تابعنا على

جور نار

من سيلوي ذراع الآخر… ساكن قرطاج أو مستوطن ساحة محمد علي؟

نشرت

في

اعتبرت جريدة الشعب خطاب ساكن قرطاج في ثكنة العوينة “إعلان حرب” وَعَنْوَنَتْ ذلك في صفحتها الأولى بالبنط الغليظ…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

والمتابع للأحداث منذ رفض ساكن قرطاج لمبادرة الحوار الأولى التي تقدّم بها الاتحاد يعلم علم اليقين ان الحرب الباردة بين ساحة محمد علي وساكن قرطاج ستصبح حربا ساخنة جدا في قادم الأيام وهي آتية لا ريب فيها…فالاتحاد يبحث عن الإفلات من قبضة ساكن قرطاج ومن معه، بوصفه شريكا بالأغلبية مع بعض الأحزاب في حكم العشرية السابقة، بالتخلّص من تبعات تلك المرحلة… ورغم محاولات انكار تورطه في حكم البلاد بالطول والعرض منذ جانفي 2011، فإن الواقع يؤكّد ان ساكن ساحة محمد علي ومن سبقه الفائز بجائزة نوبل حَكَما البلاد بأغلبية واقعية صنعتها “البلطجة” وفعلا بالعباد ومؤسسات البلاد ما لم يفعله أي حاكم حكمها سابقا…فالنقابات المهنية والقاعدية عوّضت الشُعب ومؤسسات التجمّع الدستوري الديمقراطي وفعلت بالبلاد والعباد ما لا يمكن تصوّره، وما لم تفعله هياكل ومؤسسات التجمّع حين كانت تحكم بأمرها في البلاد…فالاتحاد حَكَمَ “بالبَايْ” مع بقية الأحزاب وافتك عنوة النصيب الأكبر في كل القرارات التي صدرت ممن سكنوا القصبة ومن جاورها وصاهرها وجالسها…

فرض الاتحاد نفسه شريكا بأغلبية مع المنظومة التي حكمت البلاد منذ 14 جانفي إلى حدود 25 جويلية 2021 من خلال نشره الفوضى في البلاد أثناء الأشهر الأولى التي تلت خروج الرئيس بن علي رحمه الله…فميليشيات الاتحاد التي شكّلت مع بعض “بلطجية” اليسار الغبي والنهضة المتعطشة للحكم رابطات حماية الثورة، عاثت في البلاد فسادا وارعبت العباد وفرضت بخطاب العنف والتهديد مشاركة الاتحاد في كل قرار تقرره الحكومات التي تداولت على القصبة منذ ذلك التاريخ…

وبعد أن أقدمت هذه الرابطات طيلة السنة الأولى بعد حكم بن علي رحمه الله على نشر الرعب في المؤسسات الوطنية، وساهمت في الإبادة الشاملة لكفاءات الإدارة التونسية من خلال رفعها لشعار “ارحل” في وجه كل من كانوا على رأس المئات من المؤسسات الإدارية والاقتصادية بالبلاد…وبعد أن فرضت على حكومة الباجي رحمه الله من خلال الإضرابات والاعتصامات وغلق الطرق وإيقاف الإنتاج، الزيادة في أجور موظفي وعمال أغلب القطاعات… وبعد أن طالبت بتسوية عشرات الآلاف من الوضعيات في الرتب والخطط الوظيفية والتدرّج المهني في أغلب القطاعات تقريبا مع امتياز لوزارة الداخلية بجميع اسلاكها وهي التي شهدت أيضا إعادة كل من اطردوا عن العمل من لدن الوزير “الغبي” فرحات الراجحي …مما تسبب في انتفاخ كتلة الأجور إلى مستوى قياسي اصبح حديث كل المنظمات المالية العالمية…كل ذلك ولا أحد من الاتحاد تذكّر ما كان شباب الحراك الاجتماعي يرفعه من شعارات تخصّ الكرامة والتشغيل فلا شيء تحقّق من انتظارات ذلك الشباب…ولا أحد من قيادات الاتحاد فكّر في إعلان هدنة شاملة لخمس سنوات أو أكثر، من أجل ترك الفرصة للاستثمار بهدف تشغيل مئات الآلاف من الشباب المعطّل الذي استبشر خيرا بالشعارات التي رفعت في حراك 2010 وأوصلنا إلى ما نحن فيه… بعد كل ذلك وصف الاتحاد عشريته الماضية بعشرية الخراب…وهو الذي كان الآمر الناهي في كل تفاصيلها … 

بعد أن تسبب بمطلبيته المشطة وغير المدروسة والفوضوية والانتقامية، في انتفاخ كتلة الأجور ووصولها إلى حجم قياسي لم تعرفه البلاد منذ استقلالها دون ان تنجز شيئا مما كان ينتظره من يسمونهم بــ”شباب الثورة”…اصبح الاتحاد بكل مكوناته المركزية والجهوية شريكا بأكثر من النصف في حكم البلاد وفي كل ما يقع ويدور بمفاصل الدولة والحكم…فمركزيا كان الاتحاد بقيادتيه “العباسية” نسبة إلى حسين العباسي و”الطبوبية” نسبة إلى نور الدين الطبوبي، يفرض نصيبه من الأسماء في كل الحكومات التي أدارت شؤون الحكم، كما كان يرفع الفيتو في وجه كل من لا يريدهم ولا يقبل بهم ولا يرضخون لشروطه ويخدمون اجنداته ومصالح بعض قياداته…وكان يفرض أيضا العديد من الأسماء في التعيينات الجهوية من ولاة ومعتمدين وغيرهم من خطط إدارية لمفاصل الحكم والدولة…أما جهويا فقد كانت القيادات الجهوية لاتحاد الشغل تفعل ما تريد كما تريد ومتى تريد ووصل الأمر ببعضها إلى فرض نتائج مناظرات على بعض المدراء والمسؤولين…كما أصبح أغلب الولاة يجتمعون بالكاتب العام الجهوي للاتحاد أسبوعيا وفي العديد من المناسبات كشريك فعلي في الحكم، وكانت كل البلاغات الصادرة عن مؤسسات الحكم تنصّ على مشاركة الشريك الاجتماعي في كل المفاوضات والاجتماعات ودراسة المخططات التنموية والاقتصادية…وكان الاتحاد حاضرا في كل اللجان التنموية والاجتماعية والاقتصادية…

هكذا تصرّف الاتحاد في البلاد خلال عشرية كاملة ويزيد، لينعت ويصف بعد ذلك تلك العشرية بالخراب فمن يا ترى كان الشريك الأكبر في صناعة ذلك الخراب؟ الأحزاب أم “نسخة الخراب” من الاتحاد؟؟

هنا تكمن حقيقة ما يعنيه وما يهدف إليه الطبوبي بمبادرته، فالطبوبي يريد أن ينقذ نفسه ومن معه من قيادات الاتحاد من مسؤولية الخراب الذي وقع في البلاد، وهو على يقين أن ساكن قرطاج لن ينسى الاتحاد من حملته لتفكيك المنظومة السابقة … فهو يعتبره احد أهمّ أعمدة المنظومة الحاكمة السابقة وأحد الذين ساهموا في خراب العشرية الموصوفة بالخراب، والآن وبعد أن نجح نسبيا في فرض مجلس نيابي على مقاسه وما يريد، سيلتفت للاتحاد لتفكيكه وابعاده عن طريقه أو تدجينه وضمّه لصفّه حتى وإن أعلن عليه الحرب علنا… فالوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا شجع قيادات الاتحاد الحالية على اللعب على مزاج المواطن التونسي الذي فقد الثقة في السلطة الحاكمة التي جاءت بعد 2019 بما في ذلك ساكن قرطاج…فتواصُل الانحدار الاقتصادي الرهيب وتواصل معاناة المواطن بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني …وتواصل أزمة المعطلين عن العمل واتساع مساحة اليأس والإحباط لدى كل مكونات المجتمع وكل فئات الشعب بعد أن خاب أملهم في أن يصلح ساكن قرطاج أوضاع البلاد والعباد…

 كل هذه العوامل أوعزت لقيادات الاتحاد التماهي مع مزاج الشعب العام الذي بدأ يبتعد عن صانع التغيير الثاني، فالاتحاد سيستغل فشل ساكن قرطاج الذريع في كل مناحي الحكم لمحاولة فرض مبادرته وفرض نفسه شريكا في صياغة مستقبل البلاد سواء كان ذلك مع ساكن قرطاج الحالي أو مع من سيأتي بعده…فتواصل انحدار منظومة 25 جويلية نحو الهاوية يخدم مصالح قيادات الاتحاد الحالية التي تريد التخلّص من عبء تبعات خراب العشرية التي حكمتها بالشراكة مع بعض الأحزاب… إذ أن الاتحاد لم يخرج يوما معارضا لحكم النهضة بل كان شريكا لها في كل سنوات حكمها سواء كان ذلك ضمن الترويكا او حين توافقت مع نداء تونس…ويعوّل الاتحاد في نجاح مخطّطه على أخطاء ساكن قرطاج في خطبه ومداخلاته اليومية…كما يعوّل على تواصل الأزمة ومعاناة المواطن في توفير أبسط ضروريات العيش الكريم… كما تفطّن قياديو الاتحاد إلى أن الاقتراب من الأحزاب والمكونات المعارضة لحكم قيس سعيد سيجعلهم عرضة للنقد والرفض وقد يكون سببا في اسقاط مبادرتهم… لذلك اختاروا أن يبتعد الاتحاد أكثر ما يمكن عن الأحزاب ويرفض وجودها ضمن مبادرته للحوار ليس خوفا منها لكن ضمانا لدعم شعبي يتماهى مع المزاج السائد بعد انقلاب ساكن قرطاج على شركائه، الرافض لكل الأحزاب…

خلاصة ما يريده الاتحاد أولا هو النجاح في تغيير وتليين موقف ساكن قرطاج من القيادة الحالية والقبول بالاتحاد شريكا في المرحلة القادمة، وبذلك ينقذ نفسه من تبعات الخراب الذي ساهم فيه بأكثر من النصف خلال العشرية التي يصفها قياداته بالخراب… ثانيا التواجد شريكا من خلال مبادرته وحواره في مرحلة الحكم القادمة وذلك لضمان خروج آمن بعد انتهاء هذه العهدة التي تعتبر لدى الكثير من النقابيين انقلابا على النظام الأساسي للاتحاد، وسطوا على المنظمة من قيادة تريد حماية نفسها من تبعات ما أتته خلال فترة قيادتها للاتحاد…وللوصول إلى غايته يعوّل الاتحاد على تواصل فشل الحكومة في الوفاء بتعهداتها التي أمضاها معها، وفي تواصل فشل منظومة 25 جويلية في إخراج البلاد من أزمتها، فالاتحاد لن يكون صوتا مسموعا عند عامة الشعب والطبقة الشغيلة لو نجح ساكن قرطاج في الخروج من الأزمة …والاتحاد يفتعل كل الأزمات للي ذراع السلطة كما كان يفعل دائما طيلة العشرية التي ينعتها بالخراب…

لكن ماذا عن ساكن قرطاج؟

لا تختلف أهداف ساكن قرطاج كثيرا عن أهداف الطبوبي المعلنة وغير المعلنة…فسلاح الطبوبي لإنقاذ نفسه هو مبادرته للحوار …وسلاح ساكن قرطاج لتبرير فشله الكارثي انغماسه في الحرب على الفساد وتفكيك المنظومة القديمة ومقاومة من يعتبرهم “قوى الردّة” والخونة والعملاء والمحتكرين والفُسَّاد ومنهم الاتحاد…فخطاب ساكن قرطاج بثكنة العوينة كان فعلا بمثابة إعلان حرب ضمني على منظومة ساحة محمد علي، وكل من يعارضون سياسات ساكن قرطاج الذي فشل فشلا ذريعا، في تحقيق وعد واحد من وعوده كما أوصل البلاد باستعدائه لبقية مكونات المشهد السياسي إلى حافة الإفلاس…

ساكن قرطاج سيواصل كما تعودنا منه تحويل وجهة الرأي العام من أمور ذات أهمية وخطيرة إلى أمور ثانوية لتبرير فشله في إصلاح الأوضاع…ولن يجد أفضل من حرب طاحنة على الاتحاد ليضمن صمت الشارع وصبره عليه…ويعوّل في ذلك على شيطنة الاتحاد واتهامه بتعطيل مواقع الإنتاج وعرقلة العودة إلى المسار العادي والطبيعي للعمل في كل القطاعات ودعمه للإضرابات العشوائية، كما يعوّل ساكن قرطاج على المزاج الشعبي في الأشهر الأخيرة وعلى الانقسام الحاصل في قيادة الاتحاد…فالشارع التونسي بصفة عامة أدرك بعد فوات الأوان أن الاتحاد كان سببا حقيقيا واساسيا في الخراب الذي عاشته البلاد خلال عشرية كاملة…وضاق ذرعا بتصرفات اليعقوبي ومن معه من قيادات نقابية حادت عن المسار الحقيقي للمنظمة الشغيلة…

ساكن قرطاج ادرك ان تخطي هذه المرحلة بسلام لا يمكن أن يتحقّق عبر مواصلة شيطنة النهضة ومن معها من الأحزاب وأن الخدعة لن تنطلي مستقبلا على كل الفئات والمكونات، بعد أن تأكد الشعب التونسي ان لا أحد ممن وقعت شيطنتهم واتهامهم بشبهات فساد ثبتت عليه تلك التهم وأن كل من كانوا تحت وطأة الإقامة الجبرية وتحجير السفر خرجوا وعادوا إلى مواقعهم سالمين…فالنهضة خرجت من الحكم وليست طرفا في الحكم اليوم، ولا يمكن مواصلة تحميلها مسؤولية تواصل السقوط والوصول إلى حافة الهاوية، فساكن قرطاج هو المسؤول الوحيد عن كل الفشل الذي تعرفه المنظومة الحالية فهو الحاكم بأمره والآمر الناهي الوحيد…ساكن قرطاج قرأ مزاج القواعد النهضاوية وأدرك العداء بينها وبين القيادة الحالية للاتحاد، لذلك فإن إعلان الحرب اليوم على المنظمة الشغيلة وقياداتها الحالية قد يعيد لشعبيته بريقها بعد الفشل في الحفاظ على أنصاره في الدورين الأول والثاني من الانتخابات التشريعية…

ساكن قرطاج يدرك تماما أنه فشل في كل ما وعد به…ويدرك رغم نكرانه وتحليله المجانب للواقع لأرقام الإقبال، انه خسر معركة الأغلبية خلال الدور الأول والثاني من انتخاباته التشريعية…فالإقبال المهين و”المسخرة” سيتواصل إلى أكثر ما كان عليه في قادم المحطّات، إن تواصل فشل منظومة صانع التغيير الثاني في إخراج البلاد من أزمتها التي طالت واستفحلت…كما يعلم ساكن قرطاج أن سنة 2023 هي سنة التخلي عن جزء هام من كل اشكال دعم المحروقات وأغلب المواد الاساسية …وأن هذا الأمر سيستغله الاتحاد للعمل على ابعاده عن كرسي قرطاج … وقد يكون سببا رئيسيا في انحدار كبير ومخيف لشعبيته قد يكلفه غاليا إن أراد فعلا مواصلة البقاء جالسا على كرسي قرطاج لولاية ثانية، فالولاية الأولى شارفت على الانتهاء ولم ينجز إنجازا واحد يستحق الذكر…

بعد ان بدأت ساكنة القصبة الحالية معركة تدجين ساحة محمد علي من خلال استقبالها لإسماعيل السحباني واعترافها الضمني والعلني المباشر بالتعدّد النقابي، ظنّا منها ان ذلك قد يفرض على الطبوبي ومن معه إعادة حساباتهم وقراءة عواقب ما يفعلونه مع منظومة 25 جويلية…قد يلتجئ ساكن قرطاج إلى إلغاء الاقتطاع الآلي في مرحلة أولى للي ذراع الطبوبي ومن معه في محاولة لإعادتهم إلى صفّه، ثم وفي مرحلة ثانية قد يفرض عبر مراسيمه على مؤسسات الدولة التعامل مع كل مكونات المشهد النقابي التعددي لخلق أزمة داخل قيادة ساحة محمد علي وتوسيع الهوة بينها وبين قواعدها …ساكن قرطاج يريد أن يكون الاتحاد في صفّه في موقعة 2023 كلفه ذلك ما كلفه لأنها السنة التي قد تبقيه او تذهب به على كتب التاريخ سطرا يتيما…

فالبلاد ستعرف أخطر مراحل وجودها خلال هذه السنة…وتأخر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي واستحالة الخروج إلى الأسواق المالية العالمية (نظرا للترقيم السيادي المتدنّي) وعزوف وامتناع بعض البلدان الصديقة والشقيقة عن الوقوف إلى جانب تونس، والخوف من تبعات تواصل التداين الداخلي لتمويل موارد الميزانية على الوضع الاقتصادي والاجتماعي وانعكاسات ذلك على السوق المالية الداخلية، كلها عوامل تساعد على الانفلات والفتنة…فسنة 2023 لن تكون سنة عادية لساكن قرطاج كما لن تكون عادية لكل أفراد الشعب التونسي، فالأزمة قد تتحوّل إلى إفلاس يذهب بمنظومة 25 جويلية برمّتها ويدخل البلاد في وضع لا أحد يتمناه ويريده…

فمن يا ترى يلوي ذراع الآخر: ساكن قرطاج او مستوطن ساحة محمد علي ؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 79

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الشجاعة عندي ان نواجه الخصم وجها لوجه لا ان نكيل له كلّ التّهم في ظهره ونواجهه بابتسامة خادعة، هي النفاق وهي الجبن والخزي والعار …

عبد الكريم قطاطة

لذلك لمّا انهى السيّد عبدالرزاق الكافي مكالمته مع السيّد منصف بن محمود الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية انذاك ليُشعره بقراره المتمثّل في عودتي لبيتي لاذاعة صفاقس… طلبت منه بكلّ لطف ورجاء ان كان لا يُزعجه، ان يُعلم عبر مكالمة هاتفية مديري السيّد محمد عبدالكافي بقراره، حتّى لا اعود اليه بمنطق المنتصر من خلال قرار فوقي ياتيه من اعرافه … اذ انّ في ذلك اهانة لشخصه ..وانا يعزّ عليّ ان يُهان الانسان مهما كانت نوعية الخلاف الذي بيننا …الكرامة كانت عندي وستبقى خطّا احمر ومثلما دافعت عنها عندما يتعلّق الامر بكرامتي، فمن باب المنطقي جدا ان ادافع عن غيري في هذا الباب مهما حدث …

للامانة فوجئ السيّد الوزير بموقفي … سكت لثوان ثمّ وبابتسامة رضا قال لي: (هذا موقف رجولي …وتقديرا لك سافعل) … رفع سمّاعة الهاتف وباختصار شديد وبصوت هادئ قال: (سي محمد مرحبا بيك معاك عبدالرزاق الكافي .. انا توة بحذايا توة سي عبدالكريم قطاطة حكيت انا وياه في الاشكال اللي وقع بيناتكم ويبدو انو موش كبير… واعتقد انو حان الوقت لانهاؤو ولعودة المذيع للمصدح … مازلت كيف كلمت سي المنصف وعلمتو بقرار عودة سي عبدالكريم وبطلب من هذا الاخير انا كلمتك باش تكون على علم … نطويو الصفحة اللي خذات برشة وقت ونعوّل عليك وعليه باش تخدمو في كنف التأخي بما فيه مصلحة الاعلام …ايّا في لمان)… علّق السيّد الوزير سمّاعة الهاتف ثمّ مدّ يده لي بكلّ حرارة وقال … تشرّفت بمعرفتك ونعرفك تهنّيني …اجبت: (شكرا انّك سمعتني وان شاء الله نكون في مستوى ثيقتك) …

خرجت من الوزارة بفخر واعتزاز وسعادة لا تُوصف … للامانة لم تكن سعادة مشوبة بالخيلاء والانتصار على الخصوم بقدر ما كانت سعادة العودة الى المصدح والى اصدقائي المستمعين… كنت دوما اقول لكلّ متدرب عندي في ميدان التنشيط الاذاعي …. المصدح امّا ان يكون حبّا كبيرا غامرا عارما لحدّ الغرق الجميل او لا يكون… بعضهم لم يكن في بدايته يستوعب مثل هذه الكلمات بل كان يستغرب منها … وكثير منهم من غرق في لجج حبّ المصدح لحدّ الهوس …لكن يبقى الاشكال الاكبر في توظيف هذا الهوس بشكل ايجابي ومن زاويتين … الاولى الايمان بالرسالة الكبيرة التي على المنشّط ان يعتنقها من اجل اعلام يرتقي بالذات وبالوطن وبالانسان والا اصبح المصدح والاعلام من صنف هشتكنا بشتكنا …

الزاوية الثانية الايمان وبشكل دائم انّ حبّ المصدح وتحقيق بعض النجاح ستكون عاقبته الفشل متى اصبح المنشّط يعتقد انه اصبح نجما لمجرّد ان ينهال عليه مجموعة من المستمعين بعبارات النفخ والشكر والمديح وعبارات من نوع انت مبدع وانت رائع ..وهو لم يفهم بعد انّه سلك بضع خطوات في سلّم الطريق الصعب والشائك والطويل… ولم يتفطّن انّ عملية النفخ هذه هي تماما كالنفخ في الرماد …كنت دائما اردّد: شرعيّ جدا ان يتوق ايّ منشّط للنجومية …ولكن بداية النهاية ان تصبح لدى المنشّط قناعة كاملة بأنّه نجم لا يُشقّ له غُبار منذ بداياته وهو غير قادر احيانا حتى على صياغة فقرة دون الوقوع في اخطاء لغوية ونحوية بدائية … درب التنشيط ينتهي فقط عندما ننتهي …علاقتنا بالمصدح هي علاقة التلميذ بالدراسة ومدى الحياة …لذلك كنت كثير الانزعاج بالنسبة لي ولمن ادرُسهم فنون التنشيط من كلمات الاعجاب على شاكلة (انت مبدع) …. عن ايّ ابداع تتحدثون ؟؟ هذا هو الفخّ الكبير الذي ينساق اليه العديد من المنشطين وخاصة المبتدئين منهم …

عندما غادرت مبنى الوزارة اتجهت مباشرة الى محطة اللواجات …كنت لا الوي على شيء وكان كلّ همّي ان ازفّ البشرى لعائلتي واصدقائي … بعد اربع ساعات وجدتني بمنزلي… زوجتي كانت اذاك تُقيم بالمستشفى الجامعي قسم الولادات نظرا لاشكال صحّي حتّم عليها الاقامة والعناية الدائمة بها، ووالديّ رحمهما الله كانا في استقبالي … توجّست الوالدة خوفا وهي تعلمني بأنّ سيارة الاذاعة جاءت لتسأل عنّي، وكعادتها بادرتني بالسؤال (لاباس يا وليدي ؟؟ كرهبة الاذاعة اربع مرات تجي وترجع تسأل عليك جيتشي من تونس ؟؟)… طمأنتها بالقول (وراسك لاباس يا عيادة الحمد لله عن قريب ترجع تسمعني في الاذاعة) … (ايّا الحمد لله ما تخافش في جرّتك دعاء الخير مادامنا راضيين عليك) …

وماكادت تُنهي كلامها حتى رنّ صوت منبّه السيارة … خرجت لأجد الزميل السائق …سلّمت عليه وسألت لاباس ؟؟ اجاب زميلي … لاباس سي محمد حاجتو بيك وقلّك دوب ما توصل ايجاني … تبسّمت وقلت … اوكي هيّا نمشيو …كنت قد فهمت قصد سي محمد عبدالكافي … لمّا وصلت وتطلّعت الى نظرات عينيه … سلّمت عليه وقبل ان ينبس ببنت شفة قلت له: صاحبك راجل اقسم لك بكلّ المقدّسات اني لم اقل فيك كلمة سوء … كلّ ما في الامر وبالحرف الواحد قلت للسيّد الوزير وقعنا في سوء تفاهم انا ومديري استغلّه اصحاب السوء ليُعكّروا الاجواء بيننا، وطلبت منه بعد مكالمته مع الرئيس المدير العام ان يبلغك مباشرة بقراره حفاظا على كرامتك وعزّة نفسك …

كان متجمّدا في كرسيّه ينظر اليّ بكلّ تركيز … نهض من الكرسيّ وجاءني معانقا والدمع مترقرق في مقلتيه وقال …الله يهلك اصحاب الشرّ واكاهو … ومدّ يده وقال … )هذا وعد من عند خوك من هنا فصاعدا ما ترى منّي كان الخير) … وللامانة كانت بداية عهد جديد مع الزميل والعرف سي محمد … اصبحنا صديقين جدا لدرجة انه كان يستشيرني عند ايّ تغيير او مع بداية ايّة شبكة، مما جعل البعض يعلّقون على ذلك بالقول وبشكل مازح (الشبكة ما تخرج اللي ما يشوفها عبدالكريم) … كانت فرحة للعائلة والاصدقاء والزملاء في الاذاعة وفي الصحافة المكتوبة كبيرة… وطبعا الصدقة ما تخرج كان ما يشبعو امّاليها وباعتبار انتمائي لجريدة الاعلان لعدد الثلاثاء، ظهر اوّل خبر عن عودة الكوكتيل بهذه الجريدة وبتاريخ 6 جانفي 1987:

“رسمي… كوكتيل عبدالكريم يعود يوم الاثنين القادم

في ظرف اقلّ من شهر نسجّل للاستاذ عبدالرزاق الكافي مبادرة ثانية في اعادة المياه لمجاريها وتحقيق رغبة الجماهير الواسعة… فبعد ان استجاب لطلب الزملاء الذين اتصلوا به في صفاقس لاعادة الزميل مختار بكور للنقل الرياضي (هنا لابدّ من الاشارة الى انّ الزميل الهادي السنوسي هو الذي وقع تكليفه منّا جميعا كي يكون المحاور في قضية الزميل مختار بكور وفعلا نجح في مهمته وعاد الينا بوعد من الوزير باعادة زميلنا مختار)، علمنا انّ السيّد الوزير تدخّل شخصيا في الايام الاخيرة لاعادة شيطان الميكروفون الزميل عبدالكريم قطاطة الى التنشيط الاذاعي …اذن سيعود في الايام القليلة القادمة الكوكتيل الى شبكة اذاعة صفاقس بعد غياب تواصل حوالي السنة وثمانية اشهر، ليزيد في تدعيم البرامج المباشرة … وقد اتصلنا بالسيّد محمد عبدالكافي مدير اذاعة صفاقس الذي افادنا انّ سيادة الوزير قد قرّر اعادة الزميل عبد الكريم الى حظيرة العمل الاذاعي بداية من 2 جانفي، وعلمنا انّ توقيت البرنامج قد تغيّر ليصبح يوميّا من الاثنين الى الخميس من الثانية والنصف بعد الظهر الى الرابعة وذلك لضغوط الشبكة الحالية”

قد يتبادر لذهن البعض مجموعة من التساؤلات حول توقيت البرنامج ومدّته ويوم عودته الذي تأخّر إلى 12 جانفي عوضا عن 2 جانفي …اوّلا وبكلّ موضوعية عندما قرر الوزير اعادتي لاذاعة صفاقس كانت الشبكة جاهزة تقريبا .. لذلك عندما تحاورت مع السيّد محمد عبدالكافي عبّر لي عن انشغاله لعدم وجود مساحة كافية للكوكتيل واستحالة عودته في مكانه المعتاد (العاشرة صباحا)… وطلب رايي في الامر وبكل صدق ونزاهة عبّرت له عن يقيني بأنّه ليس التوقيت ما يخلق نجاح ايّ برنامج بل المحتوى وسترون اني في ما بعد عملت بكل المساحات توقيتا … الاصيل ما بين الثانية والنصف الى الرابعة … المساء من الرابعة الى السادسة … الليل من التاسعة الى منتصف الليل… وصولا الى فجر حتى مطلع الفجر من منتصف الليل الى الخامسة صباحا ….

وللامانة ايضا كان ذلك نوعا من التحدّي من جانبي للذين يقولون (طبيعي انو عبدالكريم نجح في الكوكتيل لانو واخذ احسن توقيت من العاشرة الى منتصف النهار … متجاهلين اني عندما اخذت على عاتقي الكوكتيل في ذلك التوقيت كانت تلك الفترة اذاعيا فترة ميّتة وليس بها سوى برامج اهداءات … لذلك قبلت التحدّي واضفت متحدثا الى الزميل محمد عبدالكافي… ما رايك بما انّ توقيت البرنامج يأتي في الاصيل ان نبدّل اسمه إلى “كوكتال الاصيل” ؟… وللامانة مرة اخرى كان تفكيري ليس مأتاه التوقيت فقط بل صفة الاصالة تعنيني ايضا …لست ادري هل فهم سي محمد الامر كما فهمته ولكنّه وافق دون نقاش….امّا تاجيله ليوم 12 فذلك كان حرصا منّي على استنباط محاور جديدة للكوكتيل بعد ان وقعت سرقة جلّ اركانه القديمة إلى برامج اخرى… وهذا ايمان منّي ايضا بأنّ المنتج والمنشّط غير القادر على الابتكار والخلق مآله الموت الاذاعي السريري …

وجاء يوم 12 وقسمت الكوكتيل الى محورين… نصف الساعة الاولى يحتوي على المقدمة الشخصية اي (الموقف) باعتباري كنت ومازلت اؤمن بالاعلامي صاحب المواقف لكن دون غرور وبكل تواضع… ولا قيمة عندي لذلك الاعلامي عموما الذي يكون (صباب الماء على اليدين او القفاف والانتهازي والذي تشتريه بكسكروت) وهذا وقع …. نعم هنالك من وقع شراؤه بشاطر ومشطور وبينهما كامخ (وهو اسم الكسكروت باللغة العربية القحّة… ما ارزنو وقداش فيه تجوعيب على لغتنا الجميلة) …امّا النصف الثاني للكوكتيل وبمعدّل ساعة فادرجت فيه ركنا جديدا تحت عنوان بكلّ احراج …وفيه اقوم بدعوة ضيف لاطرح عليه بعض الاسئلة الخالية من المجاملة ولكن بكل لياقة وبعيدا عن الاساليب الوقحة التي انتشرت بشكل مقذع بعد 14 جانفي (وقيّد على حريّة التعبير والتي هي في الحقيقة حريّة التبعير)…

وللعدد الاوّل اخترت ضيفا من الوزن الثقيل… ومن يكون غير ساحر الاجيال حمادي العقربي …دعوني احك لكم عن علاقتي بحمادي … انا اعرفه منذ كان يكوّر في البطاحي …حمّادي من ميزاته انّك وانت تشاهده في ايّة تكويرة يستحيل ان تتكهّن بايّة حركة كروية سيقوم بها …ومن عيوبه انّه لا يُجيد الكلام الا برجليه …اتذكّر جيّدا انّي وفي اوّل لقاء طويل معه وانا اقترح عليه لقاء صحفيا مطوّلا بجريدة الايام، وجدته معجبا بي وببرامجي… فاجأني بذلك وفاجأني اكثر عندما قال انه لم يسبق له ان ادلى بحوار مطوّل لايّة جريدة وانّ العديد من الحوارات التي صدرت ببعض العناوين الصحفية كانت وهمية … وبكلّ صدق كان يومها يفضّل ان لا يكون الحوار … لكن لم استسلم واقنعته بأنّه من حقّ الناس عليه ان يعرفوا العديد من التفاصيل واكّدت له انّني لن اقدّم الحوار للنشر الاّ بعد ان يطّلع عليه كاملا …الاّ انّ اجابته اخجلتني واسعدتني … قال حمادي … نعرفك معلّم وعندي ثيقة فيك … وكان الحوار صفحة كاملة في جريدة الايام …

عندما دعوته ليكون ضيفي الاوّل في كوكتيل الاصيل …كان سعيدا بعودة الكوكتيل وكان مراوغا كعادته وبابتسامته الخجولة المعهودة قال … تي اشنوة يا سي عبدالكريم موش لو كان نخليوها مرة اخرى خير؟ …قلت له لا يا حمادي، الحلقة الاولى نحبّها مع معلّم … ومرة اخرى يرواغ ويقول … يخخي انت موش معلّم ؟؟….ودون تطويل مشاور قلتلو يا حمّادي قُضي الامر انت ضيفي في الحلقة الاولى … وبكلّ حبّ وحياء يُجيب حمادي … وانا عندي حكم معاك؟ …. وكان ذلك …وكان يوم 12 جانفي وكان يوم 13 جانفي ايضا …حاصيلو كيف تمشي تقطّع السلاسل وكيف تجي تجيبها سبيبة …اقداااااااااااااااااااار

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 78

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الثلاثية الاخيرة لسنة 86 شهدت مجموعة من الاحداث الهامة … لنبدأ بسبتمبرها حيث انتقلت مجموعة “الايام” الصحفية بجلّ عناصرها وبعد الاستقالة من الجريدة الى خانة صحفية اخرى .. جريدة الاعلان …

عبد الكريم قطاطة

هذه الجريدة كانت، اسما على مُسمّى، عنوانا صحفيا جلّ صفحاته اعلانات … كانت تصدر يوم الجمعة وبرئاسة تحرير للمتميّز جدا الزميل جمال الدين الكرماوي، ربي يشفيه*… جمال هو فنان بكل موازين الكلمة فهو لاعب ممتاز في كرة القدم لعب بالملعب التونسي … وهو عازف غيتار وهو ايضا قلم فينو ومن افضل من عرفت الساحة الصحفية فيانة ونقشا… اشتهر في جريدة الاعلان بمقاله الاسبوعي الو الاعلان …مقال كان ينتظره عشاق الكلمة الرشيقة والاسلوب السمح …

السيّد نجيب عزوز مدير الجريدة اغتنم فرصة انسحاب فيلق الايام من الايام ليضرب عصفورين بحجر واحد… العصفور الاول تمثّل في استغلال تألّق مجموعة الاقلام في تجربتها مع الايام وانتدابها … والعصفور الثاني توسيع دائرة انتشار جريدة الاعلان لتصبح جريدة نصف اسبوعية وذلك بالصدور مرتين في الاسبوع … يوم الجمعة لفريق جمال الكرماوي و يوم الثلاثاء لفريق نجيب الخويلدي … كان ذكيّا جدّا في ادراكه لما قد تخلقه روح المنافسة بين الفريقين واستغلالها ايجابيا … وفعلا نجح في الرهان رغم كلّ عوائق ومشاكل الغرور التي عاشها الفريقان …وفعلا انطلقت التجربة الثانية لاسرة الايام داخل اروقة الاعلان في 30 سبتمبر 1986…

شهر ديسمبر من نفس السنة شهد حدثين اوّلهما عيد ميلاد اذاعة صفاقس (8 ديسمبر) والذي كان بالنسبة للمستمع المتعلّق بالكوكتيل مناسبة اخرى لاحياء مأتم … هاكم ما كتب عبداللطيف الحداد مرة اخرى بجريدة النهار يوم 3 ديسمبر 86 حول الحدث وتحت عنوان “خطاب عاجل الى مدير اذاعة صفاقس .. عيدا سعيدا في غيابنا”:

(سيّدي .. تحتفلون بعيد ميلاد اذاعة صفاقس الـ 25 وكلّكم فرح وترح واشياء اخرى وذلك من حقّكم طبعا ..اعرف انّ ربع قرن من الحياة والجهد والدأب له وزنه وثقله المُعتبر ولونه الخاص جدا .. اعرف وثانية انّها فرصتكم كاملة لتقولوا هكذا فليذهب المتنطعون الى الجحيم … انّنا نفهمهم وبكلّ تاكيد ونحتفظ ـ مازلنا ـ بأدقّ تفاصيل ذبحة ذلك المطرود منذ عشرين شهرا عبدالكريم قطاطة … انّها 8 ديسمبر اخرى لن يكون فيها فتى اذاعة صفاقس الاوّل هناك ..وانّه امر يُثير فينا كثيرا من الحزن والبكاء … اتُصدّق سيّدي انّ كلّ التقارير التي تصلك عنّا كاذبة ..؟ فنحن لم نعد نُننصت اليكم منذ ماي 85 والسبب بسيط جدا جدا ..وهو انّ اذاعتكم امست بدون الكوكتيل كأيّة قلعة خاوية … ونحن اصدقاؤه ما كنّا عصابة مافيا ولا جماعة كوكايين .. بل انّنا لم نقتل قطّة ولم نحرق قمحة ولم نطالب برأس احد .. فقط نادينا ومازلنا باعادة الكوكتيل وصاحبه الى ساحة الاذاعة…

ونحن ثالثة يا حضرة المدير مازلنا على عهدنا مع صاحب الكوكتيل حبّا وارادة واملا الى ان ينام القمر .. هكذا ذاكرة الناس الطيبين في هذا الوطن العزيز وهذا الجنوب الطيّب لا تنقطع بتلك السهولة المزعومة وتعوّدت ان تخبّئ الحب لمن حفر ويحفر فيها بالمثل فهل تُجبر الكسر وتضع امرا ؟؟… لقد كان لك ومازال كلّ الوقت لتطرح وتجمع وتضرب وتقسم وتكسر وترتّب الاوراق وتُمعن في تجميد تلك الامبراطورية الهائلة في التنشيط، وبث الفرح في البيوت الحزينة والمدن الباردة ولكن عبدالكريم قطاطة عائد الينا غبّا وكفّه مضرّجة بالحبّ والفرح لجما ودما … ذلك حدسنا ورهاننا … لاننا تعلمنا معا انّه حيث البكاء والبكاء والبكاء نتقمّص الكلمة ونحفر المدى حتّى ينبجس الحلم غدا وتمطر السماء .. وحتى يأتي ذلك اليوم الاكيد فهو سيظلّ منّا في العمق وفي تجاويف الذاكرة امّا انتم يا سيّدي فطاب عيدكم في غيابنا… عبداللطيف حداد ـ قصر الحدادة غمراسن)

هنا لابدّ لي من توضيح امر هام … نشري لمثل هذه المقالات يأتي فقط من زاوية التوثيق ولم ولن يكون قصدي التفاخر بما كّتب حولي والله على ما اقول شهيد… ثم هو حرص منّي ايضا على العرفان بالجميل للمستمع وهو يُدلي بشهادته في كلّ ما حدث وذلك اراه واجبا تجاه هذا المستمع وتجاه ما دوّنه من اوجاع وجراح …شهر ديسمبر ايضا شهد سابقة اعلامية هامة … اثر مباراة في كرة القدم بين النادي الصفاقسي وضيفه الترجّي والتي تمّ فيها طرد اللاعب منصف الطرابلسي ثم شطبه مدى الحياة وقع ما وقع … ومن ضمن تلك الوقائع ايقاف الزميل مختار بكّور عن التعليق الرياضي للاذاعة الوطنية … نعم … اذ ارتأت في تعليقه انحيازا للنادي الصفاقسي … وهو امر يصل الى درجة الكفر والردّة في نظر المسؤولين الكبار والذي مازال مثل هذا التصرّف العمودي لحدّ الان يتمرّغ على مسامّ جلودنا رغم انّ 99 في ال 100 من الاعلام العاصمي ولحدّ الان هو مكشّخ وبامتياز …اعني وبنذالة …مع احترامي للاقلّية النزيهة والشريفة … لا علينا سآتي حتما يوما ما وفي الورقات القادمة لهذا الملّف … اذن وقع ايقاف الزميل مختار بكور عن النقل الاذاعي الرياضي رغم انه من اكثر المتعاونين هدوءا ورزانة في اذاعة صفاقس …

امام هذا الوضع ارتأيت ان اغتنم فرصة زيارة وزير الاعلام انذاك السيد عبد الرزاق الكافي لاذاعة صفاقس التي ستحتفل بعيد ميلادها الخامس والعشرين، كي انظّم مباراة في كرة القدم بين اعلاميي الجهة وزملائهم من العاصمة… والحرص بعدها على اللقاء بالوزير ومطالبته فضلا لا امرا بارجاع الزميل مختار بكور لسالف نشاطه… تحادثت في الامر مع السيد عبدالعزيز بن عبدالله رئيس النادي الصفاقسي انذاك وعبّر لي عن مساندته المطلقة ماديا وادبيا لحدّ التكفّل بمصاريف اقامة ضيوفنا الزملاء من تونس… وكان الامر كذلك… مباراة ودية بالملعب الفرعي للطيب المهيري… سهرة رائقة شائقة بكلّ المفاهيم …لحدّ الثمالة وبكلّ المفاهيم لاحفاد ابي نواس… ثمّ لقاء مع الوزير واستجابة لرجاء الجميع واعادة مختار بكور الى سالف نشاطه…

اعود بكم الان الى خاتمة الورقة 77 والتي همس لي انذاك وزير الاعلام وهو يسلّمني الكأس … (انت هو سي فلان ؟؟ طلّ عليّ في مكتبي بالوزارة يوم الاثنين المقبل) … عندما ختم كلامه نظرت مليّا في عينيه بعد ان قلت له: حاضر … فقرأت فيهما وداعة ولطفا … ثمّ كان لزاما عليّ ان البّي الدعوة مهما كان الامر …بوزيد مكسي بوزيد عريان …ما الذي سيحصل اكثر ممّا حصل ؟؟… ربّما هي (صحّة راس) … غرور … تنطّع … _ قولوا ما شئتم …فأنا كنت ومازلت هكذا …ثوابتي لن يمسّها احد وقناعاتي ومهما خلقت لي من مشاكل وخصوما لن اتزحزح عنها …والروح ما يهزّها كان اللي خلقها …

يوم الاثنين كنت بمكتب الوزير … استقبلني ببشاشة وابتسامة عرفت مغزاها خاصة بعد انا قال: (مرحبا بيك سي عبدالكريم …تي العريضة متاع 20 الف امضاء امضاء اطول منّك) … ابتسمت بدوري ولم اردّ عليه …ولج للحوار بشكل فوري وسألني: (اشنوة اللي بينك وبين سي محمد عبدالكافي؟؟)… لم اتردّد لحظة واحدة في القول: (سي محمد عبدالكافي عرفي امس واليوم وغدا، والذي وقع سوء تفاهم بيننا استغله اصحاب النفوس المريضة) .. لم يكن موقفي مبنيا على الخوف او هزان القفة لعرفي، ولكن كنت مدركا اوّلا بل متيقّنا بمعرفة والمام الوزير بتفاصيل ما حدث… وثانيا ما كنت ولن اكون من تلك الشريحة التي تغتنم مثل هذه الفرص لتطعن في الظهر الخصوم … لو كان السيد محمد عبد الكافي رحمه الله حاضرا لقلت كلّ ما لديّ في صدري …. امّا اغتنام فرصة غي والتشهير به فذلك الجبن والنذالة بعينها…

نظر اليّ مرّة اخرى السيد عبدالرزاق الكافي بنفس الابتسامة الوديعة … وحمل سمّاعة الهاتف وطفق في تركيب رقم … وماهي الا لحظات حتى سمعته يقول: (عالسلامة سي المنصف بحذايا سي عبدالكريم قطاطة وحكيت معاه ونحبو يرجع لبرنامجو في اقرب فرصة) … فهمت انّ “سي المنصف” هو السيد منصف بن محمود رئيس الاذاعة والتلفزة انذاك … نظر اليّ السيّد الوزير وقال: (انتهى الاشكال سي عبدالكريم؟)… اجبته: (شكرا سيّدي الوزير على الثقة، ولكن لي رجاء لو تسمح) .. (تفضّل سي عبدالكريم) …وانتم لو تسمحون انتظروا معي الرجاء في الورقة القادمة … يخخي موش يقولوا ذوّق وشوّق ..؟؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كتب المقال قبل وفاة الزميل الكرماوي رحمه الله

أكمل القراءة

جور نار

ماذا ينتظر التونسيون خلال العهدة الجديدة من رئاسة قيس سعيد؟ (2)

نشرت

في

محمد الزمزاري:

ذكرنا في الحلقة الماضية بجريدة جلنار الجزء الأول من انتظارات الشعب خلال طرح تحليلي مختصر يشير خاصة إلى أن الانتخابات الرئاسية التي تمت يوم 6 اكتوبر تعد اول انتخابات نزيهة وشفافة لم تشبها عمليات تدليس مثلما وقع في مرحلة بورقيبة، او تهافتا ومباريات بين الولاة للترفيع في نسب التصويت زمن بن على…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

كما كانت هذه الانتخابات نقية من المال الفاسد والتدخلات الداعمة الخارجية (القطرية و التركية) عبر الجمعيات الاخوانية المشبوهة التي توزع حقق الطماطم وارطال المكرونة و الأوراق النقدية لاستغلال أصوات البؤساء وضعاف الارادة من المواطنين، وكذلك تكفير من لا يصوت للنهضة من خلال المساجد وابواقها والتهديد بالسحل وغير ذلك من صفحة تلك الفترة الظلامية المظلمة…

الانتخابات التي شهدتها تونس هذه المرة أعطت الصورة الحقيقية لما يستوجب ان تكون عليه الانتخابات بالعالم الثالث والبلدان العربية جمعاء… كما عبر خلالها الشعب التونسي على رغبته الجامحة والحاسمة لكنس منظومة فاشلة وخطيرة لوثت وطنا جميلا… عبّر الشعب عن ثقته بقيس سعيد متمنيا و معتقدا انه الكفيل بتحسين أوضاع البلاد التي دمرتها عشرية ما بعد 2011.

لقد تناولنا باختصار عددا من انتظارات وتطلعات الشعب خلال السنوات القادمة وذكرنا اهم القطاعات ذات الاولوية مثل الفلاحة و الصحة و التعليم وعلى المستوى الاجتماعي تطرقنا إلى التشغيل و القدرة الشرائية للأسر التونسية والغلاء الفاحش للأسعار كما عرجنا على قطاع الخدمات و عصرنة الإدارة التونسية وفرض قدسية العمل وتنقية القطاعات من كل مخلفات الارتخاء والفساد (انظر عدد جلنار ليوم 8 أكتوبر 2024)…

في هذا الجزء الثاني نبدأ بضرورة تأهيل العمل الدبلوماسي والقنصلي بالخارج و الرفع من الدور المناط بمهامه الكلاسيكية وحسن اختيار التمثيليات حسب الأهداف السياسية والامنية وخاصة الاقتصادية، ودعوة القناصل إلى تحسين العناية بمواطنينا بالخارج ونبذ روح الارتخاء و عقلية اللامبالاة التي تطغى من حين لآخر.. كما على السفراء تأكيد لهتمامهم خارج الوطن بالمعطيات الأمنية نعم ولكن الاقتصادية أيضا، عن طريق رسم منهجية لجلب الاستثمارات لتونس و متابعة التطورات التي من شانها دعم تصديرنا وتنمية مدخراتنا من العملة الصعبة… كذلك حث مواطنينا بالخارج على المشاركة في عمليات ومشاريع التنمية.

بخصوص المتطلبات الأمنية.يبدو أنه من البديهي دعم مؤسسة الأمن ومواكبة كل التحولات الفنية وتحديث التجهيزات ومزيد ضمان اكثر رفاهة لاطارات واعوان الأمن، و تعزيز الاجراءات التشريعية لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة…

قطاع الثقافة يعد من القطاعات المظلومة منذ حكم بن علي وسعت منظومة ما بعد الثورة إلى كنس حضور الفعل الثقافي و تقزيم الإبداع والمبدعين… ويكفي الإشارة إلى هرسلة المسرحيين و الاعتداءات على الأساتذة والقناة الوطنية… ولحدود السنوات الأخيرة فإن ميزانية وزارة الشؤون الثقافية (أقل من 1 بالمائة من ميزانية الدولة) تبعث على الاستغراب … فلا إمكانيات لدعم الإنتاج الثقافي من مسرح او سينما او فنون أخرى لتبقى القنوات تلوك مسلسلات السبعينات و الثمانينات…

كذلك هناك احساس تبعا لما ذكرنا بكبح الإبداع والإنتاج الأدبي… وكل ما تفعله وزارة الثقافة اليوم لا يتجاوز “التكرّم” بإقتناء بعض الكتب يخصم جزء من ثمنها لفائدة الضرائب … أين دعم الروايات؟ والسيناريوهات؟ والإنتاج السينمائي؟ وكيف يتم اسناد الدعم على أيدي اللجان او القبول من قبل القناة الوطنية؟؟ كلها اسئلة و مسائل تنتظر مزيدا من التنظيم او الدعم او المراجعة او عدالة الاختيار.

لعل قطاع الطاقة يحتل مكانة أثيرة في أولويات تونس ويفرض تدخلا عاجلا ضمن مخطط واضح المعالم… إذ نحن نستمر في تجاهل الطاقة الشمسية التي حبى بها الله بلادنا والتي يمكن أن تكون أكبر رافد للتشغيل و تصدير الطاقة عوض الترفيع المستمر في اسعار استهلاك الكهرباء و استيراد التجهيزات او المنصات…

كذلك وإثر تحرر قطاع الفوسفات من عبث و تجميد عانى منهما طيلة اكثر من عشر سنوات، يتطلب اليوم هذا المجال مزيدا من الرفع في طاقة إنتاجه و اقتناص مزيد من الأسواق العالمية وتنويعها ..

نمر إلى قطاع السياحة الذي بقي لسنوات طويلة يعزف على وتر واحد، موسيقي كلاسيكية وجب تجاوزها… ذلك أنه اصبح اليوم من الضروري المرور إلى تنويع الوجهات والمواد السياحية. لتشمل الشمال الغربي ومزيد دعم السياحة الثقافية، كالآثار التاريخية المتعددة بجهات جندوبة و القصرين، وقفصة (الحضارة القفصية) ويعين بريمبة بقرية المنصورة قبلي و كذلك توريس… كلها في مجملها وخصوصياتها تمثل ركائز لتنويع المنتج السياحي.

وفي حقيقة الأمر لا يمكننا تناول كل الملفات الوطنية الهامة التي تتطلب الدعم خلال السنوات القادمة مثل القطاع الصناعي والبيئة والعدالة الجبائية والخدمات البلدية ومراقبة انجاز المشاريع المعطلة اصلا منذ العشرية، وكذلك أهمية دعم قطاع العدلية لتسريع التقاضي وتحسين ظروف عمل الفاعلين في المرفق القضائي.

لن انهي هذا الطرح دون أن أشير إلى ضرورة ترسيخ اكثر ما يمكن من مكتسبات الثورة عبر ضمان ديمقراطية حقيقية لكل التونسيين دون استثناء، بالتوازي مع التزام الجميع بمصلحة الوطن ووضوح الرؤيا السياسية ومزيد دعم الحريات الفردية و العامة وحرية الرأي و الصحافة دون أي احتراز ..

الوطن للجميع لكن جميعنا مطالب أيضا بوضع أولوياتها و مصالح شعبها قبل كل الأولويات الأخرى فردية او حزبية، فتونس تستحق دوما الأحسن.

أكمل القراءة

صن نار