جور نار
في فنون الإفحام والإلجام …
… مع مُختارات من الإفحامات البليغة
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriإن أجمل تعريف وجدتُه لفن الإفحام والبلاغة في الردّ l’art de la répartie هو الذي تُعبّر عنه قصّة رجل الدولة الفرنسي بيار منديس فرانس مع أحد معارضيه المنتمين إلى اليمين المتطرف في المجلس الوطني الفرنسي خمسينات القرن الماضي، لمّا صرخ في وجهه هذا الأخير “اخرس أيها المختون” (لأن منديس فرانس من عائلة يهودية تمارس خِتان الأطفال الذكور). فتماسك PMF كما كانوا ينادونه وردّ عليه : “من المؤكد أن زوجتك تعاني كثيرا من الثرثرة وإفشاء الأسرار” !
تدُرّ علينا اللغات الأجنبية أحيانا ببعض المصطلحات والتعابير التي لا نجد لها مرادفا مماثلا ودقيقا في لغتنا العربية من قبيل l’empathie أو la résilience في اللغة الفرنسية… أو كذلك – وهذا موضوع ورقتي الأسبوعية هذه المرة- مصطلح la répartie الذي يقابله حسب رأيي في العربية الإفحام أو إلجام الخصوم عن الكلام.
وأفحم الخصمَ في العربية أي أسكته بالحجّة وأعجزه عن الجواب.
كم حدث لنا جميعا أن قلنا في مناسبات عديدة بعد انتهاء الحوار مع شخص ما أو مجموعة من الأشخاص خاصة في لحظات التوتّر العالي (مثل الحوارات التلفزية أو النقاشات الفكرية مع الخصوم الخ…) “تبّا، كان عليّ أن أردّ عليه بهذا الشكل” ! والتعبير عن مثل هذا “الحرمان” مردّه أننا لم نكتسب القدرة التلقائية والآلية على الردّ المناسب والمُفحم في وضعيات تواصليّة نُستهدف فيها.
___اعتباران أساسيان يدفعانني إلى الحديث في فنون الردّ :
قتامة المشهد الإعلامي التلفزي والافتراضي الذي أصبح يُنعت بــ “التلفزة في بوبالة” وساحةً للمبارزة والتصادم مثله مثل مدرّجات الملاعب الرياضية حيث ينتشر الكلام البذيء بل وتُغدق عليه الأموال كي يُلحّن ويُغنّى حتى تَفحم الأصوات وتنقطع الأنفاس من شدّة التأثّر. فحديث القُمامة الذي نسمعه على منابر تلفزاتنا لا يختلف في شيء عن المقذوفات المتنوعة نحو الملاعب والركل الفاحش فوقها.
والسبب الثاني هو العقدة الشخصية التي كبُرت معي منذ تعرّفت إلى متعلّمين أجانب عن قرب وكان يدور بيننا حديث يومي حول شتى المواضيع والمسائل العادي منها والمتعلق بمهنة التدريس ومناخاته، ومن بين الاختلافات “القاعديّة” البيّنة التي كنت أقف عليها في كل مرة (عند ترك مسافة نقدية بيني وبينهم) هي سرعة البديهة لديهم ومهارة “البينغ بونغ الكلامي” التي يوظفونها في التواصل بشكل أفضل منّا بكثير وكذلك القدرة على الإحراج والإسكات في غير تجريح أو وقاحة.
ولكن ما يجب الانتباه إليه أن “فن الإفحام” l’art de la répartie ليس “موهبة ربّانية” كما يظن البعض أو معطى وراثيا، بل هو مهارة تُكتسب وتُنمّى وتُتاح لجميع الناس شرط أن نتدرّب عليها بانتظام ونُبدي استعدادا جديّا للاشتغال على ذواتنا وأن نُدرك أن الإبداع الشخصي وثراء اللغة والسيولة الشفوية والقدرة على المواجهة، هي خصال جوهرية في مسار التعلّم هذا وهذا التدريب (الذي يشبه الى حدّ كبير ممارسة الارتجال المسرحي).
يقول الدّارسون في هذا المجال إن “الثقة في النفس ومحاولة فهم طبيعة المشاعر التي تلفّنا في لحظة معيّنة وإطلاق العنان لخيالنا والإصغاء بشكل جيد لما يقوله الآخر وفرز الوضعيات التواصلية التي تستدعي “ردّا بديعا” وعدم محاكاة الآخر في أسلوبه وضرورة أن تسترعي الاهتمام قبل الردّ. مع الحرص الشديد على الردّ بشكل مرح وغير متشنج…” هي مكوّنات أساسية لضمان ردود مُفحِمة لا نندم على اقترافها في ما بعد.
إن افضل الردود “التي تُصيب في مقتل” هي تلك التي يمارسها الشخص وهو هادئ تماما وواثق جدا من نفسه مستغلا القوة العظيمة الكامنة في تجنّب استهلال الحديث بكلمة “لا” و “غير صحيح” و”هذا هراء وخور” … وأخيرا لا بد أن تجرؤ على القول. (وهي موازنة دقيقة بين القول واللاقول ومراوحة مُتقنة بين القبول الذكي ولو صوريّا برأي الآخر والإسكات الناعم له…).
وعليه، قد يكون من المُفيد لأطفالنا تدريبهم بشكل مبكّر على آداب المحاورة وحسن الإصغاء والتسلّح بقدر كبير من اللغة والثقافة العامة والثقة بالنفس وكبح جِماح الانفعال والغضب أثناء استهدافنا من قبل الآخر … وهو تمرين يومي حول طاولة الإفطار وأثناء السهر العائلي وخلال مشاهدة شيء ما بصفة جماعية أو مُعايشة خلاف أو شِجار في الطريق العام.
“السبّان والعيران والتحليب وتلقيش السماء والكشاكش الطالعة والهيجان والميجان والغسلان والتشليل وتسميع وسخ الوذنين وتمسح بيه القاعة وتتحلّف فيه وتتهدّد عليه ويفتّقو من بعضو ويكوّر بيه…” كلها عناوين لأدرينالين غير مسيطر عليه ومشاعر بدائية جيّاشة غير مروّضة ودليل على أننا نعاني من نقص حادّ في المُليّنات الذهنية مثل الثقافة والقراءة والسينما والمحاورات الهادئة وتجريب التلاسن مع المحيط والاطلاع على التجارب الإنسانية المختلفة وتصفّح حياة الكِبار الذين مرّوا من على هذه الأرض.
أنا حزين لكون لغة الڨبي ڨبي والشنقر ونقر وأمورو في الجبن وتسكرة التران في مكتوبو (بمعنى نازح) في شوارعنا أضحت عنوانا للـــ “فحولة” و “القفزة” وتجد صدى واسعا لها في وسائل الإعلام العمومية والخاصة فتُرسّخها وتُشرعنها وتزيد من انتشارها بدلا من أن تكون قاطرة للتدريب على لغة أرقى وفنون كلام أكثر علوّا وتوظيف فنون المعمورة وثقافاتها وكتبها وإبداعاتها في تهذيب لسان طفولتنا وشبابنا.
___من أمتع الإفحامات وأرقاها :
شاهدت ذات مرة مخرجا سينمائيا فرنسيا خلال حوار تلفزي يردّ على ناقد سينمائي شاهد فِلمَهُ واستعمل ألفاظا مُقزّمة في حق الشريط مشكّكا في قيمته الفنية ووجاهة الأفكار الواردة فيه…تركه صاحب الشريط يُكمل انتقاداته المُدمّرة حتى النهاية. حينها طلب منه بكل هدوء “هل أنهيت حديثك ؟” أجابه “ليس تماما ولكن سأكتفي بهذا القدر”.
اتجه نحوه المخرج وقال له : “وأنا سأكتفي بأن أجيبك بشكل بسيط من خلال حكاية الغراب والبلبل التي يعرفها الجميع” :
كان هناك في الغاب غراب مغرور ومفتون بصوته إلى درجة كان يسمح لنفسه بالتنمّر على بلبل مجاور كان يشدو أعذب الألحان التي يطرَب لها جميع الغابيّين. وذات يوم بادره الغراب : أيها الرفيق العزيز، إنشادُك الذي تعتبره غاية في الروعة والبهاء كان سيتفوّق على إنشاد كل ضيوف هذه الغابة… لولا وجودي أنا شخصيا لانتزع منك هذا النصر المزعوم، وإن أنت شكّكت في ما أقول، ما عليك إلا أن تختار حكَما بيننا.
(صمت سينمائي يُخيّم داخل الأستوديو التلفزي وبحضور جمهور منتبه جدا لأن المخرج السينمائي عرف كيف يشدّ انتباهه قبل بداية القصّ).
في تلك اللحظة كان يمرّ من هناك خنزير وحشي قبِل أن ينتصب حَكَمًا بين الغراب والبلبل.
أنشد البلبل بُرهة وغنّى الغراب حينا وبقيا ينتظران التصريح بالحُكم. فكّر الخنزير مليّا ثمّ أعلن أن صوت الغراب أكثر إطرابا وإمتاعا من صوت البلبل.
انفجر البلبل باكيا عند سماع الحكم، فقال له الخنزير : هذا طبيعي أنك تبكي، لأنك خسرت الرّهان لا أكثر ولا أقل.
ردّ البلبل حينئذ : لا، مُطلقا، أبكي لأن لحني قيّمه خنزير.
صمت وجيز ثم تصفيق حارّ من قبل الجمهور الذي تابع القصة بكل انتباه… مُدركا أن المقصود هو كون الناقد السينمائي الحاضر هناك لم يكن مؤهّلا لتقييم الشريط المعروض.
ولكن ثمّة أيضا بعض القصص الأخرى التي لا تقلّ قوة ونموذجية في فنون الردّ الذي يُسكت الخصوم :
___مرّ شاعر بنسوة فأعجبه شأنهنّ، فقال فيهنّ:
إنّ النساء شياطين خلقن لنا … نعوذ بالله من شرّ الشياطين
فأجابته واحدة منهنّ، وقالت :
إنّ النساء رياحين خُلقن لكم … وكلّكم يشتهي شمّ الرياحين
___دخلت إحدى العجائز على السلطان تشكو إليه جنوده الذين سرقوا مواشيها بينما كانت نائمة .
فقال لها السلطان : كان عليك أن تسهري على مواشيك لا أن تنامي.
فأجابته : “ظننتك أنت الساهر يا سيّدي فنمتُ” .
قبل أن أُنهي بهذه :
___يُذكر أن رجلا التقى أبا الطيب المتنبّي فقال له : رأيتك من بعيد فظننتك امرأة، فردّ المتنبي : وأنا رأيتك من بعيد فظننتك رجلا !
هنالك تعبير في عاميّتنا التونسية التي تعبّر بشكل عجيب عن هذا الفنّ الخصوصي في الكلام : “عطاهالو بين العينين”.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 12 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 12 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 22 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟