرجع إلى دورة فرنسا للـبسكلات … كنت أتابعها بحرص، و مع ذلك لم يكن يهمّني الدرّاجون و لا المتسلّقون و لا رقم التوقيت و لا صاحب القميص الأصفر … يمكن يكون ذلك في نهاية التتويج فأتعرف على الفائز كأي فائز في بطولة عالمية مّا … أما المنعرجات و الكوكبات و التناوب و نظام الفرق التي تحمل أسماء ماركات تجارية تُفقد اللعبة كل نكهتها، فذلك يدخل من هذه الأذن ليحرج من الأخرى … محطّ نظري في تلك الدورة كان دائما على جانبي الطريق لا في وسطه … تلك الحقول اليانعة و ذلك المدى الممتدّ و الأفق الصافي من غير سوء … القرى الصغيرة و المداشر التي تتوالى كحبّات جوهر في عقد نظيم … الضيعات والمساكن الريفية النظيفة السويّة المصونة رغم قِدمها البادي للعيان … وقبل الجميع، سكّان تلك المناطق بهندامهم اللائق وسحناتهم الباسمة و هم يرحبون بالحدث و أبطاله بكل ثقة وسعادة و عزة نفس …
مشكلتي مع المظهر التونسي متعددة و لكن أهمّها مشهدان مأساويّان كبيران … منظر مدننا من الطائرة حين نكون في السماء، و منظر أريافنا من كل الزوايا حين نكون على الأرض … و بتجربة صغيرة و حتى نبقى في نفس الإطار، كانت لدينا نحن أيضا دورة للدرّاجات تشق البلاد من شمالها لجنوبها … و كانت كاميرا التلفزة ترافقها وتصوّر المتسابقين ولم يكن هناك مفرّ من تصوير المشهد العام فماذا نرى؟ …
أوّلا عندك الأحياء القصديرية (أو الياجورية) التي لا تخلو منها مدينة تسلّمك إلى جارتها … لا تحلو منها مدينة ولا قرية ولا حتى تجمّع سكني من ثماني عائلات … دائما عندك منازل غير تامّة تعلوها صفّة من الآجرّ الأحمر غير متساوية كأسنان مشط مكسور … تخترقها بضعة أعواد حديد صدئة تنتظر عبثا تحويلها إلى أعمدة خرسانية … يعني مشروع “طابق” علوى لإسكان الولد الأكبر حين يتزوّج، ولكن لم يكتب له المكتوب في امرأة ولا حتى في شغل … وقد اختفى من سنتين ناس تقول حرق لإيطاليا، ناس تقول في ريف حلب وبعضهم رآه في مركز إيواء الوردية و ربّك أعلم …
ثانيا، بنو وطننا مغرمون بتكديس أي شيء في أي مكان و قد يبقى هناك مائتي سنة دون أن يسأل عنه أحد … كومة ردم من بقية مرمّة، فضلات أبقار لم تعد صالحة حتى للسماد، نفايات مصنع أغلق و هرب صاحبه، مصب فوضوي للزبالة في العراء الطلق، حطام سيارة عملت حادثا هناك عام 60 … كل هذا تعاقب عليه كم ربيع و شتاء و صيف و مرّ الخريف بعده كما قال فريد … إلى درجة أن نبتت فوقه خمائل من البُكّ و أجيال من الشوك اخضرّت و اصفرّت و ماتت وطلعت من جديد …
و لا حديث عن المساكن التي هجرها أصحابها و تحولت إلى خرائب، و لا عن الدكاكين الوسخة المكتوبة بضاعتها بالدهن على الحائط و بخط بدائي، و لا عن الأحمرة الهزيلة التي تنوء بأوعية الماء الخاوية في أخصب مناطق الجمهورية، و لا عن قوارير و أكياس البلاستيك التي تملأ الأفق بعد أن قذفت بها السيارات العابرة و السكان القارّون، و لا عن الكلاب السائبة التي قد تلاحق الدرّاجين العزّل و ربما تعضّهم، و لا عن نصف دلاّعة سقطت من إحدى الشاحنات عندها ثلاثة أيام و بقيت في عرض الطريق …
منظر الريف الجميل تعال نتكلم قليلا عنه:
الأشجار الوارفة التي تركها الاستعمار و كانت تعطي ظلاّ و نسيما، تمّ اقتلاعها و تحويلها إلى خشب و فحم و قرضات لزوم العيد الكبير … طبعا ما دام مهندسونا حكموا في التسعينات أن الكالاتوس مسؤول رئيسي عن حوادث المرور و تشقق الكياسات … هكذا، من دون كل بلاد العالم … و هي للآسف تعلة فاقعة للتغطية على صفقات و أرباح و قطط سمان … تعلّة جعلتنا نخسر ثروة طبيعية لا تتجدد قبل مائة عام، و دون مبالغة … هذا إن شرعنا في تجديدها !
الحقول اليانعة على الجانبين تنعش القلب و لكن في بعضها شيء من الكمد … لدينا الكثير من أراضي البور، قد تكون غايتها إراحة التربة (و لو أن هذه التقنية تجاوزها العالم من عشرات السنين) و لكن في معظم الحالات يتمّ “ترقيدها” حتى تدخل في المخطط العمراني لأية مدينة قريبة فتباع بالمتر … و هناك من باع و اشترى في ذلك فعلا، خاصة بعد 2011 و إنشاء كمّ هائل من المناطق البلدية الجديدة …
بلدنا يقع في شطر من الكوكب ينبت فيه الهندي، لا مشكلة في ذلك بالعكس … ولكن لماذا لا تكتسب هذه الشجرة بؤسا و سوء حال إلا عندنا؟ تنكسر منها أغصان فتبقى هناك، تموت منها أجزاء فتتحجّر هناك، تسقط منها أظلاف فتتراكم فوق بعضها البعض … أليست جزءا من زراعتنا؟ ألا تنتج ثمرة تعيش منها تجارة و يقع تصدير؟ إذن ألا تستحق تشذيبا و رعاية حتى تكون أفضل؟ … في الإنتاج و أيضا في تجميل بلادنا أمام المارين بها … أو هذا أيضا لا يهمّ أحدا؟
الأعشاب الطفيلية تتمّ السيطرة عليها و تهذيب منظرها إلا عندنا … ممكن أنهم يقاومونها داخل الحقول المنتجة، و لكن البقية؟ … تجدها على المسارب و الطرقات الفلاحية، و تجدها على جنبات الطرقات الأكبر من ذلك، و يشوي السدر الشوكي سيقان أيّ راكب قطار مدلدلة في لحظة سهو … في حين أن تلك النباتات في البلاد المتحضرة تجد عناية و ترويض لا أدري من … المهمّ أنها تعطي انطباعا متناسقا بدل “الغوفة” التي تزحف علينا بوحشية سنوات المطر …
نختم و نبدأ بالإنسان … الإنسان في الضفّتين: ريفهم و ريفنا، فلاّحهم و فلاّحنا، متابع دورتهم و متابع دورتنا، مشجّعهم و مشجّعنا، المصفّق على متسابقيهم و مصفّقنا … على ماذا؟
يا رب لطفا به، إنه يعيش في تونس …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل يوم واحدفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 17 ساعة
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 20 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يوم واحد
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يوم واحد
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يوم واحد
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يوم واحد
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يوم واحد
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل يوم واحد
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية