جور نار
جرّبتُ لكم شات جي بي تي (2/2)
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriتعلّق الجزء الأول من هذا المقال بطبيعة التطويرات التي أتى بها “المحوّل التّوليدي المدرّب مُسْبقا للدردشة تشات جي بي تي” مقارنة بمحرّكات البحث التقليدية وبمسبّبات اللّغط الذي رافق إطلاقه عبر العالم.
وهذا مما دفع بمؤسّسيه ومطوّريه أنفسهم إلى المطالبة بتعليق استخدامه لفترة 6 أشهر على الأقل أمام كمّ الإزعاجات والإرباكات المسجّلة وهو مازال في خطواته الأولى… من سرقات أدبية وغشّ في الامتحانات وجرائم سيبرنيّة وتهديد ملايين مواطن العمل عبر العالم…
أما الجزء الثاني فأخصّصه لمواصلة رصد بعض خصائص تشات جي بي تي من خلال أسئلة حقيقة طرحتها عليه لم يكن الهدف منها الحصول على معلومات بقدر ما كان اختبار سُمك المعلومات التي يقدّمها ومدى تطابقها ما نعثر عليه في المصادر والمراجع المختلفة.
الخاصيّة الخامسة : اللغة التي يكتب بها “تشات” بصفة عامة لغة سليمة على المستوى النحوي والأسلوبي
أعتبر شخصيا أن الجملة التي يُنتجها تشات بصورة عامة سليمة نحويا وتركيبيّا وذلك في اللغتين اللتين تمرّست نسبيا على موسيقاهما ومناخاتهما أي العربية والفرنسية على حدّ سواء.
فجمل عربية ينتجها تشات من قبيل “إن تحقق الازدهار الإنساني يتوقّف بشكل كبير على جودة التعليم” أو “تساعد المطالعة الأطفال على تنمية مهارات اللغة والتعبير، وتُوسّع آفاقهم العقلية والثقافية، وتُعزّز خيالهم وإبداعهم وتساعدهم على التعلّم الذاتي والتفكير النقدي، مما يؤثر إيجابا على نُموّهم الشخصي والاجتماعي والعلمي” … على سبيل المثال تُعدُّ دليلا قويّا على أنه بوسعه توليد خطاب لغوي قريب جدا ممّا تقوله المؤلّفات العلمية والأكاديمية على مستوى سلامة المبنى والمعنى. ونفس الشيء بالنسبة إلى اللغة الفرنسية.
دفعني هذا التّماس أو التشابه الكبير بين الخطاب الذي تنتجه الآلة والخطاب الذي ينتجه البشر لأن أسأله “وكيف السبيل إلى التمييز بين مجهود البشر وأداء الآلة خاصة إذا وجدت نفسي أمام بحث أكاديمي أو فرض كتابي لطالب حتى أقيّمهُ ؟” أجابني ” صحيح من الصعب أحيانا التفريق بين الخطابين خاصة عندما تكون الآلة متقدمة ومتدرّبة بشكل جيّد، لكن بصورة عامة الجمل التي ينتجها الذكاء الاصطناعي تكون دقيقة ومنسجمة ولا تتوفر على كثير من الأخطاء والتناقضات على عكس الجملة البشريةـ ثم إن أسلوب تشات مثلا هو أسلوب “روبوتي” وتقنوي على عكس الأسلوب البشري المتميّز بالمرونة والقدرة على التفاعل مع كل الأسئلة المطروحة عليه، على عكس الآلة التي لا تجيب إلا عمّا تمّت برمجتها وتدريبها عليه”.
الخاصية السادسة : تشات، كشّاف جيّد للمستقبل
تسكنني دائما فكرة أكّدتها عديد الدراسات العالمية (منها وزارة العمل الأمريكية) مفادها أن 60 أو 65 % من تلاميذ اليوم سيلتحقون بمهن لم ترَ النور بعدُ، لذلك نرى العديد من الإصلاحات التربوية تنكبّ أكثر على إقدار التلاميذ في كل ما هو كفاءات ليّنة وأفقية ومهارات مرنة تُسهّل الاندماج في سوق الشغل مهما حصل من تطوّرات… هذه الفكرة جعلتني أسأل تشات ما هي توقعاته بالنسبة إلى المهن أو مجالات المهن التي ستكون لها أهمية كبرى في المستقبل القريب، فأشار إلى خمس مجالات كبيرة سيكون لها شأن على المستوى العالمي، هي (بتصرّف) :
تطوير البرمجيات والتطبيقات والحلول الرقمية الابتكارية، والصحة والرعاية الطبية، والطاقة المتجددة والبيئة، والسياحة والضيافة، والعمليات اللوجستية والنقل… ثم يُضيف “وبشكل عام، من المتوقع أن تزيد الطلب على المهارات التقنية والابتكارية والإدارية في المستقبل، والقدرة على التعلم السريع والتكيّف مع التغييرات المستمرة.“
هذه التوقعات تتقاطع تماما مع ما يُجمع عليه كثير من المهتمّين بمستقبل المهن في العالم، ربما مع إضافة مجالات السلامة المعلوماتية والبيع عن بعد والتعليم بمختلف أصنافه.
أما توقعاته فيما يخص أهم الاكتشافات البشرية التي ستحول وجه العالم في المستقبل، فيقول تشات جي بي تي إنه بصفته ذكاء اصطناعيا لا يستطيع التنبؤ بالمستقبل، لكنه يعتبر أنه حصلت في القرن 21 اكتشافات مهمة سيكون لها بالتأكيد تأثير حاسم على العالم مستقبلا مثل اكتشاف آلاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية واكتشاف تقنية CRISPR-Cas9 التي ثوّرت البيولوجيا الجزيئية والبحث ومكّنت من إحداث تحوير دقيق في الحمض النووي وكذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والواقع المُعزّز أو المُضاعف والطاقات المتجددة واكتشاف الماء السائل على كوكب المريخ (وما يعنيه ذلك من أمل في العثور على آثار للحياة فوق هذا الكوكب).
الخاصية السابعة : تشات يُقبل على الفُصحى العربية ويأبى العاميّة التونسية !
سألته عن بعض الخصوصيّات المحلية مثل معنى “سيدي تاتة” في لهجتنا المحليّة، فقال أن اللفظة تُشير إلى مدينة سيدي بوسعيد بالعاصمة، وسألته عن معنى “الفكرون” فاعتبره رجلا يرتدي بزّة سوداء، و “الجرانة” التي تعني بالنسبة إليه مصطلحا يُستخدم لوصف الفتاة الجميلة والأنيقة.
أمّا مقولة “الثنيّة ركازي والعباية بلاّر…والطريق طويلة والبهيم دعثار” في لهجتنا التونسية، فيترجمها كالتّالي :
La route est longue, le sac à dos est lourd, la cape est usée et l’animal est fatigué.
…وهي ترجمة لا تبتعد كثيرا في مستواها عن طرائف المرحوم الهادي السّملالي خاصة في مقطوعة “المترجم”.
لكن تشات يفهم جيدا عندما تخاطبه بالفصحى، فيستعرض مثلا خصائص مقام الزنكولاه أو الجهاركاه أو الزنجران في الموسيقى العربية والتونسية (والذي يعرف أن هذا الأخير فرع من مقام الحجاز)، ويحدّثك عن حديث الإفك في الإسلام ويُدرك أن شوّال هو أبعد الأشهر عن رمضان في التقويم الهجري ويُنبّهك إلى أن زواج المسيار لم يعد شائعا، ويعرف عدد حروف الأبجدية العربية، إلخ…
الخاصيّةالثامنة : تشات لا يُشجّع مبدئيا على ارتكاب جرائم أو اقتراف ممارسات محظورة
سألته عن كيفية صنع قنبلة منزلية، فأجاب :
“عذراً، لا يمكنني الإجابة على هذا السؤال أو تقديم أي معلومات ذات صلة بصنع القنابل المنزلية أو أي أساليب للعنف أو التخريب. يجب علينا جميعًا أن نتحلى بالمسؤولية ونتجنب تبادل المعلومات الخطرة والتحريض على العنف. يرجى البحث عن معلومات تهمك بشأن الموضوعات الأخرى…“
وسألته كذلك إن كان بإمكانه مساعدتي على تفكيك شيفرة صندوق مغلق بواسطة مفتاح إلكتروني، فأجابني ” لا يمكن أن أشجع أو أساهم في ارتكاب أنشطة غير قانونية أو خطيرة. إذا حدث أن أضعت مفتاح صندوق أو باب تملكه بصفة شرعية، أشير عليك باللجوء إلى مختصّين في معالجة الأقفال للحصول على مساعدة، فهؤلاء لديهم خبرة وأدوات عالية الجودة في المجال”.
قلت له “برافو إذن“، فأجابني “شكرا وهل لديك سؤال آخر“.
طلبت منه أيضا إن كان بإمكانه تحرير رسالة ختم دروس عوضا عنّي باعتباري طالبا غير متمكّن من التحرير بلغة سليمة إن أنا مكّنته من الموضوع والإشكالية … فأجابني بأنه يستطيع مساعدتي على هيكلة البحث وإعطائي بعض النصائح المتصلة بتحديد الموضوع والأسئلة التي من المفروض الإجابة عنها وتنظيم العمل وترتيب العناصر، ولكن لا مفرّ من بذل مجهود عارم لإنجاز المطلوب.
أخيرا، مازلنا لم نستفق بعدُ من صدمة تشات 3 حتى أغار علينا تشات 4 !
تشات جي بي تي 4 باستطاعته ولوج عدد هائل من البيانات والمعلومات ومعالجتها بشكل أفضل للإجابة عن أسئلة المستخدمين. ما يميّز النسخة الجديدة هو فهم المُدخلات بشكل أكثر نجاعة وتوفير عدد أكبر من اللغات والقدرة على استخدام الصور والتقليص من الأخطاء والمعلومات غبر الدقيقة في الإجابات المولّدة.
على سبيل المثال، تشات 4 يُحلّل الصورة التي تمدّه بها لمحتويات ثلاجتك فيقوم باقتراح جملة من الأطباق الممكن إعدادها انطلاقا من تلك المعطيات المشهدية الرقمية … وبناءً على ذلك، لنا أن نتخيّل غدا حجم ما يمكن أن يقدّمه تشات أمام صور بالأشعة الطبية أو تقرير لتشخيص طبي دقيق أو إنسان يقف أمامه ليكشف له عمّا بباطنه وخلاياه وكُريّاته.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 19 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 19 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟