تابعنا على

جلـ ... منار

ما بعد عاصفة المنصة.. الرئيس الإداري!

نشرت

في

عند اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات في حادث المنصة الدموي يوم (6) أكتوبر (1981) بدا المشهد منذرا على المستويين الأمني والسياسي ومستقبل البلد معلق على مجهول.

<strong>عبد الله السنّاوي<strong>

في أجواء القلق المفرط طويت بسرعة فائقة صفحة السادات وأجري استفتاء على الرئيس الجديد يوم (12) أكتوبر.
حقائق القوة تحركت وحسمت اختيار حسنى مبارك لموقع الرئاسة رغم أن صورته العامة لم تكن موحية على أي نحو بقدرته السياسية على إدارة شئؤون البلاد.في
منتصف سبعينات القرن الماضي بدا اختياره نائبا لرئيس الجمهورية مفاجئا للرأي العام وله هو نفسه.
هناك فارق جوهري في توصيف الأدوار التىي حكمت قصة صعود وغروب “مبارك” بين ما هو عسكري وما هو سياسي.
ما هو عسكري يرتبط بدوره في حرب أكتوبر (1973) كقائد كفء لسلاح الطيران.
وما هو سياسىي تلخصه الأسباب التي أفضت إلى إطاحته من الحكم بتظاهرات مليونية لم يكن ممكنا تحديها في “يناير” (2011).

في ظروف ما بعد المنصة تمكن من السيطرة على الموقف في مواجهة التمردات المسلحة التي نشبت في أسيوط وأجواء الفزع التي سادت البيئة العامة خشية انفلات الأمن.
ثم تمكن من تخفيف الاحتقان السياسي الداخلي بالإفراج عن مئات المعتقلين السياسيين من جميع الاتجاهات الوطنية، الذين زج بهم خلف أسوار المعتقلات في سبتمبر (1981) قبل اغتيال السادات بشهر واحد.
من تحت نيران المنصة بدأ عصر جديد وجرى نسيان الصورة الباهتة والساخرة التي صاحبت الرئيس الجديد عندما كان نائبا.

لم يكن النائب سرا مغلقا في الولايات المتحدة، ولا في “إسرائيل”، ولا لدى جهات غربية عديدة تتابع ما يحدث في مصر.
كانوا يعرفون عنه بأكثر مما يعرف عنه في مصر، وكانوا يفضلونه على الرجل الذى وقع اتفاقية السلام المصرية ــ الإسرائيلية عام (1979).
لم تكن السياسة من شواغله، والأرجح أن السادات فضله على قيادات عسكرية أخرى من الذين لعبوا أدوارا بارزة في حرب أكتوبر أكثر مما لعب هو من أدوار، لأنه الأقل طموحا والأكثر انضباطا.
وعى أكثر من غيره، الحقائق الرئيسية في اختياره المفاجئ نائبا للرئيس، والذي يعنى ــ بحقائق السلطة في مصر ــ ترشيحه مستقبلا للرئاسة.

ساعده حذره الطبيعى في تجنب مطبات الصدام في كواليس الرئاسة وما حولها، أو احتمالات الخروج من دائرتها.
حرص بصورة مبالغ فيها على أن يذكر كلما أتيحت الفرصة أمامه أنه “تلميذ فى مدرسة السادات”!
لم تكن طبيعة شخصيته واهتماماته تسمح لتنظيم سرى كـ”الضباط الأحرار” بأن يغامر بمفاتحته في الانضمام إليه.
برواية الأستاذ “محمد فائق” وزير الإعلام في عهد جمال عبدالناصر، فإنه اقترب إنسانيا فى خمسينات القرن الماضي مع الضابط الشاب حسنى مبارك أثناء خدمتهما في معسكرين متجاورين بحى “حلوان” يذهبان ويعودان معا إلى “مصر الجديدة” الذي يقطنان به، فى سيارة واحدة.
سألته: “هل تصادف أنكما تحدثتما في شأن عام، أو تطرقتما في رحلة الذهاب والإياب الطويلة إلى أية قضية أو أزمة سياسية وتبادلتما الرأي فيها، أو اقترح عليك ذات مرة أن تجلسا معا في مكان عام لتبادل الحديث المستفيض كما يفعل الأصدقاء عادة؟”.
أجاب: “أبدا!”.

ساعدته صفاته وطبائعه في تجاوز مطبات “انتفاضة الخبز” (1977) و”كامب ديفيد” (1978) و”اعتقالات سبتمبر” (1981)، فهو في صف الرئيس دائما، قد تكون له وجهات نظر أخرى لكنه لم يفصح عنها على أية صورة.
توارى السياسى فيه ــ دائما ــ لصالح “الإدارى”.
صاحبته الصورة نفسها إلى مقعد الرجل الأول وحكمت تصرفاته على مدى ثلاثة عقود متأثرا بخبرته العملية التي أكدت ان صفة الإدارى مكنته من البقاء في السلطة العليا، بينما خرج منها منافسه القوى “منصور حسن”، الأقرب إلى السادات، حين بدا أنه مختلف مع بعض قراراته وتوجهاته في ملفات حساسة أدت إلى حادث المنصة الدامي.
أكسبه الدور الأمني، الذي تولاه في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، معرفة دقيقة بعناصر القوة وتعقيداتها، ومكنه من السيطرة على مقاليد الحكم بعد اغتيال السادات.
كانت لديه خبرة عملية بخرائط الأمن وملفاتها الحساسة.
رجل الأمن تعنيه المعلومات الأمنية قبل أي شىء آخر للتعرف على مكامن الخطر.
خبرته طبعت عصره كله، فهو لا يسمع لغير الأمن، والاعتبارات الأمنية تجب عنده أية اعتبارات أخرى.
بعد المنصة تأكدت تلك النزعة في تغليب الاعتبارات الأمنية، مستخلصا من مشاهد النار أن الأمن هو أساس الحكم، وتصرف على هذا الأساس دوما.

للأمن ضروراته غير أن الإفراط فيه على حساب الوسائل السياسية أفضى بالضرورة إلى أزمات شرعية اكتسبت طابعها الرمزي في عربات الأمن المركزي، التي كانت تسد ميادين القاهرة وشوارعها الرئيسية في سنواته الأخيرة.
صفة “الحذر” لازمت قصة صعوده واستقرت في طريقة إدارته للشؤون العامة.
الحذر من صفات رجال الأمن المدربين، فالخطر قد يأتي من مأمنه، لكنه ــ في مجال مدح خصاله ــ “غير مؤذٍ”، كما كان يقول بعض وزرائه المقربين.

كان مستعدا لغض الطرف، وحتى التسامح، مع أعتى خصومه إذا لم يكن اختلافه السياسي يمثل تهديدا مباشرا لأمن نظامه، غير أنه لم يكن يتردد في ممارسة أشد أنواع القسوة إذا كان هناك مثل هذا التهديد.
التردد الذي تجده في حقول السياسة وملفاتها، لم تكن تجد مثيله، أو رديفه في مسائل الأمن.
كانت الصفات الشخصية، التي ساعدته على الصعود والبقاء في الحكم، جوهر معضلته الكبرى حيث أفضت غلبة التفكير الأمنى إلى تغييب السياسة وجمود النظام السياسي وتآكل شرعيته، كأنه نحر متواصل تحت قوائمه.
لم يكن يميل إلى “فكرة التغيير” إذا ما توافرت أسبابها ودواعيها، ويأخذ على السادات منهجه فى “الصدمات السياسية”.
قرر أن يكون “ساداتيا” بلا أساليبه، وبلا أدنى استعداد سياسي، أو شبه سياسي، لمراجعة سياساته من عند الجذور والتعرف على الأسباب الجوهرية خارج نطاق الأمن، التي أفضت إلى المنصة.

لم يكن معجبا بالرجل الذي عينه نائبا للرئيس، لكنه التزم بصميم توجهاته الاستراتيجية والاجتماعية التي أرساها.

كان السادات مناورا سياسيا فيما كان هو إداريا متحوطا أبقى على ما يعتقد أنه مستقر مادام يحفظ أمن النظام.
كان مستلفتا قدر التناقض بين سياساته وأقواله في جلسات مغلقة.
لمرات عديدة استمعت إليه، مع رؤساء تحرير آخرين، وهو يوجه انتقادات لاذعة لرئاسات أمريكية وإسرائيلية، دون أن ينعكس ذلك على سياساته ومواقفه.
لم يكن مستعدا لأي صدام محسوب، أو أية مراجعة للسياسات المتبعة وفق المصالح العليا للبلاد حتى لا تكون العلاقات الأمريكية تسليما بما يفرض عليه.
استولت عليه فكرة أن الصدام يؤدي إلى الحرب، وأن مصر ليس بوسعها أن تتحدى الولايات المتحدة.
كانت تلك الفكرة من موروثات العصر الذى سبقه.

تمكنت منه صورة “رئيس مجلس إدارة مصر” بتعبير بعض مقربيه من باب الولاء له لا انتقاده، مدحه لا ذمه.

غيبت فكرة “الرئيس الإدارى” السياسة والإدارة معا، فلا إدارة بلا أفق سياسي يحكمها ولا أمن إذا لم تتوطد قواعد الشرعية بالرضاء العام.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

عودة ترامب.. تحديات ومخاوف!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي:

يكاد العالم يكون اختلف تمامًا عما كان عليه قبل أربع سنوات حين جرت إزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض في انتخابات (2020).

عبد الله السنّاوي

بمجرد انتخابه مجددًا طرحت تساؤلات حرجة على الإقليم والعالم عن حدود التغيير في سياسات القوة العظمى شبه الوحيدة على المسارح الدولية والإقليمية المشتعلة بالنيران في أوكرانيا وفلسطين ولبنان.
يصعب
التعويل على تعهداته الانتخابية بإنهاء تلك الحروب والتخلص بأسرع وقت من إرث سلفه جو بايدن. يقال عادة: “ترامب هو ترامب”. في لحظة إعلان انتصاره استعار من منافسته “كامالا هاريس” دعوتها إلى طي صفحة الصراعات الداخلية، التي تسببت فيها سياساته وهددت الديمقراطية في صميم معناها وأدوارها.
في نشوة النصر استشعر بأن حقًا استلب منه بالتزوير الفادح في الانتخابات السابقة عاد إليه دون أن يكون لديه دليل واحد أو شبه دليل.

هل يمكن أن تختلف سياساته في إدارة الدولة من الشقاق إلى الوحدة أم أننا في انتظار انفجارات أخرى ومشاحنات جديدة تضع المشهد الداخلي الأمريكي على حافة الخطر الداهم؟
هذا تحد أول يستدعي القلق المكتوم أو بعض الوقت حتى تستبين سياساته ومواقفه عندما يدخل البيت الأبيض في (20) يناير (2025)، حسبما تقضي الترتيبات المستقرة في نقل السلطة. الملحّ والضاغط الآن الطريقة التي سوف يتصرف بها في الملفات الدولية المشتعلة.
لم تكن لدى الأوروبيين رفاهية الوقت لانتظار ما قد يطرأ من تحولات وانقلابات جوهرية في الحرب الأوكرانية، أو تبعات التحلل من الالتزامات الأمريكية تجاه حلف الناتو ومستقبل الأمن في القارة وطبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية إلى الاعتماد على نفسها في ضمان أمنها. لم تكن تلك دعوة مستحدثة على توجهاته السياسية بعد صعود ترامب مجددًا، فقد تبناها وألح عليها أثناء فترته الرئاسية الأولى، التي تخللتها مشاحنات أمام الكاميرات بين الرئيسين وصلت إلى حد إهانة ماكرون. دعوته هذه المرة أقرب إلى إجراء احترازي مبكر خشية عواقب إنهاء الحرب الأوكرانية بتفاهم منفرد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون أخذ المخاوف الأوروبية في الاعتبار.
في تعليق لافت آخر دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى “السلام من خلال القوة”. كان ذلك تعبيرًا ملتبسا يعكس مدى قلقه البالغ من أية تحولات دراماتيكية مفاجئة عسكريًا وسياسيًا على المسرح الأوكراني. بوقت واحد تبنى خيار بايدن في استخدام قوة حلف الناتو بمواجهة روسيا دون أن يعارض خيار ترامب، لإنهاء الحرب بعدما أثبت الخيار العسكري عجزه عن تحقيق أهدافه.

لم يتردد القادة الأوروبيون الآخرون عن التعبير بصيغ أخرى عن فوائض القلق، التي تعتريهم إثر صعود ترامب مجددًا. المشكلة الرئيسية هنا أنه تعهد بإنهاء الحرب بمجرد التواصل مع بوتين دون أن تكون لديه خطة واضحة.
بدا الكرملين أكثر تريثًا، رغم تأييده الضمني لصعود ترامب. بتعبير وزير خارجيته أندريه لافروف: “سوف ننظر في أفعاله لا أقواله”.
الحرب الأوكرانية تحد جوهري يتعلق به مستقبل النظام الدولي، الذي أخذ يترنح بتأثير حربين متزامنتين، واحدة في أوروبا والأخرى بالشرق الأوسط.

كانت النزعة العسكرية المفرطة لدى بايدن أحد الأسباب الجوهرية لخسارة نائبته هاريس الانتخابات الرئاسية. لم تبدِ شخصية مستقلة عن إرثه، لا دعت إلى حل سياسي للحرب الأوكرانية ولا نددت بجرائم الإبادة الجماعية في غزة. باليقين فإن وطأتها أقل من ترامب بالنسبة للحرب في غزة، لكنها فشلت في اتخاذ مسافة عن بايدن الذي فقد شعبيته وصورته وأدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة التساؤلات الحرجة عن مستقبله مع زيادة نسب التضخم وارتفاعات الأسعار في الأسواق.

استثمر ترامب في فشل بايدن، ونجح في الفوز براحة لم تكن متوقعة. كسب إلى صفه قطاعات من الأمريكيين السود رغم سجله السلبي، الذي استدعى احتجاجات واسعة نشأت في زخمها حركة حياة السود مهمة. كما نجح في اجتذاب كتل محافظة خارج نطاق حزبه الجمهوري أقلقها تركيز منافسته على الحريات الجسدية بمن فيهم عرب ومسلمون.

كانت المفارقة الأفدح توزع الصوت العربي والإسلامي بين المرشحين بذريعتين مختلفتين، أحدهما بالتصويت العقابي ضد إدارة بايدن وهاريس لدورها في الحرب على غزة والتواطؤ الكامل بحرب الإبادة.
وثانيهما، بالرهان على أن يلتزم ترامب وعده الانتخابي، الذى أطلقه بولاية ميتشيغان المتأرجحة، بإنهاء حربي غزة ولبنان.

كان ذلك تحليقا في فراغ الأهواء. بدت حكومة بنيامين نتنياهو الأقصى يمينية في تاريخ الدولة العبرية، هي الأكثر ابتهاجًا بفوزه. حسب تعبيره فإن فوز ترامب يعني إعادة القوة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، كأنه كان مهتزًا على عهد بايدن، الذي وفر لآلة الحرب الإسرائيلية كل ما تحتاجه من تسليح ودعم استخباراتي وغطاء سياسي منع ملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أخطرها الإبادة الجماعية. وحسب وزير الأمن القومي المتطرف اتيمار بن غفير فإنها فرصة لتحقيق النصر المطلق دون أن يكون لديه أي تصور يتعدى التقتيل والإبادة والتجويع والتهجير القسري للفلسطينيين.

الحرب في لبنان أخطر على واشنطن ومصالحها من الحرب على غزة.
هذا استنتاج مرجح في ما تنشره الصحافة الأمريكية، رغم ما يقال عن تفاهمات بين ترامب ونتنياهو تقضي باستخدام كل ما يلزم من قوة لحسم الحرب على غزة حتى يمكن إنهاؤها فور دخوله البيت الأبيض ويكون ذلك إنجازًا يحسب للرئيس العائد.

في كل الأحوال لا يمكن تجاوز الحقائق على الأرض، في لبنان وفلسطين. القضية الفلسطينية تستعصي على الإلغاء، إلى حد نفي مشروع الدولة الفلسطينية وعدم الاستعداد للاعتراف بأية حقوق سياسية لشعبها.
إننا بقرب محاولة جديدة لإلغاء الأثر السياسي والمعنوي لعملية السابع من أكتوبر (2023) وما جرى بأثر حرب الإبادة في غزة من أوسع موجة تضامن شعبية دولية مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني بالمقام الأول والأخير.

يصعب تخيل حدوث هذا السيناريو بعد كل ما جرى. ولا هو سهل ومتاح العودة إلى صفقة القرن بصورة أو أخرى بالتوازي مع الضغط الهائل على دول رئيسية في الإقليم كالسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أي مقابل سياسي.

إننا بقرب ابتزاز سياسي ومالي جديد تعترضه الحقائق الفلسطينية، التي ثبت دومًا أنه يستحيل تجاوزها.

ـ عن “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

الصوت المضيء

نشرت

في

وفاء سلطان:

البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.

وفاء سلطان

فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،

ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به

أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.

في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما

فردّ على الفور:

بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.

قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!

فردّ: أخاف من الله

قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟

لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.

عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.

الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.

نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.

الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى

دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم

بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.

الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته

أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق

ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس

فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين

Motif étoiles

أكمل القراءة

جلـ ... منار

“هابرماس”… والعدوان على غزّة

نشرت

في

عبد الله السيد ولد اباه*:

يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.

لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.

ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!

لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.

لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.

ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.

وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.

ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟

العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.

الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .

وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”

لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.

كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟

لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني

أكمل القراءة

صن نار